الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في غياب تحالف شعبي ديمقراطي، لا خيار إلا الرئيس

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2022 / 8 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البوصلة أوّلا.

ما هو جوهر الصراع على السلطة في تونس اليوم؟
ولماذا يجب إسقاط حركة النهضة أولا؟
وهل المحور الرئيسي هو المحور الدستوري؟ أم المحور الوطني؟
وما علاقة هذه المسألة بالاستفتاء؟

فشلت القوى السياسية "الديمقراطية" في بناء جبهة وطنية ديمقراطية، تقود البلاد إلى الأمام. وبدلا من ذلك انخراطت، كلّ بطريقته، في الجناية التاريخية التي ارتكبتها القوى الاستعمارية ضد تونس بتوظيف حركة النهضة، واستخدامها في ضرب مضامين الثورة، من خلال خلق بنية تحتية للإرهاب، حيث شكلت جيشا سرّيا من المرتزقة، رفع السلاح في وجه الدولة. وقتل مئات الجنود والأمنيين. واغتال سياسيين كبار. واستولى على الدولة. ونظّم عمليات التسفير. ووضع تونس على ذمّة المحور التركي القطري. ونجح راشد الغنّوشي في كسر ظهر الثورة والدولة معا، وذلك بتخريب الإقتصاد، والأمن، والقضاء، والتجارة، والمجتمع. وليس أدلّ على ذلك من البطالة والجوع والمليارات المنهوبة.

ردّا على كل هذه الجرائم، فقد الشعب الأمل في الطبقة السياسية التي تخلّت عن الخيار الوطني، وانخرطت في الجريمة. وبدأ يقاوم بالمظاهرات والاعتصامات في كل مكان، ولكن أيضًا بهجر الأحزاب، وبالعزوف عن الانتخابات أحيانا، وبتصعيد قائمات مستقلة أحيانا أخرى. وفي هذا الإطار جيىء برئيس جمهورية من خارج منظومة الحكم والأحزاب.

على هذا، بإمكاننا الاعتراض على الفصول المتعلقة بعدم مساءلة الرئيس، وبغيرها من الفصول وبإمكاننا أن لا نتفق مع الرئيس في أكثر من موضوع. ولكن لا يحقّ لنا أبدا أن ننخرط في مشروع تخريب البلد. ومن الواضح، كما أسلفنا الذكر، أن خيارا ثالثا، هو ضرب من الوهم. إذ ليس هنالك بديل على قيس سعيّد إلا راشد الغنوشي. وهذه مسألة يحكمها ميزان القوى على الأرض، ولا تحكمها الأهواء والأمنيات.

لقد تعقّب الاستعمار منذ مئة عام الخيار الوطني في عموم المنطقة، ليكسره دون تردّد. وهنا أُخاطب الوطنيين التوانسة الذين أضاعوا البوصلة وسط غبار الأحداث وضجيجها. وأدعوهم إلى لحظة تأمّل بسيطة: لقد تم استعمال الإسلام السياسي في تدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا، وقبل ذلك الجزائر. وتتذكّرون جيّدا أن هذه الدول ومعها منظمة التحرير الفلسطينية، شكلت ما سُمّيت "جبهة الصمود والتصدّي"، بعد خروج مصر من الجامعة العربية على إثر كامب ديفد، لمّا انقسم العرب بين صفّ الانخراط في المشروع الاستعماري، وبين صف التصدّي لهذا المشروع. وإلى يوم الناس هذا، مازال جوهر الصراع قائمًا. ويبدو أن الجزائر التي فشل المستعمر في كسرها بالإرهاب في عقد التسعينات، مُرشّحة للتخريب في المستقبل. ولولا الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة، التي لا ندري كم ستدوم، لما تخلّى الغرب على حركة النهضة، باعتبارها إحدى أدواته الرئيسية في المغرب العربي، ووجودها في الحكم، سيُسهّل على المخابرات تنفيذ مخططها العدواني ضد الجزائر.

إن حركة النهضة التي تسعى لإسقاط الرئيس، هي جزء من أخطبوط إرهابي مخابراتي إقليمي ودولي. وهي أخطر جسم على تونس منذ عهد الاستعمار. وأما محور الصراع المحتدم في تونس اليوم، فلا تلخصه المعركة الدستورية ولا الحقوقية، بل هي معركة تحرر وطني بين شعب تونس وقواه الحية من جهة، وبين حركة النهضة وحلفائها، باعتبارها إحدى أضلع المنظومة الاستعمارية. ولا يجوز أبدا خلط الأمور بتغييب الرئيسي، والاختباء وراء الثانوي. ولا يحقّ للوطنيين وضع قيس سعيّد في خندق الاستعمار مع حركة النهضة، أو التعاطي مع الواقع بالعواطف وتوهّم القدرة على تغيير المعادلة بخطّ ثالث لا تأثير له، وثبت ضعفه من خلال نتائج الانتخابات في أربعة مناسبات متتالية. ومن خلال حالات الانقسام والتشظّي الجارية أمام أعيننا.

وأخيرا، هنالك عبارة تتردّد منذ مدّة لتبرير الوقوف ضد 25 جويلية مفادها أن "حركة النهضة انتهت". وهي عبارة خطيرة جدا من جهة سوء تقدير الأمور. فالنهضة حركة وظيفية تُقاس قوّتها بحاجة الاستعمار إليها في تنفيذ مخططاته. ولا شك أن الصراع على السلطة في ظل وجود هذه الحركة ليس شأنًا داخليا. ومن باب الفطنة أن ننتبه جيّدا إلى أن الفرصة الوحيدة لاقتلاع الإرهاب من بلادنا، وإنهاء هذا المعول الخطير هو الوقوف في مسار 25 جويلية.

لماذا أقول بأن النهضة لم تَنْتَهِ بعد؟
في 2010 أعلن باراك أوباما، كما فعل ذلك سلفه جورج بوش الإبن، القضاء على الإرهاب في العراق نهائيًا. وأن ما كان يسمى حينها "دولة الإسلام في العراق"، قد تلاشت بمقتل قائدها أبو عمر البغدادي ووزير حربه، أبو حمزة المهاجر. لكن ما أن اندلعت الثورة في تونس وجاء صداها من مصر، دبت الروح مجددا في جسد ذلك التنظيم. فبعد القضاء على "الزرقاوي" تراجع العديد من قيادات الصف الأول، وفجأة ظهر في المشهد أبو حمزة المهاجر، وهو المصري عبد المنعم عزالدين البدوي (متخرج من جماعة الإخوان) بتنظيم ضم وقتها سبعة آلاف مقاتلا، معلناً مبايعته لأمير عراقي جديد هو أبو عمر البغدادي، لينقل التنظيم إلى طور آخر جديد أكثر عنفا ودموية.
هكذا عاد التنظيم مرة أخرى إلى العراق أشد عنفًا ودموية. وشق طريقه في صخرة الحصار. فلم يمض عام ونصف، حتى نجحت المخابرات الأمريكية في خلق أبي بكر البغدادي، الأمير الجديد. ولقد رأينا كيف أوهموا العالم بأن شابّا لم يتجاوز حينها السابعة والعشرين من عمره، يدعى "أبي محمد الجولاني"، ومعه قليل من المقاتلين وكثير من الأموال، نجح في تكوين "جبهة النصرة"! ورأينا كيف عاد رجال البغدادي من سوريا المحطّمة، وفي حوزتهم ملايين من قطع السلاح الأمريكي والصهيوني المتطور. وبذلك تمكنوا من ثلثي العراق، وقتلوا عشرات الآلاف الأبرياء ذبحاً ورمياً .
لم يكن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم "داعش" الذي لقي حتفه لاحقا، يهذي في خطاباته، حيث كان يقول بأنهم سيعودون مرة أخرى إذا ما فقدوا السيطرة على الأرض. فذلك لم يكن جديدًا، لم يحدث هذا مرة واحدة، بل حدث مرات. فقد كانت التجربة القريبة حاضرة بقوة أمام أعينهم: "أتحسبون أننا سنرحل، أتخالون أننا سننتهي، أتحسبون أننا سنكل أو نمل، كلا أننا باقون بإذن الله إلى قيام الساعة". فهذا المرتزق يعرف أن الدعم سيأتيه طالما الامريكان يحتاجون إليه.
بهذا المعنى، ليست التنظيمات التكفيرية كائنات خارقة، تموت في كل مرة. ثم تعود مرة أخرى للحياة بعد الموت، وكأن الأرض ترفض ابتلاعها في باطنها، فتقذف بها من جديد في شكل أكثر توحشا وأكثر وساخة. بل هو المستعمر يصنع التوحش متى احتاج لذلك. فيموله ويحميه ويوظفه. ثم يعلن عليه الحرب متى احتاج ذلك أيضا.

يا أصدقائي الأعزّاء، احذروا أولائك التافهين الذين يحتقرون الرئيس، لأنه لا ينحدر من الأعيان والوُجهاء. فهؤلاء استبطنوا حكم الأقليات بالوراثة. وليس بوسعهم تحمّل أن يحكوم تونس واحد من أولاد شعبها. الاهم من هذه التفاصيل الصغيرة، تذكروا جيدا أن الولايات المتحدة أقامت سنوات الحرب الباردة، علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي يعتبرها خبراء الأمن والاستراتيجيا، مفيدة للغاية، لتعزيز المصالح الأمريكية في مصر، باعتبارها دولة الثقل الرئيسي في المنطقة العربية. ففي بداية الخمسينات، حين كان احتواء المد السوفيتي الشيوعي يمثل أولوية مطلقة في الأجندة الأمريكية، نظر صناع القرار إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها تصلح لتكون جزءً من أدواتها لأنها جماعة متعصبة تعتنق "كراهية غير المسلمين"، وتدعو ل"تطبيق الشريعة الإسلامية"، وتحمل عداءً كبيرا للشيوعية. إضافة إلى ذلك، قام الضباط الأحرار في مصر بثورة 1952، وصعد الرئيس جمال عبد الناصر إلى سدة الحكم. حينئذ بدأ الأمريكان يتخوفون من تقارب القاهرة مع الاتحاد السوفيتي، وهو ما قاد الولايات المتحدة إلى تمتين العلاقة بجماعة الإخوان المسلمين، فلم تعد توصف في الدوائر الرسمية الأمريكية بالمتعصبة، وإنما ب"مؤمنين متدينين". بعد ذلك، شهدت السفارة الأمريكية في القاهرة اجتماعات منتظمة بين القائم بالأعمال الأمريكي، فرانك جافني، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وقتها، حسن الهضيبي.
وفي منتصف الخمسينات، مباشرة بعد أسبوع من توقيع جمال عبد الناصر اتفاقية الجلاء، حاول الإخوان اغتياله، فانهارت العلاقة بين الجماعة والنظام الوطني الجديد. وهكذا أصبح الإخوان ضرورة سياسية وورقة ضغط قوية على الحكومة المصرية.

تذكروا أنه منذ سنوات تتعالى الأصوات داخل الكونغرس، في الأوساط الأكاديمية وحول الجامعات، في الإعلام، تتطالب البيت الأبيض بتصنيف جماعات الإخوان المسلمين كتنظيمات إرهابية. ولكن الإدارة الأمريكية لم تقبل بذلك أبدا. ومقابل موقف أوباما المساند لتمكين الإسلاميين، لا سيما بعد تصدرهم للمشهد السياسي في تونس ومصر أعقاب ثورة 14 جانفي. رأينا كيف أن الرئيس السابق ترامب، لم يفوّت أية فرصة إبان حملته الانتخابية الأولى والانية، إلا وكال فيها انتقاداته اللاذعة لإدارة أوباما، ومساهمتها في نشر الفوضى والارهاب وعدم الاستقرار في "منطقة الشرق الأوسط"، وما رافق ذلك من صعود وتنامي لنشاط ووجود الجماعات المتشددة كالقاعدة وتنظيم داعش. ومع ذلك جاء إلى البيت الأبيض، وغير عدة سياسات، منها انقلابه على الاتفاق النووي الإيراني. ولكنه لم يضع جماعات الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب. ولن يفعل ذلك أيّ رئيس امريكي، برغم حاجة الولايات المتحدة لدول محورية في المنطقة، مثل مصر والملكة العربية السعودية. وهذا دليل قاطع على أهمية هذه الجماعات ضمن الاستراتيجيا الأمريكية.

لذلك، رجاءً، لا تأخذوا عبارة "النهضة انتهت" مأخذ الجدّ. فهذه حركة دولية، لها فروع عديدة في بلدان مختلفة حول العالم. وسيظل وجودها واستمرارها كحزب سياسي أو كذراع عسكرية، مرتبط باستمرار المشروع الاستعماري العدواني في ضرب البؤر الوطنية وتطلعات الاستقلال في تونس وفي محيطها. بمعنى أن المسألة تتعلق بالعلاقات التاريخية بين جماعة الاخوان المسلمين الأمّ، التي تمتد على مدى يزيد عن سبعين عاما، بالدور الوظيفي الذي لعبته الجماعة في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، عبر مساعدة واشنطن في إدارة خريطة الصراعات والمصالح والنفوذ. فعلى مدى عقود طويلة من العلاقات والتعاون المستمر تأسست "علاقة استثنائية"، جعلت رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، ينظرون إلى الجماعة باعتبارها طرفا مفيدا لسياساتهم ومصالحهم الخارجية، خاصة في منطقتي الشرق الأوسط وشرق أوروبا. وإذا كانت حقبة الخمسينات والستينيات التي تميزت بالصراع والتنافس الأمريكي السوفياتي، دفعت لاستخدام الإخوان المسلمين لصد النفوذ السوفيتي، ومواجهة صعود التيار القومي العربي بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقد تكرر الأمر نفسه في السبعينات، خلال الغزو السوفيتي لأفغانستان، بتجنيد الاف الشباب وإرسالهم إلى افغانستان لقتال "الغزاة السوفييت الكفار"، وهي التجربة التي كان ظهور تنظيم القاعدة أحد ثمارها المرة. أما اليوم فإن العلاقات الاستراتيجية والعسكرية شديدة الأهمية للولايات المتحدة ومؤسسة الأمن القومي الأمريكية، مع أهم طرفين داعمين للإخوان المسلمين إقليميا وهما تركيا (العضو في حلف الناتو) وقطر التي تستظيف على أراضيها القيادة المركزية الأمريكية. وهو ما يفيد بأن إنهاء النهضة وحلّها، ومنع قياما من جديد، مسألة مرتبطة بنجاح مسار 25 جويلية، وباستمرار أزمة الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي استمرار حاجة الولايات المتحدة إلى الدول الثلاثة العربية الكبرى المعادية للإخوان المسلمين: السعودية، مصر والجزائر.

التصويت بنعم لدستور 2022، واجب وطني، يتعدى الخلاف حول فصل في الدستور. بل يُضاهي حمل السّلاح من أجل تحرير مدينتك التي فيها أهلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد