الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنصغي لفطرتنا ونحب الحياة

شهد السويدي
باحثة و كاتبة

(Shahad Al-suwaidi)

2022 / 7 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"لقد انفقت ثروة طائلة في السفر الى شواطئ بعيدة ،فرأيت جبالاً شاهقة ومحيطات لا يحدها حد ، ولكني لم اجد متسعاً من الوقت لأن اخطو بضع خطوات قليلة خارج منزلي ، لأنظر الى قطرة واحدة من الندى ، على ورقة واحدة من اوراق العشب"
" الشاعر الهندي طاغور"

ربما البصيرة التي فطرنا عليها هي المسؤولة عن جعلنا نلمس قيثارة الحب الازلية لتذوق جمال الحياة بطبيعتها الساذجة وفنونها وآدابها و التي نحاول بعقولنا ذات النزعة الموضوعية جعلها تبتعد عن تلك السذاجة بما اخترعناه من تكنيك لبلوغ أعلى درجات الكمال .
فاجدني وانا مسترخية تماماً في غيبوبة حالمة كطفل صغير عند الاستماع لمقطوعة موسيقية لعازف البيانو "yiruma" او عزف بيانو اغنية "كانوا يا حبيبي" للسيدة فيروز ،ولا اعلم ماذا لامسني وجعلني ادخل بتلك السكرة الجميلة.
فأعلل لنفسي سبب الشعور الذي يعتريني بأن اختياراتي تعتمد على ما طرق اذني في مراحل الطفولة وأنها امتداد لماسمعته وانا في بطن أُمي، وأن الديدان الأُذنية ( الديدان الدماغية) الخاصة بي تكيفت لتلك الاختيارات منذ ان عرف اسلافي الالحان على المزامير العظيمة او قرع جذوع الاشجار المتساقطة فتم ايداع تلك الالحان في الذاكرة طويلة الامد وتوارثتها الاجيال جيلاً بعد جيل .

بعد ذلك اجدني انفي ما توصلت اليه من ذلك التكنيك الذي يجعلني احاول ايجاد الاسباب لتبرير النتيجة ، فعلى سبيل المثال :
اذا طلبت من شكسبير ان يشرح لي الطريقة التي صنع بها هاملت لتلكأ .
واذا سألت بيتهوفن ليحدثني عن ميلاد سيمفونيته (التاسعة) او (الخامسة) او (الثالثة) لبقي محتاراً ماذا يقول لي ! .
واذا استفسرت من روبنسن او ماتيس او فان كوخ او غويا او الغريكو عن طريقة زواج الالوان والظلال لديهم لتلفتوا بدهشة الى بعضهم البعض.

هذا التقديس الهائل للتكنيك او الشكل على حساب المضمون هو نتيجة حتمية لفلسفة عصر النهضة بنزعتها الميكافيللية الواضحة والصريحة والتي اصبحت الاساس الذي بُِنيت عليهِ الحضارة الغربية الحديثة، فالشعار الميكافيللي في الحقيقة ابعد ما يكون من " الغاية تبرر الوسيلة" كما اوحي لنا، ولكن الحقيقة " الوسيلة تبرر الغاية" ، فلا يهم جوهر الاشياء ولا يهم ان كان ما نفعله اخلاقياً ام غير اخلاقي ، المهم هو كيف نفعله او كيف فعله ذلك الشخص مهما كانت رسالته سافلة .

فلسفة رديئة اصبحنا ندافع عن سخافتها مفتونين بظواهر الاشياء وما يبدو منها على السطح ، فننبذ كل ما يتعلق بالغوص في الاعماق .
فاصبحت حياتنا كما يريدها ارباب السلطة ، كمثل شخص فقد قطعة نقدية في مكان مظلم فراح يبحث عنها في مكان مختلف تماماً عن المكان الذي فقدها فيه، فلما سئُل عن السبب في ذلك قال:
"أن الضوء هنا افضل!"

ربما غاية كل شئ في الوجود ذاتية في اذهاننا ، بالتالي تلك السعادة التي ابتغيها وذلك الجمال الذي اقدسه و الحب العظيم الذي ابحث عنه انما يتجلى بمدى ادراكي لذاتي فهو ابعد من ان يكون شيئاً موضوعياً، وبما ان العقل لا يعرف سوى الفائدة المادية المحسوسة فأرى على الاغلب ان تلك البصيرة التي منحتني اياها الطبيعة اقدم في النفس البشرية من العقل.
وعليها سيتحدد حجم و طبيعة السعادة التي ستكون من نصيبي كذلك فان قواي العقلية هي التي ستحسم قابليتي لتذوق المتع الراقية ، بالتالي فالسعادة تقاس بما في الانسان لا بما عنده ، فهي تعاش بلغة الكينونة لا بمفردات الحيازة ، انها تبتدئ في قدس اقداس النفس البشرية ولا تأتي من الخارج ، فمن الرؤية تنشأ الرؤيا .
فزهور العقل والحكمة التي نحاول اقحامها في كل جزيئات حياتنا و مشاعرنا هي كالزهور الاصطناعية .. لا رائحة لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. وتوقف دخول


.. بعد قتله جنديين.. حزب الله يستهدف مجدداً ضباطاً إسرائيليين ب




.. هل سيطرة إسرائيل على معبر رفح مقدمة للسيطرة على المدينة بكام


.. شقاق متزايد في علاقة الحليفين.. غضب إسرائيلي من -الفخ الأمير




.. ترامب يتهم بايدن بتزوير المحاكمة لأهداف سياسية