الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاب بين الوثنية والوحي الإلهي (2)

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يختلف الدين الإسلامي عن بقية الأديان في مواصلة تبعية المرأة للرجل، بل واحاطها في الكثير من الإذلال والتهميش على مدى تاريخها الطويل والمرير مع انانية المجتمع الذكوري، فلقد اقترن الحجاب بسلب كرامة المرأة وضربها في حالة رفضها طاعة الرجل بل وتم ذلك عن طريق الوحي الإلهي وكذلك جعل قوامة الرجل على المرأة، واستحكمت احاديث نبوية عديدة الكثير من العقول الذكورية في المجتمعات الاسلامية الشرقية مما جعل تلك الأحاديث بمثابة القياس العام لحالة المرأة كأداة متعة ولخدمة الذكور حتى لأخواتها في بيت الاسرة، فلقد نصت سورة النساء عدم الطاعة يقابله ” واضربوهن ” فكيف يستقيم الحفاظ على حشمة وكرامة المرأة ان تكون زوجة رابعة في بيت رجل؟ فما قيمة الحجاب ان كانت المرأة نفسها مشروع جنسي في حياة المجتمع الذكوري؟ يرد النص الخطير بسورة النساء في الفقرة 3 ” فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ” لم اعرف على وجه التحديد سبب ميول الفكر الديني الإسلامي ومشكلته مع المرأة في تحديد علاقتها بالرجل فقط من خلال العلاقة الجنسية؟ فلم يتطرق إله الإسلام إلا من خلال المنظور الشخصي وابراز الرجل ككائن أعلى في المجتمع وتبعية المرأة له ثم بزواج غير متكافئ او بمعاشرة جنسية لا غير، بل يبين هذا النص ان لا علاقة تربطه بالمرأة غير العلاقة الجنسية، وقد استعمل الإسلام عبارة ” انكحوا ” بدل ” احبوا ” عبارة في غاية السوء لمكانة المرأة فهي تعطي الإحساس بالدونية. تطالعنا الاحاديث النبوية بقسوتها الإجتماعية اذ ابرزت بشكل جلي انهيار قيمة المرأة ” ما افلح قوم ولوا امرهم امرأة ” فهذا انتقاص لقدرة المرأة القيادية في الإسلام، عندما نزن الموروث الإجتماعي للحجاب في الأديان مع كون المرأة غير قادرة على قيادة مجتمع او مسؤولية خارج اطار الأسرة يبين ان الحجاب اتمام لدور الإذلال الذي عاشته المرأة في تاريخها الطويل ومعاناتها الشخصية مع الأديان التي الغت دورها القيادي وحولتها في الاديان الإبراهيمية الى كيان هزيل تابع للرجل. في حديث عن ابي هريرة عن رسول الإسلام محمد قال: استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع وان اعوج شي في الضلع اعلاه ذهبت تقيمه كسرته لم يزل اعوج ” عن ابن كثير عن ابن عباس ان حواء خلقت من ضلع آدم الايسر وهو نائم فاستيقظ فأعجبته . وقال ابن عباس ” خلقت المرأة من الرجل فجعل شهوتها في الرجل وخلق الرجل من الارض فجعل شهوته في الرزق فاحبسوا نسائكم ” لقد كانت بداية العلاقة التي تربط الرجل بالمرأة ان ابتدأت بالمعتقد الإسطوري اذ قام بالغاء دور المرأة، وتقييد وجودها وتبعيتها للرجل، وقد انطلقت التقاليد في توثيق المعتقد الغيبي وزجه عنوة في حياة المرأة فصارت ضحية التقاليد، فالكثير من الأحاديث المسمومة التي اذلت كيان المرأة وجعلت وجودها الشخصي في حجابها، دينياً جسد المرأة عورة، وكي لا يفتن الرجل بها عليها ان تتستر امام الرجال، وضع المبرر الجنسي للتضيق على حرية المرأة ومكانتها الاجتماعية. حتى صوتها مصدر اثارة للرجل، بهذا التنظير العقائدي صوّر لنا الشرع ان الرجل مجرد حيوان يمشي على الارض كلما اجتمعت له فرصة اللقاء بإمرأة ثارت غرائزه، فهذا التبرير لا يليق بمكانة الرجال ولا يبرر اقصاء المرأة عن دورها الإجتماعي المعادل لدور الرجل.
بحسب القديس ترتيليان، مفكر مسيحي توفي عام 220 ميلادي يعتبر من مؤسسي اللاهوت الغربي، رأى ان النفس بطبيعتها تنزع الى التدين، كتب في رسالة عن ” حجاب العذارى ” مخاطباً النساء في عموم العالم " أيتهن الشابات إنكن ترتدين الحجاب في الشارع، لذا يجدر بكن ارتداؤه في الكنيسة، وعندما تكن مع غرباء، ثم بين إخوتكن.." وسبب الحجاب، كما يعرضه زعماء الكنائس أن "غطاء الرأس رمز خضوع المرأة للرجل وللرب"، نفس منطق القديس بولس في العهد الجديد. ان الحجاب ضمن التعاليم الطقسية في المسيحية، وجزء اساسي في المعتقد الكاثوليكي. في عموم العهد القديم ساد الاعتقاد ان ارتداء الحجاب امر إلهي وعلى المرأة اليهودية والمسيحية ان تتحجب او تنتقب. منشأ العقيدة الدينية بخصوص كسر حرية المرأة قديم وفرض الحجاب عليها اقدم، فلقد كان اساس التقليد الاجتماعي وانتقل للفكر الديني العبري كما ورد في سفر التكوين 24 ” وقالت للعبد : مَنْ هذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» فَقَالَ الْعَبْدُ: «هُوَ سَيِّدِي». فَأَخَذَتِ الْبُرْقُعَ وَتَغَطَّتْ.
كذلك في نشيد الانشاد 1:4 “ ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد ” وفي سفر اشعياء 2:47 حتى باب النقاب جزء اساسي في المعتقد اللاهوتي ” خذي الرحى واطحني دقيقا. اكشفي نقابك. شمري الذيل. اكشفي الساق. اعبري الأنهار ” وفي اسفار العهد الجديد، ففي رسالة تيماثاوس الاولى اشار الإصحاح الثاني في الفقرات 9 – 15 ” كذلك ان النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل ... وآدم لم يغو لكن المرأة اغويت فحصلت في التعدي ... ” فهذا الأقرار واضح ان المرأة سبب الخطيئة التي دفع فيها آدم ثمن خروجه من الجنة. كان بولس جديد العهد في الوثنية، فانتقلت افكاره الى تأسيس العقيدة المسيحية من خلال فكرته ان المرأة سبب الخطيئة، فصار بولس الشخصية الأهم في تاريخ المسيحية. فهل فرض الله في اليهودية والمسيحية على النساء ارتداء الحجاب؟ هل يوجد تشريع بنص واضح فرض على المرأة ارتدائه؟ اننا امام كتابات شخصية درج عليها اصحاب الإيمان وورثوا من خلالها معتقدات وثنية رسخت فكرة الخطيئة في عقولهم ان حواء سبب اللعنة التي لحقت بآدم، خاصة ان اسفار العهد القديم كتبها عشرات الكتاب على مدى تاريخ امتد اكثر من 1200 عام، كلها كتابات ضمن المعتقد الخرافي الوثني لتاريخ اقدم جسّد تحول الأساطير الى المعتقد اللاهوتي. حتى ان الحضارة الرومانية وجدنا فيها عدداً كبيراً من المنحوتات في تدمر ارتدت اغطية الراس ملفوفة بطريقة كما هو كائن اليوم في طريقة المرأة ارتداء الحجاب في عهود سبقت ظهور الأديان الإبراهيمية. وقد انتشر القانون الآشوري في الألف الثاني قبل الميلاد الذي حفل بقوانين شروط ارتداء الحجاب فكان فرض الحجاب على النبلاء من النساء لتمييزهن عن العاهرات اذ كان هذا الحجاب ليس رمزاً دينياً انما لتفريقهن عن البغايا. فما علاقة التقاليد والاعراف الإجتماعية بالوحي إلالهي؟ فهل يخضع الوحي بما يراه المجتمع او يشرّع الله امراً بما يراه؟ لا يوجد تشريع يقول ان الله امر المرأة ان ترتدي الحجاب والنقاب، حتى ان الوصايا العشرة التي تأسست منها العقيدة الدينية لموسى لم تنص على عقيدة ارتداء الحجاب او النقاب. لقد بات واضحاً وبشكل قطعي ان ارتداء الحجاب وغيره من الأغطية التي كانت ومازالت تستخدمها المرأة كزينة في الإعراس او ولوج الأماكن الدينية لإظهار الوقار والإحترام لا علاقة لها بالفروض الدينية. ذكرت آية الحجاب في القرآن في سورة النور ” قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ .. ” لكن سبب نزول الآية لم يكن بوحي إلهي، ففي حديث عن انس بن مالك في صحيح البخاري ان عمر بن الخطاب اخبر محمداً ان البر والفاجر يدخل عليه فطلب منه ان يأمر نسائه بالحجاب، فنزلت آية الحجاب، نستنتج من القرينة ان الوحي الإلهي اتبع ما اوحاه عمر بن الخطاب فجاء محمد بنص إلهي، فلم يكن امرا إلهياً، فاستدراك الامر على الله ليس نصاً من الله، ذلك ان الله يفترض ان يكون علمه في الغيب لا يستدركه عليه انسان، لا شك آية الحجاب كانت بدافع بشري ولم تصدر عن احكام وتشريعات إلهية. فبشرية النص واضحة لا علاقة لها بنص مقدس، لقد كان الأمر لسائر المسلمين فحجبوا نسائهم عن الرجال. ولعل القرينة في هذا الأمر ما اظهرته سورة الاحزاب في الفقرة في الفقرة 53 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ... ” فهذه الآية لم تكن لتذكر ضمن السور القرآنية لولا إشارة عمر بن الخطاب لما رآه مناسباً، فهي تخص نساء محمد وليس الهدف ارتداء غطاء للرأس انما ساتر يفصل زوجاته وبين من يسألهن متاعاً فلا يرى احدهما الآخر. وحجب نسائه بساتر عن المسلمين عند دخولهم بيته، فمن الواضح كان تشريع الحجاب لنساء محمد اللائي فرض عليهم الحجاب كما فرض عليهن بعدم الزواج بغيره. ان المسيرة الدينية اللاهوتية بقيت اسيرة النص وبقي العالم يتقدم بمسيرته العلمية والديمقراطية في القوانين الأكثر عدالة، فهذا مفترق طرق بين الاستبداد اللاهوتي في قمع المرأة وتخلف الشعوب في عوالم الجهل وسراب الظنون، وبين التحرر الإجتماعي في ان يعود الإعتبار لحرية المرأة، فالحجاب ليس دليل عفة ولا برهان للأيمان المستقيم.

مصادر البحث :
1 - دائرة المعارف الكتابية، ص 1246 تحت اسم حجاب، مجلس التحرير القس صموئيل حبيب ، قس فايز فارس. دار الثقافة.
2 - ص 22 حجاب المرأة بين الأديان والعلمانية، دكتورة هدى درويش، معهد الدراسات الآسيوية ، جامعة الزقازيق، طبعة اولى. سنة 2005 .
3 - ص 20 ، عمل المرأة بين الاديان والقوانين، زكي علي السيد، دار الوفاء للنشر، طبعة اولى، 2007
4 – الحجاب في التاريخ، د. ايوب ابو دية، ص 31، مكتبة نرجس، عمّان، 2011 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني