الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


10 - مدخل الى العقل المتصنم / 11- البلد الملعون بأبنائه

أمين أحمد ثابت

2022 / 8 / 26
المجتمع المدني


اللعنة تستخدم كلفظ فهمي ودلالي على فعل قبيح او مستقبح او مخيف او خاطئ ، يقع على فرد او مجموعة او مجتمع او بلد او حتى مجموعة من الاوطان ويعلم من خلال آثار ذلك الفعل على من يقع عليه - من خلال نفسه او غيره - بحيث تصبح تلك الآثار المدمرة والمؤذية غير منتهية زمنيا بانتهاء الفعل او بعده بوقت قصير ، بل تظل تلك الآثار لصيقة على من تقع عليه واجياله لزمن طويل و تتجدد بتجدد الذرية .

من يعتقد بالخرافة والسحر ..... يفهم لفظة اللعنة كعمل شيطاني لإبليس او من افعال الجن - وطالما للجن عالمه الخاص فلا علاقة لهم بعالم الانسان - إنما من خلال افراد يعملون بالسحر يستحضرونهم للإضرار بأناس مثلهم ، كما وتحكي معظم الاساطير عن استحضار السحرة والمشعوذين للجن والمردة لصالح حاكم او ملك مستبد ، وذلك حين يصبح ارهاب قبضته لم يعد كافيا لمنع سقوط حكمه وقتله ، عند تلك اللحظة تكون الجن والمردة المستحضرين - الى جانب أن تكون قوى قتل ابادي بديل لجهازه العسكري العاجز على خمد التمرد ، تكون اساسا لإطلاق لعنة على البلد وإنسانها ، لعنة ذل ودمار وفقر تلازم هذا البلد عبر تاريخ طويل ، تستمر من جيل الى اخر وهكذا الى ما لا نهاية إن لم يخرج من يمتلك ( تعويذة بطقس سحري مضاد ) تكسر تلك اللعنة وتمحوها - هذا غير فهم اللعنة دينيا كغضب من الله على قوم عصوه وارتدوا عن دينه وحاربوه - أما عند من يفهمون اللفظ من منطلق اجتماعي غير خرافي او لاهوتي ، يرون في اللعنة فعل جسيم سلبي تحول ليصبح واقعة تضفي آثارها السيئة على من وقعت عليه او عليهم . . خلال زمن وجودهم الحياتي وتمتد لتلحق سلبا بأزمان متعاقبة تالية لعديد من الاجيال ، قد تطول كثيرا او تستمر لتقف عند زمن تغيري آخر - واللعنة هنا وقت وقوعها لا تدرك بذات اللفظ بقدر ما تدرك بمعنى فعل خطأ سلبي جسيم ينذر باستمرار آثاره الى فترات زمنية تالية - من عمر الفرد وذريته او المجتمع واجياله - او تدرك بفهم تبسيطي للحدث بتنسيبه لعامل الصدفة و . . يكون موصفا بلفظ آخر وهو ( النحس ) . . حين تستمر الآثار السلبية الواقعة للمرء او المجتمع لوقت اخر ، بينما يقف عقل الانسان ببعده الحكمي التعميمي متأخرا بزمن بعيد ليستبدل لفظية النحس والشؤم بلفظ اللعنة - في ازمنة لاحقة اخرى لم تعد هناك علامات باقية لذلك الحدث الجسيم - حين يجد الحياة والظروف الخاصة بالفرد واسرته او المجتمع بأجياله العقدية سوية ومستقرة خالية من السوء والاضرار ، بينما تجد ذلك الانسان او اجيال عائلته او المجتمع في اجياله اللاحقة . . مطبوع عليهم وعلى من سيأتي من بعدهم الفشل والخذلان او الفقر والذل او الخزي والعار ، مطبوع على وجودهم وحياتهم وسلوكهم وعيشهم وعلاقاتهم . . يلاحقهم اينما كانوا او عملوا ، بحيث يستمر الضرر الواقع على صاحبه وعلى سلالته لتاريخ طويل مستقبلي - عند تلك الحكمية العامة حين تصبح معتقدا ذهنيا شبه إيماني ، وحين يكون ملموسا واقعا يعد حقيقة وليس وهما او توهما اعتقاديا - كمرض خبيث عند مرء ينقل وراثيا الى اجياله اللاحقة ، ولم يعرف بعد مسببه ولماذا وكيف ظهر كإصابة ، تصبح لزمة وراثية جينية الاصابة تنقل من جيل الى جيل - وبذا يمكن اعتبار الامراض الوراثية القاتلة ( لعنة ) يتم توارثها ، وهو ما يجعلنا أن نصل أن ( اللعنة ) لفظة عامة وتخصص بالصفات والخصائص والحال المورث عبر الاجيال - مثل لعنة الفقر ، لعنة العبودية والعنصرية ، لعنة خطيئة الدعارة ، لعنة الغباء المعتقد انه بساطة او تواضع ، لعنات الاوهام بتعدداتها حين تسيطر على قناعة الانسان عبر اجيال احيانا تتعدى الاف السنين ، كتفوق العنصر الابيض ، او من ينسبون انفسهم الى قائد رمز في التاريخ القديم او حتى المنطقة او نبي . . . الخ

إذا ، فاللعنة بين كونها معتقد ذهني - في عقل افراد نسل واحد متعاقب الاجيال او في عقل مجتمع عبر تاريخ زمني ممتد خلال الاجيال - وبين أو تكون اللعنة واقعا ملموسا كامتداد تاريخي لما هو قبلي وتشي بتورثها المستقبلي - المنظور على الاقل .

وعودة لما يدل عليه العنوان من محتوى ، فإن كان قياسنا الحكمي على بلد ملعون بأبنائه - كاليمن بقصدنا و . . مثله العربية بدرجات متفاوتة آثار اللعنة وطبيعتها المورثية - يستدل بهذه الحكمية فيما نراه واقعا على هذا البلد - بصورة مجردة - نقف عليها خلال تاريخ نستوقفه لنقرأ حقيقة هذا البلد ، وليكن مثلا 70 عاما الى اليوم ، نجده من عقد الى اخر يدخل بناء متحولات عصرية وتسود على حياته ، ويترك خلال مسيرته متغيرات ملموسة تعرف مجازا بالمكتسبات ، لكنه خلال ذلك المسار يدمر ويهشم وينهي ليس فقط ما بناه ، بل وما تركت من آثار اقدم قيمية كانت تعد مكتسبات تاريخية لحضارات بائدة ، فكلما تطور الوعي التعليمي والمعرفي والحياتي للمجتمع . . كلما تطور الفعل التدميري الإبادي للقيم والمكتسبات . . بأيدي ابنائه - أتراها فقط لعنة تاريخية محدودة في مورثها التاريخي ، نكتشف الاجابة بلا - تقديرا مجردا للنظر في انسان المجتمع عبر تاريخ طويل من العهود الماضية الى اليوم - انه ذات الانسان أكان في طبيعته البدائية الرعوية الصحراوية او حين انتقل الى القروية والفلاحة مع تجارة المقايضة البسيطة و . . حتى دخوله الى المدنية الانتقالية بسيادة النظامية الرأسمالية التجارية على حياة المجتمع وطبيعة عمله التاريخي ، واخيرا الى المدنية الحديثة والمعاصرة اليوم وغدا - نجد فيه انساننا اليوم وبعد عشرات السنين القادمة إن لم نتجرأ لنكتبها بالمئات . . هو ذات الانسان البدائي ذلك الى ما قبل مئات الاف السنين ، يقوم على الاستبداد وصناعة المستبدين ، يحقق واقع الاستقواء المهيمن من خلال إذلال الغالبية المستضعفة ، وتظل هذه الاخيرة لا تقوى على مغايرة طبيعتها الخضوعية ، وهو إذلال يتحقق بإبادة المعارضين وإنهاء أية قيم ومعالم وشواهد ومكتسبات تحققت عبر التقدم في مسار التاريخ زمنيا عاما ، فكل فترة تولد مجاميع استبداد مسلحة تدمر كل ما حقق سابقا كقيم نافية لأصل قيمة هذا المستبد الجديد ، لكونه منسبا في جوهره لزمن بائد بعيد ، وينقسم اناس المجتمع بين منتفع رخيص لطوائف او فرق الاستبداد الجديدة ، وبين غالبية مطلقة من المجتمع تتقبل العيش طواعية او جبرا لقلة صامتة تحت امتهان هذه المستقويات المتنفذة عليه ، التي تصادر كامل حقوقه بما فيها حقوقه الطبيعية ، ويكون البلد متملكا تصرفيا لها بشكل مطلق ، تدمر ما يشاء ، تبيع ما تشاء منه او تهبه لمن تشاء من خارج ابناء الوطن - هنا تصبح البلد ( اليمن ) منتزعا عنه سمات وصفات الوطن - فالوطن ملك لابنائه ، وإن تجبر عليه حاكما لا يملك حق التصرف به - فهل هناك عاقلا يخالفني الرأي ! - قد يكون مخادعا لنا سابقا الشكل الظاهر للبلد في تخطيطه العمراني والاستثماري العصري ، إلا ما ننساه دائما أن دورات الحروب كانت تأتي على كل شيء مكتسب ، تطرح سلاسل حلقات القوى المتنفذة الجديدة دوما استثمار كل ما وقع تحت قبضتها من املاك وثروات - بشكل غير قانوني او اخلاقي - لكونها اصبحت هي المالك الان لإرث ما سبقتها من قوى ، وهو ما يخلق الخداع لادمغتنا في فهم الواقع وحياتنا ومستقبل اولادنا - أما الآن ، في ظل الحرب الساذجة لثمان سنوات - بعد اجندة الخريف العربي من 12عاما ماضية - عرت ورقة التوت التي تختفي فيها عورتنا ك ( ملعونين ) بقتل انسان المجتمع كمتعة من متع الاستقواء - مثل قتل الاطفال بالقناصة او ضرب صاروخ جو-ارض على حفل زفاف - وامتهان عيشه بما يعارض كل القوانين المحلية والدولية والشرع ، ليصبح كل فرد تحت هذه الطغمة القابضة او تلك عبدا رخيصا لها او مداسا ، ومفتوح للرخاص من ابناء المجتمع التسابق المهين لعرض النفس كخادم امين للطغمة المستحكمة واقعا على هذه الرقعة او تلك .

إن خاص اللعنة الموسومين بها ، تتمثل ب ( لعنة الغباء وفقدان الذاكرة ) ، أما عامة لعنتنا تتمثل ب ( لعنة عبوديتنا الطوعية ) - الملايين التي خرجت تطالب باسقاط نظام الفرد المستبد الفاسد بمتحالفه القبلي الديني السياسي - الذي دمر كل محاولات التحديث للمجتتمع والحياة - ينصب بدلا عنه وريث ذلك الحاكم ، الذي اعاد ذات النظام الحاكم السابق الفاسد العصبوي في جوهره - وهتفوا الناس للتغيير - والملايين الثورية والباقية التي طالبت بجديد مغاير للقديم كليا . . انقسمت الى ملحقات اجتماعية تابعة لأقطاب التصارع على سلطة النفوذ - شرعية ، حوثية وانتقالي ، ومجاميع متخفية بمسميات اقليمية . . ستظهر كلما كان متحول اللعبة يتطلب وجودها - هذا الشعب العظيم حين رفض استعادة الذاكرة بتحذيرات القلة الفردية من الاشخاص وعادونهم ، اصروا على تدويل قضية الخلاف الداخلي ، وسلمت البلد للأجندات القابضة على المنطقة دوليا واقليميا - فهم تغيب عنهم الذاكرة كبلد ضعيف مدار من الخارج ، حتى انه تقبل وهم انقاذه بتفكيك وطنه الواحد الى اوطان مجزأة - رغم صغر مساحته - الشعب الذي نادى بوطن عصري انساق وراء صنيعة البديل الشرعي بتخريج دولي توهيمي ، الذي بطواعيته الصلصالية عمل على تفريخ مورثات الاستقواء القديمة في التاريخ وعودتها كمتخلقات واقعية جديدة ، يفقد فيه البلد حقيقته كوطن واحد ، ويتمزق مجتمعه الى قبل وعشائر وشلل وكنتونات مسلحة النفوذ متبعة كمجتمعات مصغرة عصبوية ونفعية وغالبية محكومة ، وتستمر لعبة التمزيق ونهب الثروات واقتطاع الاراضي والمياه والجو الى ما هو خارج الوطن ، حتى الاموال المنهوبة بوكلاء الحرب تذهب نحو خزائن البلدان المحركة للعبة حرب الانهاء لجوهر الوطن ( اليمني ) ، وجزء منه لشراء اسلحة القتل والتدمير وتجارات العبث بقيم المجتمع واخلاقه ، بما يطبع انسانه بالمريض غير المنتج ، يحب الصعلكة والتعدي ورفض التعلم وقيمة العلم ويعشق التذلل والنفاق النفعي الرخيص ، ويستهوي اللاعمل والمخدرات وكل طريق قصير لا اخلاقي او قانوني للربح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. تقرير أميركي يشيد بجهود البلاد في محاربة الاتجار


.. اللاجئون السوريون -يواجهون- أردوغان! | #التاسعة




.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا