الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- لن يذهب إلى المحكمة إلا أولاد الحرام -

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 8 / 24
المجتمع المدني


هذه حكمة شعبية كانت منتشرة في مجتمعنا الريفي ، يرددها الريفيون كلما وقع خصام أو مشكلة بينهم ، وكنت اسمعها منهم في كثير من الأحيان ، كانوا يعتبرون الدخول إلى المحكمة إهانة لهم ، وتجد في الثمانين من عمره يفتخر أنه لم يدخل المحكمة يوما في حياته ، هكذا تربينا ونشأنا في مجتمع ريفي متماسك اجتماعيا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، ليس هذا فقط ، بل كان الفقراء واليتامى بينهم ، يأخذون حصتهم من الزكاة عينا ونقدا من كل المحيطين بهم والذين وصلوا نصاب الزكاة سواء في الحبوب او الغنم والماعز والشجر المثمر وزيت الزيتون ، أتذكر جيدا ، أن الريفيين ، كانوا يذبحون في الشهر مرتين أو ثلاث مرات عجلا أو بقرة ويقسمونها فيما بينهم ، بينما الفقراء كانوا يتصدقون عليهم بنصيبهم من اللحم ، انتهى ذلك الوقت ، وغلبت المادة على طباع الريفيين ، بعد أن تطاولوا في البناء واشتروا سيارات جديدة ،واصبح ابناؤهم في مناصب إدارية وعسكرية في الدولة ، تغير السلوك والطباع، ومن النادر جدا من حافظ على ذلك السلوك ، أي مجتمع يعبد المادة يتفكك بنيانه المرصوص ، هكذا اصبحنا نعيش وكأننا غرباء عن بعضنا ، ولولا بعض الجمعيات الخيرية التي تنشط قليلا لضاع الفقراء والمساكين واليتامى ،
لنعد إلى حكمة " لن يذهب إلى المحكمة إلا أولاد الحرام " أكيد هذا السلوك لم يكن قبل دخول الاستعمار الفرنسي الذي جاءنا بنظام المحاكم المدنية ، وتعقيداتها القانونية وبيروقراطيتها المقلقة وقضاتها المتفرعون الجبابرة على الجزائريين المسلمين ، قبل الاستعمار الفرنسي ، كانت كل جماعة في أريافنا لها عقلاؤها وعليهم تطرح جميع المشاكل والنزاعات بين الريفيين لينظروا فيها ويصدروا احكامهم الملزمة ، ولا يستطيع أحد من المشتكين ان يعترض على احكامهم ، ففي حالة رفضه لما صدر من حكم من لجنة العقلاء ، فعليه أن يرحل ، طبعا ليس لهم السجن ولا العصا لتأديب الظالم ، ولكن لهم ما هو اشد من السجن والعصا ، ألا وهو مقاطعة الظالم ، وعدم التحدث معه ، والزواج منه ، يعني يصبح كالمعزة المجرابة بين جماعته ، وتلك عقوبة لم اسمع بأحد قبل بها وإن لم يعجبه حكم العقلاء ،
والان سأوضح كيف كانت تتشكل جماعة العقلاء وكيف ينظرون في القضية المطروحة عليهم، يختارون من وسط الريفيين بكل حرية من المتخاصمين أو المتخاصمون، وهي بمثابة لجنة المحلفين اليوم في محاكمنا يراسهم اكبرهم سنا وأتقاهم وأعلمهم بالأحكام العرفية والشرعية، كان أحيانا العُرف يغلب الأحكام الشرعية، تجتمع تلك الجماعة إما تحت شجرة، أو في منزل يسعهم إذا كان الجو ممطرا، وبحضور المتخاصمين، يجلسون على الأرض أو على حصيرة من سعف النخيل، ويفتحون الجلسة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبآيات قرآنية قصيرة ، ثم يأمرون المظلوم ان يقدم شكواه شفهيا أمامهم ، وعندما ينتهي من عرض مشكلته ، يطلبون من الظالم كذلك الكلمة ، يستمعون للمتخاصمين ، وبعدها يبدأ النقاش بين لجنة العقلاء ، أو ما يطلق عليها الريفيين " الجماعة " وفي الأخير يصدرون حكمهم الذي يرضى به المتخاصمون حتى لا يعتبرون خارجين عن الجماعة وليس عن القانون الذين جاءتنا به القوانين الفرنسية ومحاكمها .
نسيت أن أذكر أن جماعة العقلاء " الجماعة " لا تظنوا أنهم يأتون على الاجتماع وهم لا يعرفون أسباب النزاع والخصام بين المتخاصمين، فقبل أن يعقدوا اجتماعهم للحكم، يأخذون بضعة أيام قليلة وكل واحد منهم يتحرى في أصل المشكل بدقة مستعملا ذكاءه وخبرته تتجاوز اليوم تحقيقات الشرطة والدرك عندنا اليوم، ولا يمكن لشهود الزور الادلاء بشهادة الزور ،وفي حالة ما إذا كان واحدا من المتخاصمين خبيثا وجاء بشاهد زور ، فإن جماعة العقلاء ، تتحقق أولا من سلوك الشاهد بينهم هل هو كاذب ام صادق .حتى تقبل شهادته ‘ وإذا ثبت عليه شهادة فياوحه سيلعن أمام الجميع ويقاطعونه ، فلا تجد أحدا يقبل ان يكون شاهد زور كما هو الحال اليوم في محاكمنا ..
والسؤال هل ما زالت جماعة العقلاء " الجماعة " اليوم، للأسف لم يعد لها ذكر والناس أصبحت لأبسط مشكلة تقدم شكوى للمحكمة، التي تصدر احكامها بعيدا عن أعراف المجتمع وتقاليده وسخط المجتمع على الظالم ..اليوم اصبح الظالم عندما يخرج من السجن يستقبل بالأحضان وكأنه بطل من الابطال الذين حرروا الوطن، أم شهود الزور فهم فخورون ب"وظيفتهم " ولا يخجلون بل يشهرون بها، وكل قضية زور ولها ثمن، أما المحامون الذين لم يكون لهم وجود في نظام " الجماعة " فاصبحوا من رجال الاعمال، ليس هذا فقط بل من لهم المال اصبحوا يظلمون الناس علانية ويقولون للمظلوم عليك بالمحكمة، لأن بعض المحامين يقلبون الحق باطلا ويقلبون الباطل حقا المهم ان تدفع .
لا يمكن لمجتمع ان يتماسك ويتطور باستيراد القوانين من الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية