الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم أعلن الآباء المؤسسون نخبة الوطن السوري عن الاستقلال السوري الأول

بسام ابوطوق
كانب

(Bassam Abutouk)

2022 / 7 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يوم أعلن الآباء المؤسسون نخبة الوطن السوري
عن الاستقلال السوري الأول

بعدما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وانسحب العثمانيون من سوريا ، تنازعت الدول الاستعمارية المنتصرة على تركة الرجل المريض،
وتسربت المعلومات عن إتفاق سايكس بيكو عام 1916 بين المندوبين الإنكليزي والفرنسي، حيث اتفق الطرفان على تقسيم المنطقة المحررة
من السلطة العثمانية إلى كيانات وتوزيعها ما بينهما تحت اسم الانتداب، فلبنان وسوريا تحت الجناح الفرنسي، أما العراق وفلسطين وشرق
الأردن فلبريطانيا. ولذلك تداعى الوطنيون السوريون الى مؤتمر سوري عام، تشكل من الأعضاء السابقين في مجلس المبعوثان، ومن الحاصلين
على تفويضٍ تمثيلي من مدنهم وقراهم، وكلهم من صفوة المثقفين والزعماء السوريين.
هذا المؤتمر الإستثنائي في التاريخ السوري الحديث، أعلن استقلال سوريا، وأنتج بالتوافق، مشروع دولة سورية حديثة، وأسس لدستورٍ معاصر
يتناسب مع أرقى ما وصل إليه العقل المجتمعي البشري ذلك الحين. فقد اعتمد الأصول الديمقراطية للحكم والإدارة، ومهد للإنتقال من نظم
المقاطعة و الولاية إلى دولة المؤسسات المنتخبة، وكفل المساواة بين جميع السوريين، وحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب والمشاركة في النشاط
السياسي والاقتصادي وسلامة الأفراد وتجريم التعذيب والاعتقال التعسفي، كما نص على الحرية الدينية ونشر المطبوعات ومنع النفي والعقاب
دون محاكمة والسخرة والمصادرة، ونص أيضا على أن البلاد تدار على قاعدة اللامركزية، وأن لكل مقاطعة مجلسها النيابي وحكومتها الخاصة، لا يتدخل
أحد بإدارتها وشؤونها إلا في الأمور العامة التي هي من اختصاص الحكومة المركزية.حكومة شرعية التمثيل .. مجلس نيابي منتخب .. جيش وطني ..
أحزاب شرعية تعبر عن طبقات ومكونات المجتمع السوري .. نقابات مهنية .. جمعيات أهلية .. إلخ .
نشر هذا الدستور في 13 يوليو 1920، ولم تطبق كثير من مواده المتعلقة بغرفتي المؤتمر السوري العام والمحكمة الدستورية العليا و اللامركزية الإدارية،
بسبب تلاحق الأحداث التي بلغت ذروتها مع إنذار غورو واحتلال الفرنسيين لدمشق في 28 يوليو 1920 .
فإذن دخل الجنرال غورو دمشق، وخيم الانتداب الفرنسي على البلاد، أوقف الدستور وقسّم سوريا الى أربع دول، حلب ودمشق والدروز والعلويين، ولكن
محاولة التجزئة هذه أدت الى المزيد من الشعور بالهوية الوطنية السورية، وإلى مقاومة التجزئة بوحدة الثورة، فانطلق النضال الوطني السياسي والثوري
والشعبي ضد هذا الانتداب المتحول الى احتلال ٍفاقع، وفي خضم المعارك، بدءً من معركة ميسلون 1920 بقيادة الشهيد يوسف العظمة، إلى الثورة
السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، والثورات المحلية الرديفة بقيادة إبراهيم هنانو وصالح العلي وحسن الخراط، والحراك الشعبي والسياسي
والمظاهرات والإضرابات ، توضحت وتعمقت لدى السوريين، فكرة الهوية الوطنية السورية الجامعة ، إلى أن تحقق استقلالهم الناجز 1946، و كتبوا
دستورهم الوطني 1950.خلال هذه الفترة القصيرة من عمر الشعوب و العارمة بالأحداث والتطورات، أنتج السوريون أحزاباًوتيارات منها ما تطور من
ماضي وتقاليد الشرق ومنها ما تناغم مع الحداثةوالانفتاح على الغرب،
وترسخت المؤسسات وأنجبت سوريا الولّادة زعماء وقادة على مستوىً عالٍ من الثقافة والفكر والحيوية وقوة الإرادة .هذه الأحزاب وهذه الزعامات
تعارضت وتصارعت وتحالفت، وكان البرلمان السوري والشارع ساحة للصراع السياسي المباشر. وفي خضم هذا الحراك تأكدت مواصفات الهوية
السورية، ونشأت الدولة الحديثة، والدساتير والقوانين المتناغمة والمتداخلة بين الوضعية والمذهبية، وترسخت الأجهزة الإدارية والمؤسسات والصحافة
الحرة والثقافة الوطنية المتعددة المشارب والمصادر والجامعات العلمية. لقد أظهرت حيوية وألق وشغف الشعب السوري، مبدعاً معطاءً حراً،
وإلى ذلك حسٍ عالٍ بالمسؤولية الوطنية والقومية . ولكن سوريا وقعت بين سندان العوامل السلبية الداخلية ومطرقة المصالح الدولية الخارجية وتحولت
بشائر النهضة السورية إلى فوضى وهزائم، فمن انبعاث وصعود الى انحدار وخمود، رغم ذلك فسوريا ولّادة والتاريخ السوري هو تكامل لهذه اللحظات الزمنية
وليس تفاضلأً ، وسايكس بيكو لحظة بائسة من هذه اللحظات، وسوريا ضحية لهذه اللحظة وليست نتاجاً لها، إن المنهج السليم في تحليل الوقائع التاريخية
وعلاقتها بالوضع الراهن يحيلنا إلى سؤال عن الهوية السورية، هل هو موقف نظري و مقاربة معرفية؟ أم هو استشراف واقعي يترسمل بحركة التاريخ وصمود
الجغرافيا ورحابة الثقافة وعظمة التراث؟. في مواجهة التمزق والركود والظلام تستعين النخب الوطنية المتنورة المتحررة بالتوجه نحو الوحدة والفعالية
والضياء، فلابد أن تعلو قيم الوطن والاستقلال والمدنية والتحرر على الخلافات الطائفية والدينية والمذهبية والأيديولوجية،
الهوية السورية ستنبعث كما طائر الفينيق من رماد الأزمات بكل عنفوان، راسخةً واثقةً متألقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية