الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


Look who is talking عن تصريحات بينيديكت السادس عشر :

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اقتبس البابا بينيديكت السادس عشر ، في محاضرة ألقاها في جامعة ألمانية، من إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر قوله إن الرسول محمد جاء "بما هو شرير ولا إنساني، مثل نشره الدين بحد السيف". وقد فجّرت هذه التصريحات غضبا بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم، لم يخمد لهذه اللحظة.
وقد كتب كثر من الكتاب والمحللين عن تصريحات البابا واقتباسه لمناظرة الإمبراطور اليزنطي مع المثقف الفارسي ، كما أكد كثيرون أن ما صرح به، إنما هو جزء من الحقيقة ، وإنني أيضا متفق مع هذا الرأي . ولكنه تناسى أن يكمّله بذكر الحقائق الأخرى التي تقشعر لها الأبدان من تاريخ جرائم المسيحية و الكنيسة ورؤسائها و كاردينالاتها العملاء لسلطة رأس المال.
فقبل كل شئ يجب تذكير البابا بينيديكت أن الناس لا يمكن أن ينسوا أنه كان عنصرا نشيطا من عناصر النازية الهتلرية ، وأن وجهه البشوش والبنتآوي الخدّاع والماكر الذي يبديه لبعض المسيحيين المغرر بهم لن يشفع له، ولن يمحي ذاكرة الجماهير.
فقد كان كل رؤساء الفاتيكان والقيّمين على الكنيسة الكاثوليكية الذراع الروحي القويّ لليمين المتطرف والعنصري دوما، و كانوا منذ قرن من أكثر العناصر مؤازرة لسياسات القتل والتجويع والإرهاب التي مارستها وتمارسها الحكومات الإمبريالية ضد المحرومين في العالم. ويكفي أن نذكر في هذا المجال سلفه البابا جان بول الثاني صديق الرئيس الأمريكي ريغان والمساند المتحمس لسياساته الإجرامية في أمريكا اللاتينية و العالم أجمع.
ويبدو أيضا أن البابا قد نسي، أو تناسى قسطنطين، و ما فعله بوثنيي أوروبا الشرقية، و نسي أن أسلافه كانوا من أشرّ الناس و أكثرهم إجراماً على مرّ التاريخ، ويتناسى كذلك أنهم ليس بالسيف فحسب ، بل بالجيوتين كانوا يذبحون البشر المعترضين على الظلم لقرون عديدة، ويحرقون الأبرياء في أفرانهم و محارقهم الجهنمية ، وقد نسي البابا المثقف جرائم الإسبان بحق الإنكا والمايا و الآزتك بحجة التنصير. وماذا عن جرائم الأمريكان وحلفائهم في فيتنام وكمبوديا و العراق وأفغانستان ، والتي ترتكب بغطاء مسيحي والهي أيضا؟

واليوم لو استرجع الإنسان المعاصر جرائم التعذيب والاحراق لسلطات الكنيسة في القرون الوسطى لاقشعر لها بدنه ، ولشاب لها رأسه و الولدان . وهذه هي جرائم حكومة الله على الأرض تحت أية تسمية كانت، ، يرتكبها من فرضوا أنفسهم ممثلين له . هذه السلطات الالهية تستلزم هذه الجرائم لكي تدوم ، ولكي تدور ماكنة الخير الرأسمالية المباركة من قبل البابوات و القساوسة ، و ملالي رأس المال المتطفلين على دماء العمال والكادحين والفلاحين.
تصريح البابا أثار و استفز الكثيرين، و صبّ الزيت على نار الخلافات الدينية والطائفية، و زاد من الشقاق بين الناس الفقراء المستغَلين من قبل رجال الدين وعاظ سلطان البرجوازية ورأس المال . و إشغال العرب والمسلمين ضد المسيحية، الراسماليات الغربية لا تخسر شيئا من التناحرات والاقتتال الطائفي ، بل تكسب استمرار الصراع في العالم، واستمرار الدمار، وبالتالي استمرار شغل راس المال. ولا بد من إشغال المسيحي الساذج ضد الإسلام، و تحريض المسلم المستفَز على جاره المسيحي . وبالتالي يدخل العالم حالة بربرية شاملة على الأرض، ويبقى رأس المال في عليائه يلتقط فرصة ربح هنا وربح هناك.

لكن ثمة اثنان من الحمقى سيكونون ضحية هذه الحرب ، مسيحي أحمق ينظمّ إلى صفوف الحمقى المتأثّرين بكلام البابا ليعادوا إخوانهم المسلمين والشرقيين ، ومسلم أحمق ينظمّ إلى صفوف الإرهابيين، متصورا أنه سيردّ كرامة الإسلام . إنّها حقل لحرب حمقاء لن تعود على الناس الا بالدمار والكراهية.
و من له أدنى اطلاع على تاريخ الكنيسة و الإمبريالية على يكون على يقين أن البابا يحثّ على المزيد من الإرهاب بكلامه التافه، وأن دوافع سياسية تكمن وراء هذا الخطاب العنصري.
هذا التصريحات لم تات من فراغ ، ولم تكن زلة لسان ، بل هي جزء من واجب البابا والكنيسة تجاه الحكومات الإمبريالية وقوى رأس المال ولية نعمته، وأسياده.
وإن ّ الكنيسة الكاثوليكية هي لعبة في يد البرجوازية ، ضد كل القوى التقدمية التي هدفها العدل والمساواة والإشتراكية . وإن هذه التصريحات تذكي العنف بين ابناء الديانات المختلفة في البلد الواحد ، و ثمة أناس يريدونها حربا تأكل الأخضر واليابس . فماذا يضير الحكومات الإمبريالية أن يتذابح أهالي الشرق الأوسط ، اسلاميا ومسيحيا ، يهوديا ويهائيا وايزيديا؟
فهذا الخطاب يمثل مباركة للاعمال الوحشية فى حق الجماهير البريئة والمحرومة فى كل انحاء العالم، وبمثابة إعطاء غطاء دينى للحملات الشعواء التى تشنها الدول الإمبريالية ، وعلى رأسها امريكا وبريطانيا.. ثم لماذا لا يتحدث البابا عن الإرهاب اليومى الذى تقوم به إسرائيل بحق الابرياء فى فلسطين واين قداسة البابا مما جرى فى لبنان؟
أخلت الدنيا من مصائب أخرى ، مثل الأيدز الذي تمتنع الحكومات الرأسمالية عن دعم الأبحاث لاكتشاف علاج له؟ و الزلازل و الكوارث الطبيعية الأخرى ؟ وما موقف البابا من ملايين البشر الذين يتضورون جوعا في العالم؟

لقد جاءت تصريحات البابا في هذا الوقت غطاء ايديولوجيا وروحيا لسياسة البيت الابيض الذى يقوده المحافظون الجدد لتنفيذ مصالح طبقة تجار الحروب وقطاع الطرق الامبرياليين في الغرب.

وحينما يشعر رأس المال أنه بدأ يخسر الاسواق سيقول بملىء فمه الكاذب: إن الإسلام هو دين الحق. وعندها لن يكون الإسلام بحاجة لذلك منه. سيتحول الإسلام "الفاشي" إلى الدين الأفضل. وقد فعلته شركة الفا فود الدانماركية للأليان ، حين قاطعها بعض العرب ملحقين بها خسائر مالية كبيرة، بعد مسألة الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة . مثلما كان مانديلا ، وعرفات ارهابيا ثم أصبحوا رجال سلام يكون التعامل يأتي على الحكومات الغربية بخير كثير.

إن تصريحات البابا بينيديكت السادس عشر تضرب بجذورها في الاصطفافات الطبقية و السياسية في العالم المعاصر، وموقع الدين والمذاهب فيها. لكن ادعاءات الفاتيكان ، أو الغاضبين من رجال الدين المسلمين بأن تلك التصريحات تقع ضمن الدفاع عن معتقدات الناس و طقوسهم الدينية لكذبة مفضوحة، إذ لا يمكن تفسيرها دينيا وعقائديا .

وإن كلّ من يقرأ التاريخ الرأسمالي منذ خمسة قرون، يصل إلى الاستنتاج الواضح بأن الراسمالية قد امتطت الدين المسيحي وحولته إلى إنجيل راس المال. وباسم الدين راكمت الرأسمالية ثرواتها من استغلال الطبقات الشعبية في اوروبا ولاحقا العالم باسره. وقد غدت الكنيسة جزء مهما من ماكنة اليمين العنصري ورأس المال، وأداة مهمة في محاربة الشيوعية والإشتراكية ، وقمع المعارضين للامبريالية و الاستغلال والاضطهاد.
وقد لعبت الأحزاب المسيحية الديمقراطية الأوروبية دورا خبيثا في المجازر التي ارتكبت في رواندا، وقامت في سبيل دعم أي عدوان إمبريالي على الشعوب المضطهدة، والسياسة اليمينية العنصرية بالتعبئة الدينية والروحية والأخلاقية أولا.
فللدين دور مهم في الصراع الدائر بين جبهتي الإرهاب في العالم، جبهة الامبريالية الغربية ، والاسلام السياسي والقومية السياسية، وله مكانة خاصة في الستراتيجيات السياسية والأيديولوجية ورؤية البرجوازية للعالم، فيدّعي بوش أنه يستلهم وحيا الهيا في حملاته العسكرية على الجماهير المظلومة في العراق وأفغانستان وغيرهما، ويدعي بن لادن ومن لف لفه أنهم سيطهرون أرض الاسلام من رجس الكفار وفق تعاليم الإسلام ، وأنّ من واجبهم الديني والإسلامي أن يرتكبوا مجازر في حق أبرياء في الغرب و أتباع الديانات المسيحية واليهودية في الشرق.

وقد جعل البابا بتصريحاته تلك وادعاءاته عن الإسلام ، من المسيحية سلاحا ضروريا يتلاءم أكثر في خدمة الإمبريالية في هذا العصر ، في صراعها مع القطب المنافس له ،أي الإسلام السياسي، وفي حروبها العدوانية على الجماهير البريئة التي لا ناقة لها ولا جمل في هذه الصراعات الرجعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله


.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446




.. 162-An-Nisa


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و




.. وادي الرافدين وتراثه القديم محاضرة استذكارية وحوارفي الذكرى