الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبينوزا :نُظم المعرفة أو من أين تأتي معارفنا ؟

البوبكري نورالدين

2022 / 8 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لعل الدارس لكتابات الفلاسفة يجد صعوبة في فهم فلسفتهم أو يجد غموضا في جل أفكارهم المركبة، وذلك يعود لكون الفيلسوف يكتب حتى لا يفهم، أقصد هنا الفهم السطحي لكتاباته، أن الفيلسوف يكتب داخل نسق متعاضد،
له براديغم كامل يجب أن يفهم كاملا أو يترك كاملا، لكن عندا نعود ألى تصوره في نظرية المعرفة فإننا نقطع أشواطا عديدا ، وهذا ما يسهل علينا فهم فلسفتة الخاصة،
فنظم المعرفة هي الطريق السهل لفهم التصور الفلسفي الخاص بالفيلسوف.وما حاولت من خلال هذا المقال هو بسط نظرية المعرفة الخاصة بسبينوز،راجيا من القارئ الكريم أن يجد مفتاح أولي لفهم فلسفة الرجل.
1) التجربة المبهمة:
وهي كل تجربة حسية أو تخيلية وهي غالبا ما تكون ظنية لدى عموم الناس ويعبر عنها عموما على شكل علامات، ويقصد هنا بالعلامة كل ما يتحدد يتجدد إلا بتأويل،
إن هذا النوع الذي يستبعده سبينوزا ليس شيئا منضبطا في ذاته ولا يرقى للمعرفة التي تنتج أفكارا تامة وكافية، ويمكن أن نشير كذلك إلى أن الكتب المقدسة بينت أن الله كان في خطابه للأنبياء لم يكن في بعض الأحيان إلا بالعلامات والإشارات والاستعارات والصور البلاغية التي لن تفهم إلا بتأويلات عديدة. إذن فالتأويل حاضر دائما في النوع من الخطاب.
يمكن أن نورد أمثلة لنوضح مدى ضعف هذه المعرفة الحسية التي تأتينا أحيانا من تجارب سابقة ومن محاكاة ومن إشاعات أحيانا أخرى،
مثل معرفة اكتسبتها مما سمعته من الوالدين أو مما تلقيته من المجتمع، فسبينوزا يعطينا مثال التجار الذين اكتسبوا حرفتهم وطريقة اشتغالهم من معلميهم الذين سبقوهم، فهذا النوع من المعرفة يحيل إلى ما تعودت أن أفعله ولا برهان عليه،
ويحيل كذلك إلى كل المعارف والتجارب والعادات التي تلقيتها من الخارج.
إن الأصل في هذا النوع هو أن شرائطه وأسسه وبنياته الداخلية لا تأتي من الفكر ذاته، بل تأتي دائما من الخارج.
إنها هذا النوع له مرجعية حسية (سمعت/جربت) أما مصادره فتأتي من الخارج لا تعطي معرفة فأن تتخيل أنك تفكر في قضية ما، هو كون الشرائط الناظمة للتفكير وأصولها آتية من الخارج،
إنها الدرجة الصفر من المعرفة حسب سبينوزا، ذلك سببه أنها مصدرها خارجي وليس باستطاعتنا تعميم تجربة خاصة تم تلقيها من الخارج لم يتم استنباطها من الداخل.
وليس بوسع الانسان العاقل تقبل عادات فكرية على أنها حقائق.
فهذا النظام المعرفي الأول ما هو إلا تطبيق تجارب وتكرارها بالنظر الى نتائجها وليس إلى أصلها. ويضرب سبينوزا لمثال التجار الذين اكتسبوا حرفهم مما حفظوه من معلميهم دونما برهان.
فالعادة والتكرار لا تكفيان كي يحصل المرء على نتيجة تكون خلالها صحيحة ومعيارا لذاتها.
إذن فسبينوزا يقصي كل النتائج العملية الصحيحة إذا كانت نظريا غير مستنبطة (غير واضحة في ذاتها) إنه إذن ينفي كل المعارف التي تأتينا من التجربة الحسية.
2) المعرفة العقلية: الهندسية
إن المعرفة العقلية هي معرفة مجردة من تعليمات التجارب العامة ومجردة كذلك من كل التطبيقات والتجارب التي لا برهان عليها وهي تلك المعاني المشتركة (أفكار عامة).
ففي القضية 40 من الايتيقا يحدثنا سبينوزا عن مفهوم الأفكار التامة "كل الأفكار التي تنتج في النفس عن أفكار تامة ،تكون بدورها أيضا أفكارا تامة "
إن المعرفة العقلية الاستنباطية تبقى دائما مجردة من تلك الآراء المشتقة من المجتمع، وهذه المعرفة تصير خاضعة لمنهج استنباطي، وهذا الأخير هو المنهج المطبق في كتاب الايتيقا.
فقد تكون الهندسة والرياضيات هي الشكل الأميز أو الكتابة الصحيحة منطقيا بحسب شرائط المنهج الهندسي (الشكل الأوضح) لما يسمى عنده بالنوع الثاني. ففي القضية 41 يؤكد سبينوزا على أن النوعين الثاني والثالث صادقان بالضرورة.
3) العلم الحدسي: إذا كان النوع الثاني من المعرفة ضروريا للمعرفة فإن النوع الثالث ليس ضروريا، كون هذا الأخير ليس متاحا لعموم الناس، فالمعرفة الحدسية لا تعني الصوفية، وإنما هي معرفة وإدراك الأشياء كما هي في الإله.
فالفكر عندما يصير حالا في النفس البشرية فإنه يحتفظ بصفة غريبة وهي أنه يبقى لا متناهيا في ذاته أي أنه قابل أن يترقى إلى ما لا حدود له.
إن عمل الفكر في الأحوال يحمل خاصية مشابهة لعمل الفكر في الصفات، كون هذا الفكر غير متناه في جنسه.
ففي العلم الحدسي يرتقي هذا النوع من المعرفة من الفكرة التامة للإله إلى المعرفة الصورية لبعض الصفات الإلهية إلى المعرفة التامة لبعض الأشياء،
فسبينوزا ينحو هنا نحو ما يسمى بفكرة الفكرة، فكل فكرة هي بالضرورة وبشكل مباشر فكرة عن الفكرة savoir du savoir وهي بمثابة تفكير في التفكير،
فالحقيقة لا تكون حقيقية ما لم تعرف في ذاتها بأنها حقيقية وذلك حسب شرائط النوع الثاني من المعرفة. وكي نوضح ذلك نعود إلى القضية 43 من الباب الثاني "إن من تكون لديه فكرة صحيحة ،يعلم في نفس الوقت أن لديه فكرة صحيحة ،
ولا يمكنه أن يشك في صدق معرفته"
ويمكن أن نلاحظ أن الكتاب الخامس من الايتيقا قد كتب بحسب شرائط النوع الثالث من المعرفة وهو العلم الحدسي intuition
ويمكن أن نضيف بأن الحدس هو ذلك الوميض المفاجئ لإدراك خفي نجهل مصادره، وهو تلك القفزة المدهشة للوعي الكامن فينا، فهو نجدة الروح عندما يعجز العقل والحس أن يهدينا إليها، فالنفس تشعر والروح تبعث بحدسها البليغ.
ويمكن العودة إلى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الذي عرف الحدس على أنه طريقة معرفية وقسمه إلي حدس حساس وهو معرفة غير فعالة passive وهي كل المعارف التي تأتينا عن طريق الحواس وسماها أيضا بالحدوس الحسية،
أما النوع الثاني فهو الحدس الفكري، محور الفلسفات المثالية المتعالية les philosophies idéales transcendantales

----------------------------
المراجع :
سبينوزا باروخ،علم الأخلاق، ترجمة جلال الدين سعيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص