الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحِبر المَندائي السرّي

سنان سامي الجادر
(Sinan Al Jader)

2022 / 8 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لم يكن بقاء المندائية ونجاتها مُنذ آلاف السنين نتيجة للصدفة الحَسَنة وإنما بسبب حِكمَة ودراية الناصورائيون الأوائل, الذين كانوا رجال دين عارفين ومؤمنين. فلم تكن تشغلهم أصناف الطعام ولا تَرَفْ العيش والمناصب قدر ما كان يشغلهم التقرب لله الحَي العظيم بالعبادة والطقوس, ومِنها يكون الإتصال بالخالق الذي يُلهِمَهُم بما يقوّيهم ويُرشدهُم على تخطي الصِعاب والمخاطر لهُم وللجيل المندائي الذي يتبعهُم.

إن واحدة من أكبر المصاعب التي واجهت الديانات جميعها هو التحريف والتزوير في الكُتُب الدينية (مصدر1) ومُحاولات الحَطّ مِن قيمة رجال الدين, وكما يتم تبيان ذلك ضمن أهداف بروتوكولات حكماء صهيون (مصدر2), والسياسة التي مارستها منظماتهم لغرض ربط الأديان جميعها بهم ومن ثُم السيطرة عليهم وتنصيب أنفسهم آلهة وملوكاً على العالم.
وقد كانت عملية إضافة أو مَسح بعض النصوص من الكتب المُقدسة واردة جداً في جميع المراحل ولجميع الديانات, وهو الذي جَعَلَ تلك الديانات تنقسم إلى فِرق مُختلفة داخل نفس الدين.

ولكن الحال مع المندائيين كان أفضل فقد حَمَتهُم لُغَتَهُم المندائية النقيّة من المُفردات اليونانية ولهذا فقد كان من الصعب الدَسْ في كُتُبَهُم, وكذلك الإجراءات التي تنبه لها الناصورائيون وهي أنّ كُل رجُل دين ينسخ كُتُبَه على ورق البردي بنفسه وكذلك يصنع الحِبر الذي يَكتُب به الكُتُب الدينيّة بنفسه ولكي يكون مثل بصمته الخاصّة, ووفق معايير تقنيّة ودينية وصفَتها دراور (مصدر3) كما في الأسفل*.

إن محاولات طمس وتشويه الأديان كانت جارية مُنذ الأزل من قِبل الذين يدّعون الإلوهيّة والنبوّة ليسيطروا على المجتمعات. ولو لم يقُم أولئك الناصورائيون العارفون والحذرون بهذه المعايير التي نَعرفها اليوم وبغيرها التي لانعرفها, لكان المندائيون اليوم يعبدون العِجلَ الذَهبي!!!

لقد تمّ التنبيه لمرات عديدة مِن قبل الباحثين المندائيين المُخلصين, عن وجود مجموعات من السماسرة الذين يقومون بشراء الآثار المندائية والمخطوطات الأصلية, ومن ثُم يبيعونها للجهات التي لديها عداء تأريخي مع المندائيين. وذلك لغرض إفراغ المصادر الأصليّة التي يُمكن الرجوع إليها عند الشَك بوجود تحريف أو تَزوير, وكذلك لطمس قِدَم الديانة المندائية, وطبعاً الجهات التي يعمل لديها هؤلاء معروفة بعلاقاتها وإمكانياتها, وتُغدِق عليهم بالألقاب العلمية والأموال وبكُل ما يرفع الهالة الإعلامية لهم, ولغرض تسهيل مُهمتهم بالحصول على المناصب القيادية والإجتماعية العالية في الطائفة ومن ثم السيطرة عليها وإخضاعها. فمثلاً نَجِد تسهيلات وأموال ووعود بإعطاء شهادات الدكتوراه لكل من يعمل على تشويه الفلسفة المندائية والضرب بها وإظهار أنّ المندائية قد خَرَجَت من دين آخر أو تفرّعت منه, وتوجد أموال وشهادات دكتوراه لكل من يكشف الأسرار الدينية الخاصة بالمعرفة الناصورائيّة والتي ضحّى الناصورائيون الأوائل بأنفسهم ولم يكشفوها للغُرباء (مصدر5), وتوجد أموال وشهادات دكتوراه لكُل من يُشوّه سُمعة الناصورائيون الأوائل والقيادات المندائية التأريخية. والتي حَفَظت المندائيين ودينهم مُنذُ آلاف السنين وخلال أعتى الظروف ولم تستسلم ولم تَهُن.

*شَرح طريقة صُنع الحِبر المندائي السرّي (مصدر3)
لقد كان الحِبر الذي يُصنع من قبل الكُهّان المندائيون أنفسهم ذا لون أسود لمّاع ولكي يكون من الصعب تقليده وكذلك لكي يتم تمييز الإضافات اللاحقة والتزوير بسهولة, وهو يُحفظ على شكل بلورات تُذاب في الماء حين يراد الإستعمال, وقد كان لكل رجل دين مندائي تركيبته الخاصّة السريّة لصُنع الحبر (ديوثا), وفيما يلي إحدى تلك التركيبات التي ذَكَرَتها دراور في كتابها.

يُمزج الغراء بماء النهر ويترك إلى أن يذوب ثُمَّ يُغلى إلى درجة التبخّر ولمُدة ستة أيام, وبعد ذلك يُسحق في اليوم السابع ويُخلط بمسحوق الفحم بنسبة مثقال واحد من الفحم إلى خمسة وعشرين مثقالاً من الغراء ولمدة 4-5 أيام, ثُمَّ يُمزَج بالماء إلى أن يُصبح عجينة ناعمة ثُمَّ يُغلى ويتحول إلى بلّورات تُمزَج بماء النهر (اليردنة) ويُعمل الحبر, ويجب أن يُتلى عليه دُعاء "أسّوثة ملكي" سلام الملائكة.
وتوجد بعض التركيبات الأخرى والتي يُستَعمل بها بندق العفص أو السخام المأخوذ من زيت السمك أي دهن السمك المذاب, وتُضاف إليه بعض الأعشاب من النوع الجيد وذات الصفات المُحددة, وتخضع جميع طُرق صُنع الحبر السرّي إلى شروط ذكر الأدعية والصلوات عليها.

المصادر

1. مقالة: الكتاب المقدس….وظاهرة التلاعب بالنصوص! جعفر الحكيم

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=582853&r=0&cid=0&u&i=0&q&fbclid=IwAR0HR3d15lKdFQ0oQCa6jDyWb2B5_g4dy0OsqTJn7AZxBYht8SlX7eJ74PQ

2. كتاب الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون, عباس محمود العقاد ص187
3. كتاب الصابئة المندائيون, دراور ترجمة نعيم بدوي وغضبان الرومي ص54
4. مقالة: الابادات الجماعيه التي تعرض لها الشعب المندائي عبر التاريخ, الدكتور رفعت لازم مشعل

http://www.mandaean--union--.org/ar/history/item/265-genocides-mandean-throughout-history?fbclid=IwAR0OFE_qQWD838XiuHuyKxoi2W2-tzFmZ4iyJG0KqDtFjWz5bcZUDLX1bII








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا