الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 76

ضياء الشكرجي

2022 / 7 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرهٌ لَّكُم وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَّهُوَ خَيرٌ لَّكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَّهُوَ شَرٌّ لَّكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ (216)
وتواصل هذه الآية والآيتان بعدها تناول موضوع القتال. هنا يذكر القتال كفريضة واجبة، فكما كتبت الصلاة على المسلمين، وكتب عليهم الصيام والحج، كتب عليهم القتال. وقول «وَهُوَ كُرهٌ لَّكُم»، تعبر عن إحساس محمد بنفور الكثيرين من أتباعه من القتال، أو هو تعبير عن الإقرار بأن الفطرة الإنسانية بطبيعتها تنفر عادة من القتال، فيأتي تصحيح مشاعر الكره للقتال بقول «وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَّهُوَ خَيرٌ لَّكُم»، وهذه حكمة تنطبق في كثير من الأحيان، فكثيرا ما يكره الإنسان شيئا يعود بالخير والنفع عليه، وبالعكس قد يحب شيئا يعود بالشر والضرر عليه: «وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَّهُوَ شَرٌّ لَّكُم». ولكن هل تطبيق هذه القاعدة في محله هنا؟ هذا هو السؤال. ثم تختتم الآية بتقرير «وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ»، وبالتالي يريد مؤلف القرآن أن يقول لهم إني أنا الذي أقدر ما فيه خير لكم، وما فيه شر لكم، فلا تحاولوا أنتم أن تطبقوا هذه القاعدة باجتهادكم وموازنتكم بين الخيارات، لأنكم «لا تَعلَمونَ»، بل «اللهُ يَعلَمُ»، وأنا محمد الذي ينبئكم بما يعلمه الله. أما من الذي سينبئهم بذلك بعده، فالأمر متروك لاجتهادات المفسرين والمؤولين والمستنبطين والمجتهدين، فليخطئوا كي يحصلوا على حسنة، ولو كان ثمن خطئهم بحار من دماء الأبرياء، أو يصيبوا كي يحصلوا على حسنتين، وإن أصابوا، فهو الصواب بمعايير الإسلام.
يَسأَلونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرامِ قِتالٍ فيه قُل قِتالٌ فيهِ كَبيرٌ وَّصَدٌّ عَن سَبيلِ اللهِ وَكُفرٌ بِهِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ وَإِخراجُ أَهلِهِ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ اللهِ وَالفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ القَتلِ وَلا يَزالونَ يُقاتِلونَكُم حَتّى يَرُدّوكُم عَن دينِكُم إِنِ استَطاعوا وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كافِرٌ فَأُلائِكَ حَبِطَت أَعمالُهُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأُلائِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ (217)
كما بينا كان لدى عرب ما قبل الإسلام تحريمان للقتال، تحريم زماني، وآخر مكاني، فمكانيا كانوا يحرمون القتال عند المسجد الحرام، وزمانيا يتعلق بتحريمهم القتال في الأشهر الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب)، وهنا سأل المسلمون نبيهم ما إذا يسمح لهم بالقتال في الشهر الحرام، فيستنزل النبي لهم إذن الله لهم في ذلك، بل ينبئهم إلى جانب الإذن (الإلهي) أن سيكون فيه «قِتالٌ فيهِ كَبيرٌ»، ومع هذا الإذن بالقتال في الشهر الحرام، يستنزل لهم من الله مبررات هذا الإذن، الذي كان خلاف ما ورثوه من تقاليد، ومبررات القتال إذن في الشهر الحرام هو «صَدٌّ عَن سَبيلِ اللهِ وَكُفرٌ بِهِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ وَإِخراجُ أَهلِهِ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ اللهِ»، ذلك مما مارسه متعصبو مكة من غير المسلمين مع المسلمين بسبب اعتناقهم الدين الجديد وتسفيههم لعقائد وطقوس قومهم، ومبرر آخر هم «وَالفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ القَتلِ»، والمقصود بالفتنة كل ما مارسه المشركون ضد المسلمين من تعذيب ضعفائهم وتهجيرهم ومقاطعتهم وفرض الحصار عليهم. ويأتي مبرر آخر للقتال في الشهر الحرام، ذلك قوله لهم عن أعدائهم أنهم «لا يَزالونَ يُقاتِلونَكُم حَتّى يَرُدّوكُم عَن دينِكُم إِنِ استَطاعوا»، ثم يحذر من يخضع لضغوط قومه من المشركين، فيرتد عن الإسلام بقوله «وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كافِرٌ، فَأُلائِكَ حَبِطَت أَعمالُهُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ»، ثم ينتهي بهم الأمر أنهم عنئذ «أَصحابُ النّارِ»، وسيكون مكوثهم فيها أنّـ«هُم فيها خالِدونَ». وهكذا يكون الارتداد عن الإسلام لأي سبب كان، حتى لو كان بتبدل القناعة عند المرتد بأن الإسلام ليس دين الله، بل كل «مَن [...] يَمُت وَهُوَ كافِرٌ [أي على غير دين الإسلام]، فَأُلائِكَ [...] أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ». هكذا هي كل الأديان، كل دين يدخل أتباعه الجنة، ويرمي بغيرهم في النار.
إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللهِ أولائِكَ يَرجونَ رَحمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفورٌ رَّحيمٌ (218)
فالجنة عند المسلمين للمسلمين حصرا، وليس لكل المسلمين، بل لقلة ضئيلة، وهنا بعض مواصفات من يستحقون الدخول في الجنة، وهم الذين آمنوا بمحمد وبالإسلام، واستجابوا لأمر الهجرة وهاجروا إلى المدينة (الدولة الإسلامية الأولى)، حيث تحول الإسلام من دعوة إلى دولة وجيش وقتال وفتوحات، ولم يكتفوا بالهجرة، بل جاهدوا وقاتلوا من أجل نشر وتقوية الدين الجديد، وهو ما يسميه القرآن بالقتال أو الجهاد في سبيل الله.
يَسأَلونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ قُل فيهِما إِثمٌ كَبيرٌ وَّمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثمُهُما أَكبَرُ مِن نَّفعِهِما [...] (219)
وهذه من الآيات التي يمكن تطبيقها على الدين، كون الآية تجعل علة تحريم الخمر والميسر، كون إثمهما أكبر من نفعهما، والإثم هو الحرام، ويقابله الحلال، والنفع يقابله الضرر، ومن هنا وبالاستعاضة يكون كل ما يرجح ضرره على نفعه بشكل يعتد به يجب أن يكون إثما وبالتالي محرما، بحيث يمكن قراءة جزء الآية هذا على النحو الآتي: «يَسأَلونَكَ عَنِ الدّينِ قُل فيهِ إِثمٌ كَبيرٌ وَّمَنافِعُ لِلنّاسِ، وَإِثمُهُ أَكبَرُ مِن نَّفعِهِ». على أي حال، إذا بقينا في معنى هذه الآية فإن ما عُدَّ من القرآن آيات (تحريم الخمر)، قد اختلف في تفسيرها، فهناك من خرج بمعنى التحريم، خاصة فيما وصف به الخمر أنه «رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ»، وعبارة «أَفَلا تَنتَهونَ»، في آية أخرى. وهناك من لم ير في كل تلك الآيات تحريما واضحا وصريحا. لكن أكثر المفسرين والفقهاء ذهبوا إلى تحريمه، كما الحال مع تحريم المَيسِر أي القمار. في الوقت الذي قد لا نرى في القمار ثمة نفعا للناس، فإن للخمر أضرارا ومنافع، ومن الأضرار في حالة الإكثار والإفراط هو التبذير وفقدان العقل والتوازن والوقار وربما أدى إلى الخصومات، علاوة على ما يمكن أن يؤدي الإكثار منه إلى الإدمان، وكذلك الأضرار الصحية. أما المنافع في حال تناوله باعتدال وهو حال أغلب الذين يتناولونه، فهناك منافع صحية واجتماعية ونفسية. وكل ما يكون فيه إفراط يتحول نفعه إلى ضرر، كالطعام، أو الممارسة الجنسية، وغيرهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في العراق تؤكد أن الرعب آتٍ إ


.. ناشط أميركي يهودي يعلن إسلامه خلال مظاهرة داعمة لـ فلسطين في




.. 91-Al-baqarah


.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح




.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص