الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهي الفلسفة ؟

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 7 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٨ - إشكالية التصنيف

المؤرخون قسموا العصر الأول للفلسفة اليونانية إلى قسمين، إما حسب الإنتماء السكاني وحسب المناطق الجغرافية، وإما حسب الروح العامة التي أنطبعت بها المذاهب الفكرية والفلسفية. فحسب جنسية السكان، قسمت الفلسفة اليونانية في مرحلتها الأولى إلى فلسفة أيونية وفلسفة دورية. أما من ناحية طبيعة المذاهب فقد قسمها المؤرخون إلى فلسفة طبيعية، فلسفة أخلاقية وفلسفة ديالكتيكية وذلك طبقا للمذاهب التي أنتشرت في ذلك الوقت. ولكن في حقيقة الأمر، كل هذه التقسيمات الشكلية أو الموضوعية تتداخل مع بعضها البعض، فيمكن القول بالتالي بأن الفلسفة الأيونية تتميز بكونها فلسفة طبيعية، والفلسفة الفيتاغورية فلسفة تعني بالأخلاق والسياسة، أما الفلسفة الإيلية فهي فلسفة ديالكتيكية. الدكتور عبدالرحمن بدوي في "ربيع الفكر اليوناني"، يضيف تقسيما آخر يتعلق بطبيعة المذاهب وعلاقتها بالمعرفة، فهناك فلسفة واقعية أو مادية وفلسفة مثالية.
وهناك من يصنف الفكر اليوناني عموما تصنيفا زمنيا حسب الفترات التاريخية المتعاقبة، باعتبار الفلسفة جسما حيويا أو بيولوجيا حيث يولد ثم ينمو ويتطور ثم يموت، فهناك دور النشوء ثم دور النضوج ثم دور الأفول والسقوط. وكل دور من هذه الأدوار ينقسم بدوره إلى مراحل وفترات مختلفة وإن لم تكن منفصلة بعضها عن بعض. وعموما يعين الدور الأول لميلاد الفلسفة بمرحلتين، الأولى ما قبل سقراط، والذي يتجسد فيه الإتحاد الوثيق أو الإندماج بين العلم الطبيعي والفلسفة، ثم المرحلة الثانية المتمثلة في السوفسطائيين وسقراط وهي المرحلة التي شهدت الإتجاه نحو المعرفة والأخلاق والسياسة. ثم يأتي الدور الثاني، أي فترة النضوج - أو الربيع حسب مصطلح عبدالحمن بدوي - مع إفلاطون وأرسطو والتي تمثل أوج تطور الفلسفة اليونانية، وأخيرا فترة الخريف، وهي فترة الأفول ونضب الأفكار الجديدة، فيلجأ الفكر إلى إجترار الأفكار السابقة ودراستها ومحاولة تجديدها وبث الروح فيها، وتمتاز أيضا بالعودة للأخلاق من جديد والتأثر بالفلسفات الشرقية والميل إلى المثالية والتصوف والفكر الروحي عموما، رغم إستمرار العناية بالعلوم الطبيعية.
غير أن مارتن هايدغر له رأي مختلف تماما بخصوص هذا الموضوع، حيث يعتبر كل المراحل الأولية للفلسفة، وكل الفلاسفة ما قبل سقراط ليسوا فلاسفة في حقيقة الأمر ولم يمارسوا الفلسفة بمعنى الكلمة. لأن الفلسفة في نظر هايدغر ليس التساؤل "لماذا"، وهو السؤال الذي طرحه العلماء الطبيعيون الأيونيون، وإنما السؤال الرئيسي الذي يمكن أن يشكل فعلا بداية الفكر الفلسفي هو السؤال "ما هذا"، أي أن الفلسفة لا تهتم بالآسباب والعلل وإنما بماهية الأشياء وجوهر الكائنات. وهايدغر في تاريخه الشخصي للفلسفة، إن صح هذا التعبير، لا يعتبر الإرهاصات الأولى للفكر اليوناني فلسفة أو حتى بداية الفلسفة، لأنها لم تطرح سؤال الكينونة، وحتى هيراقليطس وبارمينيدس يعتبرون مجرد مفكرين أو حكماء، ورغم إعترافه بقامتهم العملاقة، إلا أنهم ليسوا فلاسفة. الفلسفة الحقيقية في نظر صاحب الكينونة والزمان، بدأت فعليا مع سقراط وأفلاطون، وإن كان السوفسطائيون قد مهدوا الأرضية لهذه البداية. أي أن الفلسفة لا يمكن أن تظهر أو تبدا مسيرتها الطويلة قبل التساؤل عن ماهية الكائن ككائن. ومع ذلك فإن هايدغر لم يهمل هذا الفكر اليوناني الأولي، بل أولى إهتماما كبيرا ببعض أقطاب هذه الفترة بالذات نحو بارمينيدس وكرس له العديد من الدراسات في كتاباته ومحاضراته، وحاول التعمق في في ما وصل إلينا أو ما تبقى من نصوصه القليلة، وعاين نظرته للكون والكينونة، وأعتبره أول من قام بمحاولة جادة لوضع الأسس المتينة للتفكير المبني على العقل، ولكنه لم يتوصل بعد لما يسميه هايدغر بالفلسفة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي