الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحقق مونك Monk

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2022 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مونك(Monk) هو مسلسل عن محقّق بوليسي مشهور ظهر في نهاية التسعينيات. مونك لديه قدرات تحليل واستقراء مميزة ، ولديه الكثير من الأعراض الهوسية، كالخوف من الجراثيم، والهوس بالترتيب، والخوف من الارتفاعات والأماكن المغلقة ، الخ….
قدمت إحدى الحلقات صورة مثالية عن علاقة الإنسان بالدين ، أو بتعبير محايد بالجانب غير المادي للأشياء.
يتعرض نقيب الشرطة إلى مشكلة في ظهره تتحول إلى إعاقة بسيطة. لا تنفعه جميع مسكنات الألم والأدوية الموصوفة في التخفيف من ألمه. ثم يجد ذات يوم على باب منزله إعلاناً عن النافورة المقدسة العجائبية الموجودة بالقرب من كنيسة، والتي تشفي المرضى. يذهب النقيب إليها ويشرب من مائها، فيشفى بعد أيام.
تتجمع قرب النافورة أكوام الأدوية والعكاكيز التي يلقيها المرضى بعد شفائهم. يتحول نقيب الشرطة اللاديني إلى إنسان مؤمن، وينذر نفسه كاهناً لخدمة الكنيسة.
يزور مونك النافورة من باب الفضول ، فيلاحظ كيف معظم علب الأدوية المرمية مصدرها من صيدلية واحدة. يقوده البحث والتحري إلى اكتشاف اللعبة التي يمارسها الصيدلي . لقد حوّل النافورة إلى مزار مقدس ، كيلا يتم هدمها كما قررت البلدية. فيتم اكتشاف جثة شريكه الذي قتله قبل سنوات.
كان الصيدلي يقدم أدوية زائفة لمرضاه، ثم كان بعد إرسالهم إلى النافورة بطريقة غير مباشرة ، يعيد تقديم الادوية الحقيقية ، من مسكنات ألم قوية وغيرها.
يعبر النقيب عن موقف إنساني معاصر ، فهو يقول: أعرف انها خدعة، مجرد خدعة! لكنني شعرت كمن يفتح صفحة جديدة. لقد كانت تجربة رائعة.
يعبر أيضاً مونك ذو العقل التحليلي الرائع عن ذات الموقف، الشك وعدم اليقين والرغبة في استجلاء سر روحي غامض قد يكون موجوداً. فيأتي إلى النافورة ليلاً بعد اكتشاف الخدعة ، ويملأ كأس ماء ، ويفكر..
أراد مونك الشفاء من هوسه المرضي، أراد أن يعود رجلاً طبيعياً، وأراد أن تكون لديه القدرة على لقاء زوجته المقتولة في العالم الآخر.
زوجته التي يعشقها حد الذوبان الصوفي في كل تفاصيلها القديمة.
وهو مستعد لهذا السبب بالتخلي عن منجزه العقلي القائم على المنهج العلمي والدليل المادي، مقابل لحظة روحية جميلة.
أليس هذا مآل الإنسان المعاصر وهو بين رحى العقل والإيمان ؟
أليست هذه حكاية عمرها القرون عن كيفية استثمار أصحاب المصالح الدنيوية في الدين باعتباره وسيلة الخداع الأكثر بساطة والأكثر فعالية؟
ألسنا جميعاً في لحظة عتاةً جبابرة ، لا نرى سوى البراهين المنطقية، وفي لحظة ثانية وديعين مثل خراف تريد رعي الأعشاب في السهل الشاسع والنوم تحت أصوات الملائكة؟
هذه التركيبة الفريدة ، هي ما تجعل الحياة جديرة أن تعاش، ولو أن ما يفسدها هو تحويل هذا الجانب الروحي الجميل إلى طقوس ومؤسسات وتجارات وحروب واستغلال الآخرين والضحك عليهم بتعاليم الكهنوت واللاهوت واللذين هما أصلاً غير مهتمين بهذا الإنسان المضطرب الذي لا يجد نفسه في أي معنى ..
الإنسان الذي تتم قولبته منذ الولادة فيصبح كائناً فاقد الأهلية ، خطّاء، يحتاج إلى طن ديتول وأدعية وطقوس ليعود كما خلقته أمه.
لقد وضعه والداه شهوة ً دون موافقته، وسوف يموت قطعاً دون إرادته، وسوف يقضي حياته في معاناةٍ مع الأمراض والألم ومحاولة الحصول على صك البراءة من الخطايا.
أغلبنا يحتاج إلى هذا الإيمان الروحي ، فهو يقدم وظيفة تطهيرية رائعة، ويساعد الإنسان على تحمل هذا الألم الوجودي غير المبرر. وقد يغطي الدين هذا الجانب، وقد يغطيه الفن أو الأدب أو الموسيقى . وقد تغطيه الرياضات الروحية. وقد يغطيه العلم أيضاً .
*****
وما شأني بالسعادة إذاً؟
يسأل جنين في أسبوعه الرابع في الرحم،
وهو يخطط لشفط الغذاء من أمه.
ويسأل ميت في أسبوعه الرابع في القبر،
وهو يستمتع بالانحلال .
ويسأل رجل ستيني ، وهو يحشو صدره بسرطان قادم ،
ويستعطفه أن يكون سريعاً مثل قطار هايبر لوب الذي يوعد به رجال الدين المؤمنين للوصول إلى الجن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية