الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هربرت سبنسر/ ٢

حسام جاسم

2022 / 8 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هربرت سبنسر/ ٢ موسوعة ستانفورد للفلسفة:
3. مبادئ علم الاجتماع :
غالبًا ما يعتبر (مبادئ علم الاجتماع) (The Principles of Sociology) أساسيًا في تطوير علم الاجتماع الحديث من حيث طريقته وكثير من محتوياته. مليء بأمثلة لا نهاية لها من الماضي البعيد والماضي القريب والحاضر، تصف وتشرح بشكل فكري القوس الكامل للتطور الإجتماعي البشري . فالجزء الخامس، (المؤسسات السياسية) (Political Institutions) وثيق الصلة بشكل خاص بفهم أخلاقيات سبنسر. إن (المؤسسات السياسية) إلى جانب (مبادئه الأخلاقية)، تتوج الفلسفة التركيبية. فهما بيت القصيد .
وبالنسبة لحساب سبنسر، يتكشف التطور الاجتماعي من خلال أربع مراحل عالمية هي:
1) المجتمعات "البدائية" التي تتميز بالتعاون السياسي العرضي ( غير رسمي ).
2) المجتمعات " المحاربة المتشددة" التي تتميز بالسيطرة السياسية الهرمية الصارمة.
3) المجتمعات "الصناعية" حيث تنهار الهيمنة السياسية المركزية، مما يفسح المجال للأسواق المنظمة بشكل محدود.
4) وشكل تلقائي، "ذاتية التنظيم"، سوق اليوتوبيا التي تتلاشى فيها سلطة الحكومة.
يؤدي الاكتظاظ السكاني الذي يسبب صراعات عنيفة بين الفئات الاجتماعية إلى تغذية دورة الاندماج والانقلاب التي لا يوجد مجتمع محصن ضدها.
بتعبير أدق، كلما ازداد عدد مجموعات القرابة الجنينية، "أصبحوا مترابطين في كل مكان بطريقة بعضهم البعض". (راجع Spencer, vol. II, 1876-93:37 ) وكلما احتشدت هذه المجتمعات البدائية مع بعضها البعض، كلما أصبحت أكثر عنفاً ومحاربة على المستوى الخارجي. إن النجاح في الحرب يتطلب قدراً أعظم من التضامن والتماسك على الصعيد السياسي والقسري. الحرب المستمرة تندمج وتضفي الطابع الرسمي على السيطرة السياسية، مما يقضي على المجتمعات التي تفشل في التوحيد بشكل كاف. تتشكل العشائر في أمم ويصبح رؤساء القبائل ملوكًا. بينما تقوم المجتمعات الناجحة عسكريًا بإخضاع واستيعاب منافسيها، فإنها تميل إلى الاستقرار و"المركب" و"إعادة التجميع"، مما يحفز تقسيم العمل والتجارة. إن تقسيم العمل وانتشار التبادل التعاقدي يحول المجتمعات "المحاربة" الناجحة والمستقرة إلى مجتمعات "صناعية منظمة سلبيًا" تمنح الحرية الفردية والحقوق الأساسية حيث تتراجع الدولة عن حماية المواطنين من القوة والاحتيال في الداخل والاعتداء من الخارج. ولكن هناك أمور أخرى على قدم المساواة، ألا وهي أن المجتمع الذي تتمتع فيه الحياة والحرية والملكية بالأمان، والذي ترى فية كافة المصالح بشكل عادل لابد وأن يزدهر أكثر من مجتمع لا يتمتع فيه بالمساواة؛ وبالتالي، بين المجتمعات الصناعية المتنافسة، لابد من الاستعاضة تدريجياً عن تلك التي لا يتم فيها الحفاظ على الحقوق الشخصية بشكل كامل، بتلك التي يتم الحفاظ عليها بشكل كامل ومصان".(راجع 93:108-Spencer, vol. II, 1876) والمجتمعات التي يتم فيها الحفاظ على الحقوق بشكل كامل سوف تتحد معًا في الوقت المناسب في توازن سلمي دائم التوسع. وكما لوحظ سابقاً، فإن التوازن يكون دائما غير مستقر، مما يؤدي إلى خطر الانحلال والتراجع. في الواقع، بنهاية حياته كان سبنسر أقل تفاؤلاً بشأن المجتمعات الصناعية التي تتجنب الحرب .
على الرغم من تشاؤمه المتزايد فيما يتصل بالتقدم الليبرالي والوفاق الدولي، إلا أن المدى الذي بلغه وضع التنظير المعياري في علم نظريات سبنسر الاجتماعية واضح وملموس. علم الاجتماع والأخلاق يتشابكان. سنرى قريبا كيف كانت النفعية وكذلك الفردية.
أصر العديد من المترجمين المتأخرين لسبنسر، وخاصة علماء الاجتماع، على أن نظريته الاجتماعية وأخلاقياته ليسا مرتبطين ببعضهما، وأن سوسيولجيته قائمة بذاتهها، وبالتالي يمكننا استبعاد نظريته الأخلاقية في جهودنا لفهم إرثه في العلوم الاجتماعية. على سبيل المثال، جادل جون ديفيد بيل (J. D. Y. Peel) أن علم اجتماع سبنسر "مستقل منطقياً عن الأخلاقيات عنده ". يوافق جوناثان اتش تورنر (Jonathan H. Turner) على ذلك زاعماً ان أخلاقيات سبنسر وأوجه القصور الأيديولوجية الأخرى "تعترض طريق النظر إلى سبنسر كمُنظر استمرت أفكاره [السوسيولوجية] (في حال إعادة كتشافها فقط)". بالنسبة لتورنر، فإن "إن علم الاجتماع مكتوب بحيث يمكن تجاهل أوجه القصور هذه بسهولة".يستشهد كل من روبرت كارنيرو (Robert Carneiro) وروبرت بيرين (Robert Perrin) بتقييم بيل ويثنّون عليه . ومؤخراً، يشير مارك فرانسيس (Mark Francis) إلى نفس الشيء إلى حد كبير، حيث كتب أن نظرية سبنسر للتغيير الاجتماعي "تعمل على مستوى مختلف عن نظريته الأخلاقية" . ولكن لأنه يمكننا فقط -بعد مرور العديد من السنين- الحصول على شيء من علم الاجتماع الخاص به مع تجاهل أخلاقياته، وفي هذا الصدد، أي شيء آخر بخلاف علم الاجتماع الذي كتبه، فإننا نعتقد خطأً بأننا فسرنا سبنسر بشكل صحيح، ناهيك عن التفكير في أننا فسرنا حتى علم الاجتماع الخاص به تفسيرًا صحيحًا. إن اكتشاف كيف بدا أن مفكرًا سابقًا تنبأ بتفكيرنا الحالي حول هذه المسألة أو تلك هو أمر، ومحاولة تأويل المفكر السابق بأفضل ما نستطيع هو أمر آخر تمامًا.
لا يوجد مكان تترابط فيه أخلاقيات سبنسر وعلم الاجتماع عنده بشكل واضح أكثر من لاماركيته (Lamarckism)، بيْد أنه يوجد خلاف في المقدار الذي استعاره سبنسر من لامارك مقابل داروين. ومع ذلك، جادل بيتر ج. باولر (Peter J. Bowler) مؤخرًا بأن كلاً من سبنسر وداروين يعتقدان أن وراثة الخصائص المكتسبة والانتقاء الطبيعي معًا يقودان التطور. بالنسبة لباولر، ليس من الخطأ أن ننظر إلى سبنسر بصفته مدينًا بكل شيء لـ لامارك أو بالقليل جدًا . يدعم تقييم باولر بادعاءات سبنسر في مقالتين متأخرتين من 1886 و 1893 بعنوان (عوامل التطور العضوي) “The Factors of Organic Evolution” و(قصور الانتقاء الطبيعي) “The Inadequacy of ‘Natural Selection.’ . يزعم المقال السابق أن أهمية التطور بالانتقاء الطبيعي تنخفض مقارنةً باستخدام الوراثة مع تطور القدرات العقلية والأخلاقية للإنسان. يحل هذا الأخير تدريجياً محل الأول باعتباره آلية التغيير التطوري. تنسج مقالة (عوامل التطور العضوي) بإيجاز بين استخدام الوراثة وعلم النفس الارتباطي والحدس الأخلاقي والمنفعة. تميل الأفعال التي تنتج المتعة أو الألم إلى إحداث روابط عقلية بين أنواع الأفعال والملذات أو الآلام. تُكمل أيضًا مشاعر الموافقة والرفض هذه الارتباطات، فنميل بطبيعة الحال إلى الموافقة على الأفعال التي تولد المتعة ونرفض تلك التي تسبب الألم. بسبب استخدام الوراثة، تتكثف مشاعر الموافقة والرفض هذه في غرائز أخلاقية راسخة للموافقة والرفض، والتي تصبح تدريجياً بديهيات أخلاقية مصقولة.
إلى أي مدى كان علم اجتماع سبنسر الوظيفي أيضًا محل تنازع. وفقًا لجيمس جي كينيدي (James G. Kennedy)، ابتكر سبنسر الوظيفية . يبدو أن اعتبار سبنسر كعامل وظيفي هو طريقة أخرى للنظر إليه باعتباره، في المصطلحات المعيارية المعاصرة، عواقبيًا. أي أن التطور الاجتماعي يحابي المؤسسات الاجتماعية والممارسات المعيارية التي تعزز التضامن البشري والسعادة والازدهار.
تلاشت سمعة سبنسر في علم الاجتماع، ويتذكره قلة من المنظرين الاجتماعيين، وهذا قد يتغير بطريقة ما، أما الفلاسفة الأخلاقيون فقد نسوه في الأغلب، مع أن النفعيين الكلاسيكيين في القرن التاسع عشر مثل مِل وهنري سيدجويك (Henry Sidgwick)، والمثاليين من أمثال توماس هيل غرين (T. H. Green) وجون ستيوارت ماكنزي (J. S. Mackenzie)، والليبراليين الجدد من أمثال ديفيد جورج ريتشي (D. G. Ritchie) قد ناقشوه بإسهاب وإن كان في الغالب بشكل نقدي. كما شعر النفعيون المثاليون في القرن العشرين مثل مور وهاستينغز راشدال (Hastings Rashdall) وحدسيون أكسفورد -مثل ويليام روس- (W. D. Ross ) بأنهم مضطرون إلى إشراكه. كان سبنسر جزءاً كبيراً من سياقهم الفكري، فقد وجه تفكيرهم بشكل لا يستهان به. لا يمكننا تأويل هؤلاء تأويلًا صحيحًا ما لم نأخذ سبنسر على محمل الجد أكثر مما نفعل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة