الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنائزية بإفريقيا (2)

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2022 / 7 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يرتبط الأحياء بإفريقيا بموتاهم في الأسرة والقبيلة برباط وثيق من الالتزامات فواجب الأحياء قبل كل شيء أن يقيموا الجنائز لييسروا أمام موتاهم رحلتهم الشاقة بين هذه الدنيا وبين الدار الآخرة. ثم يجب عليهم بعد ذلك أن يقدموا الأضحيات حتى يفوز الأحياء بحماية أمواتهم ورضاهم، وحتى يتحاشوا غضبهم ولعناتهم، وأيضا لكي يصونوا "القوى الحيوية" لأولئك الموتى أنفسهم.
والمراسم الجنائزية عند قبائل "الدوجون" طويلة معقدة؛ تبدأ بأن يقوم "القناع الكبير"، وهو رئيس السحرة والكاهن الأكبر والطبيب الأكبر في القبيلة، بزيارة المتوفى. ثم تتجمع نسوة القبيلة حول مسكن الفقيد يولولن ويندبن، ويقوم عدد من الرجال المسلحين باحتلال سطح المنزل. وتلى ذلك تراتيل بلغة سرية، ويشترك الجميع في الرقص وفي حركات تشبه المبارزة أو مطاردة الصيد، ثم يحمل جثمان الميت ويدور به المشيعون يمنة ويسرة وأخيرا ترفع الجثة لتواري في مغارة منقورة في الصخر.
وبعد أيام تبدأ الجنازة الثانية التي تقام لكثير من الموتى، تحقيقا لرحيلهم الأبدي عن هذه الدنيا. وتستمر مراسم هذه الجنازة عدة أيام بعد الاستعداد لها بصنع أقنعة وثياب من ألياف النبات، وتعقد حلقات الرقص المقدس والترتيلات الدينية، ويتخلل هذا جلسات يحتسي الجميع فيها الخمور. وينصب عادة محراب لكل ميت في مسكن الأسرة الأصلي. ويتركب المحراب من أوعية من الطين اليابس، وأصداف مجوفة، وعيدان يابسة، وسلاليم صغيرة. ويتولى أكبر الأسرة سنا خدمة المحراب، وتقديم القرابين، وتعيين من يذبح الأضاحي ومن يحضر الحفلات.
ثم يسمى المولود الجديد باسم الجد الذي حلت روحه في ذلك الطفل. ويكون تقديم الأضاحي سنويا من بشائر المحصول الجديد، ومن ضحايا معينة في بعض المناسبات: قبل الخروج للصيد، وعند المرض، أو عند حدوث شجار. فهذه كلها أسباب لانتقاص القوى الحيوية. فإذا كرم الأحياء موتاهم أسبغ هؤلاء عليهم قواهم مقابل التكريم. (هوبير ديشان. الديانات في أفريقيا السوداء، ص 23.24).
وتباشر جمعية "كومو" Komo عند قبائل "البامبارا" المراسم الجنائزية فيحرس الميت زملاؤه في الرتبة والسن، ويحملونه إلى مقره الأخير، ومن ثم تنحر الذبيحة ويلقى دمها داخل القبر، ثم تحرق بعض ممتلكات الميت "السرير والحصير والمشط والشعر" ويوضع رمادها داخل القبر لتلحق به في الدار الآخرة. وبعد ذلك ينصب محراب الميت في أسرته. ويدعم المسكن بعمود يمثل عميد الأسرة ومؤسسها. ويقيمون كل عام حفلا حول قبور الأجداد يشترك فيه لابسو الأقنعة بالرقص حول القبور. (نفسه، ص 24.25).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معدن اليورانيوم يتفوق على الجميع


.. حل مجلس الحرب.. لماذا قرر نتنياهو فض التوافق وما التداعيات؟




.. انحسار التصعيد نسبيّاً على الجبهة اللبنانية.. في انتظار هوكش


.. مع استمرار مناسك الحج.. أين تذهب الجمرات التي يرميها الحجاج؟




.. قراءة عسكرية.. ما مدى تأثير حل مجلس الحرب الإسرائيلي على الم