الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن التنوير ... ح 5 الوعي بالتنوير : من سلسلة الوعي المجتمعي ، الكتاب الثاني

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2022 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اولا:
تعتبر حالة التنوير التي يطمح لها أي مجتمع يسير نحو التقدم من المفاهيم الاساسية لضرب حالة التخلف والرجعية التي تقع بها تلك المجتمعات ولو رجعنا الى الوراء وبالتحديد الى ما فعلته اوربا من نضال كبير تجاه الكنيسة وممارساتها اللانسانية البطرياركية تجاه المجتمعات الاوربية لراينا العجب ولتعجبنا اكثر عندما تصدى مثقفوا وتنويريوا اوربا لهؤلاء الفاسدين من رجالات الدين ، وانا لا اريد الاسهاب في هذا المقال بقدر ما اريد ان ارصد حركة التنوير الاوربية وبداياتها وعلى شكل حلقات اطمح ان يستفيد منها القارئ بالقدر المرجو وساحلل بقدر ما استطعت رؤاهم الفكرية وانجازاتهم الانسانية في هذا المجال ومعركهم التي تسببت بعضها بفقد الكثير من تنويريي اوربا لحياتهم ، لقد ابتدأ عصر التنوير في عام 1685 حسب تحديدات البعض من المفكرين الذين درسوا تلك الفترات حيث بدا الاوربيون يعون الذات ويكافحون من اجل اعلاء الذات والعودة الى الذات هو شرط من شروط الحضارة الانسانية وتقدمها لانك الم تكتشف ذاتك لم تستطع ان تكتشف كيفية تنويرها وهنا بدأ الوعي المسيحي التقليدي عاجزا عن الاستمرار كما هو ، وعندما استمر كبت الكنيسة لمسارات اكتشاف الذات الاوربية واطبقت الابوية البطرياركية على وجهات النظر الرائعة في الفكر بدأ مفكروا التنوير التصدي بكل ما اوتوا من قوة لمسارات العلاقة الكائنة بين المشروعية الكنسية وانظمة الاستبداد المطلقة ، وبالتالي يعترف بعض المفكرين المعاصرين بهذه المعارك التنويرية التي غيرت الاتجاهات في اوربا من تخلف الى تنوير ومنهم : ميشيل لوني وهو احد كبار المختصين بعصر التنوير في فرنسا ، وعلى الاخص بفكر جان جاك روسو الديني والسياسي وقد حقق اعماله الكاملة واعترافاته وقدم لها ، وهو استاذ في جامعة نيس في جنوب فرنسا يقول هذا الباحث :اذا كانت المسيحية قد تصالحت مع الحضارة الحديثة في وقتنا الراهن ، فان ذلك يعود الى الجهود التي بذلها فولتير وجان جاك روسو قبل مئتي سنة وبالتالي فنحن نحصد ما زرعه الاخرون قبلنا. فهم تعذبوا وشقوا ونحن نقطف الثمار..... والفلاسفة بما معناه هم الذين زرعوا فكرة الدين العقلاني وواجهوا غضب الكنيسة والاصوليين انذاك. يقارن الاستاذ هاشم صالح في كتابه " معارك التنويريين في اوربا " الصادر عن دار الساقي مقارنة لطيفة بين ما لدى اوربا من رجالات دين متطورين قادرين على اخذ الدين لمصافات الانسانية وما لدينا من رجالات دين فيقول "انظر الفرق مثلا بين الشيخ يوسف القرضاوي الذي لا يزال غارقا في فقه القرون الوسطى وعالم اللاهوت الالماني هانز كونغ وهو عالم لاهوت كاثوليكي يعد احد كبار المجددين في مجال اللاهوت والعلوم الدينية ، ولقي بعض المتاعب سابقا من اطراف اوساط محافظة في الفاتيكان وهو مطلع على احدث النظريات العلمية والفلسفية ولا يكتفي بالقراءة التقليدية للدين ومن اشهر كتبه: من اجل لاهوت يليق بالقرن الواحد والعشرين عموما ان فلسفة التنوير الاوربية ادت الى توليد اخلاق جديدة أي اخلاق علمانية وحاولت البرهنة على ان الاخلاق يمكن ان تكون مستقلة عن الدين والدليل هو فساد طبقة رجال الدين او قسم كبير منهم في ذلك العصر واستغلال عامة الشعب من قبلهم وهكذا ولدت لاول مرة فكرة امكانية وجود انسان اخلاقي بدون ان يكون متدينا بالضرورة ، وبدون ان يذهب الى الكنيسة او الجامع مثلا.
وهنا بدأ التنويريون عملهم في ضرب رجالات الدين وقدسيتهم ومنهم : بيير بايل (1647-1706) احد كبار الممهدين لفكر التنوير يخلص الى النتيجة التالية :الاخلاق مستقلة عن التدين السطحي والظاهري المنافق، بل انها مضادة للمتدينين بشكل متعصب وطائفيوبايل مفكر فرنسي بروتستانتي عانى الاضطهاد الكاثوليكي ولذلك هرب الى هولندا والف هناك معظم كتبه . وكان عصره المسيحي انذاك يشبه عصرنا الاسلامي الحالي من حيث امتلاؤه بالتعصب والتزمت والمجازر الطائفية او المذهبية بين الكاثوليك والبروتستانت تماما كما هو عليه الحال، بين بعض السنة والشيعة اليوم، وبايل هو نموذج انساني للتنوير في اوربا ، نحن ينبغي ان نستلهم من تلك العصور رؤى نقدية غاية في الروعة لخصها الفيلسوف ايمانويل كانط قائلا: ان عصرنا هو عصر النقد الذي ينبغي ان يخضع له كل شيء بما فيه العقائد الدينية ذاتها ، وقد نتجت العلمانية عن هذا الموقف الراديكالي . وبالتالي علينا ان نبتدأ بفصل المؤسسات العامة جميعا عن مفاهيم الدين ونشتغل على المدنية والتي منها احترام الدين وابعاده عن التدخل في الشؤون الاخرى من قبل الذين نصبوا انفسهم قيمين عليه. ضمن هذا الاطار نفهم سخط روسو في رسالته الشهيرة الى فولتير عام 1756م: اني ناقم مثلك على تدخل رجال الدين والدولة في ضمائرنا ودواخلنا ، فالايمان هو مسألة شخصية او ينبغي ان يكون كذلك، ولا يحق لاي مخلوق على وجه الارض ان يتحكم في دواخلنا وضمائرنا ، الله وحده يعلم ما في ذات الصدور وليس البشر . وقد وعى الوردي هذه الاشكالية وحللها قالا: " ان الدين والدولة امران متنافران بالطبيعة ، فاذا اتحدا في فترة من الزمن كان اتحادهما مؤقتا، ولا مناص من ان يأتي عليهما يوم يفترقان فيه، واذا راينا الدين ملتصقا بالدولة زمنا طويلا علمنا انه دين كهان ولا دين انبياء وما اولئك المعممون الذين ازروا الدولة في جميع اطوارها الا مشعوذون من طراز الكهنة الذين ازروا فرعون، والسدنة الذين ايدوا نيرون، والتجار الذين قاتلوا تحت راية ابي سفيان ، انهم يرضون لفرعون ان يستعبد الناس ولايرضون للناس ان ينقموا عليه استعباده، يحق للسلطان ان يقسو ولا يحق للرعية ان تشكو" (مهزلة العقل البشري )
التنوير يصنع رغبة يقول عن هذه الرغبة المفكر اليوناني كورنيليوس كاستيورياديس: "انا في حاجة الى ان اعيش في مجتمع غير هذا الذي يحيط بي ، غير انني في هذه الحياة كما صنعت لي وللاخرين، اصطدم بجمهرة من الامور غير المقبولة ، فأقول بانها ليست حتمية وانها متعلقة بتنظيم المجتمع" ( تاسيس المجتمع تخيليا ، كورنيليوس كاستيورياديس، ت: ماهر الشريف، دار المدى، 2003، ص129) لقد وعى كاستورياديس بالطبع حقيقة ان الفرد مطبوع بالانغلاق مسكون بالفكر الموروث ، منقاد الى المجتمع الذي يقولبه ، وخاضع في تنظيمه الداخلي للمنطق التجميعي الهوياتي الذي لا يعترف بغير المتعين ولا يراعي الغيرية لكن الانسان وحسب المفكر كاستورياديس يستطيع ان ينظر الى نفسه على انه ذات انسانية وان يطور متخيله الاجتماعي ونحن نقول ان يسقطه على الارض ويفرض حالة التنوير التي يريدها أي مجتمع واعي واحد اهم مقوماتها نقد الذات قبل الاخر والا فلن نكون تنويريين بنقدنا للاخر المختلف عنا وترك نقدنا لمشاكلنا ومصائبنا ، ان الاسهام مباشرة في كافة القرارات الاجتماعية التي يمكن ان تؤثر في وجودي هو احدى مقومات التنوير ، كما ان الانسان عليه الا يرضى بان يكون مصيره مقررا يوما بعد يوم من قبل اشخاص خططهم معادية للمجتمع او هي ببساطة مجهولة من قبلي ، والتنوير يعني باختصار : انتصار العقلانية العلمية في المجتمع زائدا انتصار دولة القانون والمؤسسات الحديثة زائدا انتصار الديموقراطية الليبرالية وحقوق الانسان وكل بلد تتوافر فيه هذه السمات الثلاثة يمكن ان نقول عنه بلد حر تنويري . وسنكمل في المبحث التالي بعض المعالم التنويرية التي وردت في اوربا بالنقد والتحليل .


ثانيا:/معالم تنويرية :
التنوير ابتدأ منذ بواكير القرن السابع عشر كما اشرت في اوربا ومن هنا كان لزاما ان نتعرف على اهم التجارب التنويرية التي حصلت في تلك البلاد لكي نعي ونستفيد منها ومن كيفية استلهامها وليس تطبيقها واستنساخها كما هي فهذا من المستحيل لاختلاف الزمكان ولكن استلهامها ضروري جدا من هنا اقول ان تجربة كمثل تجربة المفكر الانكليزي انطوني كولينز (1676-1729) قد اصبح مشهورا عندما نشر كتابه (خطاب حول الفكر الحر) وفيه يعلن تحرره من كل العقائد المسيحية والسلطات الكنسية التي تفرض اراءها على الناس من فوق عن طريق الهيبة والتخويف او القوة، وقال بانه لا يقبل من الدين الا ما يقره العقل والتجربة المحسوسة ، واما جون تولاند (1670-1722) فكان سكرانا بالعقل كما يقول بول هازار، وقد نشر عام 1696 كتابا مدويا بعنوان: مسيحية بلا اسرار او المسيحية ليست مليئة بالاسرار الخفية، وعلوم ان العقيدة المسيحية تقول بوجود اسرار دينية تعرف عن طريق الوحي فقط ، ولا يصل اليها العقل ،وبالتالي فينبغي التصديق بها دون تفكير او مناقشة، وضد هذا التصور نهض هذا الفيلسوف الانكليزي فهو يقول بما معناه: اما ان تكون المسيحية مطابقة للعقل وعندئذ لا تمثل الا مجرد الانتماء الى النظام الكوني وينبغي عندئذ ان تتخلص من كل الاشياء اللعقلانية ، أي: من العقائد والطقوس والشعائر واما انها مضادة للعقل وعندئذ ينبغي ان تنقرض لانه لا يمكن ان يوجد شيء فوق العقل، ان جون تولاند مثل انطوني كولينز وبيير بايل وسبينوزا وفولتير وبقية فلاسفة التنوير كان من حزب المتألهين :أي: الذين يأخذون من الدين فكرة واحدة هي الايمان بالله ويضيفون اليها الايمان بخلود الروح والعمل الصالح والسلوك المستقيم، وما عدا ذلك من طقول وقشور دينية يرفضونها تماما.
لقد تجرأ فلاسفة اورربا على القول بان الايمان بالكائن الاعلى (أي:الله) وبخلود الروح هما الحقيقتان الاساسيتان المشتركتان لدى جميع الاديان ، وهما تكفيان لايمان الانسان المستنير وبالتالي فلا داعي للايمان بفكرة التثليث ولا داعي لفكرة المسيح ابن الله ولا داعي للايمان بالمعراج والصعود الى السمماء ولا داعي للايمان بالمعجزات وبعث لعازر من القبر هكذا تجرؤا على نقض العقائد المسيحية الاساسية باسم العقل والمنطق ، ومثل هذا النقض كانت تقطع عليه الرؤوس في القرون الوسطى .
ومن ملامح التنوير الاساسية التي صاغها فلاسفة غرب كبار :
يقول المفكر الفرنسي المعاصر جورج غوسدوروف في تحليل مهم:
لقد وصل الامر بالمفكر الكبير ليسنغ احد زعماء التنوير في المانيا، الى حد التشكيك في القيمة المطلقة للمسيحية ففي رايه ان المسيحية هي احد اديان العالم وليست كل الاديان بمعنى انها تمثل احد التجسيدات التاريخية للدين الكوني مثلها في ذلك مثل الاسلام او اليهودية او البوذية

ومن معالم التنوير البارزة فولتير الذي كان زعيم الانوار الفرنسية :/
لقد كان فولتير الكاثوليكي الاصل عاش معظم حياته في البلدان البروتستانتية (انكلترا، بروسيا، جنيف) لانه كان يجد فيها متنفسا لافكاره وهامشا من الحررية كبير وفي نهاية حياته راح يعيش على الحدود ،أي رجلا في فرنسا ورجلا في سويسرا لكي يهرب باقصى سرعة ممكنة اذا دعت الحاجة الى ذلك.
كان يحارب على حد تعبيره (الوحش الضاري)قاصدا بذلك :التعصب والاكراه في الدين ، وهذا يتمثل بمحاربة الكنيسة الكاثوليكية ورجال الدين الذين كانوا يسيطرون على عقول الشعب الفقير والجاهل وينشرون افكار التعصب في كل مكان، ومحاربة الاستبداد السياسي المرتبط بكل ذلك دون ان يعني هذا ان فولتير كان ضد النظام الملكي او ضد الايمان في المطلق ،فعلى عكس الاسطورة الشائعة فان فولتير لم يكن ملحدا ولا ماديا صرفا على طريقة بعض فلاسفة التنوير من امثال دولامتري او البارون دولباك او هيلفيتيوس او حتى ديدرو وانما كان مؤمنا ولكنه ايمان الفلاسفة لا ايمان الكهنة او عامة الشعب بمعنى انه كان يؤمن بوجود الله او الكائن الاعلى او المهندس الاعلى للكون وينفي ما عدا ذلك من عقائد وطقوس مسيحية كالايمان بالمعجزات او بالخرافات او حتى بالصفة الالهية للمسيح وعنده ان المسيح شخص بشري ولم يكن يعتقد بضرورة تأدية الشعائر والطقوس وانما كان ذلك يعتبر خاصا بالعامة فقط ، وهذا خطا في حد ذاته فالطقوس يجب الا يعملها لا العامة ولا الخاصة .
وكبقية فلاسفة التنوير على حد تعبير هاشم صالح كان يرى انه ينبغي تنوير العامة شيئا فشيئا حتى تخرج من ظلمات الجهل والتعصب الديني وسيطرة الكاهن المسيحي وتدخل في مرحلة التحضر والعقلانية والتقدم وقد فعل فولتير كل شيء لكي ينتزع السلطة السياسية او الزمنية من براثن الكنيسة الكاثوليكية ولكي يخفف من حدة هيمنتها على الارواح والعقول، وقد صدق المستقبل نبوءته وتوجهه الاساسي في ما يخص هذه النقطة فالواقع ان القرن التاسع عشر كله انجز مشروعه عندما فصل الكنيسة عن الدولة وحرر السياسة من هيمنة القساوسة والمطارنة والكرادلة وبقية الاصوليين، وكان ذلك احد الاسباب الاساسية لتقدم اوربا وتفوقها على مختلف انحاء العالم، لقد كان فولتير مهتما بان يعيد الكهنة الى كنائسهم لكي يشغلوا انفسهم بأمور الدين والعبادة والاخرة فقط، فهنا تكمن مهمتهم الاساسية .

واذا ذهبنا الى اسماء تنويريين مهمين في واقع حركة التنوير وعلى مر العصور علما ان حركة التنوير سماها الالمان هكذا لم تكن مرتبطة ارتباطا دائما بأي مدرسة فلسفية معينة بل كانت نتيجة الصراعات الدينية الدموية غير الحاسمة التي شهدها القرنان السادس عشر والسابع عشر فمبدأ التسامح الديني كان مستحبا عند لوك بقدر ما كان عند اسبينوزا والذين سنتناول اغلبهم في الجزء الثاني من هذا الكتاب والمعنون تنويريون وكان الصراع الديني قد بلغ ذروته في انجلترا قبل نهاية القرن السابع عشر وعلى الرغم من ان الدستور الذي انبثق عنه لم يكن ديموقراطيا فانه كان متحررا من بعض التصرفات السيئة التي كانت تميز حكم النبلاء ذوي الامتيازات في البلاد الاخرى ومن هنا لم يكن من المتوقع حدوث قلاقل عنيفة اما في فرنسا فكان الوضع مختلفا

اما عن اهمية التنوير وما احدثه في اوربا فيتكلم الدكتور هاشم صالح في كتابه (معارك التنويريين والاصوليين في اوربا) مذكرا بمفكر تنويري يعتبره غير معروف في العالم العربي ولكنه لعب دورا مهما في بدايات التنوير وهو كريستيان توماسيوس (1655-1728) فعلى الرغم من انه كان مؤمنا فقد ادانته الارثذوكسية المسيحية أي الاصولية ، بسبب جراته في فهم الدين وتفسيره وقد منعوه من القاء الدروس او نشر المقالات عام 1690 ،فغادر مدينة (لايبزيغ) الى بروسيا حيث ساهم في تاسيس جامعة جديدة هي جامعة (لاهال) وكان هذا المفكر يجمع في شخصه بين التنوير والنزعة التقوية في الدين هذا كمثال نسوقه في مجال التنويريين وعلينا ان نعرف ان الافكار الجديدة في بدايات التنوير الاولى لم تكن منتشرة في اوساط الفلاسفة والادباء فقط، وانما راحت تجد لها اصداء واسعة في اوساط العلماء الطبيعيين ورجال القانون وحتى اللاهوتيين المتحررين الذين يفهمون الدين بشكل عقلاني مختلف عن الاصوليين فليس كل المتدينيين متحررين او معادين للعقل ولاينبغي ان تقع في التطرف المعاكس ، وكان هؤلاء جميعا يبحثون عن ضوء العقل الطبيعي الحر ويسمحون لانفسهم بنقد العقائد الموروثة وهيبة الاقدمين وراحوا يترجمون ويشرحون كبار ملهمي الانوار الاوربية من امثال فرانسيس بيكون وديكارت وهوبز ولوك ونيوتن وسبينوزا، كذلك لابد ان نتوقف عند المفكر القانوني الكبير صاموئيل بيفندورف(1632-1694) الذي دعا الى احلال القانون الطبيعي او العقلاني المحض محل القانون الكنسي المقدس أي : الشريعة المسيحية في الواقع وكان ذلك يعتبر ثورة ما بعدها ثورة وقد اثارت كتبه فضيحة فور صدورها بسبب النقد اللاذع الذي يوجهه الى العقائد اللاهوتية ،فهو يعتبر ان القانون الطبيعي اهم من القانون الكنسي او الشريعة المسيحية لانه قائم على حكم العقل وينطبق على جميع البشر ، هذا في حين ان القانون الكنسي لا ينطبق الا على المسيحيين بل ذهب الى حد القول بان العقد الاجتماعي بين البشر هو الاساس العقلاني لتنظيم المجتمع وتشكيل الدولة وهذا يتناقض تماما مع مقولة الاصوليين الذين يعتقدون بان القانون الالهي هو الذي يحكم البشر او ينبغي ان يحكمهم ويعتبر هاشم صالح ان (نظريات بيفندورف) اثرت على فلاسفة التنوير الذين جاؤوا بعده وبخاصة جان جاك روسو صاحب الكتاب الشهير ( العقد الاجتماعي ) يرى بيفندورف انه على الرغم من نواقص البشرية فانه يمكن للمجتمع ان يحكم عن طريق العقل وقد نص على المبدأ الاساسي التالي : كل ما يفيد الجماعة أي: المجتمع ينبغي ان يشكل احد مبادئ القانون الطبيعي حتى وان كان متعرضا مع تعاليم رجال الدين ثم قال ان البشر هم الذين يحكمون انفسهم وليس القوة .
الغيبية كما يزعم الاصوليون وبالتالي فلا حاكمية ولاغيرها ولا يجوز لاحد ان يمثل الله على الارض وانه يحق له بالتالي ان يحكم البشر وهكذا سقطت نظرية الحق الالهي لملوك اوربا وبسقوطها ابتدأت الحداثة السياسية فالملوك بشر ولا يحق لهم ادعاء تمثيل الذات الالهية على الارض فالله فوق الجميع ولم يكلف احدا بان يكون الناطق الرسمي باسمه ، المشكلة اننا ما زلنا وبعد مضي اكثر من 3000 سنة على بدايات التنوير ما زال يعيش بيننا نحن من يدعي تمثيل الله على الارض من رجالات الدين تحت عناوين ولاية الفقيه او المرجعيات الدينية التي تضيف على نفسها القاب ما انزل الله بها من سلطان فلذلك ان التحرر والتوجه نحو التنوير لاحداث التغيير المطلوب يتطلب البدء بخطوات شجاعة وجريئة لعزل رجالات الدين عن المجتمع ووضعهم في مكانهم الحقيقي بعيدا عن الحياة المدنية للدولة بمكوناتها الاساسية وعلى راس تلك المكونات المجتمع لذلك يرتبط التقدم التنويري ارتباطا وثيقا كما يصرح بذلك الباحث محمد علي المحمود في كتابه (تكفير التنوير) الصادر عن دار الانتشار العربي 2013 بمستوى توافر قيم الكرامة الانسانية التي شدد عليها خطاب التنوير الاوربي قبل 300 سنة ويعتبر التغيير الايجابي ، التغيير الحقيقي، التغيير نحو الافضل لن يحصل الا بالتنوير الاوربي ذي النفس الليبرالي ، التنوير الاوربي الذي اثبت الواقع اهميته في احداث التغيير المطلوب ومشاريع التغيير كثيرة بل التي تزعم التقدمية اكثر من كثيرة ولكنها في حقيقتها ليست مشاريع تقدمية تتجه الى الانسان في وجوده الحقيقي الانسان الفرد، فالرؤية الشمولية التي تلغي الفرد اذ تزعم ان الجماعة هدفها هو الرؤية السائدة لمناهضة جوهر الخطاب التنويري الاوربي الذي هو : الخطاب الوحيد الذي اثبت من خلال معطيات الواقع انه القادر على توفير الحدود الدنيا من الضمانات التي تعصم الانسان من الوقوع في دائرة الالغاء ،الغاء الانسان على يد الانسان لمصلحة الشعارات الكليانية المتعالية الجوفاء.
ملحوظتان:
1- من هذه الشعارات الكليانية المتعالية شعار الحفاظ على الطائفة او المذهب بتشريع قوانين بدلا من ان تسهم في التقدم بمعنى التنوير للمجتمع لا نجد هذه القوانين تسهم الا في تكريس التخلف المجتمعي ومنها :قانون الاحوال الجعفرية الذي طولب بتشريعه في العراق من قبل المتخلفين السياسيين.
2- علينا ان نعي ان المشاكل مع الدين والتراث كثيرة ولاحداث حركة تنويرية مجتمعية ينبغي ان نجد مفتاحا حقيقيا لهكذا حركة ويتطلب ذلك وقتا وجهدا كبيرا احتاجته اوربا حيث دفعت من الوقت 300 سنة او اكثر ومن الدماء عشرات العلماء والمضحين فهذا الطريق وعر وسلوكه ليس هينا ولكن لنا املا حقيقيا في احداث التغيير المطلوب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي