الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب المقدس (3)

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2022 / 7 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بمجرد أن تم تحويل كلمة " مصرايم" إلى كلمة إيجبت في ترجمة التوراة، هنا انقلبت ‏المفاهيم، وأصبحت مملكة مصرايم التوراتية العربية البائدة، أصبح مقصوداً بها إيجبت، ‏وأصبح فرعون إجبتياً..إلخ. ذلك لأنه لم يكن أحد في العالم يعرف كلمة " مصرايم" هذه ‏سوى اليهود لأنها في هذا الوقت كانت قد أبيدت ولم يعد لها ذكر في التاريخ مثل إرم ذات ‏العماد المجاورة لها، ولأنها لم تكن إمبراطورية عظيمة ولم تترك أثر فكان من السهل طمس ‏ما تبقى من ذكراها الحقيقية ونقلها إلى بلد آخر معروف ومشهور. ولم يكن القرآن قد نزل ‏بعد، فجميع اليهود كانوا يعرفون "مصرايم أو متزرايم في التوراة تعني المملكة العربية ‏البائدة التي كان يحكمها الفراعين من عشيرة العماليق ويحفظون هذا التاريخ جيداً شفوياً ‏وتدويناً، باللسان العربي والسرياني العبري معاً، ولما تحولت أثناء الترجمة إلى إيجبت، لم تعد ‏أجيال اليهود تقرأ النسخة السريانية الأصلية، أصبح كل من يعتنقون التوراة يعتقدون أن ‏أحداث موسى وفرعون وقعت في بلادنا إيجبت لأن الكتاب المقدس يقول أن فرعون موسى ‏كان في إيجبت، وأن كل حاكم لهذه البلاد هو فرعوه أو كان يحمل لقب فرعوه بالعبري، ‏ومن هنا انطلق اصطلاح الفراعنة على ملوك وادي النيل القدماء... فيقول الباحث أشرف ‏عزت:"إنّ مُجْمل التّاريخ الإسرائيلي يعدّ مثالاً لجغرافيا مبدّدة ومفقودة.. لقد وشم الكتاب ‏العبرانيّ المدلّس (حينما نُقِل إلى اليونانية) العالم بتاريخ مصحّف وجغرافيا خادعة منذ أكثر ‏من 2300 سنة. وإنّه لمن المؤسف أن يكون هذا التّزييف قد عمّر إلى غاية اليوم(1)‏

وانطلقت عمليات الترجمة إلى كل لغات العالم من هذه النسخة اليونانية التي أعدها ‏الكهنة السبعون وليس من النسخة السريانية الأصلية التي تذكر أن قصة موسى ‏وفرعون وقعت في قرية مصرايم وسهول تهامة على سواحل البحر الأحمر بامتداد الجنوب ‏الغربي لشبه الجزيرة العربية، بل إنه في الوقت الذي كانت تتم فيه عمليات غرس أسماء ‏وتطعيم التوراة بجغرافيا قبطية بريئة حتى النخاع، في الوقت ذاته تمت عمليات اقتلاع ‏للجغرافيا الحقيقية لتاريخ بني إسرائيل وأحداث التوراة في جنوب غرب الجزيرة، ‏ونستعين هنا بمبحث أجراه الباحث السعودي الدكتور أحمد سعيد القشاش في هذه ‏البؤرة الدقيقة، وقد فضلنا هنا نقل صفحات من بحثه للاستعانة بها (2):‏

يقول القشاش" ورد لفظ تهامة في نصوص التوراة في أربعة وثلاثين موضعاً، منها موضعان ‏يماثل نطقه في العربية والسبئية وهو " تِهامت תְּהמת " (3) وتسعة أخرى بلفظ " تِهُموت ‏תה ֹמ ֹות "(4) والباقي بلفظ " تهوم תְּהום "(5). وفي هذه المواضع تُقرأ بوجهين؛ تهوم و تُهُم(6)، ‏والتهوم هو جمع تُهامة في معظم سراة عسير(7) وقد ترجمها علماء أهل الكتاب حيثما وردت ‏في نصوص التوراة بمعنى "الغَمْر " أو الغمر الراكد تحت الأرض أو اللُجّة، أو الظلمة(8) أو ‏الهوة السحيقة والعميقة، ويتبنى هذا المعنى معظم التراجم الغربية(9) أو الهاوية والأعماق ‏التي تجري فيها الأنهار وتنبع منها العيون والجداول(10) وربما كان هذا المعنى الأخير من أقرب ‏المعاني إلى لفظ تهامة، لكن الغُمْر هو الأكثر شيوعاً، ولا سيما في التراجم العربية القديم ‏منها والحديث(11). وعند البحث عن معنى الغمر في العربية نجد معانيه: الماء الكثير، أو ‏البحر أو معظم البحر والغمر من الرجال الجواد، ومن الناس جماعتهم وكثرتهم ‏وزحمتهم(12)، وكل هذه العاني لا تصلح في ترجمة كلمة من أسفار التوراة، ولا يمكن أن ‏تكون بمعنى البحر أو اليم، فقد ورد لفظ تهامة مقابل البحر في غير موضع من نصوص ‏التوراة، مما يدل على المغامرة، أي أنهما ليسا شيئاً واحداً. ‏

وفسر بعض علماء التوراة الغمر بمعنى التشويش ومجموع مواد مضطربة بلا نظام أو ‏ترتيب(13) مما زاد المعنى إبهاماً وغموضاً. الأمر الذي يدل على عدم وضوح دلالته في أذهانهم ‏وربما يدل على وجود إرادة في إخفاء معناه الحقيقي.(14) بينما إذا عدنا لقراءة اللفظ في ‏نصوص التوراة نجده يدل في عمومه على مكان معروف ومعين، ويوصف في تلك النصوص ‏بالأرض المنخفضة التي تتفجر فيها العيون والأنهار، وتبارك فيها الزروع والضروع، ومن ذلك ما ‏جاء في وعد الله تعالى نبيه موسى (ع) بأن يُدخله أرضاً طيبة وعيونها جارية وأوديتها تسيل ‏نحو بقاع تهامة، وجبالها تنبت الحنطة والشعير والعنب والتين والرومان، وفيها السمن ‏والعسل، ومنها يستخرج الذهب والفضة والحديد والنحاس(15) وقد ذكر مثل هذا ابن المجاور ‏في حديثه عن أهل السراة حين قال (وجميع زرعهم الحنطة والشعير وشجرهم الكروم ‏والرمان واللوز ويوجد عندهم من جميع الفواكه والخيرات وأكلهم السمن والعسل، وهم ‏دعة الله وأمانه "(16)‏

ويقول دكتور أحمد قشاش" والدليل على أن لفظ "تهامة" هو اسم عَلَمْ هو مجيئه في ‏جميع أسفار التوراة غير مُعرّف، وعدم تعريفه دليل على أنه عَلَمٌ بذاته . فكما لا يصح ‏تعريف لفظ تهامة العربية، لأنها عَلَم، والعَلَم معرفة بذاته، أي لا يُعرّف بالألف واللام ولا ‏بسواها. بل يُعرّف سواها بها، فكذلك هو في أسفار التوراة لم يُعرَّف بأداة التعريف (הها) لأنه ‏معرفة . ولو كان نكرة يدل كما قيل على الغمر لعُرِّف ولو لمرة واحدة على الأقل، وهذا ‏دليل على أنه عَلَم على مكان بعينه، ويعني تماماً ما يعينه لفظ تهامة العربية؛ إذ ليس في ‏الأماكن موقع آخر يحمل هذا الاسم سواه(17).‏

ويمكن الاستدلال بأسماء بعض المواضع التي ذكرت في التوراة مقرونة بلفظ تهامة وما ‏زالت معروفة بأسمائها حتى اليوم، ومن ذلك ما جاء في أمثال سليمان (‏‎)‎אני בחוקו חוג על פני ‏תהום)(18) بمعنى ؛ أنا بحقو الهوج المشْرِفة على تهامة) وحقّْو هياج هي قرية كبيرة جنوب ‏شرق ضبيا، ناحية هروب، وحقو الهيجة قرية أخرى جنوب غرب فيفا(19) وذِكْر الحقو ‏مضافاً إلى قريتي هياج والهيجة يميزه عن مواقع أخرى في تهامة عسير وجازان تسمى أيضاً ‏الحَقّو، في الأصل اسم جنس يطلق في تهامة عسير وجازان على أسافل الجبال ودكادكها ‏القريبة من سهول تهامة، وهو مأخوذ من صدر الإنسان وهو أعلاه، فإذا أريد تمييزه أضيف إلى ‏ما يعرفه وكصدر وائلة وصدر وادي الغيل، وصدر حزنة، وصدر مزحك(20) وهذا النص ‏التوراتي كان من بين الشواهد التي تمسك بها كمال الصليبي لإثبات أن لفظ تهامة في التوراة ‏يعني الشريط الساحلي المحازي للبحر الأحمر من شبه الجزيرة العربية(21). وفيما عدا ذلك ‏فإن عمليات توظيف لفظ تهامة في متاهة أخرى من المعاني المختلفة والمتباعدة لن يأتي ‏بنتيجة تطمس معالم المعنى الأصلي.‏

‏ ويقول د. قشاش أن كمال الصليبي أضاف نص آخر هو(בעזוז עינות תהום)(22) وترجم هذا ‏النص إلى (عزيزة عيينات تهامة) وقال أن كل من قريتي عزيزة وعيينات تهامة مازالتا ‏موجدتين كقريتين تهاميتين في الجوار المباشر لليث (23)وقد جاء النص السابق تالياً ‏لعبارة‎)‎באמצו שחקים ממעל‎(‎‏(24) بمعنى: وتتكون السحب أو تستقر فوق جبال العزة والعين، ‏وجبال العزة والعين من ديار بني مالك جنوب شرق فيفا وتنحدر سيولها إلى حقو الهيجة في ‏الجنوب الغربي من جبل فيفا، وإلى الجنوب عنها قليلاً تقع منطقة العين الحارة، وأما قريتا ‏حقو وهياج فيقعان إلى الشرق منهما، أيضاً تقع جبال العِزِّين، ومنها الجبل الأسود أعلى جبال ‏جازان وأكثر أمطاراً ونباتاً، وجاء في سياق النص السابق اسم موضع يدعى رأس عفرة (ראש ‏עפרֹות)(25) مقروناً بحقو الهوج، وهذا الاقتران قد يرجح الموقع الأول وذلك لأنه في محيطه ‏قرية جبلية تدعى رأي عقرة (26) تقع بأسفل جبال العزة إلى الجنوب قليلاً من حقو الهيجة ‏القريب من جبل فيفا...‏

وكل هذا يدل على حقائق جلية حاول مترجمو التوراة طمسها وإخفائها لغرس مواضع ‏جغرافية أخرى، ولهذا –برغم اعتمادهم شبه الكامل على المعاجم اللغوية العربية الأصلية ‏بأنواعها في تفسير نصوص التوراة وفهم معانيها كما ورد في مقدمة ترجمة العهد القديم ‏العبري- فحاولوا التغيير في الترجمة إلى معاني عائمة للهروب من الدلالة الواضحة لكلمة ‏تهامة لارتباط معناها الحقيقي بمكة التي بُعث فيها محمد ص وفيها أقام إبراهيم وبنوه ‏إسماعيل وإسحاق ويعقوب وخلفه من بني إسرائيل ...إلخ. في الواقع إن تهامة الواردة بالتوراة ‏ليست هي الغمر واللجة والعتمة ولا الظملة ولا العمق ولا الغمر ولا البحر ولا الهوة السحيقة ‏ولا الأمر المشوش غير المنتظم، بل هي عَلَمْ على مكان واضح وإقليم جغرافي بعينه ما زال يعرف ‏إلى اليوم باسمه "تهامة " منذ أقدم العصور في تاريخ الجزيرة العربية إلى يومنا هذا ."‏

ونظراً لأن الباحث د. أحمد القشاش هو من أبناء المنطقة العربية ويعرف دروبها جيداً ‏أكثر من أي باحث آخر من غير أبناء المنطقة، وهو يعرف كيفية تأصيل وتقعيد اللغة ‏والجغرافيا هناك، ويعرف مسارات السهول وبطون الأودية جيداً، ويفهم ملامحها اللغوية ‏أيضاً، وبهذه الأدوات استطاع النبش في نصوص التوراة المزورة ليعثر على لفظ هو عمود رئيسي ‏في جغرافيا التوراة، هو الذي يثبت بكل وضوح من أين جاءت التوراة وأين دارت أحداثها ‏وأين كان موسى وفرعون وقومه، لأن منطقة تهامة هذه معروفة جيداً في الجزيرة وتاريخها ‏الديمجرافي أيضاً معروف بالنسبة لسكانها. لكن الكهنة المزورين حاولوا قدر الإمكان ‏طمس المعالم الجغرافية للمنطقة وتمويه الألفاظ كي تبتعد عن مدلولها الحقيقي، كل ‏ذلك ليتمكنوا من غرس جغرافيا ودميغرافيا جديدة من إيجبت وفلسطين والعراق بدلاً من ‏موطنهم الأصلي الذي انحصر في منطقة سهول وجبال تهامة وعسير والسراة على سواحل ‏البحر الأحمر الشرقية.‏
‏(قراءة في كتابنا: مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت )‏
‏ (رابط نيل وفرات). ‏‎ https://2u.pw/iWqMs
‏(رابط أمازون).‏‎ https://2u.pw/124aO
‏.‏

الهواش:‏
‏ ‏1‎‏- الباحث أشرف عزت في كتابه «مصر لم تعرف لا فراعنة ولا إسرائيليّين»‏
‏2‏‎ ‎‏- راجع دكتور أحمد سعيد القشاش هامش ص 308 وحتى 314 من بحثه المنشور في مجلة الجامعة ‏الإسلامية - ملحق العدد 183 (الجزء التاسع) عنوان البحث "ألفاظ جغرافية من القرآن والسنة النبوية " ‏http://docportal.iu.edu.sa/iumag/pdf/2345.pdf
‏3‏‎ ‎‏- سفر الخروج 15/ 5 ، 8‏
‏4 ‎‏- سفر الأمثال 8/24 والمزامير 23/7 ، 36/6 ، 77/17 ، 78/15 / 106/9 ، 107/26 ، 135/6 ، 148/7 ‏
5‏‎ ‎على سبيل المثال سفر التكوين 1/2 ، والتثنية 7/8 ، وأيوب 28/14 ، والأمثال 3/20 ، وأشعياء 51/10 وحزقيال ‏‏31/4 وعاموس 7/4 ويونان 5/2 ..إلخ‏
6‏‎ ‎‏- انظر قاموس استرونق المادة رقم 8415 ومعجم جيسنيوس 1108 - نقلاً عن د. إسرائيل ولفنسون : كتاب ‏كعب الأحبار .‏
‏7‏‎ ‎‏- راجع دكتور أحمد سعيد القشاش هامش ص 308 من بحثه المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية - ملحق ‏العدد 183 (الجزء التاسع) عنوان البحث "ألفاظ جغرافية من القرآن والسنة النبوية " ‏
‏8 - انظر: التوراة ترجمة عربية عمرها أكثر من ألف سنة ص 103‏
‏9‏‎ ‎‏- انظر دائرة المعارف الكتابية 5/421 والموسوعة العربية المسيحية - تراجم الكتاب المقدس 14/4/1436هـ) ‏
‎= http://www.albishara.org/pagephp?view=readbible&hid=1&rid=8&sid=1&era=2‎‏ ‏
‏ 10 - انظر معجم جيزنيوس 1108‏
‏11 ‏‎ ‎‏- انظر التوراة :ترجمة سعيد الفيومي 237 والتوراة السامرية 35 وترجمة التوراة المقدسة للسامرية 157 ‏والسنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم 13‏
‏12 - انظر لسان العرب لابن منظور 5/30 والقاموس 4011 (غمر) ‏
‏13‏‎ ‎‏- انظر السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم 13‏
‏14‏‎ ‎‏- د.أحمد سعيد القشاش- المرجع السابق ص309‏
‏15‏‎ ‎‏- انظر سفر التثنية 8/7-11 ولمزيد من الأمثلة الدالة على أن تهامة في التوراة ليست إلا موقعاً بعينه تجري فيه ‏الينابيع والأنهار وتنمو الأشجار الكثيفة ويكتنز بالمعادن النفيسة انظر سفر التكوين 7/11 ، 46/25 ، ‏وأشعياء 51/10 وحزقيال 31/3 ،4 ، وعاموس 7/4 وأيوب 28/4 والأمثال 3/20‏
‏16 - تاريخ المستبصر 50 ‏
‏17‏‎ ‎‏- انظر عودة التاريخ 1/186 ، 187‏
‏18‏‎ ‎‏- سفر الأمثال 8/27 ‏
‏19‏‎ ‎‏- انظر: موسوعة أسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية 2/522 ‏
‏20‏‎ ‎‏- انظر: المعجم الجغرافي لمنطقة عسير 952/2 والمعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران 280 ‏
‏21 التوراة جاءت من جزيرة العرب – د. كمال سليمان الصليبي، ص 131 ‏
‏22 - سفر الأمثال 28/8 وانظر: د.كمال الصليبي، التوراة جاءت من جزيرة العرب ص 131‏
‏23 - د.كمال الصليبي، التوراة جاءت من جزيرة العرب ص 131‏
‏24 - سفر الأمثال 28/8 ‏
‏25‏‎ ‎‏- سفر الأمثال 26/8‏
‏26 تقع في المنطقة المشتركة بين السعودية واليمن .‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم