الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقعة السقيفة وأثر صلح الحديبية

باسم محمد حبيب

2022 / 8 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يعد صلح الحديبية الذي عقد في عام 6 هـ | 628 م من الأحداث المهمة في تاريخ الإسلام ، لأنه مهد لانتشار الإسلام بين قبائل الجزيرة العربية ، وظهور مفهوم الدولة الإسلامية ، فهل جاء هذا الأمر كنتيجة طبيعية لتنامي القوة الإسلامية ؟ أم كان هناك عامل آخر أسهم في ذلك وهو ما سنحاول طرحه في مقالتنا هذه .
أن أهم حدث وقف عنده المؤرخون طويلا هو حدث السقيفة الذي لا يمكن تجاهل كونه أحد الأحداث الخطيرة في مسار الدعوة الإسلامية ، وهو حدث لم يأتي من دون مقدمات ، أهمها : عقد صلح الحديبية الذي أثار جدلا بين المسلمين ، و ما حصل قبيل فتح مكة عام 8 هـ | 630 م من مفاوضات بين الرسول محمد وأبو سفيان بن حرب أحد زعماء مكة الكبار آنذاك ، وهي مفاوضات لم يذكر المؤرخون شيئا من تفاصيلها ، عدى حصول أبو سفيان على وعد من الرسول بعدم إستهداف أهل مكة عند دخول المسلمين إليها ، إذ جرى الإعلان بعد المفاوضات على أن " من دخل الكعبة فهو آمن ومن دخل دار أبو سفيان فهو آمن ومن دخل بيته فهو آمن " (أبن هشام ، أبي محمد عبد الملك ، السيرة النبوية ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ، ج4 ، دار الفكر ، بيروت ، 2007 ، ص 33 ) ، لكن هل هذا هو كل ما جرى الإتفاق عليه ؟ أم هناك أمور جرى الإتفاق عليها إلا أن التاريخ لم يذكرها ، ومن ذلك الموافقة على استمرار طقس الحج ، على أن يتم ذلك بعد تخليص الكعبة من الأصنام لأنها تتناقض مع الوحدانية التي نادى بها الإسلام ، إذ كان هذا من العوامل التي أسهمت في أقناع القرشيين بدخول الإسلام ما داموا قادرين على ضمان تجارتهم التي يحييها موسم الحج ، إذ ربما قدم أبو سفيان هذا الطلب عند لقائه الرسول قبيل فتح مكة ، كأحد شروط المكيين للدخول في الإسلام .
لكن قد يقول قائل أن الدخول إلى مكة كان قد تقرر قبل سنة أو سنتين من فتح مكة ، ما ينفي كون ذلك جاء بسبب المفاوضات التي جرت بين الرسول وأبو سفيان ، وجوابنا على ذلك يتمثل بثلاثة فرضيات : إما أن هذا الأمر قد تم ترتيبه هكذا من قبل المؤرخين المسلمين ، أو أن ما كان يريده الرسول في تلك المدة ليس سوى زيارة الكعبة كونها بيت الله وليس لأداء مناسك الحج ، فليس من المعقول أن يقرر الرسول الحج إلى الكعبة في وقت كانت قريش فيه تعاديه وتشكل خطرا كبيرا عليه ، فضلا عن أن الكعبة كانت آنذاك تضم عشرات الأصنام التي تمنع ذلك ، أما الفرضية الأخرى فهي أن التوافق على ذلك بين الرسول وأبو سفيان تم قبل صلح الحديبية بمدة ، وأن عزم الرسول زيارة الكعبة جاء تمهيدا لذلك ، إذ أن إحدى الروايات تشير إلى قدوم أبو سفيان إلى الرسول بعد هجوم قبيلة بكر حليفة قريش على خزاعة حليفة الرسول وخشية قريش من أن يتخذ المسلمون هذا الأمر ذريعة للهجوم عليهم ، لكن الرواية أشارت إلى عدم استجابة الرسول لطلب ابو سفيان تجديد الهدنة (ابن هشام ، ج4 ، ص 27) ، وأن حصول ابو سفيان على وعد من الرسول بعدم استهداف أهل مكة جاء أثناء تحرك المسلمين لغزو مكة وبوساطة العباس بن عبد المطلب (أبن هشام ، ج4 ، ص 32 – 34 .) ، وهذا برأي أمر مشكوك فيه ، أنطلاقا من صعوبة تصديق إقدام أبو سفيان على المغامرة بالأقتراب من المسلمين وهو يعلم بأنهم قادمون للهجوم على مكة ، فضلا عن الأحداث الأخرى في الرواية التي يبدو من سياقها أنها مفبركة وكتبت لخدمة طرف معين .
لقد أخذ علي بن أبي طالب – على ما يبدو - جانب التقارب مع سادة قريش ، وخير دليل على ذلك موقفه من أبو سفيان عند مجيئه للمدينة قبيل فتح مكة ، إذ تشير الروايات إلى أنه استقبل أبو سفيان في بيته ونصحه قائلا : " أنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ثم ألحق بأرضك " فقام أبو سفيان إلى المسجد فقال : يا أيها الناس أني قد أجرت بين الناس ثم عاد إلى مكة "( ابن هشام ، ج4 ، ص 27) ، ومن المحتمل أن دور علي لم يقتصر على ذلك بل وربما أسهم هو وعمه العباس بقبول الرسول بمطالب أبو سفيان ، ومنها ما يتعلق بالحج والعفو عن أهل مكة ، وعلى الارجح قد أثار هذا غضب الأنصار ، فضلا عن جماعة من المهاجرين من بينهم أبو بكر ، الذي ربما كان يخشى أن يفقد مكانته في الإسلام بعد إسلام سادة مكة ، وهو أمر ربما كان يشاطره فيه عمر أيضا ، الذي تشير روايات عدة إلى محاولته التحريض ضد سادة مكة ، كما في الرواية التي عرضت تحريضه أبا جندل ضد أبيه سهيل بن عمرو الذي رفض إسلامه ، وطالب الرسول بإعادته له إستنادا لبنود صلح الحديبية الذي يسمح له بذلك ( البخاري ، حديث 2731 ، خلاصة حكم المحدث ) ، كما حاول قتل ابو سفيان عند مجيئه مع العباس لمقابلة الرسول أثناء فتح مكة ( أبن هشام ، ج4 ، ص 33 ) .
ومن ثم لو صح ما طرحناه من أن قرار زيارة مكة كان أمرا ممهدا لإقرار فريضة الحج ، فأن قبول الرسول بالعودة وعقد صلح الحديبية مع قريش من دون القيام بتلك الزيارة جاء لقطع الطريق على من يريد دخول مكة وهو يزمع الشر بأهلها و سادتها ، وعلى ما يبدو أن علي بن أبي طالب لم يكن فقط مجرد كاتب لبنود الصلح (الطبري ، محمد بن جرير ، تاريخ الأمم والملوك ، ج2 ، ص 630 ) ، بل وربما كان ممن أسهم في المفاوضات التي جرت مع ممثل قريش سهيل بن عمرو والتي توجت بأبرام الصلح ، ما دفع كثير من المسلمين إلى إعلان تمردهم على هذا القرار (البيهقي ، الدرر ، ج1 ، ص193 .) ، ومن هؤلاء عمر بن الخطاب الذي تقول الروايات أنه " كلم الرسول قائلا : عَلامَ نعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا ؟ فكان رد الرسول : أنا رسول الله ولن يضيِّعَني ، فقال : أو لستَ كنتَ تحدِّثُنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى ، فأخبرتك أنّا نأتيه هذا العام ؟ قال : لا ، قال : فإنّك آتيه ومطوِّف به " (البخاري ، ج2 ، ص978 ، حديث 2581 كتاب الشروط ) ، ولكن موقف الرسول كان حازما عندما قام بحلق رأسه ولبس لباس الإحرام ، ما دفع المسلمين لتقليده ، فهدأ الأمر مؤقتا (أبن كثير ، البداية والنهاية ، ج4 ، ص169 ) ، ثم عادت المشكلة مرة أخرى عندما سار المسلمون لفتح مكة ، فوقتها كان بعض الأنصار عازمون على أستخدام العنف ضد المكيين وعدم الإلتزام بأوامر الرسول حول دخول مكة سلما ، إذ نادى زعيم الحزرج (سعد بن عبادة) أمام مرأى الرسول " اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة اليوم أذل الله قريشا " فأمر الرسول أبن عمه علي أن يأخذ الراية منه ، ونادى " اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله قريشا " (أبن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ١٧ ، ص ٢٧٢) ، وكان هذا كافيا لأيقاف من كان يريد دخول مكة حربا .
لقد شاع بين المسلمين أن الرسول يريد هجر المدينة والعودة إلى مكة ، وهو ما كان يخشاه المهاجرين والانصار ، لكن الرسول حسم الأمر بالبقاء في المدينة ، ربما تلافيا لما قد يحصل بعد أن أنتشر التذمر من ذلك في أوساط الأنصار والمهاجرين ، لقد أشارت بعض الروايات إلى تعرض الرسول لمحاولة اغتيال بعد عودته من تبوك ، إذ أوردت هذه الروايات أن الرسول شعر أن هناك من يريد أستهدافه ، فأمر منادياً أن ينادي بالناس : أن رسول الله آخذ بالعقبة فلا يأخذها أحد ، لكن بينما الرسول راكب على جمل يقوده حذيفة ويسوقه عمار ، إذ أقبل رهط ملثمون على الرواحل ، فغشوا عماراً وهو يسوق جمل الرسول ، فأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل ، فقال الرسول لحذيفة قد قد ، حتى هبط الرسول من الوادي (إبن كثير - البداية والنهاية ، الجزء 5 ، ص 26 ) ، وبحسب البعض أن هناك من أراد اغتيال الرسول بقطع حبال ناقته حتى يقع الرسول منها على الصخور بعد أن يجعلوها تنفر ، وأن الرسول كان على علم بالجهات التي استهدفته إلا أنه لم يستطع أن يتخذ أجراءا ضدها في حينه ، لكن هذا الأمر فيه شك كبير ، ففضلا عن الشك في صحة الرواية ، هناك شك في أن الدافع وراء ذلك ، الحذر من المفاجآت ، وتلافي المخاطر المحتملة ، التي يمكن أن تواجه الرسول في مثل هذه الحالات .
ثم قرر الرسول أرسال حملة إلى الشام عام 632 م بقيادة أسامة بن زيد ضمت كبار الصحابة ، فرفض بعضهم ذلك ، معللين رفضهم بعدم قبولهم تولي فتى صغير قيادة الحملة (أبن هشام ، ج4 ، ص 225 و ص 232 – 233 ) ، فيما يعرض رأي آخر أن السبب لخشيتهم من أن يكون الهدف من ذلك لأبعادهم عن المدينة ومنعهم من التأثير على قرار أراد الرسول أتخاذه آنذاك ، وفي هذه الأثناء مرض الرسول مرضا مفاجئا فأتخذه كبار الصحابة عذرا لهم للبقاء في المدينة بانتظار ما تسفر عليه الأحداث (أبن هشام ، ج4 ، ص 226 ) ، وترى إحدى النظريات أن الرسول لم يمرض بل اغتيل بالسم ، إذ ورد في حديث نقله عروة بن الزبير عن عائشة ، أن الرسول قال لها : " يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم" (البخاري ، ج 7 ، ص 791 ، حديث : 4428 ) ، لكن إذا كان الرسول قد مات بالسم ، فلا يمكن أن يكون ذلك بسبب الطعام الذي أكله في خيبر ، لأن السم لا يبقى في الجسد مدة طويلة ، ومن ثم فأن هذه النظرية تصح فقط إذا أفترضنا أنه الرسول سمم قبل أيام من وفاته وليس قبل ثلاث سنوات ، وتروي أحدى الروايات ، أن الرسول بعد أن أشتد المرض عليه ، دعا بعض الصحابة الذين كانوا جالسين قربه إلى أن يأتوه بكتاب قائلا لهم : سـأكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده ، لكن عمر قال : أن النبي غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبُنا ؛ فاختلفوا وكَثر اللَّغط ، فقال الرسول لهم : قوموا عنِّي ، ولا ينبغي عندي التنازع (البخاري بحاشية السندي ، ج1 ، ص 32 ، حديث : 33 ، باب كتابة العلم ) ، ويرى بعضهم أن قول عمر ذلك هو شفقة بالرسول ، فيما يرى آخرون أن الهدف لمنع الرسول من اختيار من يخلفه بعد وفاته .
لقد كان الترقب يهيمن على الناس في أثناء مرض الرسول ، لكن من جانب آخر كان الوضع معقدا أيضا ، فبحسب الروايات أن الرسول وضع في بيت عائشة التي باتت هي من تنقل أوامره إلى الناس (أبن هشام ، ج4 ، ص 226 و 234 . ) ، فيما لم يسمح إلا لعدد محدود بالدخول إليه من بينهم : أبنته فاطمة و متبناه أسامة بن زيد وأبن عمه علي بن أبي طالب وعمه العباس بن عبد المطلب ، و لكن الأغرب من كل هذا ، هو أنه لم يتم دفن الرسول الذي بقي مسجى من دون دفن ليومين متتاليين ، إذ يرى بعضهم أن ذلك نابع من عدم تصديق المسلمين لوفاة الرسول ، بدليل ما روي بأن عمر هدد بقتل كل من يقول أن الرسول مات (أبن هشام ، ج4 ، 237 ) ، فيما يحتمل أيضا أن يكون هناك من منع دفنه إلى حين حسم أمر الخلافة ، ومما يلاحظ في اجتماع السقيفة أن موقف الانصار لم يكن قويا في المطالبة بالخلافة ، لا بل أنهم سارعوا لمبايعة أبو بكر فور مبايعة أبو عبيدة و عمر له (أبن هشام ، ج4 ، 238 – 240 ) ، ولا نستطيع أن نجزم بأن هناك قوى عملت على فرض أمر معين ، وأن إنقلابا ما قد بدأ مع إشتداد المرض على الرسول ، مع أن هناك مؤشرات تعرض ذلك كما بينا ، لكننا نعتقد بأن هناك من كان يعمل ليس فقط لمنع علي من تولي الخلافة ، بل ومنع بني هاشم وعصبة قريش من أن يكون لها دور ونفوذ في العهد الجديد أيضا ، وليس أدل على ذلك من إلغاء أبي بكر لسهم المؤلفة قلوبهم الذي نصت عليه الآية : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين و في سبيل الله وأبن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " (سورة التوبة ، الأية : 60 ) ، والذي شمل أبو سفيان أبن حرب وأولاده وعدد آخر من أسياد قريش والقبائل الأخرى (أبن هشام ، ج4 ، ص 108 ) ، إذ جرى ذلك نزولا عند رأي عمر ، الذي كان يرى أن الأسلام أقر ذلك في وقت كان فيه بأمس الحاجة لدعم هؤلاء ، أما وقد بات عزيزا منيعا ، فلم تعد هناك حاجة لمثل هذا الأجراء (الخطيب البغدادي ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، من حديث يعقوب بن سفيان الفسوي ، ج 2 ، ص 204 ) ، فضلا عن كلام عمر لأبن عباس الذي قال فيه : أن قومكم " كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة ، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت " (الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، ج 2 ، ص 417 – 418 ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا