الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفوضى في نتائج مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية التونسية 2022 وشعور الإحباط لدى التلاميذ الذين لم ينجحوا رغم أنّ معدّلهم أكثر من 14.00 ويفوق معدّل نظرائهم الذين نجحوا في جهات أخرى

منوّر نصري

2022 / 7 / 11
التربية والتعليم والبحث العلمي


نتائج مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية لهذه السنة قسّمتْ البلاد ولم توحّدها لأنها لم تعتمد على معدّل واحد للنجاح أو الرسوب وتركتْ الأمرَ مشـتَّتًا بين الجهات، لكلّ جهة معدّل أدنى في النجاح حسب طاقة استيعاب الإعدادية النموذجية الكائنة بها. وحتى طاقة الاستيعاب، تمّ التّصرّف فيها بالزيادة بشكل اعتباطيّ مُشْتَبَهٍ فيه. فأحيانا كانت الزيادة كبيرة (16 تلميذا)، وأحيانا كانت منعدمة أو صغيرة (تلميذ واحد) وذلك وفقا لقانون لا يعلمه إلاّ المتحكّمون في هذه النتائج. وسوف أتناول في هذه الدراسة القصيرة ثلاث جوانب، فَاقَمَتْ، في رأيي، ظاهرة الفوضى في نتائج المناظرة المذكورة، والشعور بالإحباط لدى التلاميذ لم ينجحوا في المناظرة رغم أنّ معدّلهم أكثر من 14.00 ويفوق معدّل نظرائهم الذين نجحوا في جهات أخرى.

هل مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية وطنية أم جهوية؟

الاختلاف بين ولايات الجمهورية في المعدّل الأدنى للتوجيه إلى المدارس الإعدادية النموذجية على إثر التصريح بنتائج مناظرة السيزيام لسنة 2022 يجعل التلاميذ وأولياءهم يشعرون كأنّ كلّ ولاية تشتغل بمفردها، وليس في إطار منظومة وطنية تضمّ كافة المدارس الإعدادية النموذجية بالجمهورية. ففي تونس 1 كان المعدل الأدنى للقبول بهذه المدارس 14.90 وكان في زغوان 14.25 وفي بنزرت 15.25 وفي باجة 14.35 وفي جندوبة 14.00 وفي الكاف وسليانة 14.15 وفي القصرين 14.55
معنى ذلك أن التلميذ المتحصّل على معدّل لا يسمح له بالتوجيه إلى المدرسة الإعدادية النموذجية بالقصرين مثلا ويفوق المعدّل الذي يخوّل له الدّخول إلى هذه المدارس بسليانة أو الكاف أو جندوبة يمكنه نظريّا التسجيل بإحدى هذه المدارس بالولايات المذكورة. لكن هيهات، فذلك أمر غير ممكن لأنه ينبغي أن يكون قد نجح في ولايته الأصلية. وهنا ندخل في منطق الولايات أو المقاطعات الذي لا علاقة له بمنطق المنظومة الوطنية.
وفي إطار عمل منظومي، أعتقد أنه لا يمكن التعلّل بطاقة استيعاب المدارس الإعدادية النموذجية الموزّعة على كافة جهات الجمهورية، لأنّ ذلك يزيد الإحساس بالتفاوت في النموّ الاقتصادي بين الولايات مرارة قد تترجم يوما إلى شراسة.

اعتباطية أم حيف وتحيّز مقصودان؟

إنّ ما يُؤكّد التلاعب، الذي يبدو اعتباطيّا، ولكن يمكن أن يخفي حَيْفًا وتحيّزا مقصودَيْن، بِنِسَبِ القبول في المدارس الإعدادية النموذجية في نتائج مناظرة 2022 المصرّح بها يوم 6/7/2022، أنّ هذه النِّسب وأعداد المقبولين في المؤسسات المذكورة حادَتْ في جُلّ الأحيان عمّا كان مبرمجًا لكلّ مؤسسة حسب طاقة استيعابها.
فالمدرسة الإعدادية النموذجية "علي طراد" التابعة لمندوبية التربية بتونس 1، على سبيل المثال، لها طاقة استيعاب قُدِّرَتْ بـ 150 تلميذا. لكن المتوجّهين لها 166 تلميذا، أيْ بنسبة 110.67 %وبمعدَّلٍ أدنى لآخر تلميذ تمّ توجيهه إلى المدرسة بلغ 14.90
والمدرسة الإعدادية النموذجية المنزه الخامس بأريانة لها طاقة استيعاب قدّرتْ بـ 150 مثل سابقتها، لكن المتوجّهين إليها عددهم أقلّ إذْ بلغ 151 تلميذًا، أيْ بنسبة 100.67 % وبمعدّل أدنى يساوي 15.85
وفي هذا حَيْفٌ واضح في حقّ التلاميذ الذين تمّ حرمانهم من التوجيه إلى المدرسة الإعدادية النموذجية المنزه الخامس بأريانة. فبأيّ منطق سيَقْبَل التلاميذ وأوْلِياِؤُهُم هذه الفوارق الظاهرة للعيان في عدد المقبولين ونسبتهم المئوية والمعدّل الأدنى للقبول في حين أنّ طاقة الاستيعاب متساوية بالمدرستيْن.
أما بالنسبة إلى المدرسة الإعدادية النموذجية بالقصرين فطاقة استيعابها تساوي 125، وقد تمّ قبول 126 تلميذا، أيْ بنسبة تساوي 100.80 % وبمعدّل أدنى بلغ 14.55
هناك أسئلة ملحّة في هذا المضمار، وهي:
• لماذا لا يتمّ الترفيع في النسبة المئوية للتلاميذ الموجهين إلى هذه المدرسة الإعدادية النموذجية بالقصرين كما هو الشأن بالنسبة إلى المدرسة الإعدادية النموذجية "علي طراد" التابعة لمندوبية تونس 1؟
• لماذا لا يقع التخفيض في المعدّل الأدني الذي يخوّل التوجيه إلى المدرسة الإعدادية النموذجية بالقصرين على غرار ما حدث بجندوبة وتوزر حيث بلغ المعدّل الأدنى 14.00 وعلى غرار ما حدث بمدنين (معدّل أدنى 14.10) وتطاوين (14.10) وقبلّي (14.10) وسليانة (14.15) وباجة (14.35) وغيرها.
• لماذا يقع التصرّفُ في طاقة استيعاب المدرسة الإعدادية النموذجية دون مبرّر واضح للتلاميذ وأوليائهم. فبعض المدارس قبلوا بها العدد المساوي لطاقة الاستيعاب بالضبط (أذكر على سبيل المثال المدرسة الإعدادية النموذجية بقابس 100.00 %، والمدرسة الإعدادية النموذجية بمدنين 100.00 % )، وبعض المدارس الأخرى، وقع التصرّف فيها في طاقة الاستيعاب (أذكر على سبيل المثال المدرسة الإعدادية النموذجية "علي طراد" التابعة لمندوبية تونس1 110.67 %، والمدرسة الإعدادية النموذجية مقرين بن عروس 105.14 %).
خلاصة القول إن هذا التصرّف في نتائج مناظرة تُطلَق عليها صفة "وطنية"، رغم أنّها ليستْ كذلك، بل بُمارَسُ فيها حيْفٌ، يبْدو اعتباطيا، لكنه يخفي انحيازا لمدارس إعدادية نموذجية ولجهات معيّنة، يزيد إحساس التلاميذ وأوليائهم بالإحباط، ولا يليق بمنظومتنا التربوية التي بدأتْ تتهاوى.

غياب تكافؤ الفرص

من الناحية النظرية، هناك العديد من المتغيرات التي تؤثّر في تكافؤ الفرص في المجال التربوي. ففكرة تأثير مستوى النموّ الاقتصادي للجهة على نسبة النجاح المدرسي أصبحتْ معروفة. عندما تظهر نتائج الامتحانات الوطنية، جلّ الناس إن لم يكن كلّهم، يتوقعون أن تكون صفاقس وسوسة وتونس الكبرى في أوّل الترتيب من حيث نِسَبِ النجاحِ، وتكون القصرين وقفصة وسيدي بوزيد وجندوبة وسليانة والكاف في آخر الترتيب، لا بسبب جدّية العمل وحده، فالجميع يعملون بجدّية أعرفها شخصيّا لأنني ابن التربية، لكن لأسباب نموّ اقتصادي في شتّى المجالات يختلف من ولاية لأخرى ويِؤثّر إيجابا أو سلبًا في المجهود التربوي المبذول بالمؤسسات التربوية.
وبالإضافة إلى متغيّر أو عامل مستوى النموّ الاقتصادي بالجهة، أذكُرُ نقص المدرّسين في بعض المؤسسات وبعض الجهات أكثر من غيرها، ونوعية المدرّسين، ونوعية التجهيزات، والنوادي، وأساليب التنشيط البيداغوجي، ودافعية المدرس لمزاولة مهنة التدريس، ودافعية التلاميذ للتعلّم، والمستوى الاقتصادي للأسرة، ومستواها الاجتماعي والأكاديمي والمهني، وتركيبة الأسرة، والوضعية العائلية للطفل، ونوع البيئة التي توجد بها المدارس، والفضاءات الثقافية والتربوية بتلك البيئة، إلخ، وكُلُّها عواملُ تؤثّر بدرجات متفاوتة في تكافؤ الفرص لدى المتعلمين.
في نتائج مناظرة الدخول للمدارس الإعدادية النموذجية، غاب تكافؤ الفرص وأصبحتْ مختلف الولايات عبارة عن مقاطعات لكلّ واحدة قانونها الخاص والحال أنّ تكافؤ الفرص يقتضي أن يتمّ التعامل بقانون واحد ينسحب على كافة التلاميذ المشاركين في هذه المناظرة مهما كانتْ الولاية التي ينتمون إليها. وهنا أتحدّث عن تكافؤ فرص قانوني، ما دام الأمر ينظمه قانون صادر في الرائد الرسمي بتاريخ 29 جويلية 2019 ومنقّح بتاريخ 5 ماي 2021. فالتلميذ المتميز يظلّ كذلك سواء كان بالعاصمة أو صفاقس أو مدنين أو الٌقصرين. وما حدث أنّ ولايات يقبلون فيها بمعدّل 14.00 وولايات لا يقبلون فيها إلا بمعدّل يفوق 15.00 وذلك بتعلّة طاقة الاستيعاب.
أعتقد أن الفوضى التي حصلت في نِسَبِ القبول بالمدارس الإعدادية النموذجية (ولايات تقبل بـمعدّل 14.00 وولايات لا تقبل إلاّ بمعدّل يفوق 15.00 وولايات يتجاوزون فيها طاقة استيعاب المؤسسة بكثير أو قليل وأخرى يلتزمون فيها بطاقة الاستيعاب) سببها تنقيح قانون 29 جويلية 2019 الذي ينصّ في الفصل 16على أنّ المعدّل الأدنى للقبول بالمدارس الإعدادية النموذجية لا يكون أقلّ من 15.00 وجاء تنقيح 5 ماي 2021 ليغيّر الفصل 16 ويجعل ألمعدّل الأدنى للقبول بهذه المؤسسات 14.00 شريطة أن تسمح طاقة استيعاب المؤسسة بذلك.
لقد أدخل هذا التنقيح حيزا للتلاعب بالنتائج. فتكافؤ الفرص يعني أن نعامل كلّ التلاميذ بالاستناد إلى نظام موحّد. دون اعتبار للجهة التي ينتمون إليها. فهم تونسيون مهما كانت المدن أو القرى أو الأرياف التي جاؤوا منها. وسوف يحصلون على شهادات تونسية تخوّل لهم العمل في كامل تراب الجمهورية.
وعندما نريد أن نطبّق المقاربة القانونية في تكافؤ الفرص للمترشحين للمدارس الإعدادية النموذجية، فلا بدّ من تطبيق المقاربة كاملة، لا أن نبقى تارة في المقاربة القانونية وتارة في المقاربة المؤسساتية، يعني أن نطبّق ما تُمليه عليَّ ظروف المؤسسة.
وهذه تطبيقات تيسّر تطبيق مبدإ تكافؤ الفرص:
ليكون مبدأ تكافؤ الفرص منصفا للتلميذ الذي، لسبب أو لآخر، قد لا يقدّم أداءً مساوِيًا لِمَا تعوّد أن يقدّمه خلال السنة الدراسية، يمكن احتساب نتائج الثلاثيات، بنسبة صغيرة، على أن يكون ذلك بنفس الطريقة لكلّ التلاميذ.
يمكن، حسب رأيي، إيجاد حلّ لمشكلة ظروف المؤسسة وطاقة استيعابها، وهي أن يقع ضبط قائمة في التلاميذ المتميزين بكافة الولايات، وتسجيلهم بالمدارس الإعدادية النموذجية بجهاتهم كما هو معمول به. وعندما يتعذّر ذلك يقع تسجيلهم في مدارس إعدادية نموذجية قريبة من جهاتهم مع توفير المبيت. على أن يقع اعتماد المعدل في هذه العملية.

الخلاصة

الاهتمام بالمتميّزين شيء إيجابيّ لأنّ البلاد في حاجة إلى النُّخب وشريطة توفير معايير واضحة يحتكم لها الجميع وخاصة التلاميذ الذين تُطبَّق عليهم هذه المعايير المُوحَّدَة حتّى لا يشعروا بالضّيْمِ والإحباطِ عندما يشاهدون نُظَرَاءَهُم الذين لهم معدّلات أقلّ من معدّلاتهم يدخلون المدارس الإعدادية النموذجية الكائنة بجهات أخرى ويروْنَ أنّ وزارتهم تحرمهم من الدخول إلى الإعدادية النموذجية في جهتهم وهم قد أحرزوا على معدّل يفوق 14.00 وذلك بتعلّة طاقة الاستيعاب التي تمّ التّصرّف فيها هذه السنة بشكل يدعو إلى الاستغراب والشّكّ.

مصدر الإحصائيات: وزارة التربية – الموقع الرسمي على الفايسلوك. https://www.facebook.com/photo/?fbid=402823931878964&set=pcb.402824828545541








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان