الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حب العذراء مريم

فاطمة ناعوت

2022 / 8 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اليومَ عيدُ السيدة العذراء، عليها وعلى ابنها السلام. اليومَ يفطرُ أشقاؤنا المسيحيون بعدما صاموا خمسة عشر يومًا، تقبّل اللهُ صيامَهم وصلواتِهم ونجواهم ودعاءَهم. السيدةُ مريم، العذراءُ البتول، وابنُها الكريم كلمةُ الله، آيتان من المعجزات القدسية في الحياة. وعلّها السيدة الوحيدة التي أجمع على حبِّها وتقدير مكانتها والتبّرك باسمها جميعُ البشر على اختلاف أعراقهم وعقائدهم. وهي السيدة الوحيدة التي خصّها القرآنُ الكريم بسورة كاملة باسمها: “سورة مريم".
في حوار جميل أُجري معه بالأمس، قال الأبُ "موسى إبراهيم"، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية: إن المسلمين والمسيحيين من أقباط مصر تربطهم علاقة قوية بالسيدة العذراء مريم، وإن هناك روابطُ تاريخية قديمة تجمع المصريين على حبّ السيدة مريم عليها السلام. وبعد فترة الصيام التي تمتد من يوم 7 أغسطس حتى 22 منه، يتشارك المصريون كافة، مسلمين ومسيحيين، في الاحتفال بذكرى صعود السيدة مريم إلى السماء، نظرًا لمكانتها الرفيعة في قلوب المسلمين. والشاهد أن الأعياد والمناسبات الدينية تكون فرصة جميلة لإظهار قوة ومتانة رباط الوحدة الوطنية في نسيج الوطن الطيب مصر. فالمجتمع المصري ذو طابع "عائلي"، تغلب عليه سمات الود والمحبة والمؤازرة. فالجارُ بالنسبة للمصري بمثابة الشقيق، الذي يقف معه في لحظات الفرح ولحظات الحزن، على غير ما نرى في المجتمعات الغربية مثلا.
وبالفعل، كما قال الأبُ "موسى إبراهيم"، فإن للسيدة العذراء مريم، أطهر نساء العالمين مكانةً رفيعة في قلوبنا نحن المسلمين وفي كتابنا القرآن الكريم دون شك. والحقُّ أن العذراء مريم، عليها وعلى ابنها السلام، لها شديدُ الخصوصية وبالغُ الاستثناء من بين بَني الإنسان. فتلك البتول المُصطفاة، ذات الحُسن الملائكي، رمزٌ "عابرٌ للأديان"، لا تخصُّ عقيدةً دون أخرى. بل تَعبُرُ فوق مظلاّت الأديان لتستقرَّ رمزًا أبديًّا في قلب الإنسانية الخضراء. رمزٌ للأمومة التي لا تُشبهُها أمومةٌ. أمومةٌ إعجازية من دون دنس أرضيّ. أمومةٌ حزينةٌ، وأمومة فرِحَة. في البَدء: وجَلَتْ وجفلتْ حين علمت أن جنينًا ينمو في خِصرها البتوليّ النحيل، من دون رجل. وفي المنتهى: قرّتْ عينًا حين أدركت أنها تحملُ النورَ ساطعًا بأمر الله. شاع في قلبها الفرحُ، بعد الوجل والخوف، حين علمت أن اللؤلؤةَ التي تتكوّن في بطنها الآن؛ سوف تكون هديتَها للعالم، وهديةَ السماء للأرض الشقيّة بالخطايا والحَزَن. عذراءُ نقيةٌ سوف تُقدّمُ للعالم صبيًّا "وجيهًا"، كما وصفه القرآن: “إذْ قالتِ الملائكةُ يا مريمُ إن الَله يُبشِّرُكِ بكلمةٍ منه اسمُه المسيحُ عيسى ابن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المُقرّبين" (آل عمران/45)، وأنه سوف يغدو شابًّا وسيمًا "يجولُ يصنع خيرًا"؛ يمسحُ على الجباه العليلة فيُبرئ الأكمهَ والأبرص وينفخ الروحَ في الميْتَة فتحيا بأمر الله. “وأُبرئُ الأكمَه والأبرصَ وأُحيي الموتى بإذن الله" (آل عمران/ 49). ثم هي أمومةٌ مفجوعةٌ ثكلَى، سوف ترى وحيدَها الجميل وقد حكم الأشقياءُ عليه بالموت، وبعدُ لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره، وما تزوّج ليتركَ لها ما تقرُّ بها عيناها من بعده. لكنّها تعلم أنه حيٌّ عليٌّ في السماء، سواءً صُلبَ وقام من مواته بعد أيامٍ ثلاثة كما في الأدبيات المسيحية، أو رُفع من الصليب حيًّا إلى السماء كما في أدبياتنا الإسلامية: “إذا قال اللهُ إنّي مُتوفِّيكَ ورافعُكَ إليَّ ومُطهِّرُكَ من الذين كفروا وجاعلُ الذين اتّبعوكَ فوق الذين كفروا إلى يومِ القيامة" (آل عمران/55). ففي جميع الأحوال، الوجعُ الذي ضرب قلبَ العذراء مخيفٌ ومفجعٌ لا يشبهه وجعٌ. واقفةً تبكي والقلبُ مفطورٌ أمام ذلك الموقف العظيم: ابنُها، الذي ما نَخَسه الشيطانُ، ولم يرتكب خطيئةً، تُبصره حاملاً صليبَه الخشبي الهائل يجرُّ قدميه محكومًا عليه بالموت من دون ذنب. لكنّ الصبيَّ يُبشّر أمََّه بالصبر، ثم يدعو الَله لظالميه من اليهود والرومان، أن يغفرَ لهم لأنهم "لا يعرفون ماذا يفعلون”.
تلك العذراءُ المُصطفاة، زارت مصرَ مع طفلها المسيح عليهما السلام قبل ألفي عام، وطوّبت أرضَنا الطيبةَ ومكثت معنا قرابة السنوات الأربع، فكانت تتفجّر تحت قدميها ينابيعُ الماء لتشرب ووليدها الكريم. لهذا فمكانةُ العذراء في قلوب المصريين، على اختلاف عقائدهم، هائلةٌ وراسخة.
في كتاب "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية “إليف شافاق"، يقول المتصوفُ الجميل "شمس الدين التبريزي": “الأديانُ كالأنهار؛ تصبُّ جميعُها في البحر نفسه. وإذ ترمز الأمُّ مريم إلى الشفقة والرحمة والحب غير المشروط؛ فإنها رمزٌ للجميع دون استثناء.”
كل عام ومسيحيو مصر بخير في عيد العذراء مريم عليها السلام، وعيد سعيد على مصر والمصريين والعالم أجمع، بإذن الله تعالى.


                                               ***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للتنوير والعقلانيه
ابو الحق البكري ( 2022 / 8 / 26 - 10:49 )
jتحية للعقل .. سلام ومليار تحيه للانسان في كل مكان..مع جل احترامي لك اخت فاطمه ..لم اكن اتصور بانك سكتبين موضوعا خارج دائرة العقل .. العذراء تلد ، العلم لايقر ذلك ، انت وضعت نفسك واسف في خانة القطيع المتخلف ، انا احترم مسيحيتك على ان تكتبي بعقلانيه


2 - واين علمك ابو الحق البكري وانت لاتفقه الرمز
د. لبيب سلطان ( 2022 / 8 / 26 - 21:31 )
سيدتي الكريمة
مقطوعتك عن مريم العذراء من اجمل ماقرأت مؤخرا وتقاليد الأحتفاء بها في مصر شعبيا واحدة من عمق ثقافتنا الشعبية الأحتفاء برموزها الروحية والتاريخية كما عندنا في العراق حيث كانت العوائل من اليهود و المسيحيين والشيعة والسنة في الأحياء الشعبية تلبس اطفالها الدشاديش السوداء في عاشوراء حزنا على استشهاد الحسين وكما هو تكريمه في مصر شعبيا
العراقي المسيحي واليهودي والمسلم هو عراقي كما هو المسلم والمسيحي المصري هم سكان البلاد الأصليون وثقافتنا واحدة ومصيرنا واحد
اما من يدعي العلم ككاتب التعليق اعلاه ابو الحق البكري فيكفي قراءة تعليقه لتجد انه جاهل وبه
يفضح جهله متصورا العلم كالمسطرة بعقل مسطح
شكرا لك على هذه الهدية الأدبية الوطنية الجميلة


3 - شكرا استاذه فاطمه على هذه التحفه الادبية الوطنية ا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 8 / 27 - 00:25 )
الانسانية مقالتك عن السيده مريم العذراء وانها كما قال صاحب تعليق 2 رمز مسيحي وانساني عام -تحياتي للكاتبة الفاضلة

اخر الافلام

.. ما هو حال الحريات الدينية في العالم؟


.. الخارجية الأميركية تطلق تقريرها السنوي للحريات الدينية في ال




.. تجنيد يهود -الحريديم-.. ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟


.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل




.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل