الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابر و منازل -1-

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2022 / 7 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تشكل دراسة المقابر جانبا هاما في العلوم الإنسانية و الإجتماعية ، تحت عنوان الإنتروبولوجيا التي تجتذب بعض الأطباء . ولكننا لا ندّعي الإلمام بهذا الإختصاص ، فما نحن بصدده في هذا الفصل هو أقرب إلى الشهادة عيانا ،عن تحولات و متغيرات طرأت على قرية في لبنان في منطقة جبل عامل من خلال مقارنة بين المقبرة فيها كما كانت حتى سنوات 1960 و كما هي اليوم .
من المعروف أن المقبرة تعتبر مصدرا للمعلومات عن الحياة الإجتماعية بمفهومها الشامل للنواحي الثقافية و الماديةو السياسية و الدينية والصحية ، إلى حد أن بعض الباحثين يرون فيها تجسيدا للتوازن في فترة معينة بين سلطة الدولة و سلطة الدين و تأثير الفكر في المجتمع .
نكتفي بهذه التوطئة لنرتجع ما علق في الذاكرة عن مقبرة القرية :
ـ كانت المقبرة تحتل مساحة محدودة ، محاذية لساحة القرية، حيث كانت القبور ترابية أو مبنية من حجر أو من اسمنت ، بنسب متقاربة . فلا نبالغ في القول أنها كانت " مساحة خضراء " في وسط القرية ،فيها عدد من الأشجار الوارفة ، يلتقي فيها الأولاد للعب ، ولم يكن مستغربا أن يُطوّل فلاح لدابتها فيها .
ينطبق في الواقع ، على المقبرة في القرية العاملية مصطلح المجمّع . بدليل وجود ناد "حسينى " على ارضها ، تقام فيه مراسم الصلاة على المتوفي و مجالس العزاء ، بالإضافة إلى الندوات الحزبية العائلية . يحسن التذكير أن مجتمع القرية كان منقسما آنذاك إلى فريقين عائليين ، لكل منهما رايته التي يخرج خلفها في المناسبات إلى قصر الزعيم تعبيرا عن الولاء له ، و لكن كان هناك راية موحدة ترفع عندما يكون الفريقان متوافقين على موقف مشترك ، يخترق حدود الحزبية العائلية . ما يتوجب قوله أن هذه الرايات الثلاث كانت توضع معا في إحدى زوايا النادي الحسيني ، الذي كانت أبوابه مفتوحة دائما للجميع في وقت واحد أو مداورة في المناسبات الحزبية ، و كان الأولاد بلعبون في فصل الشتاء في بهوه .
الجدير بالملاحظة أيضا أن المجمّع كان يحتوي على بئر ، تسمّى " بئر الحمير " كانت ترمي فيها الحيوانات النافقة ، ثم تقفل شقوق غطائها بإحكام بواسطة الطين . هنا لا بد من القول أن القرية كانت نظيفة ، نتيجة نظام عيش مشترك ، فلاحي ، يتيح تدوير جميع الفضلات دون استثناء (الفضلات البشرية والحيوانية  : الماشية و الحمير و الدواجن ) .
نصل الآن في هذه الشهادة العيانية إلى و صف القبر . لمحنا إلى أن القبور كانت ما تزال في غالبيتها ترابية أو حجرية يمكن تفكيكها و إعادة أستخدامها أما القبور الإسمنتية فكانت قليلة ومتواضعة في أغلب الأحيان .
ما أن كان المنادي يعلن نبأ وفاة أحد سكان القرية ، حتى يتجمع عدد من الفلاحين في المقبرة ، بعد أن يكونوا قد أخرجوا أدوات الحفر المودعة هي الأخرى ، في النادي الحسيني ، ليختاروا مكانا مناسبا لدفن المتوفي ( بالقرب من أقربائه و ابناء عائلته . تحسن الملاحظة إلى أن درب مشاة تفصل مربعي الجبانة الفوقانية و الجبانة التحتانية ، حيث كان لكل لمربع موتاه على اساس الحسب و النسب ، نزولا عن رغبة ذوي المتوفي ) .
الجدير بالذكر أن الذين يحفرون القبر كانوا يجدون غالبا في الحفرة بقايا عظام بشرية ، مجهولة الهوية ، دليلا على قِدم السكن في القرية ، و على غياب وثائق تبين ذلك ، ناهيك من إفتقاد دولة مدنية تعنى بالأحوال الشخصية و بإعداد و حفظ مدوناتها . أما عن السلطة الدينية فحدث عن فشلها الذي لا يضاهيها فيه إلا دولة سلطان العسكر .
من المعروف في هذا السياق أن المتوفي المسلم يُنزل متلففا بثوب عتيق ، إلى مثواه الأخير . و هذا كان عبارة عن تجويف متوازي المستطيلات ، ارضه ترابية و جدرانه و سطحه مغطاة بصفائح حجرية تحمي دون إحكام ، الجثة المددة في داخله من التراب المُهال فوقها .
هذا عن المقبرة كما كانت حتى سنوات 1960 ، يتبع فصل عن المقبرة كما هي اليوم .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: البدأ بترحيل مهاجرين أفارقة الى بلدانهم، فما القصة؟ |


.. هجوم إلكتروني على وزارة الدفاع البريطانية.. والصين في قفص ا




.. -سابك- تستضيف منتدى بواو الآسيوي لأول مرة في الرياض


.. السياحة ثروات كامنة وفرص هائلة #بزنس_مع_لبنى PLZ share




.. المعركة الأخيرة.. أين يذهب سكان رفح؟ | #على_الخريطة