الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة واحدة، وتعدّد ثقافات

وهيب أيوب

2022 / 7 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تميل بعض الأمم والشعوب في العالم على أن تنسب لنفسها أنها صاحبة حضارة مستقلّة.
يحاول المفكّر أستاذ الفلسفة المصري مراد وهبة ، تصحيح وتقويم المصطلحات ، حيث يقول بأن الحضارة البشرية هي حضارة واحدة ولكن هناك تعدّد ثقافات ....
وأنا مقتنع جداً بهذا التصحيح والتقويم ، بحيث إذا نظرنا إلى تاريخ نشوء الحضارة منذ حوالي عشرة آلاف سنة ، أي منذ بدأ الإنسان الاستقرار وبناء البيوت والمدن حول الأنهر واكتشاف تكنيك الزراعة وبداية استئناس بعض الحيوانات التي باتت أليفة للإنسان والتي أفادته في غذائه وبعض مستلزمات حياته في استقراره وبقائه في مساكن ثابتة ، بعد أن أمضى الإنسان 4.5 مليون سنة في الكهوف عاش خلالها على الصيد .
من هنا بدأ الإنسان بإنشاء حضارة بشرية عامة ، وتكوين ثقافات محليّة خاصّة وعادات وتقاليد تتناسب ومجتمعه وبيئته، وسوف نلاحظ بأن تلك الحضارة التي نعيشها اليوم قد تشاركت فيها العديد من الأمم والشعوب إن لم نقُل كلّها أو معظمها ، ولكن بنسب متفاوتة ...
وكان أقدم نشوء حضارة بحسب المؤرخين، هي الحضارة السومرية نحو 4500 قبل الميلاد ، وكانوا أول من اخترع الكتابة المُسماة "مسمارية " عام 3250 قبل الميلاد والتي استُخدمت لمدة ألفي سنة ، وكانوا أول من اكتشفوا المعادن والمواد الخام، ثمَّ اخترع الدولاب والمحراث ووسائل الري والأقنية والسدود ، وفي بعض ألواح اللغة المسمارية لدى السومريين تحدّثوا عن صناعة 70 نوع من الجبن و50 نوع بيره ، وكان البابليون زمن حمورابي أول من وضعوا القوانين، وهي ما زالت موجودة ومنقوشة على مسلّة، وهي قوانين حمورابي.
وفي الاكتشافات الأركيولوجية الحديثة، يتبيّن أن المعتقدات الدينية للأديان التوحيدية الثلاث، قد نقلت ونسخت أديانها ومعتقداتها وأنبيائها؛ عن الأساطير السومرية والفرعونية واليونانية القديمة وصاغتها بأسلوب جديد.
ثم أضافت مختلف الحضارات اللاحقة في مصر القديمة "الفرعونية" مثل الهندسة وصناعة أدوات التجميل والتحنيط وغيرها ، كما قدّمت الحضارة الصينية صناعة الورق والبارود ، كما ساهمت حضارات أمريكا القديمة قبل احتلالها واستيطانها من الأوربيين ، مثل الإنكا والمايا والإزتك ، فكانوا أول من زرعوا البطاطس والطماطم التي نقلها في ما بعد الأوروبيون إلى بلدانهم ثم انتشرت في العالم . والتدفئة المركزية التي يظن الناس اليوم أنها ابتكار حديث، فقد استُخدمت في العصر الروماني في القرن الأول قبل الميلاد في قصور الحكام والأغنياء.
وهناك مساهمات أيضاً في تلك الحضارة البشرية التي ننعم بإنجازاتها اليوم، مثل الحضارة الفارسية والهندية والإغريقية اليونانية، بحيث نشأ فيها أول نظام ديموقراطي في العالم في عهد بريكلس 490 قبل الميلاد، إضافة لمساهماتهم العظيمة في الفلسفة والفلك والرياضيات وغير ذلك.
ونذكر ما يُسمى بالمرحلة الهلنستية، بحيث سادت الثقافة اليونانية بعد وفاة الإسكندر 323 قبل الميلاد واحتلالاته الشاسعة في المنطقة، فانتشرت الثقافة اليونانية في الشرق الأوسط لمدة 300 سنة أنتجت مئات الكتّاب وآلاف الكتب.
كما ساهم العديد من الفلاسفة والعلماء والمُبتكرين أثناء ما يُسمى "الفتوحات الإسلامية" وهي في الواقع غزو واحتلال مثلها مثل باقي الغزوات والاحتلالات والتوسعات للإمبراطوريات المتعاقبة على المنطقة، فساهم هؤلاء في العديد من العلوم، في الفلسفة والطب والكيمياء والفيزياء والموسيقى والفلك والبصريات، والعديد من الاختراعات والابتكارات العلمية، لكن المفارقة العجيبة هنا أن علماء الدين الإسلامي قد تنكّروا لهم، وكفّروا كل هؤلاء جميعاً واتهموهم بالإلحاد والزندقة والخروج عن العقيدة، ولاحقوهم وأحرقوا كتبهم وقتلوا بعضهم وسجنوا وشرّدوا الآخرين، لهذا فإننا سنرى بأن العرب والمسلمين لم يعد لهم أي مساهمة في الحضارة العالمية منذ ما يقارب الألف سنة حتى اليوم، بحيث انخفضت نسبة مساهمتهم تلك إلى الصفر!
وبينما العالم اليوم يقوم بمزيد من الاكتشافات والصناعات والابتكارات النظرية والعلمية في مختلف المجالات، فما زال العربان ودعاة الدين الإسلامي؛ يكفّرون الفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية والموسيقى وكل أنواع الفنون، وبذات الوقت يستخدمون كل ما أنتجته تلك الحضارة وأدواتها التقنية في حياتهم اليومية، ويتنكّرون للفكر الذي أنتجها، والأنكى من ذلك فإنهم ما زالوا يتقمّصون الخرافة والوهم، وفي خطوة تجرّهم إلى المزيد من التخلّف والتقهقر والانحطاط، يدّعون بأن كل ما تصنعه وتكتشفه هذي الحضارة العالمية؛ مذكور عندهم في القرآن منذ 1400 سنة، بما فيها نظرية الإنفجار الكوني العظيم " Big Bang" وأنهم أصحاب تلك الحضارة!
ولهذا فإن الثقافة العربية المحليّة، والمثقفين المتخلفين المُعاندين والرافضين للثقافة العالمية، لا يساهمون فكرياً وإبداعياً في تلك الحضارة بأي شيء يُذكر، ويعتبرون ثقافاتهم المحليّة حضارة!
نرى مثلاً عند بعض الأمم الحيوية، والتي تخلّت عن معتقداتها الخرافية والرجعية، قد اندمجت في تلك الحضارة العالمية، وهي تقدّم اليوم مساهمات جليلة في معظم العلوم والابتكارات والاكتشافات والصناعات، مثل الصين والهند واليابان وكوريا، الذين استطاعوا عبر تطوير ثقافتهم وفكرهم ومواكبة الحضارة، بأن يكون لهم حضور ووزن مهم في هذا العالم، مع احتفاظهم بثقافاتهم المحليّة، وهذا لا يتناقض مع انفتاحهم ومشاركتهم في الحضارة العالمية الواحدة.
باختصار شديد؛ فإن ما نعيشه في حضارة اليوم، هو جرّاء تراكمات تاريخية ضاربة في القِدم، لثقافات وحضارات مختلفة انتشرت بتوسّع الامبراطوريات في كل المنطقة ومعظم العالم، ساهمت فيها معظم شعوب الأرض، من شرقه لغربه لشماله وجنوبه...
ومن قَبِل لنفسه العيش خارج تلك الحضارة من حيث المشاركة والمساهمة، يجب أن يعلم بأنه خارج الحضارة ومطرود من التاريخ!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها