الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 83

ضياء الشكرجي

2022 / 7 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اللهُ لا إِلاهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَّلا نَومٌ لَّهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مَن ذَا الَّذي يَشفَعُ عِندَهُ إِلّا بِإِذنِهِ يَعلَمُ ما بَينَ أَيديهِم وَما خَلفَهُم وَلا يُحيطونَ بِشيءٍ مِّن عِلمِه إِلّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَلا يَؤودُهُ حِفظُهُما وَهُوَ العَلِيُّ العَظيمُ (255)
هذه الآية المعروفة بـ(آية الكرسي) من النصوص القرآنية التي يكاد كل مسلم يعرفها عن ظهر قلب، إلى جانب الفاتحة والإخلاص والمعوذتين. الآية تشتمل على موضوعين، جاء الثاني كجملة اعتراضية بلا مناسبة واضحة وسط الموضوع الأول، فنحن إذا ما استقطعنا عبارات الموضوع الثاني المحشور داخل المشروع الأول، أي إذا استقطعنا عبارة «مَن ذَا الَّذي يَشفَعُ عِندَهُ إِلّا بِإِذنِهِ يَعلَمُ ما بَينَ أَيديهِم وَما خَلفَهُم وَلا يُحيطونَ بِشيءٍ مِّن عِلمِه إِلّا بِما شاءَ»، استقامت بقية عبارات الآية لما فيها من وحدة موضوع، فكانت لدينا آية كالآتي: «اللهُ لا إِلاهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَّلا نَومٌ لَّهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَلا يَؤودُهُ حِفظُهُما وَهُوَ العَلِيُّ العَظيمُ». مما يلاحظ على هذه الآية جملة «لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَّلا نَومٌ»، فهي واحدة من الحالات التي يجري فيها تقديم المتأخر وتأخير المتقدم، إذ كان ينبغي أن يقال «لا يَأخُذُهُ نَومٌ وَلا سِنَةٌ»، بمعنى «لا يَأخُذُهُ نَومٌ وَلا [حَتّى] سِنَةٌ»، إلا إذا قصد بالعبارة «لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَ[من قبيل الأولى] لا [يأخذه] نَومٌ»، لكن لا ريب إن تقديم النوم على السنة هو الأبلغ والأكثر استقامة في المعنى. استخدام الكرسي والعرش هو بلا شك استخدام مجازي، ولكن ولكون عدد غير قليل من المفسرين ذهبوا إلى منحهما، وكذلك منح مفردات أخرى مثل يد الله ومثل الساق، معنى حقيقيا، فقالوا على سبيل المثال، له يد ولكن بلا كيف. أما كان يعلم الله، لو كان فعلا هو الموحي بهذا الكتاب، أن مثل هذه التعبيرات سيساء فهمها، في الوقت الذي يمكن الاستعاضة بها بما لا يحتمل التأويل إلى معنى غير مناسب، فمثلا كان يمكن القول وسعت قدرته السماوات والأرض. أما الجمل الاعتراضية الثلاث «مَن ذَا الَّذي يَشفَعُ عِندَهُ إِلّا بِإِذنِهِ، يَعلَمُ ما بَينَ أَيديهِم وَما خَلفَهُم، وَلا يُحيطونَ بِشيءٍ مِّن عِلمِه إِلّا بِما شاءَ» فتتناول فيما تتناول موضوع الشفاعة التي اختلف فيها المسلمون على مستوى المفهوم وعلى مستوى المصداق، فمنهم من نفى الشفاعة، ومنهم من ثبتها للرسول حصرا، ومنهم من ثبتها للرسول وأهل بيته كما يمكن إضافة الشهداء والصديقين، والذين لا يعرفهم إلا الله. وقيل في الشفاعة الكثير، تراوح ذلك ما بين المعتدل والمعقول، وما بين المبالغ به والغلو واللامعقول. في كل الأحوال إذا اعتمدنا هذه الآية فإنها لا تنفي الشفاعة، بل تجعلها مشروطة ومحصورة بإذن الله، علاوة على أنها تنفي إحاطة الشفعاء أو من يسمون بالمعصومين بعلم ما كان وما سيكون، حسب عقيدة الغلاة، بل جعل علمهم محدودا ومقيدا بمشيئته أي فيما يريد أن يوصل إليهم من علم الغيب. وذهب المسلمون طرائق شتى في فهم الشفاعة، منهم من اعتبر الإيمان بالشفاعة لونا من الشرك، ومنهم من بالغ في التعويل على الشفاعة، بحيث جعل حبه لمن يرجو شفاعتهم كافيا لمحو ذنوبه، وجعل الشفاعة والعصمة من ضرورات الإيمان، أو ضرورات المذهب.
لا إِكراهَ فِي الدّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَّكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ (256)
کثیرا ما یستشهد بعبارة «لا إِكراهَ فِي الدّينِ» على ان الإسلام لا يعتمد الإكراه، بل يترك للإنسان حرية أن يؤمن أو لا يؤمن، ويعضدون ذلك بآيات أخرى من قبيل «فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر»، «أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ أَن يَّكونوا مُؤمِنينَ»، «لَكُم دينُكُم وَلِيَ دينِ»، «لَستَ عَلَيهِم بمُصَيطِرٍ»، «إِنّا أَو إِيّاكُم لَعَلى هُدًى أَو في ضَلالٍ مُّبينٍ»، ولكن لدينا آيات أخرى بالضد مما مر مثل «إِنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإسلامُ»، «مَن يَّتَخِذ غَيرَ الإسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَل منهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ»، «قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسولُهُ وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَّدٍ وَّهُم صاغِرونَ». مما يبقي كل الاحتمالات مفتوحة، يضاف إلى كل ذلك اختلاف المفسرين والفقهاء في موضوعة الناسخ والمنسوخ من آيات القرآن وأحكام الإسلام. بقطع النظر عما يفهم من عبارة «لا إِكراهَ فِي الدّينِ» فما بعدها يقرر أنه «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ»، أي من خلال ما بينه الإسلام عبر القرآن وسنة النبي، وبالتالي «فَمَن يَّكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها»، والطاغوت حسب الفهم القرآني هو كل سلطة غير سلطة الإسلام وكل دين أو عقيدة تحكم المجتمع غير الإسلام، مما يعد غيّاً بينما يكون الرشد باتباع الإسلام. أما إذا أخذنا معنى مصطلح (الطاغوت) فهو في اللغة كل ما يطغى أي يتجاوز حيزه وحدوده، كأن يطغى الماء فيتجاوز مجراه فيسبب الفيضانات، ومن حيث المعنى اللاهوتي، فهو كل ما يكون ندا لله، فيوجب ما لم يوجبه الله، ويحرم ما لم يحرمه الله، ويبيح ما لم يبحه الله، وهذا بالنتيجة ينطبق على الدين، عندما يطغى فيتجاوز حدوده ويربك حياة الناس، وإذا أوجب وحرم وأباح ما لم يوجبه الله وما لم يحرمه وما لم يبحه، فهو قد جعل بالتالي ندا لله، ومن هنا يكون الدين مصداقا لمفهوم الطاغوت، فتقرأ الآية باستبدال مفردة الطاغوت بمفردة الدين «فَمَن يَّكفُر بِالدّينِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها». وباعتماد مبدأ النسبية يكون الأفضل أن يكون النص: «فَمَن يَّكفُر بِالدّينِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَعَسى أَن يَّكونَ قَدِ استَمسَكَ بِثَمَّةِ عُروَةٍ وُثقى لا يَجعَلُ الله انفِصامًا لَها».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال