الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الله أو ماهو الإله الذي آمن به إنشتاين عبر فلسفة سبينوزا؟ :

البوبكري نورالدين

2022 / 8 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الله :
في هذا الباب الافتتاحي يحاول سبينوزا أن يقدم تعريفا دقيقا وشاملا لمجموعة من المفاهيم المهمة التي سترافقنا في الأبواب الأربعة التالية، كمفهوم الله والجوهر والصفة والأشياء المتناهية والحال.
إننا إذن أمام بناء نسقي مسترسل منذ الوهلة الأولى التي يضعنا فيها سبينوزا أمام تعريفات وبديهيات حيث يسعى بذلك إلى وضع القارئ أمام مفاهيم ميتافيزيقية الأسس محددة ومنحوتة بحبره الخاص
أي يحاول سبينوزا من هذا كله أن يضعنا أمام نسقه الخاص المشيد بمفاهيم قام هو نفسه بإبداعها من خلال فهمه الخاص لله والطبيعة والإنسان.
إننا في هذا الباب إذن أمام حديث مستفيض عن الإله وعن صفاته، لعل ما ميز هذا الباب هو أنه بعيد كل البعد عن عنوان الكتاب علم الأخلاق، لكنه سيكون بمثابة افتتاحية وتأسيس أنطولوجي للأبواب اللاحقة.
يقدم سبينوزا في البداية مجموعة من التعريفات لأهم المفاهيم والعنصر الفلسفية التي تشكل نواة هذا الباب، كمفهوم الله الذي يحتل مكانة أساسية في علم الأخلاق، فالله من حيث هو جوهر وله صفات ومكانة داخل الطبيعة.

• تعريفات:
يقصد سبينوزا بالجوهر كل ما يوجد في ذاته -أي ما يكون علة ذاته وتنطوي ماهيته على وجوده، إذ لا يمكن لطبيعته أن تتصور إلا موجودة – ويتصور بذاته أي ما يكون بناء تصوره غير متوقف على تصور أخر.
الأشياء المتناهية في ذاته تكون دائما محدودة بأشياء أخرى من نفس طبيعتها، فنقول مثلا أن جسما ما أعظم من جسم أخر فهذا يحيل مباشرة إلى أن الجسم الثاني متناه.
ونفس الشيء ينطبق على الفكرة المتناهية أيضا التي تحدها فكرة أعظم منها، حيث أن الفكرة تحدها فكرة أخرى من نفس طبيعتها تكون أعظم منها.
نستنتج إذن من هذا التعريف الذي يخص التناهي أن الفكر يكون متناه عندما يحده فكر أخر يكون أعظم منه، والجسم يكون كذلك متناه عندما يحده جسم أخر يكون أعظم منه، إذن لا يمكن للفكر أن يحد الجسم كما لا يمكن للجسم أن يحد الفكر.
يقصد سبينوزا بالصفة كل ما يمكن أن يدركه الذهن في الجوهر مقوما لماهيته، حيث أن الصفة بهذا المعنى هي بمثابة تجلي لما يحتاجه الذهن قصد ترميمه وتقويمه من طرف الجوهر. الصفة إذن هي الجوهر مدركا من جهتنا نحن.
يقصد بالحال ذلك الشيء الذي يكون مماثلا أو متقابلا للجوهر حيث يقول عنه سبينوزا " أعني بالحال ما يطرأ على الجوهر"، حيث يكون الحال بمثابة تغير وحادث يطرأ على الجوهر الثابت
لكن هذا الحال لا يكون قائما بذاته أي أنه ليس علة بذاته بل هو قائم في شيء أخر غير ذاته، وهذا ما يجعنا نتصوره بشيء غير ذاته، وبخلاصة فإن الحال دائما ما يكون تابعا لغيره أي أنه تابعا للجوهر.
بعدما عرف سبينوزا الجوهر يسير بنا بشكل مسترسل نحو تعريف أكثر دقة لمفهوم الله بأنه كائنا لا متناهيا إطلاقا أي أنه لا يوجد أي شيء يحده أو أعظم منه كما رأينا بالنسبة في تنهي الفكر والجسم،
وذلك راجع يتكون من عدد لا محدود من الصفات وهذه الأخيرة تعبر كل واحدة منها عن ماهية أزلية لا متناهية ويؤكد سبينوزا بأن الله كائنا لا متناهيا إطلاقا ويستبعد أن يكون لا متناهيا في ذاته فحسب ،
لأنه إذا كان لا متناهيا في ذاته فحسن أمكن للمرء أن ينفي عنه عددا لا محدودا من الصفات لكن مادام الله لا متناهيا إطلاقا فإننا لا نستطيع أن ننفي أي صفة من صفاته .
• الله أو الطبيعة:
يبدأ باب "في الله" ببعض التعريفات البسيطة للمصطلحات المألوفة لأي من فلاسفة القرن السابع عشر. "أعني بالجوهر ما يُوجد في ذاته، ويُتصور بذاته"؛ و"أعني بالصفة ما يُدرِكه الذهن في الجوهر، باعتباره مُؤسِسًا لماهية الأخير"؛
و"أعني بالله كائنًا لانهائيًا بالمطلق، أي جوهرًا قائمًا بعدد لا متناهي من الصفات، تُعبّر كل واحدة منها عن ماهية أزلية لا متناهية".
يعني هذا الأمر أنّ الجوهر لا يتقوّم إلا بصفاته التي تعبّر عنه وتحقّقه، والصفات بدورها لا تتقوّم إلا بأحوالها التي تعبّر عنها، وهذا هو المعنى الكلّيّ لمفهوم الوجود عند سبينوزا،
حيث يكون هو هذا البساط الذي يشمل في نفس الآن كلّ شيء : المادة والفكر كصفات، والتحقّقات العينية لهذه الصفات كأحوال (شجر، إنسان، حجر، حيوان، معدن، وعي…)،
والصفات هي ما يأخذ عنده تسمية الطبيعة “الطابعة”، والأحوال هي ما يأخذ عنده صفة الطبيعة “المطبوعة، وكون الطبيعة طابعة لذاتها ومطبوعة بذاتها، هو ما يعطينا في النهاية معنى “وحدة الوجود”
إن تعريفات الباب الأول، هي تصورات بسيطة واضحة تُؤسِس ما تبقى من نظامه الفلسفي، متبوعة بعدد من البديهيات، التي كما يَفترض باروخ سبينوزا، سوف تبدو واضحة وبسيطة كفاية لأي مُطّلع على الفلسفة ،
فمثلا نجده يحدثنا عن الجوهر كل ما يُوجَد، إنما يُوجد في ذاته، أو في شيء آخر”؛ و “مِن علة معينة، ينتج بالضرورة معلول أو أثرمان ومن هذه البديهيات، تصدر بالضرورة القضية الأولى، وكذلك، فإن كل قضية لاحقة، يمكن استنباطها، فقط، بناءً على ما يسبقها
في القضايا الخمس عشرة الأولى من الباب الأول، يستعرض باروخ سبينوزا العناصر الرئيسية لتصوره عن الله. حيث الله لا متناهي، وواجب الوجود أي، غير حادث، ولا جوهر في الكون سواه، وكل ما يُوجَد، إنما يُوجَد فيه.
تأسيسا للأخلاق وللحكمة، يبدأ سبينوزا بوصف الأساس اليقيني لكل معرفة مستقبلية: إن هذا الأساس أوليٌّ وأزلي، ويتعلق بالجوهر. إنه الوجود. وكما أنه لا ينبغي أن يكون تابعًا لأي شيء، فإنه لانهائي؛ بمعنى أنه متفرد،
ويشمل كل المظاهر الخاصة بالواقع، سواء تعلق الأمر بالأشياء أو بالأفكار.
لقد عرض نظريته هذه حول الوجود في الجزء الأول المعنون بِـ "في الله" من كتابه "علم الأخلاق"، إلا أنه لم يحدد ما يعنيه بِـ "الله"
إلا في القضية رقم 11=، قائلًا: «أعني بالله جوهرًا يتألف من عدد غير محدود من الصفات، حيث تعبر كل واحدة منها عن ماهية أزلية ولامتناهية، ويوجد وجودًا ضروريًّا.» (علم الأخلاق، الباب الأول، القضية 11).
وبما أن الله جوهر فهو بطبيعة الحال متقدم على أعراضه وذلك واضح من خلال القضية 1 " الجوهر متقدم بالطبع على أعراضه ".
إن الصفات هي التمظهرات المتعددة، أو المظاهر المتعددة واللامتناهية للجوهر. إنها إذن هي الجوهر معبرا عنه من جهتنا نحن كأحوال ناتجة عن تغير طرأ فيه، وتشمل مجموع الواقع؛ أي الطبيعة.
من دون شك أن الطبيعة تضم أشياء متناهية ومحدودة، إلا أن هذه "الأحوال" ليست، هي نفسها، إلا تعبيرات عن الصفات، وخصوصًا صفات الامتداد والفكر.
تتداخل هذه المفاهيم المختلفة (الجوهر، الصفات والأحوال) فيما بينها بِشكلٍ لنقل عنه أنه أفقي، وليس تبعًا لتراتبية عمودية ستنطلق من المادة إلى الروح ثم إلى الإله. فنظرًا لكونه يؤسس لوحدة الواقع،
فقد قطع سبينوزا مع المذاهب الأنطولوجية التقليدية، التي كانت تميّز بين مستويات موضوعية للوجود. وعلى عكس ذلك، فالوجود بالنسبة إليه هو، في الآن ذاته، عبارة عن مادة وروح، مادام أن الجوهر هو، في الوقت عينه، مجموع الصفات.
إن هذا التسلسل المنطقي، الذي هو في الوقت نفسه تداخٌل، حتمية ضرورية وتسلسل صارم، يُعبّر بالضبط عن ماهية الإله الذي هو أيضًا ماهية الطبيعة.
ففي البرهان الرابع من الجزء الرابع من كتابه هذا يستعمل سبينوزا ضمنيًّا هذا التعبير الذي سيحدد، بشكل رمزي، كل مذهبه الوحدوي أي فيما يتعلق بوحدة الوجود .الوجود. وفيه يقولDeus sive Natura" الإله بمعنى الطبيعة أو "الإله أو الطبيعة".
ومن هنا فسبينوزا يمثل الجوهر إذن بالطبيعة والله. "وهو يتصور الطبيعة أو الكون ذات مظهرين فهي فعالة حيوية خالقة من جهة، وهو عينه الجوهر اللامتناهي، ومن الجهة الثانية، تكون الطبيعة منفعلة ومخلوقة.
وإن هذا الجانب المنفعل هو المادة وما تشتمل عليه الطبيعة من غابات، وهواء وماء وجبال وحقول وعشرات الألوف من الأشياء الخارجية. وهذه الطبيعة كلهما من الأشياء الخارجية.
وهذه الطبيعة كلها من انتاج الجانب الفعال و خلقه، و عندئذ يكون في الكون قوة خالقة تخلق الأشياء وهي التي يسميها بالجوهر وهي الله في ذاته، وفيه أشاء مخلوقة وهي الأعراض أو العالم."

-------------------------------------------------------------------
المصادر والمراجع :
• سبينوزا، علم الأخلاق، (الباب الأول، القضية 11) ص 40
Misrahi, Robert (2005): «Dieu» in: «100 Mots sur l’Ethique de Spinoza», Editions Les Empêcheurs de penser en rond/ Le Seuil, Paris. p-p: 136- 14 •
ترجمة وتقديم حمادي أنوار لنص روبير ميزراحي ،عن موقع :‎مؤمنون بلا حدود.
• ديورانت ويل، قصة الفلسفة، ترجمة أحمد أمين، القاهرة: فروس للنشر والتوزيع 2018 ، ص 216.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو