الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التنوير الإسلامي..المشروع الحضاري الأسلامي في الميزان

سعاد لومي

2006 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(إلى اولئك الذين هاجموني وكفروني ظلما لأني إمراة حرّة كما خلقها الله، وإلى كلّ أولئك الذين أتعبونا باحكام الفساء والضراط في الصلاة دون ان يقدموا افكارا جديدة للتنوير الإسلامي العالمي)
كثر في الآونة الأخيرة تقديم نقد متواصل للمشروع القومي العربي باعتباره قد شكل أرضا خصبة لأنهيار الخطاب السياسي العربي، وظهور (العلامات الجديدة) للطائفية والعرقية والنزعات الأنفصالية ومجمل الدعاوى المجزأة للأمة.
ونجد في الوقت نفسه (محاولات جديدة) لتجديد (المشروع القومي العربي) السابق من خلال محاولة ( شبه يائسة) لنزع المعالم الدكتاتورية عنه، ولكن سبق السيف العذل. فلم يعد من وجهة نظرنا ثمة إمكانية واقعية في القيام بتجديد (الخطاب القومي العربي) في المدى المنظور على الاقل.
مما فسح المجال واسعا (للمشروع الإسلامي السياسي) وخاصة في الربع الاخير من القرن العشرين، حيث بدأت بوادر المشروع بالنمو على نحو عملي يعززها الإنتصار الذي حققته الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 إلى جانب وصول عديد من القوى الإسلامية إلى سدة الحكم كما هو عليه الحال في الجزائر والعراق وفلسطين والسودان والصومال اخيرا، فضلا عن إمكانية ترشح بلدان اخر للمشروع نفسه.
ولما يزل يتنامى ذلك المشروع القديم الجديد بقوة في بلدان إسلامية عديدة من خلال بحث الجماهير المظلومة والمنكسرة عن حلول (ما) لأزماتها المزمنة التي عجز المشروع القومي العربي يقدمها لها ولم يورثها إلا سلسلة من الهزائم على الصعد العسكرية والفكرية والثقافية والإقتصادية.
ويجيء طرح مشروعات جديدة على غرار (مفاهيم مجترّة سياسيا وذات خطاب متماثل تقريبا) للمشروع الحضاري القومي العربي بإطار متماثل من حيث الشعارات والآليات ايضا. وربما سيطرح بعد حين (المشروع الحضاري الديمقراطي) لمنطقة الشرق الاوسط، كما تحاول الولايات المتحدة ذلك، من خلال (إعلانها) الاخير في ستراتيجيتها الجديدة بربط الحرب على الإرهاب بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ كلّ تلك المحاولات أيضا - من وجهة نظرنا - لا يمكنها الخروج من المأزق الفكري الذي تمرّ به الأمة في هذه المرحلة التاريخية الشائكة ما لم تجر مراجعة شاملة للواقع العربي والإسلامي.
لكننا في هذا المبحث السريع والمتواضع، سوف نحاول دراسة المشروع الإسلامي تحديدا لأنه المشروع الاكثر وقوعا في الوقت الحاضر، بعد الإعلان شبه الرسمي على فشل المشروع الحضاري القومي العربي الذي شغل الفكر العربي اكثر من حقبة من الزمن ناهزت القرن منذ بزوغ فجر النهضة العربية في بدايات القرن العشرين.
وإذا كانت مصر باعتبارها الحاضنة الاولى (للمشروع الإسلامي الإخواني) منذ ثلاثينات القرن الماضي، فهي ما تزال مرشّحة بقوة لأحتضان المشروع الإسلامي المستقبلي من جديد أيضا، وعلى نحو اكثر جدية وأقلّ عنفا، وأقرب إلى العقلانية السياسية مالم تتخذ وسائل المشروع القومي نفسها.. وبعد ان أعلنت (الجماعة السلامية) وهي فصيل عنيف سابق متقدم نبذها للعنف والتطرف. وإذا ما سنحت (الظروف المحلية والدولية) وتقدمت المسارات في التعبير عن الرأي- وهي بلاشكّ لابدّ لها من ان تكون كذلك بحكم الأحداث العامة في العالم والشرق الاوسط - فإن المشروع الإسلامي سيحقق نجاحات جديدة على مستوى الساحة العربية.
بيد ان الاوضاع تشير في الوقت نفسه إلى أن العراق سوف يكون المحك (العملي) لهذا المشروع الإسلامي المستقبلي، بعد أن أثبتت التجارب ان أفغانستان (القاعدة وطالبان) تحديدا كانتا أسوأ ما يمكن ان يعرضا من (تجديد) للمشروع الإسلامي المعاصر. فقد نتج عن هزيمة السوفيت في إفغانستان ان سقطت الفصائل الإسلامية الأفغانية في إقتتال مرير بينها، مما أفقد المشروع الإسلامي في إفغانستان صدقيته. وأعاد إلى الأذهان مرحلة الأقتتال المرير الذي مرّ به المسلمون قي مراحل مختلفة بعد العصر الراشدي.
اما الحركات (السلفية التكفيرية) وما عرف بالسلفية (الجهادية) او ( العلمية) وكذلك دعوات التشيع على أختلاف مراجعهم، فهي من الوضوح في رفض الآخر بما لا يدع مجالا للشكّ في مدى استيعابها لروح الإسلام السمحة ودعواته المتتالية للوحدة بين البشر وليس بين المسلمين وحدهم.
قال تعالى : كلكم من آدم وآدم من تراب ... إن اكرمكم عند الله أتقاكم.. ناهيك عن المخاطبات القرآنية لعموم البشر : ياأيها الذين امنوا يا أيها الناس.. دون تخصيص ذلك للمسلمين. ومئات من الآيات البينات الأخر التي لا تحتاج إلى كبير دليل على إنسانية الإسلام وروحه السمحة .. وكذلك آلاف من الاحاديث الصحيحة في المجال نفسه.
فإذا كان الإسلام يحمل كلّ هذه المعاني الإنسانية السامية فلم نشاهد كلّ هذا العنف والتكفير والألغاء بين المسلمين انفسهم؟ ورسول الله (ص) يقول: من كفر مسلما فقد كفر. وفي حديث صحيح آخر: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. لا شك بان خللا كبيرا في فهم طبيعة الإسلام وتكوينه قد حال دون وضعه في موضعه الصحيح. وعلى المسلمين - في هذا الإطار- ان يعيدوا النظر في مفهوم الإسلام المعاصر نفسه. ويمكننا من خلال مجمل الركام المتوارث والحالي أن نوجز المعوقات للعمل الإسلامي التوحيدي التي تتعلق بالمشروع الإسلامي بما يأتي:
1- ربط الإسلام بالسياسة وتفاصيلها اليومية، مما أفقده كثيرا من هيبته التقليدية في نظر كثير من المسلمين، بعد أن اتخذه بعض الإسلاميين وسيلة لتحقيق أهدافهم السياسية التي لا تصبّ غالبا في خدمة قيام مشروع إسلامي موحد. وأصبح الإسلام بعد ذلك بعيدا تماما عن المنطلقات الاساسية له، والمبنية على وحدة الجماعة الإسلامية والتحذير من تفككها. فليس ثمة (تعددية) مذهبية أو طائفية او فرقية في الإسلام إلا في حدود الأجتهاد المسموح به شرعا. فالرسول محمد (ص) حذر من ذلك جهارا في الضرب بقوة على المخالفين أو ما يعرف في التراث السياسي الإسلامي ب(الخوالف).
2- أمراض على مستوى الخلافات في التشريع والفقه والتفسير وتحويلها إلى خلافات سياسية واجتماعية وثقافية مسطحة. وقد نتج عن هذه الحال وقوع المسلمين في خلافات مذهبية وكلامية وفرقية يصعب تفاديها. كما قلل العمل في شؤون النظر في (المعاملات) بين المسلمين ومواقفهم من الحكام الجائرين على سبيل المثال، حتى بات المسلم القديم يدور في فلك خلافات تاريخية وفكرية اكثر من محاولته النظر إلى المشكلات التي تواجهه فعليا مما عطل من دور العقل بقوة وتمّ الاعتماد على النقل وحده تقريبا. وقد أنسحبت نسبيا تلك الحال على الإنسان المسلم المعاصر أيضا
3- صراعات مذهبية اتخذت طابع العنف والتكفير بين المسلمين. وهي عودة إلى أشدّ مراحل الاسلام العقدية ظلامية. ولم تستطع جميع الدعوات إلى إلغائها والحيلولة دون تمترسها الدائم خلف ما يعرف بامتلاك (حقيقة الإسلام الكاملة والوحيدة) او ما يعرف بالفرقة الناجية من دون الفرق جميعا. وكان الرسول محمد (ص) قد حذر المسلمين في مواقع كثيرة من الإنزلاق إلى مهاوي الفرقة والتناحر بعد ان توقّعه سلفا بينهم. ولذلك ينبغي دراسة المنهج النبوي في الكتاب السنة المطهرة وسيرة آل البيت(ع) لوضع منهجية محددة في الحكم على المخالفين.
4- عدم تفهم المفكرين الأسلاميين- على نطاق واسع - طبيعة الفكر الغربي واتخاذ مواقف متشنجة وغير عقلانية ورافضة غالبا إزاءه، فلم يستطع الفكر الإسلامي إستيعاب طبيعة التحديات الفكرية التي كونها الفكر الغربي، كما انه لم يحاول مناقشة الطروحات المتعلقة بالحريات الفردية والعامة على نحو علمي. ولم يستطع عموما ان يتخذ موقفا محددا بإزاء معظم الطروحات المتعلقة ببناء الدولة والمجتمع الحديثين عموما، مما اوقعه في خانة التخلف عن الركب العالمي في هذا المجال.
5- اتخاذ فكرة (التقريب بين المذاهب الإسلامية) طابعا شكليا غالبا، وعدم وجود فاعلية في هذا المجال على مستوى التشريع والعمل الإسلاميين. في وقت ان مسألة التقريب بين المذاهب يمكن ان تسهم بقوة في الحد من الأحتقانات الطائفية وتشيع الثقافة الإسلامية التوحيدية.
6- اضمحلال دور المؤتمر الإسلامي الذي يعدّ من أهم المؤسسات التي تعمل في إطار وحدة المسلمين، وخضوع المؤتمر إلى سياسات الدول الإسلامية غالبا مما أفقده (الإستقلالية) وعدم تمكنه من طرح فكرة المشروع الإسلامي التوحيدي على نحو أوسع.
7- لم تستطع الجماعات والأحزاب الإسلامية في العالم العربي والإسلامي أن تتخذ موقفا صريحا وواضحا ومبكرا بإزاء المواقف المشينة التي يعمل التطرف الإسلامي والتكفيري على إذكائها مما اوجد صورة مشوهة للإسلام ليس في أذهان الغربيين بل في أذهان المسلمين أنفسهم.
8- تحول معظم المشروعات الإسلامية إلى ميليشيات عنفية، او خلايا نائمة، تعتمد استعمال القوة بالدرجة الأساس ضدّ المسلمين أنفسهم. مما أبعد المسلمين عموما عن دائرة الحوار والمناقشة وتبادل الرأي الحر في مواجهة المشروعات الغربية والاميركية، فضلا عن شيوع ظاهرة الامية الثقافية الإسلامية على نطاق واسع، والحد من الحريات الدينية في معظم البلدان الإسلامية، وتنامي ظاهرة (العلماء) الحكوميين بشكل لافت. ناهيك عن أستمرار ظاهرة (التقليد) للعلماء الموتى بالنسبة للسنة وللعلماء الاحياء بالنسبة للشيعة، وما نتج عن ذلك من تقاعس المسلمين عن البحث في شؤون الدين. وصدق البروفيسور في التاريخ الإيراني هاشم أغاجاري الذي أعلنها صراحة بوجه المرشد الأعلى: لست قردا فأقلد.. مما عرضه للحكم بالأعدام طبعا. علما بأن التقليد لغير المعصوم باطل عقلا وشرعا.
والحال نفسه من الجمود الفكري بما يتعلق بالحركات والأحزاب ذات الصبغة الإسلامية، فعلى الرغم من ان الإسلام في معظم ادبياته وتعاليمه الدينية السمحة المعروفة يدعو إلى الوحدة ونبذ الأتباع لغير الرسول وآل بيته الأطهار (ع) ونبذ الفرقة بكل أشكالها سواء في منظور القرآن الكريم او السنة الشريفة او احاديث الأئمة من اهل البيت، لكنها آثرت الفرقة والأصطراع، مما افقدها صدقيتها الإسلامية التوحيدية. فلماذا لم تلتزم الأحزاب والحركات الإسلامية بالمنهج الإسلامي التوحيدي المعلن منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام؟ ألم يقرأوا قوله تعالى: َقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب : 67]
لا شك بان تفسير التاريخ الإسلامي والحوادث التي وقعت فيه يحول دائما دون ظهور حزب إسلامي موحد على مستوى العالم الإسلامي كله. كما ان أسلوب رفض الآخر هو من أهم معالم هذا التيار الديني الذي يتصف غالبا بالتقوقع ومعرفة منتهى الحقائق عن الدين وما يدعيه كلّ طرف..
وإذا كان ثمة محاولات متواضعة في هذا المجال فإنها ستؤول إلى الفشل غالبا؛ وذلك لعمق الخلافات المذهبية والفكرية والفقهية حتى يبدو وكأننا امام نماذج مختلفة من الإسلام وليس دينا واحدا؟! ولعل هذا الوضع هو الذي جعل من بعض المفكرين ينظرون إلى الإسلام بمنظار مختلف بعيد عن روحه التوحيدية ونظرته الواحدية إلى الإنسان.
ووقفت معظم التيارات الإسلامية منذ البداية ضد كل ما هو متغرّب من افكار أنتجها الغرب او الشرق وشنّ حربا (دعائية غالبا) ولا هوادة فيها ضد الشيوعية والاشتراكية والقومية والديمقراطية وغيرها من الأفكار باعتبارها من (البدع) التي يروج لها (الغرب الكافر الصليبي) في العالم الإسلامي. ودون ان يقدم هؤلاء الرافضين بديلا واضحا توحيديا للأمة الإسلامية يزيح عنها غبار القرون السود.
إن مشكلات وامراض المشروع الإسلامي من الكبر والأتساع والتناقض الذي يجعل من الإسلام مشروعا حضاريا لا يقلّ شأنه في الفشل الذريع عن المشروع الحضاري القومي الذي انهار حديثا يجرّ اذيال الهزيمة دون ان تنفعه تطبيبات المطببين وتنويعات المعنيين بالشأن القومي. ولذلك لابد من الإسراع في معالجة تلك الاوضاع المزرية وسط هجمة شرسة يتعرض لها الإسلام وتلحق به أشنع الصفات، مما يوجب على العلماء العاملين والباحثين من المسلمين العمل الجاد في هذا المجال.
وهاهم (الجماعة الإسلامية) في مصر يضربون المثل تلو الآخر على إمكانية ان تكون الحركة الإسلامية بلا عنف. فلماذا لا ندرس وقائع هذه الحركة ونبين مدى إنسانية الإسلام العظيم في احتواء جميع المستحدثات السياسية والفكرية والثقافية التي تواجه المسلمين بعيدا عن حالة التشنج والعنف ورؤية أمتلاك الحقيقة الكاملة من دون الناس اجمعين؟
ثمة حديث نبوي شريف مشهور لدى عموم المهتمين بالتراث الإسلامي: أنك يا بن آدم إذا ما وجدت في يدك نبتة قبل قيام الساعة بلحظة فازرعها.. بهذه الروحية العظيمة يخاطب الرسول محمد (ص) بني البشر. وبهذه الروحية الإنسانية يعلم الرسول أتباعه في كلّ العصور. فإن خطابه في ضرورة الحياة لا يعني المسلمين وحدهم، بل هو موجه إلى الإنسانية جمعاء.
وعلينا كمسلمين ان نحصي هذه الأحاديث النبوية الصحيحة الموجهة إلى الإنسانية قبل اكثر من 1400 عاما لكي نظهر الوجه الإنساني الآخر للرسول محمد (ص) بعد ان كثرت الدعاوى المقيتة في تشويه صورته الإنسانية أخيرا. ومن يستحق مثل هذا الجهد غير نبي الرحمة والإنسانية؟
لكن الجماعات التكفيرية القديمة والحديثة على حدّ سواء لا ترغب في رؤية (خطابات) إنسانية للرسول(ص) على هذه الشاكلة. وإذا واجهتها فإنها تأوي إلى تفسيراتها الخاصة، وهي لا تلبث مرددة (خطابات) تؤمن بها مسبقا. إنهم لا يفكرون بما يعلّمنا الرسول بمقدار ما يفكرون بما يجنوا من مصالح سياسية بحتة. ولا بما يعلمنا الرسول والأئمة من بعده، بل بما تجود به نفوسهم المريضة تاريخيا أولا: خطابات تدعو إلى التدمير والفناء والرغبة بالغاء الآخر عن طريق التغييب الجسدي قبل أية طريقة اخرى للتغييب.. هذا ما درج عليه الإسلاميون القدماء وما يدرج عليه الإسلاميون الجدد أيضا على اختلاف مللهم ونحلهم.
هذه البدعة البائسة بين المسلمين بين ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي ؟ وكأن المسلمين أصبحوا في خندقين مسلمين وإسلاميين؟!! سبحان الله كيف يمكن ان تتجزأ امة محمد (ص) على هذه الطريقة من جديد وهو القائل : ما اجتمعت أمتي على باطل؟ والآية الكريمة: وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا... ومن يكون حبل الله غير التمسك بتعاليم الإسلام السمحة والإنسانية؟
ويبدو الامر مختلفا كثيرا لدى بعض الإسلاميين (الجدد) فهم لا يرون من هذا العالم غير التدمير والصراع وسيل من أنهار الدماء من اجل إرضاء النفوس التواقة للعنف فقط.. وهو يعكس نوعا واضحا من النكوص والنقص الحضاريين تجاه الغرب. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولا يهمهم إن كانت هذه الدماء مسلمة او غير مسلمة على الرغم من ان الله سبحانه وتعالى قد امر بعدم الأعتداء، وان الله لا يحب المعتدين دائما. لكنهم يجدون في إثارة النعرات والعداوات طريقا وحيدة ضدّ (العدو الغربي) وضدّ بعضهم البعض الآخر في الوقت نفسه.
هؤلاء التدميريون قد جلبوا معهم أسلوب الصهاينة نفسه في التعامل مع الآخر وما اورثوه لهم من مهالك في فلسطين بعد الإحتلال. والصهاينة هم من جلب آلة الإرهاب إلى المنطقة اولا، وعمل على زرع الكراهية والعنف فيها منذ حوادث دير ياسين ودير البقر وصبرا وشاتيلا وقانا الاولى والثانية ومعسكر أنصار ومخيم جنين والقائمة الدموية من الطول بمكان. وحتى يومنا هذا ما زالت إسرائيل تمارس الاعمال نفسها إن لم تكن على نحو اشد..
ألم تكن المنظمات الصهيونية الشتيرن والهاغاناه والأرغون وغيرها من المنظمات الإرهابية أول من جلب الإرهاب إلى منطقة الشرق الاوسط؟ من قتل الكونت برنادوت؟ أولم يكن قادة هذه المنظمات الإرهابية الصهيونية هم قيادات أسرائيل السياسية على مدى خمسين عاما خلت؟ الصهاينة والاميركان بأساليبهم القديمة والجديدة هم من فرّخ الإسلاميين العنيفين في منطقة الشرق الاوسط، وأساليبهم التدميرية، هي التي جلبت العنف إلى العالم الإسلامي. والإسلاميون المتطرفون هم الصورة المنعكسة كردة فعل للعنف الصهيوني على مدى اكثر من نصف قرن في هذه المرحلة.
وإذا كان من الصعب متابعة تلك النزعات لغير المتخصصين في التاريخ الإسلامي فإن كثيرا من غير المتخصصين يجدون أهمية قصوى في دراسة نزعة التدمير لدى المسلمين ومن ثمّ محاولة الكشف من جديد عن المضامين الإسلامية الحقيقية التي بقيت مطمورة تحت ركام المذابح بين فرق المسلمين أنفسهم. ولا غرو في ذلك أبدا فإن الإسلام سيعود غريبا كما بدا غريبا: سيعود بوجهه الإنساني كما بدأ بوجهه الإنساني أيضا ؛ كحل روحي عظيم للبشرية كلها.
واليوم يظهر بعض الإسلاميين من جديد ويوجه السؤال إلى كلّ مسلم : أأنت إسلامي ام لا؟ أأنت سلفي ام لا؟ أأنت من اتباع هذا الحزب السياسي ام ذاك؟ أانت من هذه الفرقة ام من ذاك المذهب؟ هذه النظرة التجزيئية هي التي تلبس الناس شيعا ليذق بعضهم بأس بعض.. أليس كذلك؟ سبحان الله كيف يمكن للدين الإسلامي ان يتحول إلى تجارة سياسات رخيصة؟ وكيف يصبح المسلمون أتباعا للكبراء والسادات وقد نهى الله عن ذلك صراحة في القرآن الكريم؟ وهل هو دين الرحمة والشفقة الذي درسناه في مدارسنا ام هو دين غيره؟
لا شكّ بان الطامة الكبرى التي تواجه المسلمين في هذا العصر هي هذه النزعة المستمرة في إلغاء الآخر سواء كان مسلما على طريقتهم ام غير مسلم. هكذا هي نزعة تدمير الآخر وعدم خوض أي حوار معه. تعالوا إلى الخطب التي يلقيها أسامة بن لادن على موقعهم المسمى (التوحيد والجهاد) وهم من اكثر المسلمين دعوة لرفض التوحيد، لشيوع ظاهرة التكفير بينهم، وحرف مفهوم (الجهاد) عن معانيه الإنسانية الدفاعية السامية، والسير به بعيدا عن مقاصده. لتعلموا كم هم مقدار الجهل بالدين وعلاقات الدنيا.. إنهم لا يستسيغون ما هو مغاير لهم على الأطلاق. هذه الاحادية التي تفترض الإلغاء للآخر بلا روية، وبعد ان يساء مفهوم الصف الواحد، وليتحول إلى ما هو في عنفي فقط. وكأن العالم قد فصّل على مقاسهم. وكأنهم لم يقرأوا الآية الكريمة " لو شاء الله لجعلكم امة واحدة".
ومن هنا فإن على علماء المسلمين (العاملين) من جميع المذاهب والفرق والملل والنحل وأهل الطرق وأهل السلف الصحيح ان يشمروا عن سواعدهم لدرء الخطرالمحدق بالإسلام والمسلمين، وإشاعة ثقافة السلم والمحبة والاخوة وتعميق روح التسامح.. وصولا إلى إظهار الوجه الإنساني للإسلام. الا يكفينا فرقة وتناحر؟ اما يكفينا ضياعا وتدابر؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه.. المفكر وجيه قانصو: الدولة الإسلامية مفهوم غربي


.. رفع الأذان فوق ركام مسجد رغم تدمير الاحتلال له كليًا




.. 21-Ali-Imran


.. 22-Ali-Imran




.. 23-Ali-Imran