الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيمان بالعالم الخفي ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العالم كما يقولون والذي نعيش فيه عالم وجودي مركب، فيه المحسوس الذي نحن جزء منه ونتعامل مع المحسوس والملموس والمرئي الأخر بأنه كذلك وهو يتعامل معنا بالمثل، ويقولون أن هناك عالم أخر لا مرئي لكنه موجود وفعال ومتحكم في جزئيات وكليات كثيرة في العالم الأول، البعض يسميه بالعالم الموازي والبعض الأخر يسميه بالعالم اللا منظور، لأن معيار التقسيم يقوم على مبدأ المشاهدة العيانية الحسية العامة، هناك قطاع واسع من الناس يؤمنون تماما بالعالم الثاني وبيقينية عالية، إنه عالم الأشباح والجن والشيطان والأرواح الشريرة، وما فيه من عمليات تحضير الأرواح وتسخيرها والتأثير على الأخرين من خلالها، ومنه ما يعرف بطريقة العلاج بالأدعية والتعاويذ والطلاسم، ومنها استطاع البعض بنجاح من دس الخرافة حتى في العلوم ليؤكد وجود هذا العالم وحقيقته.
الأعتقاد هذا هاجس طبيعي رافق وجود الإنسان الأول الذي كان يجهل الكثير مما يدور حوله، ولا يملك التفسيرات العلمية والحقيقية لها، لذا نسب فورا كل ما هو غير طبيعي من فعل لما هو غير طبيعي من فاعل، مثلا الشعور بالمرض أو الإصابة به لا بد أن يكون من تأثير عوامل مجهولة تنتقم أو تتلذذ بألم الإنسان، السبب حسب التفسير البدائي هو أما تكون هذه الكائنات غير راضية على الفرد وتحتاج لرضا معين أو مصالحة، أو أن الإنسان تسبب من حيث لا يدري أو متعمدا ضررا لحياة هؤلاء اللا مرئيين فقاموا بعمل معاكس على أساس الفعل ورد الفعل، تطور هذا الأعتقاد مع تطور الفكر الديني الذي بدأ يتبلور من خلال تطور ما يعرف بالعلاجات الطبيعية التي تمارس من فئة متخصصة تجاه ما يتم به التأثير على حياة الإنسان من قبل العالم المرئي، فظهر أولا السحر البسيط ومن قم تطور لما يعرف بقراءة ما بعد الواقع الفيزيقي، ثم تطور إلى أشتغالات متعددة تنوعت وتعددت مع كثرة التجارب ورسوخ الإيمان بتأثير العالم اللا مرئي على العالم المرئي.
تدخل الدين في تطور فكرة العالم اللا مرئي وأستخدم الظاهرة بشكل دقيق ليستفيد منه في سد الثغرات التي لا يمكن تمريرها من خلال النصوص والواقع، فأستخدم عالم الجن والشياطين والملائكة والارواح الخفية لتمرير الكثير من الأقكار الورائية، وضمها ضمن مفهوم الغين أو عالم الغيب الممتد من هدم الرؤيا وصولا إلى أستحالة الإدراك الطبيعي، هذه المجموعة من الأفكار والشخوص والمواضيع أعادت للسحر والخرافة قوة في الإقناع وقوة في التأثر للدرجة التي وصل فيها إلى عدم التفريق بين ما هو ديني خالص مرتبط بالعبادة والإيمان، وما بين الخرافة والأنتساب إلى عالم الماورائيات التي يستند في غالبه على الظنون والخيالات النفسية.
ولو عدنا إلى تحليل مفردات وتكوينات العالم اللا مرئي بشخوصه العامة ولنبدأ من الشيطان الذي يعتبر عند الكثير من المتدينين وحتى من قليلي الإيمان بل وحتى عند الملحدين، هو أبشع رموز الشر المطلق في العالم اللا مرئي، وقد تم تصويره تأريخيا ودينيا على أنه خصم الله أو خصم الخير وصولا على جعله العدو المبين للإنسان، ومن هذه النظرة تولدت الحساسية التي يثيرها الصراع الوجودي في الحياة بين الألتزام بالقوانين الوجودية التي تنظم حركة الوجود والحياة فيها بالشكل الأمثل رمزا للخير والصح والتمام، وبين أنتهاك تلك القوانين والسير عكس إرادة البقاء والألتزام بالسلام من خلال الأمتثال والخضوع لتلك القوانين الشمولية، فتم إسقاط علاقة الأمتثال من جهة والتمرد من جهة أخرى من الدائرة الوجودية إلى دائرة الصراع بين الخير والشر، بين طريق الله وطريق الشيطان.
في كل التاريخ الديني والمثالي وحتى الأخلاقي لم تقدم هذه العناوين صورة حقيقية للشيطان ولم تكشف حدود ماهيته المؤثرة على البشر إلا عبلا التخويف والتحسب منه ومن شره، بالتأكيد هذه العناوين أساسا لا تملك غير التصور الذهني المبني على فكرة الصراع، الفكرة التي تختزل الإشكالية الوجودية كلها بوجود كائن خيالي ظني لا مرئي مسئول عن كل شرور الوجود والحياة، هذا ما سهل على الإنسان أن يجد دوما التبرير الجاهز عن تقصيره وفشله للأمتثال للقوانين الوجودية، مما يسهل له التملص من تأنيب الضمير والتخلص من الشعور بالعار، المهم الشيطان موجود لكي نلقي عليه عبء ما لا نستطيع تبريره وفهمه ومعالجته.
من ضمن منظومة الشيطان هناك ما يسمى جند الشيطان من طائفة أخرى أو هومن ذات الطائفة الشديدة الأذى والخفاء، إنهم عالم الجن المتعدد الأشكال والأصناف والمهمات والفعل والرتب من الجن البسيط الغير مؤذي بطبعه إلى عفاريت الجن الأزرق الشديدة المراس والأذى، هؤلاء منهم من يعمل لحسابه الخاص ومنهم من يعمل لدى أخرين، ومنهم يتزعم مجموعات قتالية ذات مهام محددة وحسب تصنيفات الما ورائيين، لكن ما نريد أن نركز عليه هنا تلك المجاميع التي تعمل لدى السحرة والروحانيين الذين يوهمون الناس أن لهم سلطة على الجن، وبإمكانياتهم الفذة قادرين على أمرهم ومنعهم وإخضاعهم لما يريدون، ظن الكثير من الناس وعلى مر التاريخ أن الجن مسئول عن غالب الأمراض التي تصيب البشر كما تصيب يعض الحيوانات، وأيضا هي القادرة على تخليصهم من المرض وتشافيهم.
يستندون أولئك المتحذلقون على المقدرة الإعجازية للعمل الروحاني الذي يمارسونه على البشر يعنوان العلاجات الروحية وينظمون له الحلقات والدعايات والتأثير بالعقل الجمعي، خاصة عندما يعيش المجتمع من حالة نكوص تسبب من اللا توازن بين واقعه وفكره ومستجدات العلم والتطور، فالجهل وقلة التعليم والخوف والقهر والظلم الأجتماعي من العوامل الأساسية التي تشجع ظهور طبقة الروحانيين وتزيد من تأثيرهم الفعلي في المجتمع، عبر سلسلة متنوعة ومتصلة من الإيحاءات والتمظهرات التي تتخذ من الجن والسحر والشياطين أدوات عمل.
من الثوابت العلمية المؤكدة أن الطبيعة التكوينية للكائنات الحية قد أضافت ميزة ذاتية بدرجات متفاوتة تعمل باللا وعي او باللا منظور لتزويد الكائن الحي بالطاقات الفوقية، أي الطاقات فوق الأعتيادية التي تستخدم في حالة نقص الطاقة الطبيعية نتيجة عارض مثلا أو المرض أو التعرض لمواقف صعبة، أحيانا تسمى الإرادة الدفينة وأحيانا تسمى القدرة الخفية، في كل المجموعة الحية في الوجود توجد درجات متفاوتة من هذه الطاقة، ويوجد طرق ومجالات وأستعمالات تتراوح بين أعتمادا كليا وبين الأستخدام الجزئي ووفقا للظروف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال