الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون نيوتن الثالث- الأم والتابوت

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2022 / 8 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اقتربتُ من الدرج الكهربائي الصاعد ومعي كيس ثقيل من المشتريات. لاحظتُ أن الدرج متوقف عن العمل. لم يكن ذلك عطلاً، بل كانت مستشعرات الدرج قد رصدت عدم وجود حركة طوال فترة زمنية تصميمية ، فأوقفتْ عمل الدرج.
فكرتُ وأنا أهم بالاقتراب من أولى الدرجات بقانون نيوتن الثالث حول الفعل ورد الفعل. وتحسبت لرد فعل قد يدفعني أنا وكيس مشترياتي الثقيل نحو الخلف حين يبدأ الدرج بالحركة .
هذا ما حدث فعلاً، وكان احتياطي جيداً ، فلم أسقط إلى الخلف.
لا جديد اكتشفته في هذا القانون. فهو يفسر كثيراً من الأشياء الواقعية التي تحدث حولنا. هو يفسر كيف حين نصدم الأرض بالقدم ، نقفز نحو الأعلى حسب شدة قوة الاصطدام. وهو يفسر كيف ترتد الكرة بعد اصطدامها بالجدار أو الأرض.
وهو يفسر أيضاً حالات وجودية كثيرة. فالأم أثناء المخاض تدفع طفلها للخروج من رحمها، وهذا الدفع بدوره يسبب ردة فعل، يدفع الطفل فيه أمه نحو الخلف قليلاً.
الأم مثبتة إلى السرير ، وقوة رد الفعل ضعيفة جداً ، فكتلة الطفل صغيرة جداً. لكنه بلا شك يدفع أمه إلى الخلف.
إلى أين يدفع الجنين أمه المنهكة بعد خروجه؟
إنه يدفعها مليمترات وربما سنتيمرات إلى قبرها. فهو قد استنزف موارد أمه ، صحتها وعافيتها خلال تسعة شهور. وهو أنقص من بويضاتها المحدودة ، وساهم باقترابها من مرحلة العقم البيولوجي . حيث تتوقف كثير من الهرمونات عن العمل في جسد المرأة. تلك الهرمونات التي كانت تساهم في حماية جسد المرأة من كثير من الأمراض. وذلك لأن المرأة في فترة الخصوبة يجب أن تكون قوية لإنجاب أطفال أصحاء.
وهو ، الطفل القادم ، سوف يستمر سنوات في الالتصاق بأمه ، والحصول على حاجاته البيولوجية والنفسية منها .
كم هي سعيدة راضية بهذه المهمة الانتحارية!
يرغب الطفل بعد سنوات نضوج بالانفصال، فتمسك به الأم ، وتحصل على رد فعل إضافي يدفعها قليلاً نحو قبرها. وحين يقرر الطفل - الرجل القوي ترك الأم لوحدتها، تتمسك به كما يتمسك جسد بشهقة روح ، فتحصل على ردة فعل قوية تدفعها إلى الخلف .
وماذا هناك في الخلف؟
لا شيء سوى شواهد قبور الوالدين التي يكتب الأولاد عليها تاريخ الولادة والموت . وما بينهما حنين عظيم وشجن مقيم وربما مجرد فراغ عميق تنعق فيه طيور يتامى. وربما عظام أمهات مصابة بالهشاشة ، خالية من الكالسيوم ،الذي اشتد به ظهر الأولاد ، ليستطيعوا حمل تابوت الأمهات العظيمات إلى المقبرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك