الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البنيالوجيا فلسفة البنية الأدبية

حسن عجمي

2022 / 8 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


البنيالوجيا عِلم البنية الذي يحلِّل البنية على أنها معادلة رياضية. بذلك تختلف البنيالوجيا عن البنيوية التقليدية لأنَّ البنيالوجيا تعرِّف البُنى على أنها معادلات رياضية بينما تكتفي البنيوية الكلاسيكية بتعريف البُنى على أنها عناصر و علاقات بين تلك العناصر بلا أن ترتبط بمعادلات رياضية. ومن جراء تأكيد البنيالوجيا على أنَّ البُنى معادلات رياضية تصبح عِلماً حقيقياً للبُنى بفضل إمكانية اختبار المعادلات الرياضية. تعتبر البنيالوجيا الأدبية أنَّ أيّ نصّ يتكوّن من بنية هي عبارة عن معادلة رياضية على ضوئها ينشأ النصّ ويتشكّل.

مثل على تطبيق البنيالوجيا هو تحليل النصّ على أنه بنية معادلاتية رياضية مضمونها التالي: النصّ الفعلي = كل النصوص الممكنة + كل النصوص المستحيلة. النصّ الفعلي هو النصّ المكتوب أو المسموع. أما النصّ الممكن فهو النصّ المنسجم بمضامينه بينما النصّ المستحيل فهو النصّ غير المنسجم بمضامينه. النصوص الممكنة والمستحيلة نصوص افتراضية مختلفة فتتصارع وتختزل بعضها البعض فينتج عنها النصّ الفعلي كخلاصة صراع تلك النصوص الممكنة والمستحيلة المتعدّدة والمتنوّعة. النصوص الممكنة والمستحيلة هي النصوص المتوازية للنصّ الفعلي. خلال عملية إبداع أيّ نصّ، تتصارع النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة و ما يبقى من صراعها يتحوّل إلى نصّ فعلي. هكذا كل نصّ فعلي هو مجموع كل النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة. و لذا من الممكن دائماً تفسير أيّ نصّ أو تأويله بتفاسير أو تآويل مختلفة مُعبِّرة عن تلك النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة الموجودة ضمنياً في كل نصّ فعلي. هكذا تفسِّر هذه البنية المعادلاتية للنصّ لماذا توجد تفاسير و تآويل متنوّعة لأيّ نصّ. وبذلك تكتسب هذه البنية قدرتها التفسيرية الناجحة ما يعزِّز صدقها.

بالإضافة إلى ذلك، بما أنَّ، بالنسبة إلى بنية النصّ المعادلاتية، النصّ الفعلي = كل النصوص الممكنة + كل النصوص المستحيلة، وعلماً بأنَّ النصوص الممكنة تصف الأكوان الممكنة التي من ضمنها عالَمنا الواقعي لأنه كون ممكن و إلا لم يوجد، إذن بنية النصّ المعادلاتية تتضمن نشوء النصّ الواقعي الذي يصف بطبيعته عالَمنا الواقعي ما يفسِّر وجود الأدب الواقعي. و إن كان النصّ الفعلي = كل النصوص الممكنة + كل النصوص المستحيلة، بينما بعض النصوص الممكنة تصف أكواناً ممكنة مغايرة لعالَمنا الواقعي (لأنها نصوص ممكنة فصادقة في أكوان ممكنة مختلفة عن عالَمنا)، فحينئذٍ من المتوقع أيضاً وجود نصوص مغايرة للواقع أي نصوص خيالية فنحصل بذلك على الأدب الخيالي. و بما أنَّ النصّ الفعلي = كل النصوص الممكنة + كل النصوص المستحيلة، والنصوص المستحيلة تصف أكواناً مستحيلة الحدوث، إذن من المتوقع أيضاً وجود نصوص عبثية تصوّر المستحيلات وبذلك يوجد الأدب العبثي. على ضوء كل هذه الاعتبارات، تنجح بنية النصّ المعادلاتية في تفسير نشوء الآداب المختلفة (كالأدب الواقعي والخيالي والعبثي) وبذلك تكتسب فضيلة هذا النجاح التفسيري ما يدلّ على صدق مضمونها القائل بأنَّ النصّ الفعلي = كل النصوص الممكنة + كل النصوص المستحيلة.

إن لم يكن النصّ الفعلي = كل النصوص الممكنة + كل النصوص المستحيلة لاستحال حينئذٍ قراءة النصّ على أنه ممكن فمنسجم ومقبول أو صادق أو قراءته على أنه مستحيل فمتناقض وعبثي أو مرفوض. بذلك إن لم يكن النصّ الفعلي مجموع كل النصوص الممكنة والمستحيلة لاستحال تقييم أيّ نصّ. من هنا، كل نصّ حاو ٍ على كل النصوص الممكنة والمستحيلة ما يستدعي قراءته بقراءات عديدة ومختلفة فيحتِّم استمرارية البحث المعرفي. و ما يصدق على النصّ الأدبي يصدق أيضاً على النصوص الأخرى كالنصوص الفلسفية والعلمية حيث يتكوّن كل نصّ فلسفي أو علمي من نصوص فلسفية أو علمية متوازية ومختلفة ومتصارعة فيؤدي إلى نشوء النصّ الفلسفي أو العلمي الفعلي كخلاصة للصراع بين تلك النصوص المتنافسة ما يفسِّر بدوره وجود قراءات وتآويل مختلفة ومتنوّعة لأيّ نصّ فلسفي أو علمي لأنَّ أيّ نصّ يحتوي ضمنياً على كل النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة.

مثل تطبيقي على صدق معادلة البنية الأدبية هو النصّ التالي للشاعر نزار قباني: "أحاول منذ الطفولة / أن أتصوّر شكلَ الوطن أحاول منذ الطفولة رسمَ بلاد ٍ / تسامحني إن كسرتُ زجاجَ القمر أحاول رسمَ بلاد ٍ بها بشرٌ يضحكون..ويبكون مثلَ البشر / أحاول أن أتبرأ من مفرداتي / و من لعنة المبتدأ..والخبر أحاول منذ البدايات / أن لا أكون شبيهاً بأيِّ أحد أحاول إحراق كلّ النصوص التي أرتديها / فبعض القصائد قبرٌ / وبعض اللغات كفن و واعدتُ آخر أنثى / ولكنني..جئتُ بعد مرور الزمن..". يحتوي هذا النصّ الشِّعري على نصوص متوازية وافتراضية ممكنة ومستحيلة عديدة ومتنوّعة أدت إلى نشوئه فعلياً. من تلك النصوص الممكنة نصّ سياسي ينتقد الأوطان التي لا تسامح أبناءها رغم براءتهم (حين يكسرون زجاج القمر) و نصّ فكري يدعو إلى التحرّر من أحكام اللغة والفكر المُسبَقة (بقوله مثلاً "أحاول أن أتبرأ من مفرداتي / و من لعنة المبتدأ والخبر...") و نصّ رومانسي يواعد به آخر أنثى و نصّ مستحيل عبثي ألا وهو المجيء بعد مرور الزمن (فمن المستحيل أن يجيء أحد بعد مرور الزمن أي غياب الزمن لأنَّ الإنسان لا يوجد سوى في الزمن). هكذا توجد هذه النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة ضمنياً في نصّ الشاعر و بفضلها يتشكّل النصّ و يوجد.

إن كان كل نصّ يتكوّن من كل النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة والمختلفة وبذلك توجد النصوص المتوازية المتنوّعة ضمن أيّ نصّ فعلي كما تقول بنية النصّ المعادلاتية فحينئذٍ المنهج الأفضل في دراسة النصوص هو المنهج المتوازي الذي يهدف إلى اكتشاف النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة ضمن النصّ نفسه. من فضائل المنهج المتوازي في دراسة الأدب والآداب الأخرى الفلسفية والعلمية فضيلة البحث في كل الممكنات والمستحيلات الموجودة ضمنياً في النصّ ذاته بدلاً من الاكتفاء بدراسة بُعد واحد مُحدَّد للنصّ. هكذا يُعنَى المنهج المتوازي بدراسة كل أبعاد النصّ الخفية التي أنتجت النصّ وجعلته نصّاً فعلياً ما يحرِّر الناقد من أن يُسجَن في قراءة واحدة مُحدَّدة. وتحرير الناقد والنقد تحرير للنصّ ومُنتِجه. من هذا المنطلق، المنهج المتوازي منهج تحرير النصّ ومبدعه وقارئه من سجون أحادية المعنى والفهم والقراءة والنقد لأنه يدرس كل النصوص المتوازية الممكنة والمستحيلة الكامنة في النصّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام