الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ روسيا – 14 سحق موسكو بين قوتين

محمد زكريا توفيق

2022 / 7 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل السادس عشر

سنرى في أوائل القرن الخامس عشر، كيف تم سحق روسيا تقريبا بين تيمورلنك وأمير غربي.

باسيل، ابن ديميتري الأول، شاب في السابعة عشرة من عمره. نجح في الوصول إلى العرش الثلاثي لموسكو وفلاديمير ونوفجورود دون معارضة.

ذهب باسيل إلى التتار، يحمل حقيبة مليئة بالمال. وبشكل مخز، اشترى المناصب والألقاب، لكي يسيطر على "موروم" ونوفجورود السفلى وسوزدال. وكلها مناطق روسية.

رجال نوفجورود السفلى، خذلوا أميرهم، وفتحوا البوابات أمام جنود باسيل وجنود الخان باسكاك. ثم أعلنت جميع الأجراس، أن باسيل هو أمير المدينة الجديد.

استولى باسيل، أيضا، على العديد من مقاطعات شيريجوف، ومساحات شاسعة على طول نهر دفينا، التي تنتمي إلى نوفجورود. وأخضع فياتكا لسلطته، وجعل أمراء ريازان وتفير تخضع له.

كذلك، تزوج من صوفيا، ابنة الأمير الكبير ل "ليتوانيا"، في شمال غرب روسيا. وزوج إحدى بناته من جون، إمبراطور القسطنطينية.

لكن، بالرغم من قوة باسيل وسعة نفوذه، كاد أن يسحقه عدوان شرسان. أحدهما هو حماه، فيتوفت، من ليتوانيا. الآخر، هو الفاتح القوي تيمورلنك.

كان تيمورلنك الأعرج، ابن أمير مغولي غامض، لكنه كان يعشق المجد والعظمة. في سن الخامسة والثلاثين، كان قد أخضع كل قبائل التتار تحت سلطته، وجلس على عرش جده، الخان "تشينجيس، قائد العالم العظيم.

جعل تيمورلنك سمرقند عاصمته، وعندما عاد من حملات الغزو التي قام بها، في تفليس وسهول بلاد فارس، وفي دلهي والمياه الموحلة لنهر الجانج المقدس، جلس على عرش رائع، يلبس تاجا ذهبيا، وحزاما ملكيا حول وسطه، ويرتدي رداء يتلألأ ببريق الأحجار الكريمة.

بعد أن أخضع تيمورلنك بخارى وبغداد، مقر الخلفاء المشهورين، لسلطته، صمم على معاقبة جنراله توكتاميش. فسار على مهل شمالا عبر السهول الآسيوية، ثم توقف لصيد عدد لا يحصى من الماشية البرية، التي كانت ترعى في سواحل بحر قزوين.

قام بطرد الخان المتمرد، ونهب أموال الحشد الذهبي (التتار)، ثم انتقل غربا مع نصف مليون رجل، يرتدون الدروع، ويمتطون ظهور الخيل، التي تنهب الأرض نهبا بحوافرها.

أحرقوا ودمروا كل القرى والمدن، من نهر الفولجا إلى نهر الدون. ثم توقف الغازي العظيم تيمورلنك، وبدأ في التراجع. في الطريق، قام بنهب المدن الغنية الروسية، آزوف وأستراخان.

لا السهوب الصحراوية، ولا الغابات القاتمة، ولا خطر الشتاء الروسي قارص البرد، كانت تمثل أي عائق أو قلق للغازي المعتاد على الشمس المشرقة في بلاده.

ثم نسمع عنه بعد ذلك في هندوستان، وهو يرسل رسالة كلها فخر، إلى بايزيد، فاتح تركيا، وأول من تقلد لقب سلطان، تقول:

"اعلم أن الأرض مغطاة بجنودي من البحر إلى البحر. الملوك يشكلون حرسي الشخصي، وهم يقفون كخدم أمام خيمتي. أنت لا تدرك أن مصير الكون بين يدي؟ فمن تكون أنت؟

نملة تركية! وتجرؤ على رفع يدك ضد فيل ضخم؟ إذا كنت في غابات الأناضول قد حققت بعض المكاسب الضئيلة، وإذا كان الأوروبيون قد فروا مثل الجبناء أمامكم، فاشكروا ديانة محمد على نجاحكم، لا على بسالتكم.

استمع إلى كلمات الحكمة. كن راضيا عن تراث آبائك، مهما صغر حجمه، واحذروا من التجرؤ على توسيع حدوده، لئلا يكون مصيركم هو الموت".

أقوى رجلين في العالم في ذلك الوقت، هما تيمورلنك المغولي الأعرج (1336- 1405)، والسلطان بايزيد الأول العثماني (1389-1403)، الملقب بالصاعقة، وهو لقب اكتسبه لسرعة تحركه وهو صغير.

تقابل الرجلان في أنقرة عام يوليو 1402، وهزم السلطان العثماني نتيجة لخيانة التتار الذين كانوا يحاربون مع جيشه. وسقط بجواده، وأسر ومات في الأسر.

وكان الأمير الروسي باسيل، مهددا من قبل العثمانيين، وفي نفس الوقت، كان في خطر أكبر من قبل الإمبراطورية الليتوانية الشاسعة في الغرب.

كانت القبائل الليتوانية قد دفعت في الماضي، الجزية للروس من الفراء واللحاء والمكانس. وكانوا فخورين بأنفسهم ومستقلين، لكنهم شرسو الطباع. غالبا ما كانوا يقاومون أسيادهم. فخرجوا من غابات نيمين، ينفخون في أبواقهم الطويلة، ويمتطون خيولهم الشعثاء، لكي يتوغلوا في أراضي كييف.

في زمن ألكساندر من نيفا، أحد الأمراء الروس، قام ميندوج الماكر، بذبح إخوته وأولادهم، وقام بطرد الأمراء الآخرين من البلد، لكي ينفرد وحده بحكم ليتوانيا.

ميندوج هذا، عندما وجد نفسه مهددا من قبل ألكسندر من نيفا وإخوة السيف، استغاث بالبابا إنوسنت الرابع، الذي أرسل له فرسان تيوتونيا المنظمين، وأسقف، لكي يعمده في كنيسة روما ويتوجه ملكا.

عندما ظهرت العجرفة على الفرسان الألمان، غضب ميندوج، وتخلص من معموديته، وعاد إلى آلهته القديمة. لكي يشعل النار المقدسة أمام صنم بيركون، إله الرعد، وقام بدعوة الكهنة والكاهنات للعودة للمعبد.

لكن تم اغتياله على يد الأمير دوفمونت، انتقاما لزوجته المصابة. ثم هرب دوفمونت إلى بسكوف، وأصبح واحدا من أفضل الأمراء في اتحاد الأمراء الروس.

بعد ذلك، أصبحت ليتوانيا تحت قيادة جيديمين وأولجيرد، لمدة ثلاث سنوات، خلالها تم توسيع ممتلكاتها أسفل نهر الدنيبر، وأذلت نوفجورود العظيمة، وغزت تقريبا كل شرق روسيا.

قتل أجيلو ابن أولجيرد، عمه كيستوت، وقام بطرد إخوته وأبناء أعمامه. بناء على طلب النبلاء البولنديين، تزوج من هيدويجا، أميرتهم، التي كانت مرتبطة بدوق النمسا، وكرهوا أن يعطوا يدها إلى "وثني".

ذهب أجيلو إلى كراكوف، وتم تعميده كاثوليكيا، وتوج ملكا على بولندا. ثم أمر بتحويل رعاياه الليتوانيين إلى المسيحية. بعد أن أطفأ النار المقدسة المساه "زنيتش"، والتي كانت مشتعلة في القلعة القديمة في فيلنو. وقام بقتل الحيّات المقدسة، وقطع أشجار الغابات السحرية.

ثم قسم الكهنة الكاثوليك الشعب إلى مجموعات صغيرة، ورشوهم بالماء المقدس، وأعطوهم أسماء جديدة. مثل: إيان، أو بطرس، أو بولس، حسب الحالة. وجاء العديد من الفلاحين مرارا وتكرارا للمعمودية، ومن أجل الحصول على نصيبهم من السترات البيضاء.

هكذا تم فصل الليتوانيين، مثل البولنديين، دينيا عن أقاربهم الروس. غير أن العديد منهم شعروا بأنهم، بالاتحاد مع بولندا، قد فقدوا استقلالهم.

ابن عم أجيلو، فيتوفت، ابن البطل كيستوت، والكاهنة بيروتا، تحالف مع الفرسان التيوتونيين، وحاصر الحرس البولندي في قلعة فيلنو. وأجبر أجيلو على الاعتراف به كأمير كبير ل ليتوانيا. ومنحه الاستقلال. فأخذ فيتوفت خطط عمه أولجيرد، وقام بكل عزم في غزو شمال شرق روسيا.

أخذ فيتوفت مدينة سمولينسك عن طريق الغدر، وسمح لجيشه بنهبها، حتى عندما كان يطعم أمرائها في خيمته. ثم جعل نفسه الأمير الكبير ل بسكوف.

كما أنه خاض العديد من المعارك مع التتار، ووضع العديد من سجنائه بالقرب من فيلنو. كما أنه كان قد عقد العزم على الحد من قوة الحشد الذهبي، الذي نهبه تيمورلنك الأعرج بالفعل وأضعفه إلى حد كبير ، وقال لنفسه:

"بعد أن أغزوا ساراي، سألتفت إلى موسكو وريازان".

جمع فيتوفت جيشا هائلا تحت أسوار المدينة القديمة كييف. التي باتت ظلا لمجدها السابق. ابن عمه، ملك بولندا، أرسل جيشا تحت إمرة أشجع قواده.

توكتاميش، خان التتار المنفي من الحشد الذهبي، أحضر فرقة من التتار. رئيس التيوتونيك الكبير، أرسل خمسمائة فارس، مدججين بالسلاح. وكذلك العديد من الأمراء الروس، جاءوا أيضا مع أتباعهم.

انطلق فيتوفت ضد الخان "تمير كوتلو"، وتقابلا على ضفاف نهر فورسكلا، وهو فرع من نهر الدنيبر، الذي يمتد بالقرب من ميدان معركة بولتافا الشهيرة، التي حدثت منذ 300 سنة.

أرسل الخان "تمير كوتلو" رسولا إلى فيتوفت ، قائلا:

"أعطني توكتاميش الهارب، إنه عدوي. لا أستطيع أن أرتاح في سلام وأنا أعلم أنه حي وبين يديك. فحياتنا مليئة بالتغيير. اليوم أنت الخان، وغدا في المنفى. اليوم أنت غني، وغدا فقير. اليوم صديق، وغدا عدو. وأنا أخشى عليك، لأنك لا تعرف توكميش، عدوي. لذلك أعطه لي، واحتفظ بما تملك".

أجاب فيتوفت ، -


"لن أعطيك توكتاميش. وأنا أتشوق لمقابلة الخان تمير كوتلو"

ثم اصطف الجيشان استعدادا للمعركة. لكن قبل أن تبدأ، أرسل تمير رسالة أخرى:

"لماذا تخرج ضدي؟ أنا لم ألمس أرضك أو مدنك أو قراك".

أجاب فيتوفت:

" لقد منحنى الله كل الأراضي، وأخضع لي كل الناس. فلماذا لا تخضع أنت لي؟ كن مثل ابني، أكون مثل والدك. أعطني كل عام الهدايا والجزية. لكن، إذا رفضت أن تكون ابني، فستكون عبدي. وكل أفراد جيشك، سنعمل فيهم السيف".

يبدو أن الخان، لكسب الوقت، استسلم لجميع طلبات فيتوفت. مما شجع فيتوفت وجعله يطلب وضع صورة والده على قطع النقود المغولية. فأجابه الخان:

"اعطني ثلاثة أيام للتفكير".

قبل انتهاء المدة، جاء قائد جيش التتار، إديج، بجيش جرار وقال:

"الموت أفضل من الامتثال للعدو"

ثم وقف إديج في مواجهة فيتوفت وقال له متحديا:

"بسهولة يمكنك أخذ الخان ابنا لك، لأنك الأكبر سنا. لكنني أكبر منك سنا، لذلك من المناسب أن تكون ابني. وأن تعطيني أنت الجزية كل عام، وأن تضع صورة أسلحتي على عملتك المعدنية".

تم ترك الأمر لكي يحسم في المعركة. كان إديج متفوقا في عدد الرجال. وكان لدى فيتوفت مجموعة كبيرة من المدافع. لكن أحاط التتار بالليتوانيين منذ البداية.

لقد ضاع اليوم وهزم الروس. ترك ثلاثون أميرا وثلثا جيش فيتوفت في الميدان. فر الباقون في فزع شديد إلى ضفاف نهر الدنيبر، وطاردهم التتار بلا هوادة. ثم انقلب التتار على كييف، وأخذوا جزية قدرها ثلاثة آلاف روبل. مرة أخرى تم نهب دير الكهوف.

باسيل موسكو، كان بعيدا عن هذا الشجار، الذي كان بين اثنين من أعدائه. سار فيتوفت ثلاث مرات ضد زوج ابنته، لكن لم يخاطر أبدا بالدخول معه في معركة.

أخيرا، بعد أن رأى كلاهما أن لديه الكثير من الأعداء في موسكو، وأصبح التشاجر بينهما مكلفا للغاية، وقعا معاهدة سلام حددت الحدود بين الدولتين.

بعد أن هزم إديج فيتوفت، قرر ابتزاز الجزية من موسكو. جمع جيشا آخر، وبذل قصارى جهده لنشر الشائعات بأنه كان ضد الليتوانيون. وعندما كان باسيل فرحا بأن حماه سيعاقب مرة أخرى، سمع أن التتار كانوا عند أبوابه.

كان لديه الوقت بالكاد، للهروب، بنفس الطريقة التي هرب بها والده إلى مدينة كوستروما الروسية، حيث قام بجميع جيش. بينما عمه فلاديمير الشجاع، قام بالدفاع عن المدينة.

الآن تم تزويد الكرملين بالمدافع. وقبل أن يكون لدى إديج الوقت لتدمير المدينة وقتل سكانها جوعا، سمع أن سيده الخان في خطر في الحشد التتري، فقام برفع الحصار وغادر. قبل أن يذهب، أرسل رسالة متغطرسة إلى الأمير الأكبر، وجمع جزية قدرها ثلاثة آلاف روبل من مواطني موسكو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!