الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما وراء حوار الأديان والحضارات

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


.شدّد البابا بينيديكت السادس عشر خلال اجتماعه بمبعوثين من العالم الإسلامي على " الضرورة الحيوية للحوار الديني والثقافي" ، ودعا إلى " حوار صادق واحترام متبادل" .
إنّ في الاسلام والمسيحية توجد نصوص مقدسة ، تحرض على الكراهية والقتل، وان كان يوجد في القرآن من مثل هذه النصوص ، أيْ آيات العنف و الكراهية بحق الغير أكثر بكثير من العهد الجديد ، أو ما نطلق عليه بالأناجيل ، غير ان "العهد القديم" الذي هو جزء من الكتاب المقدس للمسيحيين أيضا، لا يُضاهى في الدعوة الى القتل والارهاب.
ومن يتبع هذه النصوص بدون تأويل فيقتل في سبيل دينه هو همجي متخلف، و ثمة مسلمون ويهود يفعلون ذلك اليوم و/أو يؤيدونه ، وهؤلاء فعلا همج متخلفون.
وكذلك المسيحيون كان فيهم دوما من قتل وسفك الدماء ، وهنالك الآن حرب إمبريالية تقودها أمريكا بغطاء ديني يدعي رئيسها أنه يقودها بوحي الهي، وبتأييد اليمين المتطرف في الغرب مثل رئيس الوزراء الاسباني السا بق خوسيه ماريا اثنار الذي شارك في الحرب على العراق والذي يقول إننا في زمن حرب، فاما هم واما نحن. و قبل أيام انبرى يدافع عن البابا بينيديكت معلنا رفضه أن يعتذر من جانب واحد، والغرض واضح هو عدم القبول بمساواة العالم الغربي مع العالم الشرقي في أيّ شئ حتى مساواة رجال الدين، و تعبير عن الاحتقان التاريخي من الأحقاد وروح الانتقام الضاربة جذورها.
فالبابا بينيديكت السادس عشر ، قائد عصابة الفاتيكان ، ووارث محاكم التفتيش الدموية في القرون الوسطى، ورئيس جهاز ارتكب ابشع المجازر بحق اليهود والغجر و الشيوعيين وشهود يهوه ، وداعية قتل الشيوعيين والعلمانيين و التقدميين ، و الأداة الطيّعة بيد ريجان، وتاتشر وجورج بوش، يدّعي هكذا عنصر إجرامي رغبته في فتح قنوات لحوار "الحضارات" و استخدام العقل فيه . فهذه الدعوة لا بد ّ من النظر إليها وتفسيرها في سياق التاريخ الشخصي اللا إنساني لقائد جهاز مافيوي مغلق معادٍ للتمدن و القيم الإنسانية النبيلة. والجدير ذكره هنا أن مفهوم العقل لدى شيوخ الأزهر والحركات السياسية الإسلامية لا يختلف عنه لدى البابا الحالي و أسلافه ، فكلهم يؤمنون بأن العقل ليس سوى اداة لتفسير إرادة قوة غيبية مفارقة للطبيعة، وأما طريقة التعبير عن ذلك التفسير فأن المسيحيين وسواهم من رجال دين آخرين لا يختلفون فيه عن المسلمين، وكل ما في الامر أن الدولة المدنية استطاعت ان تكبح جماح الكنيسة والقوى الدينية المسيحية في ما تطلق عليه العالم المتحضر ، بعد أن لم يعد المجتمع البشري يطيق جرائم الكنيسة وراعيها الإقطاع ، وبعد أن أصبحت عائقا أمام التطور الرأسمالي، وبعد كفاح مرير لقوى التقدم والإشتراكية واللبرالية التقدمية في حينها ضد مؤسسات الإقطاع والكنيسة المتحالفة معه.

ولا تأتي دعوة البابا العضو الفعال في الحزب النازي لما يسميه بالحوار حرصا على أرواح المسيحيين في الشرق من غضب المتطرفين الإسلاميين من تصريحاته واقتباسه من كلام الإمبراطور البيونطي عن افسلام ونبيه. فالتاريخ يؤكد لنا أن المسيحيين في الشرق الأوسط كانوا أول ضحايا الحرب الصليبية في القرن ، وقد تعرض كثر من القساوسة في المناطق التي أغتصبوها إلى تعذيب رهيب على يد قادة الغزاة الصليبيين.

دعوة البابا ليست أكاديمية و لادينية ، وليست في سبيل إقامة حوار بين الأديان، ولا غضبة الحركات الإسلامية و تحريكها الشارع ، هي رد " ديني" على اتهام الرسول محمد بارتكاب أعمال لا إنسانية بحق مخالفيه ، وبتبنيه السيف لأجل أخضاعهم لمشيئته.

فالطرفان ، البابا والفاتيكان و الحركات الإسلامية كلاهما كانا على مر ّ العصور جزء من حركة أكبر معادية للإنسانية، وكانا دوما حائلا أمام طموحات البشرية وآمالها في الرفاه والسعادة والإخاء والحرية. والطرفان يعلمان قبل الآخرين أنهما كانا أكبر أداة قمع وإرهاب سياسية تستخدمها الطبقات المتسلطة السائدة ضد الطبقات المحرومة في المجتمع البشري.
الطرفان حركة رجعية لإرجاع المجتمعات القهقرى إلى الوراء ، مثلما نشهده اليوم من ـاييد الكنيسة لسياسة التراجعات عن القوانين التي ضمنت حقوق العمال والمرأة و المهاجرين . تلك الحقوق التي انتزعتها الطبقة العاملة في الغرب بكفاحها المرير . كما تتجلى اليوم رجعية الحركات الدينية المسيحية والإسلامية المدعومة من قبل الحكومات البرجوازية في إشاعة العصبيات الطائفية والقبيلية والقومية في سبيل بث الفرقة والشقاق بين صفوف الطبقة العاملة والكادحين والمحرومين.
إنهما أداة قمع وتضليل وأفيون بيد رأس المال والرأسماليية. فحوارهما ، ومساوماتهما ، وصراعهما الدموي تقع في دائرة خدمة أقطاب الرأسمالية العالمية، وهما جزء لا يتجزأ من حوارها وسياستها وصراعاتها .
لقد كان اقتباس البابا بينيديكت من الإمبراطور البيزنطي ، اقتباسا من بوش ، واعلانا عن وقوف الفاتيكان إلى جانب امبراطورية بيزنطة العصر ، الإمبراطورية الأمريكية وحلفائها في حربها على جبهة الإرهاب الأخرى ، الإرهاب الساسي للحركات الإسلامية. وإن غضبة الحركات الإسلامية على البابا سياسية تماما انفجرت من القطب الإرهابي الآخر المواجه للإرهاب الإمبريالي الغربي . فلم ولن يكون هذا صراع أديان ، وليس صراع " حضارات" ، ليس صراع " الحضارة المسيحية" مع " الحضارة الإسلامية" . إنها حرب همجية على الحضارة الإنسانية ، وهي حرب سياسية ، وصراع المصالح والسلطات بين حركتين ارهابيتين عالميتين.

إن مقولات من قبيل " الحضارة المسيحية " و " الحضارةالاسلامية" ذات مضامين فارغة، فلا الدول الاوروبية يجمعها الدين المسيحي و لا الشرق الأوسطية والشرقية يجمعها الإسلام . فهذه المقولات باتت فارغة بعد انهيارات الإمبراطوريات البيزنطية والعثمانية السنية والصفوية الشيعية .
لكن يمكن القول إن هناك اختلافات في درجات المدنية والتحضر التقدم التكنولوجي بدل تنوع الحضارات والثقافات الذي تحاول البرجوازية تخليده و جعل قسم من البشر وفقا لهذ التنوع مواطنين من الدرجات الأدنى ، أما مقولات الحضارة وصراع الحضارات ، فليست إلا بروباغنده سياسية في سبيل حفظ مصالح معينة طبقية . وإن الحركات الاسلامية و الدينية الاخرى إنما هي أدوات للتعبئة الإجتماعية في التصارع على المصالح الأرضية .
فالدين يزرع بذور القلق والخوف في كل الدنيا ويسلب الناس راحتهم، وإن الحكومات الغربية تستغل الدين في سبيل بث الفرقة والشقاق بين المواطنين . اليوم يعود الدين بفائدة كبيرة للبرجوازية لإخافة الجماهير واسكاتها و تعميتها عن رؤية حقوقها المهضومة ، وإن البرجوازية لم تعد بقادرة بقادرة على مواجهة الدين ، والقوى الرجعية المرتبطة بل قامت بالمساومة مع رجاله ، وتوزيع الأدوار الخبيثة عليهم ، و العمل على تحقيق الأهداف المشتركة.
لا خلاف سترتيجيا ومبدئيا للدول الأوروبية مع الإسلام السياسي ، وكل ما هنالك من مشكلة هو البحث عن السبل الياينعة للتعاون. وإن الدين مفيد للحكومات الأوروبية والقوى اليمينية العنصرية لتكريس الدرجة الثانية للمواطنين من أبناء وبنات الجاليات الشرقية ، وذلك بدعم ما التمايزات الدينية والقومية والطائفية لهم واحترام ثقافاتهم .
وأخيرا أود القول إنني لا أريد قط المس بعقائد الناس الذين يتعايشون معا في وئام في السراء والضراء رغم تعاليم أديانهم الداعية للتفرقة و الكراهية والتكبر .
فالمنتمون لفكر ما يختلفون كثيرا عن بعضهم البعض، وكثيرون منهم لن يقنع بأن دينه هو همجي، لكنه يؤمن به بعد تأويله الى حالة افضل، بحيث لا يجرح مشاعر جاره وأصدقائه . فرغم العهدة العمرية كم رأيت من كنائس تبنى أو تجدد في قرى أكثر سكانها محسوبون على الإسلام ، وكم رأيت أبناء مختلف الأديان يدخلون دور العبادة لأديان مختلفة بدون أن يشعر أحد منهم بحساسية ، أو انزعاج.
فرفض الجماهير الغفيرة لدعوة داعية الاسلام السياسي ومساند الإرهاب القرضاوي وزملائه ليوم الغضب دل على أن الأكثرية الساحقة من الجماهير في العالم الإسلامي لا يقبلون بالهمجية التي يتصرف بها بعض أفراد الحركات السياسية الإسلامية ، والسذج المغرر بهم .
*** **** ****** ****

برتراند راسل: "إنني أرى أنّ أيّ معتقدٍ يعتمد على التهديد بالنار ، لا يسعه إلا أن يكون معتقداً وحشياً ، إنه معتقد يزف القسوة إلى هذا الوجود" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله


.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446




.. 162-An-Nisa


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و




.. وادي الرافدين وتراثه القديم محاضرة استذكارية وحوارفي الذكرى