الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نعترف بالآخر

احمد الحاج علي

2006 / 9 / 27
المجتمع المدني


تحكي اسطورة قديمة . أن الخالق حين خلق الخلق . أعطى لكل واحد منهم عقلاً على قده فهذا أعطاه عقلا كبيراً وذاك أعطاه عقلا صغيرا وتلك أعطاها عقلا يزن مالا يقدر بثمن , إلا أن المسالة لم تنته عند توزيع العقول على أصحابها , فقد سمع الخالق لغطاً وهمساً وتمتمة , إذ كيف يوزع الخالق العقول على كيفه بدون مشورة أصحاب العلاقة , إلى درجة أن الخالق سمع وشاهد بعض المحتجين الذين تبرموا والذين رفضوا استلام العقل الخاص بهم , إلا أن الله الغفور الرحيم لم يعاقبهم , ولم يتوعدهم , بالويل والثبور , ولم يلوح لهم بنار جهنم ليحرقهم , وإنما أمهلهم أسبوعا واحدا , يحتجون , ويتأففون مثلما يريدون , ريثما يفكر بما يرضي الجميع , وعندما انتهى الأسبوع استرد الخالق العقول من أصحابها وجعلها كومة واحدة ثم أمر عباده أن يختار كل واحد منهم العقل الذي يعجبه ويرتضيه .
وكانت المفاجأة الساخرة , أن كل واحد من هؤلاء الخلق , صار ينبش في كومة العقول مفتشا عن عقله بالذات ليسترده.
هذه الأسطورة القديمة قِدم الخلق , تقول لنا أن عقول الناس , لا يمكن أن تكون واحدة وأن ميولهم ورغباتهم وأهوائهم متنوعة بتنوع عقولهم , وتمايزها عن بعضها البعض , وأن عقول البشر لا يمكن تاطيرها أو تعليبها أو جعلها تفكر بعقل واحد لتكون مطابقة لأهواء ورغبات الآباء أو الزعماء أو الشيوخ أو الملوك أو الرؤساء أو الأحزاب مهما كانت طرق التربية المتبعة , أكانت قديمة تعتمد العقوبة الجسدية , أو طريقة حديثة تعتمد الترغيب والتشويق والحوار ولنا في تجربة الأحزاب العقائدية في أوربا الشرقية سابقا وبعض بلدان العالم الثالث الآن ما يدلنا على أن الترهيب . والقمع . والسجن . والتعذيب . والتجويع . لما يسمونهم المارقين أو المنشقين أو الخونة أو أعداء الشعب لم تُجدِ نفعا , ولم توحد عقول الناس , لان هذه العقلية ضد قوانين الخلق القائمة على التمايز والاختلاف , وأن هذه العقلية التي تحاول إلغاء عقول الآخرين واستبدالها بعقل الزعيم أو الحزب , سوف تنتهي لا محالة إلى بوار , لقد ادركت أمم عديدة أن تنوع العقول وتمايزها واختلافها يغني الحياة ويثريها ويفجر طاقات الإبداع فيها فعملوا على تعزيز هذه الحقيقة واغنائها برفدها بمناهج تربوية قائمة على الحوار واحترام حق الأخر في التعبير عن آرائه ومعتقداته جهارا نهارا , وإعطاء فسحة لكل الآراء والأحزاب ولكل الأديان ولكل المذاهب دون تخوين أو تأثيم أو نفي أو إلغاء.
أما في هذا الشرق المنكوب بوباء الأحادية أكانت هذه الأحادية عقائدية أو عرقية أو دينية فالكل ينفي الكل والكل يخوِّن الكل والكل يتربص بالكل كأننا نهيئ أنفسنا لدخول مرحلة الاقتتال المذهبي أو العرقي أو السياسي , دون أن ندري أن تدمير الوطن لا يتم إلا عبر التناحر , والتباغض , وعدم الاعتراف بالآخر , وأننا بأنفسنا , نفتح طرقاً وممرات معبدة أمام تدخل القوى الطامعة في تسريع ما لم يتفتت , وتمزيق ما لم يتمزق.
إن أجواء مسممة بالكراهية والحقد المتنامي , يُدخل منطقتنا في أتون صرا عات لا بد أن يكتوي بنارها الجميع . ولا رابح في هذا السعار المجنون إلا أطرافاً خارجية , تريد رسم خارطة المنطقة على هوى مصالحها .
تُرى هل نعي نحن مصالحنا ؟ هل مصالحنا في نفي الآخر وإلغائه ؟ هل نعي طبيعة المرحلة التي نمر بها ؟ وكيف نواجهها ؟ ومتى ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما فرص تنفيذ مذكرات المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال مسؤولين


.. بايدن عن طلب #الجنائية_الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياه




.. بلينكن: نرفض طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار


.. قرارات المحكمة الجنائية الدولية وانعكاساتها على حرب غزة | #غ




.. كيف رد إسرائيل على طلب الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وغال