الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الدعم الطارىء من منظور تشريعي

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2022 / 7 / 22
دراسات وابحاث قانونية


اصدر مجلس النواب العراقي قانون الدعم الطارىء للامن الغذائي والتنمية رقم (2) لسنة 2022 ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4681) في 4/تموز/2022 ، حيث نصت المادة (18/ثالثاً) منه على نفاذه من تاريخ التصويت عليه واقراره من مجلس النواب بتاريخ 8/6/2022 ، وسنحاول في هذه المقالة تناول هذا القانون من جانب الصياغه الفنية للقانون دون التطرق للجوانب السياسية والاقتصادية لاننا غير مختصين بهذه الجوانب ، وفي البداية لابد ان نبين للقارىء مفهوم الصياغة التشريعية ، حيث عرفها البعض بانها مجموعة الوسائل والقواعد المستخدمة لصياغة الافكار القانونية والاحكام التشريعية بطريقة تيسر تطبيق القانون من الناحية العملية وذلك بأستيعاب وقائع الحياة في قوالب لفضية لتحقيق الغرض الذي تنشده السياسة القانونية ، ومصدر المادة الاولية للقانون تنشأ نتيجة صراع وتفاعل بين القوى الخلاقة للقانون وهي ما اصطلح على تسميتها باصطلاح (السياسة القانونية) وهي التي تضع المادة الاولية للقانون ولكنها لا تضع القانون ذاته، فالذي يضع القانون هي وسائل الصياغة القانونية ، وفن الصياغة التشريعية تطور ليعطي مدلولاً واسعاً وشمولياً، فالصياغة كفن تعني المهارة والمقدرة المستمدة من الاناة والصبر في التمرس والمزاولة لتحقيق جودة التشريع، في حين ينصرف مفهوم الصياغة (Drafting) ليس فقط إلى الاسلوب الكتابي أو المسلك اللغوي للنص وانما أيضاً إلى ترتيب هيكليته وبناءه ، وقد عرفت الصياغة التشريعية بأنها مجموعة الادوات التي تخرج القاعدة القانونية إلى الوجود العملي اخراجاً يحقق الغاية التي يفصح عنها جوهرها ، والصياغة التشريعية بغض النظر عن نوعها سواء أكانت صياغة جامدة أم مرنة مادية أم معنوية يجب أن تتسم ببعض السمات لتحقيق هدف المشرع وهو انتاج تشريع جيد، فالصناعة التشريعية تفترض توليد تشريعات صديقة للقضاة والمخاطبين بأحكامها ولذلك فأنه ينبغي على المؤسسة التشريعية وضع معايير جودة موحدة لكتابة وسن التشريعات، ويمكن أن نتناول قانون الدعم الطارىء وفقاً لمعايير الصياغة التشريعية المتعارف عليها بما يأتي :
1- معايير تتعلق بفن الصياغة التشريعية : كدقة الصياغة، المنطقية، الوضوح، الشمولية، تناسب الصياغة مع الواقع، الاحاطة بفروض الواقعة، العمومية، التجريد، سهولة اسلوب الصياغة، سهولة استخدام وتطبيق القانون ، حيث يلاحظ على صياغة قانون الدعم الطارىء غياب هوية القانون فهو قانون يتضمن احكام مالية ، وصلاحيات صرف استثنائية ، واحكام تتعلق بوزارة النفط والتجارة والعمل والاعماروالاسكان والزراعة ووزارة التخطيط تخص المشاريع ورغم ان عنوانه يشير الى التنمية الا انه تضمن الصرف على المشاريع التشغيلية وليس الاستثمارية فحسب ويمكن ملاحظة ذلك جلياً في المواد (9 و10 و11 و12 ) ، كما تضمن في المادة (13) منه تاجيل استيفاء الديون الحكومية المترتبة عن قروض بذمة الفلاحين والمزارعين وقروض الحماية الاجتماعية دون الاشارة الى الطبقات الهشة الاخرى في المجتمع كالاطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين وحتى الموظفين ، وهنا يكمن ان نؤشر عدم واقعية وعدالة هذه الاحكام ، كما تضمن القانون في المادة (15) منه حكم ذي صبغه ادارية كالتعاقد مع حملة الشهادات (البكالوريوس والدبلوم ولكافة الاختصاصات للعمل في دوائر المحافظة واداراتها المحلية للمحافظات غير المنتظمة في اقليم) ، ويفترض به كقانون مالي ان يكتفي بالاشارة الى توفير التخصيص المالي لاغراض التعاقد وليس النص على التعاقد ، كما ان القانون لم يحدد سند التعاقد وهذا من شأنه ان يثير الاجتهادات والاضرار بالفئة المستهدفه من القانون وهم ( حملة شهادة البكالوريوس والدبلوم بمختلف الاختصاصات ) لصدور عدة قرارات سابقه تنظم عملية التعاقد .
2- معايير بنيوية تتعلق بالبناء الهيكلي للقانون : إذ يتضمن التركيب الهيكلي للقانون في العادة المكونات الآتية : (اسم القانون، الديباجة، قانون الاصدار، السند الدستوري، التعاريف، الاحكام العامة، جوهر القانون، الاحكام الختامية، الاسباب الموجبة، الملاحق والجداول) ، فأهمال هذه المعايير في منهجية صياغة بنية التشريع يؤدي إلى ظهور شوائب التشريع ، حيث يمكم ملاحظة على سبيل المثال عدم تطابق عنوان القانون الذي هو ( قانون الدعم الطارىء للامن الغذائي والتنمية رقم (2) لسنة 2022 ) مع عنوان الحساب الذي نص القانون على انشاءه من قبل وزارة المالية في المادة (1) منه وهو حساب تحت مسمى ( دعم الامن الغذائي والتنمية والتحوط المالي وتخفيف الفقر) وبالرجوع لاحكام القانون لم نجد مايشير الى التحوط المالي بل على العكس تضمنت المادة (5/اولاً) منه الاستمرار بالاقتراض من الداخل والخارج ، وبارغم من الاسباب الموجبه اشارت الى ان من اهداف القانون تخفيف حد الفقر لم نجد احكاماً خاصه تتعلق بمعالجة حالات الفقر وتخفيف نسبهه ، هذا من جانب ومن جانب اخر نلاحظ ان المشرع قد اورد احكاماً في صلب القانون للتعاقد ، واشار الى الاخرى في الملاحق كاعادة المفسوخة عقودهم من الاجهزة الامنية والعسكرية والمتعاقدين وفق قرار مجلس الوزراء رقم (315) لسنة 2019 وهنا نؤشر غياب المنهجيه في ايراد الاحكام فبعضها ورد في متن القانون والاخرى في الملاحق وهذا من وجهة نظرنا خطأ في الصياغة اذ يجب ان تدرج الاحكام في متن القانون لا في الملاحق ، كما لوحظ ان القانون تضمن في الملاحق نسب مئوية لتوزيع التخصيصات المؤشرة ازائها ، في حين ان المادة (3) من القانون اشارت الى مبلغ التخصيص الاجمالي وتوزيعه وفق الجدولين (أ) و(ب) المرفقين بالقانون ، والاصح ان تكون العبارة (وتوزيعه وفقاً للنسب المئوية للفقرات الواردة في الجدولين (أ) و(ب) المرفقين بالقانون) ، كما يلاحظ ان القانون بين مصدر التمويل الاجمالي للحساب في المادة (2) منه ، دون بيان الاساس القانوني للنسب المئوية الواردة في الملاحق واسس تقسيم هذه النسب المئوية مما يجعل هذه الفقرات يكتنفها الغموض حول مصدر هذه النسب واساسها والغموض احد عيوب التشريع الموضوعية ، ، كذلك يلاحظ ورود استثناء في القانون في المواد (4) و(12) من صلاحيات الصرف المنصوص عليها في المادة (13) من قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 المعدل ومن المعروف ان تكرار الاحكام والاستثناءات تعد من عيوب التشريع ، واخيراً لابد من الاشارة الى ان القانون جاء غير مبوب وغير مقسم حسب طبيعة الاحكام وقد يرد صائغي التشريع بان مواد القانون قليله لاتتجاوز (18) مادة الا ان ذلك لايغني عن التبويب والتقسيم ، ان وجود عيوب الصياغة التشريعية في هذا القانون ربما مرده عدم عرضه على جهة فنية لتدقيق مشروع القانون وفق اسس الصياغة التشريعية كمجلس الدولة وكونه اعد في اروقه اللجنه الماليه التي انكر بعض اعضائها الاطلاع على النسخه النهائية منه كما ورد في وسائل الاعلام ، فضلاً عن افتقار لجان مجلس النواب عموماً للخبرة في الصياغة التشريعية مع غياب وجود جهاز فني داخل البرلمان مهمته مراجعة التشريعات من ناحية الصياغة الفنية ، فالصياغة فن وليس عملا ارتجالياً ، ذلك ان اعداد مشاريع القوانين هي عملية فنية بالدرجة الاولى وتتداخل فيها المصطلحات القانونية واللغوية، وهذا يقتضي من الصائغ أن يوظف المصطلحات اللغوية توظيفاً قانونياً لخدمة مشروع القانون، لا أن يستخدم الالفاظ اللغوية للتلاعب بروح النص، ومثل هذا التوظيف الدقيق والصنعة المتقنة من شأنه أن يزيل عيوب الصياغة التشريعية التي تعتري المشروع ونقصد عيوب التشريع في مرحلة اعداد المشروع وتدقيقه قبل أن يتحول إلى تشريع ينشر في الجريدة الرسمية.
3- معايير موضوعية : تتعلق بمضمون القواعد القانونية، فالمشرع طبقاً لمبدأ سمو الدستور ملزم بالقواعد والمبادئ الموضوعية الواردة في الدستور وأن أي خروج عنها يشكل انحراف تشريعي أو خروج عن روح الدستور، وهذا يقتضي مراعاة الضمانات المقررة في الدستور فيما يتعلق بالحقوق والحريات العامة وأن لا يترتب على تنظيم هذه الحقوق والحريات تقييدها أو الانتقاص منها أو الحد من فاعليتها، واحترام مبادئ العدل والمساواة والتضامن الاجتماعي مراعاة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومراعاة البيئة الوطنية في صياغة القانون المستمد من مصادر أجنبية وتجنب النقل الحرفي للتجارب الاجنبية وهذا يقتضي من الصائغ عدم تجاهل عناصر البيئة الوطنية المادية والروحية ، ويمكن ان نؤشر على هذا القانون مخالفته للدستور فبالرغم من كون سن التشريعات الاتحادية من اختصاص مجلس النواب استناداً للمادة (61/اولاً) من دستور 2005 ، الا ان المحكمة الاتحادية العليا اخرجت القوانين المالية من نطاق المبادرة التشريعية لمجلس النواب بموجب قرارها المرقم (21/اتحادية/اعلام/2015) وموحدتها (29/اتحادية/اعلام/2015) في 14/4/2015 الذي اشترطت فيه ان يكون اختصاص مجلس النواب الاصيل في تشريع القوانين الاتحادية غير ماساً بمبدأ الفصل بين السلطات او من شأنها ترتيب التزامات مالية على السلطة التنفيذية غير مدرجة في خططها او موازنتها المالية دون التشاور معها او اخذ موافقتها ، كما يجب ان لاتكون ماسة بمهام السلطة القضائية دون التشاور معها ، وحيث ام المحكمة الاتحادية العليا اعتبرت الحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال بموجب قرارها التفسيري المرقم (121/ اتحادية /2022) في 15/5/2022 الذي تضمن تفسيراً لعبارة ( الامور اليومية ) الواردة في المادة (64/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تكون بذلك اوقفت المبادرة التشريعية الحكومية المتمثلة باعداد مشاريع القوانين وبالاخص منها القوانين المالية كقانون الموازنة العامة ، وازاء هذين القرارين توقفت المبادرات التشريعية لمجلس النواب فيما يتعلق بالقوانين المالية والمبادرة التشريعية الحكومية كونها حكومة تصريف الاعمال ، وقد اقترحنا ان يقوم مجلس النواب بتفويض حكومة تصريف الاعمال لمرة واحدة باعداد مسودة قانون الموازنة كون الحكومة تملك المعلومات والبيانات المالية ويدقق المشروع من قبل مجلس الدولة ثم يرسل الى مجلس النواب لاقراره ، وبذلك نكون قد تجنبا مخالفة الدستور وقرارات المحكمة الاتحادية العليا الباته والملزمة لجميع السلطات ، ونجحنا في اصدار قانون للموازنة العامة وفقاً لبيانات الحكومة المالية واعطينا مشروع القانون ثلاث فرص للتدقيق من مجلس الدولة واللجنة المالية والمناقشات البرلمانية من قبل النواب عند قراءاته الاولى والثانية ، بدلاً من اصدار قانون هجين تحت ذرائع سطرت في اسبابه الموجبه ، وهنا يحق لنا التساؤل هل حقق القانون غايته للانفاق سنة 2022 وهو اقر في منتصف السنة ؟، وهل يعد هذا القانون بديلاً لقانون الموازنه لاسيما ان المادة (7) منه نصت على الزام وزارتي المالية والتخطيط ادراج ماجرى تخصيصه وفق احكام هذا القانون على اساس سنوي ضمن مشروع قانون الموازنه العامة الاتحادية ؟
د.احمد طلال عبد الحميد البدري
14/تموز/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: إجلاء مئات المهاجرين و-ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية- و


.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا




.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟


.. جامعة فيرمونت تعلن إلغاء خطاب للسفيرة الأميركية بالأمم المتح




.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين