الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيفية تعامل اليهود مع النصوص المزعجة والمحرجة

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 7 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أن العديد من الأوامر الواردة في التوراة والنصوص اليهودية الأخرى، تبدو بوضوح أنها غير أخلاقية من منظور إنساني. فكيف تعامل اليهود مع هذا التوتر؟ وهل الكتاب المقدس "غير أخلاقي"؟
إنه تساؤل دائم ظل يواجه كل رجل دين يهودي تقريبًا ، خاصة في فصل الخريف عندما يبدأ اليهود في جميع أنحاء العالم الدورة السنوية لدراسة التوراة.
نقرأ عن إبراهيم ، "نموذج اللطف" ، إذ أخبره الله أن يذعن لمطالب "سارة" ونفي زوجته الأخرى "هاجر" وابنها البكر. ثم جاء نطالع طلب الله من إبراهيم للتضحية بابنه الحبيب إسحاق ( المسلمون يقولون أن الذبيح هو إسماعيل ابن الأمة هاجر).
هذه القصص ليست استثنائية ، ولكنها بدلاً من ذلك مهدت الطريق لمقولة فكرية عامة حيث لا تبدو الأخلاق دائمًا هي مقياس الله لتقييم شرعية مطالبه وأوامره. ونتيجة لذلك ، يشعر الناس الذين يتسمون "بالضمير" – كما هو متعارف عليه- بالذهول والاستغراب وأحيانا كثيرة بالقلق والحيرة. وتتناسل أمامهم تساؤلات مفصلية من قبيل، كيف يمكن لله الطيب والمحب والرحيم أن يطلب مثل هذه المطالب القاسية من الناس؟ فأين أخلاق الله وما نصح به الناس من مكارم الأخلاق وحسن السيرة؟ وكيف لا يوضح الأمر بجلاء في حالة ما يطلب من الناس بأمور تتناقض طولا وعرضا مع ما يدعوهم إليه؟
تثير هذه الأسئلة وغيرها كثير ضمير الإنسان المعاصر، لكن الانزعاج الذي تولده مثل هذه القصص المقلقة يرجع إلى مغالطة نموذجية، هذه هي الحيلة التي ابتكرها رجال للخروج من الورطة.
تروي قصة عن "رابي من "الحاسيديم" (1) معروف ، وهو الحاخام "زوشا" من "أنيبولي" (1718-1800) ، الذي سأله أحد الطلاب للمساعدة في حل معضلة "الثيودسي"، إذ سأل: "يا رابي ، هل يمكنك أن تشرح لي سبب وجود الشر في العالم؟ ولماذا تحدث أمور سيئة ومصائب لأناس طيبين من المفروض أن يحبهم الله؟"
--------------------------
(1) الحاسيديم هي حركة روحانية اجتماعية يهودية نشأت في القرن السابع عشر الميلادي. ويعد "بعل شيم توف" مؤسس الطائفة الرئيسي، حيث نشرها في أنحاء شرق أوروبا. إن الفكر "الحسيدي" وخصوصًا مع الأجيال الأولى تميز بالدعوة إلى عبادة الرب وطاعته ومحبة إسرائيل واتباعه الصالحين.
----------------------------
أجاب المعلم ، وعلامات الحيرة ظاهرة عليه ، فقال : "بقدر ما أستطيع أن أقول ، لا يوجد شر، لقد اختبرت الخير فقط في حياتي ".
لقد افترض محادثة السائل أن الشر موجود، فكان رد الحاخام يشير إلى أنه لا يشاركه في هذا الافتراض.
ويضيف الحاخام: "إن افتراض أن أي قصة كتابية تُظهر لا أخلاقية الله هو أمر خاطئ إطلاقا. إن توقع التمسك الإلهي بمعاييرنا الأخلاقية يفترض أن الله هو أفضل أنواع الموجودات بشكل لا متناهي وغير محدود. وإذا كان الكمال الأخلاقي شرطًا أساسيًا لعظمة الإنسان، فقد يعتقد المرء – مثل السائل - أن الله يحتاج ، على وجه الخصوص ، إلى الامتثال لأعلى مدونة أخلاقية (بشرية) وأفضلها على الإطلاق. لكن هذا غير صحيح. إن سبب كون الله هو الله ليس لأن الله أفضل منا. في الواقع إن الله هو الله، لأن الله ليس مثل البشر مهما ارتفعت درجتهم في الفضيلة والأخلاق. فالله يسمو على البشرية وكل الموجودات. إن صفات الإنسان لا تنسب إلى الله، فالله ليس لطيفًا ولا فظًا ، ولا قاسيا ولا متسامحا... - وفيما يتعلق بإشكاليتنا – فالله ليس أخلاقيًا كما أنه ليس أخلاقي. فالله هو الله (...) عندما نطالع قصصًا تبدو للعين البشرية غير أخلاقية ، فإننا نستخدم مقياسًا خاطئًا ، ونطبق معايير بشرية بشكل غير لائق لتقييم السلوك الإلهي. وقد تبدو مطالب الله للبشر متقلبة من منظور إنساني ، لكنها ليست "غير أخلاقية"، كما يمكن اعتقاد ذلك". (2)
----------------------------
(2) يذكرني هذا النهج بنهج السردية والموروث الإسلاميين، أنظر :
- الورقة المنشورة في موقعي الفرعي الحوار المتمدن: "العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية : نهج – سمات- خاصيات- طبيعة- أساليب" - الحوار المتمدن-العدد: 7199 - 2022 / 3 / 23.
- الورقة المنشورة في موقعي الفرعي الحوار المتمدن: "العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية : نماذج الخروج من الحرج" - الحوار المتمدن-العدد: 7200 - 2022 / 3 / 24
- in Modern Discussion see : « La vénérable mentalité mercurielle apologétique : Approche, caractéristiques, nature, méthodes »
- in Modern Discussion see : « La mentalité islamique victorieuse qui prévaut aujourd’hui : Quelles sont ses principales caractéristiques ? »
- في مكتبة التمدن انظر كراس :
Afin de démanteler le récit et l’héritage islamiques- jadou Jibril
----------------------------------------------
ولكن ماذا عن بقية التوراة، حيث يتم توضيح ما يجب فعله وما يجب فعله. و أيضًا يواجه القارئ ما يبدو من النسيان الإلهي للمعايير الأخلاقية المعاصرة، وهذه أمثلة ووقائع حدثت في الماضي ولا تفرض أي مطالب على سلوكنا. ولكن ماذا عن مطالبة القيام بأشياء تعتبرغير أخلاقية من منظور إنساني؟
يأمر الله بقتل الأبرياء ويتيح لنا الاستفادة ( استغلال) من أولئك الذين يعتمدون علينا في سلامتهم ورفاههم. تأمرنا تثنية 13:13 بأن نقتل كل سكان المدينة المحكوم عليها دون تمييز ، بغض النظر عن ذنبهم الفردي.
" 13 قَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ مِنْ وَسَطِكَ وَطَوَّحُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. 14 وَفَحَصْتَ وَفَتَّشْتَ وَسَأَلْتَ جَيِّدًا وَإِذَا الأَمْرُ صَحِيحٌ وَأَكِيدٌ، قَدْ عُمِلَ ذلِكَ الرِّجْسُ فِي وَسَطِكَ، 15 فَضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ."
يخبرنا خروج 21: 7 أن الأب له الحق في بيع ابنته كخادمة.
"وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ أَمَةً، لاَ تَخْرُجُ كَمَا يَخْرُجُ الْعَبِيدُ."
هنا التحدي أصعب بكثير، لم نعد نقيم أخلاق الله، وهذه من الحالات التي يحق فيها للبشر أو حتى يُطلب منهم التصرف بشكل غير أخلاقي.
بالنسبة للملتزمين بالمعتقدات الأرثوذكسية ، فإن استجابة محدودة بالضرورة. فلا يمكن شطب هذه الوصايا من النص أو الافتراض بأنها أدخلت من قبل أي شخص آخر غير الله.

فما هو الحل ؟
أحد الحلول هو الالتفاف على المشكلة بدلاً من حلها (3).
-----------------------------------
(3) بهذا الخصوص هناك تطابق مع النهج المعتمد من طرف السردية والموروث الإسلاميين، انظر هامش (2).
-----------------------------------
في حين أن هذه الوصايا هي بالفعل إشكالية من الناحية المجردة، فقد تآمرت الظروف التاريخية لجعل معظمها غير مادية. على هذا النحو ، لم يعد لديها القدرة على تقديم مطالب أخلاقية على الضمير. اختفت قابليتها للتطبيق عندما فقد اليهود السيادة ، ونتيجة لذلك ، تم استخراجها الآن من نطاق رؤيتهم الدينية. يبدو الأمر كما لو أنها لم تعد موجودة. لقد قضى التاريخ على أهميتها ، ربما بشكل دائم. من المفترض ، حتى مع استعادة السيادة اليهودية الكاملة ، لن يتم إعادة تفعيل هذه القوانين المزعجة.
مثل هذا الادعاء ، بالطبع ، مبني على ميتافيزيقيا تؤمن بأن الله يعمل في التاريخ. وبالتالي فإن الأحداث التاريخية التي تسببت في تعليق الوصايا "غير الأخلاقية" ليست صدفة أو مصادفة ، فقد لعبت اليد الإلهية دورًا فيها. وربما يمكن للمرء أن يفترض أن القضاء عليها حدث برضا الله.

ليس هذا هو الحل الوحيد لهذه الأسئلة المحيرة والمحرجة ، كما أنه لا يستند إلى فهم عالمي للمعتقدات اليهودية. لكنه نهج شرعي يمكن أن يساعد الإنسان المعاصر على التوفيق بين بعض الصراعات الساحقة بين المعتقدات الراسخة والقناعات الأخلاقية القوية.
وقد أشار الحاخام "ديفيد هارتمان" (4) ، أن اليهودية الحاخامية لا تناصر اللاهوت الواحد والوحيد، إنها تقدم بدلاً من ذلك مجموعة متنوعة من اللاهوتيات. ولن يكف أي منها من تلقاء نفسها ، كما لا يمكنها الإجابة على جميع الأسئلة في كل وقت وحين.
--------------------------
(4) ديفيد هارتمان كان حاخام و فيلسوف من اسرائيل ( 1931 – 2013 ) ولد وعاش في الولايات المتحدة ودفن بإسرائيل.
--------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر