الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 3

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 8 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1-1 نقل المعنى

في الحلقة السابقة توقفنا عند القول
هناك مصطلح آخر مستخدم في القرآن للدلالة على هذه العلاقة المضطربة بين الأصل والنسخة ، وهو فعل "صَدّقَ"، كما ورد في سورة فاطر آية 31 : ((وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ)). يُعلن الوحي هنا ، من خلال فعل "صَدّقَ" ، المطابق للأصل السماوي أو المخلص له.

لكن هل يعني هذا أن هذا التطابق يدل على تطابق حرفي بين النسخة وأصلها؟
يمكن أن تكون الإجابة بالنفي فقط ، لأن مفهوم التوافق هذا مطبق في القرآن لتحديد نوع العلاقة بين النصوص المنزلة السابقة التي تختلف بالضرورة عن بعضها البعض بالحرف ، ولكنها متطابقة من حيث محتواها الروحي:
(( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ)) - سورة البقرة الآية 89. (1)
-------------------------------------
(1) - جاء في تفسير الطبري : "عن أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم)، ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف جل ثناؤه صفتهم-(كتاب من عند الله) يعني بـ " الكتاب " القرآن الذي أنـزله الله (ص) (مصدق لما معهم)، يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنـزلها الله من قبل القرآن... وعن عن قتادة: هو القرآن الذي أنـزل على محمد، مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل.
--------------------------------------

مثلما يتوافق "الإنجيل" الذي جاء إلى يسوع مع التوراة ،
(( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُور وَمُصَدّقا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً للمُتَّقِينَ)) سورة المائدة الآية 46. (2)
تمامًا كما تتوافق الكتاب التي جاء إلى محمد مع "الإنجيل".
-------------------------------------------------
(2) – جاء في تفسير الطبري: " عن أبو جعفر " وقفينا على آثارهم "، أتبعنا... أتبعنا عيسى ابن مريم على آثار النبيين الذين أسلموا من قبلك، يا محمد، فبعثناه نبيًّا مصدّقا لكتابنا الذي أنـزلناه إلى موسى من قبله أنّه حق، وأن العمل بما لم ينسخه الإنجيل ... وآتيناه الإنجيل ... وأنـزلنا إليه كتابنا الذي اسمه " الإنجيل " فيه هدى ونور " ... وهو بيان ما جهله الناس من حكم الله في زمانه..." ومصدقًا لما بين يديه "، يقول: أوحينا إليه ذلك وأنـزلناه إليه بتصديق ما كان قبله من كتب الله التي كان أنـزلها على كل أمة أُنـزل إلى نبيِّها كتاب للعمل بما أنـزل إلى نبيهم في ذلك الكتاب".
------------------------------------------------

تدل هذه الأمثلة على أن تطابق النسخة مع أصلها مطابق لما هو موجود بين النصوص المنزلة. وبالتالي فإن النسخة التي نزلت على محمد بعيدة كل البعد عن النسخ الحرفية للنص السماوي (الكتاب) المسجل في الجدول الذي يحتفظ به الملائكة الطاهرون ( اللوح المحفوظ): وفقًا للقرآن ، فإنه يحتفظ فقط بمعناه العام (3).
--------------------------------------------------
(3) - بخصوص "اللوح المحفوظ" يقول محمد شحرور: "اللوح المحفوظ: بما أنّ القرآن المجيد هو القوانين الصارمة الناظمة للوجود، فإنّ اللوح المحفوظ هو بمثابة برنامج هذه القوانين لقوله تعالى: (( بَلْ هُوَ قُرْآن مَّجِيد ، فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)) (البروج 21-22). وهذا البرنامج بقوانينه الصارمة التي تسيّر الوجود هو برنامج ثابت ولا يتغير، لا هو ولا قوانينه، وبالتالي لا ينفع فيه الدعاء لأنّه لا يتغيّر من أجل أحد مهما كان.
------------------------------------------------------------

من جانبهم ، لم يتردد بعض العلماء المسلمين السابقين في صياغة فرضية عدم التوافق الحرفي بين الأصل السماوي ونسخته التي نقلها محمد. وهكذا ، فإن السيوطي (المتوفى عام 911 هـ / 1505م) - صاحب أطروحة لا تزال نموذجًا من نوعها في القرآن. إذ يعرض ثلاث فرضيات تتعلق بطريقة نقل النص الأصلي:
- من الواضح أن الأولى هي المطابقة الحرفية بين الأصل والنسخة.
- الفرضية الثانية هي أن رئيس الملائكة بمعاني [من القرآن]، وعندها يكون محمد قد تعلم هذه المعاني وكان سيعبر عنها بلغة العرب".
- وأخيرًا الفرضية الثالثة وهي أن جبريل قد استقبل معاني [النص القرآني] وكان سيعبر عنها باللغة العربية - يقرأ أهل الجنة القرآن بالعربية - ثم أنزله هكذا [على محمد] " (4). ونرى بوضوح أن الفرضيتين الأخيرتين ( الثانية والثالثة) تقدمان بوضوح فكرة عدم أصالة النص القرآني الحرفي مقارنة بالأصل السماوي.
-------------------------------------------
(4) - كتاب "الإتقان في علوم القرآن" ج 1 -125 فقرة 537.
-------------------------------------------------

هناك آية من القرآن تشير إلى الاحتمال الثاني لنقل النص السماوي:
(( إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )) - سورة الزخرف أية 3. فبأمر من الله قام الكتبة الملائكيين ، وعلى رأسهم جبرائيل ، بصياغة النص العربي الذي تسلمه محمد. على الرغم من أنه لا ينبغي بالضرورة اعتبار هذه النسخة العربية على أنها ترجمة حرفية للأصل. حتى أن بعض روايات السردية الإسلامية تدعي أن جبرائيل نفسه لم يقرأ "اللوح المحفوظ" وإنما الله هو الذي نقل ألهمه بـ "(الكلمات) المنزلة ("تكلم بالوحي")". كان من شأن هذا الوحي الإلهي بصوت عالٍ أن "يجعل السماء ترتعد خشية من الله. وبمجرد أن يسمع سكان السماء [هذه الكلمات] ، يخرون ساجدين. وأول من رفع رأسه من السجود هو جبرائيل، عندها يبلغه الله بما يريده من وحيه. وجبرائيل بدوره يملي هذه الكلمات على [الملائكة الآخرين]. وفي كل من السموات يسأله السكان: ماذا قال ربنا؟ يجيب جبرائيل ، "[قال] الحق. وهكذا ينقل جبرائيل الوحي من السماء إلى الجنة إلى محمد ، المرسل الأخير إليه.(5)
-------------------------------------------------
(5) - السيوطي: "الإتقان في علوم القرآن".
-------------------------------------------------

اقترح المفسر "الجويني" (6) حل وسط ، إذ بالنسبة له ، يحتوي القرآن على نوعين من النصوص المتجاورة وفقًا للإمكانيات المعتادة لنقل الرسائل الخطية في التقليد الملكي. يُنقل جزء من النص القرآني حسب المعنى، دون مراعاة الحرف الأصلي للنص الذي أملاه الله. وسيكون الجزء الآخر، على العكس من ذلك ، نسخة حقيقية حرفياً من الرسالة التي أملاها الله. ( ورد هذا في كتاب السيوطي: "الإتقان في علوم القرآن").
-----------------------------------------------
(6) - أبو المعالي الجُوَيْني الشافعي الأشعري (419-478هـ / 1028-1085م). قيل إنه كان يميل إلى البحث والنقد والاستقصاء؛ فلا يقبل ما يأباه عقله، ويرفض ما بدا له فيه أدنى شبهة أو ريبة. ذكر الدكتور "محمد الزحيلي" في كتابه "الجويني" في: فصل إمام الحرمين وعلم الكلام -: "كان الدافع – للجويني - لدراسة أصول الدين أولا، وتأكيده بدراسة الفلسفات المتنوعة، هو الحرص على الإسلام والدعوة إليه، ورد شبهات الأعداء عنه، وتفنيد حجج الطاعنين به من الكفار والمشركين خارج الدعوة الإسلامية، والملحدين الذين انضووا تحت لواء المسلمين، وتستروا بالباطنية وغيرها من الفرق الضالة، للدس على الإسلام، والتشكيك فيه، وإثارة الشبه بين المسلمين".
----------------------------------------------

1 - 2 نظرية البدائل
بعقيدة الوحي المنقولة بالمعنى هذه، وليس حسب الحرف ( النقل الحرفي المطابق) ، يمكن إنجاز خطوة جديدة في إشكالية وحدة الوحي القرآني. وهكذا ، بعد أن عرض ازدواجية الوحي إلى الأصل والنسخة ، ثم التمايز الحرفي بينهما ، نصل الآن إلى تعددية النسخة في تعدد إمكانيات التعبير الحرفي. هذه هي النظرية التي قدمتها أطروحة السردية الإسلامية، إنها أطروحة الحروف السبعة (سبع أحرف) ، أو القراءات السبع (القراءات السبعة) (7). هذه النظرية (الأطروحة) تبررها السردية الإسلامية التقليدية بحديث رواه عثمان جعل محمد يقول: "القرآن أنزل على سبعة أحرف"(8).
----------------------------------------
(7) - في واقع الأمر وضعت هذه الأطروحة العلماء والمفسرين في حيص بيص، ولم يتمكنوا من حسمها، تراكمت الآراء وتناسلت الاجتهادات الفردية الكثيرة المتكثرة وتوالدت الفدلكات والافتراضات والاختلافات وظلت الإشكالية قائمة دون جواب شاف ومقنع. حتى الأوائل اختلفوا حولها. أما العلماء المحدثين الصادقين مع أنفسهم، غالبا ما يتجنبون الحديث حولها خشية الحرج، ويكتفون بعرض ما قيل حولها تكرارا مع الحرص عن عدم الخوض في التمحيص. ويبدو أن تفسير "اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام" هو أكثر شهرة. وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة اختلافاً كثيراً وصل إلى خمسة وثلاثين قولاً.
(8) – هناك أكثر من حديث بهذا الخصوص. هناك حديث عن حديث عمر بن الخطاب "هَكَذَا أُنْزِلَتْ. إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فأقرأوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ". وحديث ابن عباس "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". وكل الأحاديث بهذا الخصوص لم تحسم المشكل، ولم تحسم أن القضية مرتبطة باللهجات العرب، إذ أن الاختلاف حصل بين القرشيين أنفسهم. من المعلوم –استنادا على السردية الإسلامية نفسها، أن " هشاماً " أسدي قرشي ، وأن " عمر " عدوي قرشي فكلاهما من قريش وليس لقريش إلا لغة واحدة ، فلو كان اختلاف الأحرف اختلافاً في اللغات لما اختلف القرشيان. علما أن الأمر لم ينحصر مع مرور الوقت في سبعة قراءات بل تعدتها بكثير.
-----------------------------------------------------

يؤكد السيوطي أن الحديث - "القرآن أنزل على سبعة أحرف"- قد تم تفسيره بأربعين طريقة. ومن بينها، ه أطروحة "ابن قتيبة" الذي يشرح أن هناك سبع "صيغ مختلفة" للنص القرآني:
1) أسلوب الانحراف دون أن يتأثر المعنى؛
2) أن الفعل من زمن؛
3) أن الأحرف من نفس التهجئة ، ولكن لها علامات تشكيل مختلفة ؛
4) أن الحروف المتشابهة في تهجئتها ؛
5) مكان مجموعات الكلمات في الجملة ؛
6) تغيير النص بإضافة أو حذف كلمة ؛
7) تنوع الكلمات وفقًا لمرادفاتها.
--------------------------------------------
(9) - (213 هـ - 276 هـ/828 م 889 م) لغوي، فقيه، محدث ومؤرخ عباسي.
------------------------------------------

ومن جانبه يضيف الرازي تنوع كلمات القرآن حسب الجنس والعدد وطريقة النطق.
ومال السيوطي إلى أطروحة "ابن حنبل" توضح "الأحرف السبعة" بإمكانية استبدال أي كلمة من القرآن بسبعة مرادفات. كان أبي بن كعب ، أحد أمناء محمد المكلفين بكتابة القرآن ، قد عبّر عن هذه القاعدة التي كان يطبقها في نسخته القرآنية "قلت [في القرآن]: السميع والعليم [بدلاً من] القدير والحكيم - ولكن دون أن أخون المعنى- كما لو استبدلت تعبير العقوبة بالمغفرة ، أو العكس". (هذا ما ورد في "الإتقان في علوم القرآن"). وهكذا ، فإن أبي ، أحد أهم كتبة الرسول ، والذي ارتبط اسمه تدوين القرآن تحت إمرة النبي ، يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد مرادف بسيط من خلال تأسيس شرعية الحرية اللانهائية للمتغيرات ، بشرط وحيد ، أن لا يؤدي ذلك إلى تعارض أو سوء الفهم. وجاء في السردية الإسلامية أنه قيل أن عمر بن الخطاب قال "كل ما نقول في القرآن صواب طالما لا نستبدل العقوبة بالعفو".

وجاء في السردية الإسلامية – الكثير عن استعمال مرادفات في القرآن- عن ابن إسحاق و ذلك أن الرسول الله كان يقول: [عليم حكيم] فيقول: [أو أكتب عزيز حكيم] فيقول له رسول الله: [نعم كلاهما سواء] و في الرواية الأخرى: و ذلك أن رسول الله كان يملي عليه فيقول [عزيز حكيم أو حكيم عليم] فكان يكتبها على أحد الحرفين فيقول: [كل صواب].[التوجيه الأول]ففي هذا بيان لأن كلا الحرفين كان قد نزل و أن النبي كان يقرأهما و يقول له: [أكتب كيف شئت من هذين الحرفين فكل صواب] و قد جاء مصرحا عن النبي انه قال: [أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف، إن قلت عزيز حكيم أو غفور رحيم فهو كذلك ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة].وفي حرف جماعة من الصحابة {إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم} و الأحاديث في ذلك منتشرة تدل على أن من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن أن يختم الآية الواحدة بعدة أسماء من أسماء الله على سبيل البدل يخير القارئ في القراءة بأيها شاء.
________________يتبع – 1-3 متغيرات القرآن ________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24