الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا لبؤس البشر بين التيجان والعمائم

هويدا طه

2006 / 9 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أمام الأثر الإعلامي الذي أحدثته تصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المسيئة للإسلام.. لا يمكنك إلا التوقف أمام تلك الانفجاريات.. التي لا يدفع صناعها ثمنها.. وإنما يدفعه (عوام الناس) بحسب تسمية (الشعوب) في قاموس ذوي التيجان البابوية والعمائم الإسلاموية، انقلبت الفضائيات العربية وحتى الأجنبية والجرائد والإذاعات رأسا على عقب.. كل وسيلة إعلامية لا تسمعها أو تشاهدها أو تطلع عليها إلا وتشهد فيها حالة هياج بسبب تلك التصريحات، تتساءل.. كيف وصلت بالضبط تصريحات البابا المسيئة لنبي الإسلام (ص) إلى (عوام المسلمين)؟ وما مدى (فاعليتها) أصلا بالنسبة إلى المسيحي أو المسلم؟ كل هذا الهياج يجري بسبب مواقف دينية.. بينما يتساقط بشر هنا وهناك من أتباع هذا الدين أو ذاك جوعا ومرضا وفقرا.. لا بسبب أنبياء رحلوا.. وإنما لانفراد قلة بثروات الأرض، قلة ينتمي إليها بعض رجال الدين في هذا الدين أو ذاك.. هل هي صدفة؟!
عوام الناس.. أو الشعوب.. وصلتها (بعض) تصريحات البابا من نشرات الأخبار ومانشيتات الجرائد والتي بطبيعة الحال لا تنقل إلا أجزاء بعينها من أي تصريحات.. وتصريحات البابا قيلت في محاضرة أكاديمية نخبوية فوقية لا تهم إلا قلة من الناس.. ولو لم تنقل تلك (الأجزاء).. لما كان لها هذا الحجم ولاقتصرت على هؤلاء الذين أضاعوا وقتهم في سماعه.. هكذا بكل تلك البساطة! فلنتذكر مثلا هياج المصريين ضد رواية وليمة لأعشاب البحر.. والتي هاجت ضدها فئات لا تقرأ الرواية إن كانت تقرأ أي شيء أصلا، ولولا أن نقل لهم البعض أجزاء من تلك الرواية في مانشيتات جرائدهم لما علموا بها ولا هاجوا ضدها.. والرواية لم تنقص أو تزيد من قيمة الإسلام.. مرة ثانية.. هكذا ببساطة، هذا يعني أن (بعضهم) أراد لهذه الأجزاء تحديدا أن تحدث ذلك الأثر بالذات.. فمن ذا الذي يهتم بمحاضرة لرجل دين يرتدي تاجا مرصعا وملابس أثقل من وزنه ويذكر الدنيا بفولكلور القرون الوسطى؟! الإعلام كان طرفا أساسيا في صنع هياج شعبي- لو أنه وُجه ضد المستأثرين بخيرات الأرض لكان أكثر فائدة للشعوب الهائجة، لكن الإعلام ليس كائنا منفردا بذاته فورائه بشر.. يعرفون أن عوام المسلمين لا يحركهم كثيرا ما يشهدونه من ظلم القلة العالمية والمحلية لهم.. بينما تحركهم أي كلمة ضد نبيهم.. هكذا هي النفسية الاجتماعية للمسلم.. ومن يعرفها يعرف كيف (يستفيد) من تحريكها.. أما (الفائدة).. فهي بالتأكيد.. سياسية، مرة أخرى إذن.. الدين والسياسة..
فجأة يعود رجل من مسيحية القرون الوسطى المظلمة لينفخ في ظلام إسلام القرن الحادي والعشرين.. صانعا من شعوب تعدادها مئات الملايين دُمىً بلا عقل يحركها بابوات ومشايخ، البابا بنديكت السادس عشر (كان هناك إذن خمسة عشر آخرون قبله!) قد يكون قارئا جيدا للتاريخ.. جيد إلى درجة أن غرق فيه فصعب عليه أن تكون للقساوسة والبابوات ذوي التيجان الثقيلة دولة صغيرة الحجم كدولة الفاتيكان.. بينما كان أسلافهم يملكون الدول والبشر والأرض وما عليها، ربما.. نقول ربما.. راح يحلم بالدولة الدينية المسيحية المتوحشة القديمة.. التي انتصر عليها العقل.. لينطلق ذلك العقل الإنساني يبدع ويحسن من ظروف الحياة منذ لحظة الانتصار تلك وحتى الآن.. وإذا به بابا الفاتيكان (ربما) يحلم باستعادة دولة دينية كانت نكبة على العالم، إذ أنه قبل أن يصرح تصريحاته ضد المسلمين ونبيهم(ص) (وهي التي ركز عليها الإعلام العربي بشدة مشبوهة) أدان العلمانية واستقلال العقل بقوله:" إن عالما ينفرد فيه العقل بالإنسان بدون إيمان هو عالم يتحول فيه الدين إلى ثقافة هامشية"، هذا أدق وصف للحظة انتصار الحضارة على هيمنة تعقيدات اللاعقلانية! رغم أنه وصفٌ قال به رجل حانق على استقلال العقل، فانتصار العلمانية لا يعني (محو الدين)، ذلك غير ممكن أبدا لأن الدين (حدث وقع)، وإنما الانتصار الحقيقي هو وضعه في الإطار الذي تفرضه ضرورة تقدم البشر.. أن يكون (ثقافة) اجتماعية تاريخية.. وكونه بابا الفاتيكان يطمع ويطمح في إعادة اللاعقلانية إلى الصدارة في تسيير حياة البشر لا يعني أنه قادر على ذلك.. فهي أصولية مسيحية أحلامها فولكلورية قد يكون لدى الأوربيين ما يكفي من استقلال العقل للتصدي لها، وفي خضم الهياج الإعلامي العربي نقلت بعض التقارير الإخبارية في الفضائيات رأي رجل الشارع الأوروبي.. مثقفا أو من عوام الناس.. ومن تابعها قد يجد الإنسان الأوروبي العادي مسلحا بأكثر مما نظن بآليات وّرثها له أجداده.. الذين ناضلوا ضد تلك الدولة الدينية، ولن يقع إذن فريسة لأحلام البابا بتوسيع دولته الدينية.. حتى رغم ما يكنه الأوروبي في نفسه من قداسة للمسيح لا تتعدى حجمها التاريخي، وحتى لو أراد تحت وطأة الرأسمالية (عونا من الله والمسيح).. فهو يتعاطى الدين بحجمه المعنوي دون أن يخطر بباله استبداله بالحضارة، ولكن.. ولكن مشكلتنا حقا ليست هي حلم (البابوات الجدد) بإعادة الأوروبيين إلى لاعقلانية الكنائس.. المشكلة هنا في عالمنا العربي.. أننا لا نملك بعدْ من (استقلال العقل) ما يمكننا من التصدي لأصولية أخرى.. يتسلح بها إسلام القرن الحادي والعشرين.. (رغم ما كان للإسلام أيام ازدهاره من سماحة وتعددية).. أصولية تمسك بتلابيب حياتنا وتؤخرنا.. تطرح علينا مشاريع مظلمة مبنية على أوهام تاريخية.. وتتجاهل ما توصلت إليه البشرية على مدى قرون تسارعت فيها خطى البشر.. نحو فاعلية استقلال العقل في تحسين ظروف الحياة، فإذا بها تهيج (عوام الناس) ضد تصريحات فولكلورية تصف النبي محمد(ص) بأنه:"لم يجيء إلا بما هو سيء".. فأي قارئ تاريخ يعرف أن كل نبي كان مصلحا في زمنه.. ويجمع البشر على أنه ليس هناك من نبي سيئ، ما يعني أنها تصريحات بلا فاعلية أو معنى.. تعبر عن حنين رجل دين مسيحي إلى دولة القرون الوسطى.. دعوه يحلم.. فهي أحلام لن نتصدى لها نحن بل ببساطة سيتصدى لها الأوروبيون ذاتهم.. أما نحن.. فحاجتنا ماسة إلى استقلالية حقيقية للعقل.. تجعلنا قادرين على إخراج الدين من حلبة السياسة ولعبة الدول، لكن المؤسف أن استجابة الناس لهياج المشايخ ضد البابا الحالم بأحلام لا فاعلية لها كانت أكبر من استجابتهم لأي معارض أو مفكر أو ثوري.. يحاول عبثا لفت انتباههم إلى ضرورة الغضب ضد بلواهم الحقيقية، الخطورة إذن أن (بعض) المشايخ يحركوننا كالدمى، أثاروا الناس ضد كلمات لا قيمة لها قالها قسيس في محاضرة محدودة.. لكنهم لا يحركوا ساكنا ضد من ينهشون أرزاق وكرامة وحرية الناس في بلدانهم.. بل ويتحالفون معهم ويتقاسمون معهم غنائم مغتصبة.. أي ثقة يستحقها منا هؤلاء؟ نحن في حاجة إلى (ترتيب ما) لتوفير طاقة الغضب وتحويلها إلى نوع من (الغضب المنظم العاقل) ضد العدو الحقيقي.. ضد القلة من البشر التي تستأثر بخيرات الأرض وتترك (عوام الناس) يتساقطون جوعا وفقرا، نبيّنا الكريم نفسه(ص) لو عاد إلينا الآن فلعله يقول لنا: اعملوا لدنياكم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تستهدف أحد قادة الجماعة الإسلامية في لبنان


.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: نفذنا عمليتين بالاشتراك مع




.. تجربة المحامي المصري ثروت الخرباوي مع تنظيم الإخوان


.. إسرائيل تقصف شرق لبنان.. وتغتال مسؤولاً بـ-الجماعة الإسلامية




.. 118-An-Nisa