الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المغربي وإشكالية الحداثة والتقليد

عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)

2022 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد عرف المجتمع المغربي طفرات كبيرة في سنواته الأخيرة، قوضت بنياته السياسية والاقتصادية، إلا أن مثيلاتها الاجتماعية المتأثرة بروافد الماضي، ما تزال راكدة، تعوق تطور البنيات الفكرية لدى الإنسان المغربي، وتجعلها متسمة بالضعف والهشاشة.
فمسألة الحسم في المرجعيات الثقافية الموجهة للفكر باتت من الأولويات التي ينبغي على الباحثين في العلوم الاجتماعية و التراثية التفكير فيها بجدية كبيرة ، و إلا فسوف نعيد ، في العقود القليلة القادمة ، نفس أشكال البنيات الفكرية التقليدية ، التي تعوق مسار التقدم الفكري و الحضاري للأمة المغربية ؛لأن التراث ، كما يقول الباحث التونسي لطفي حجلاوي ، لا ينبغي النظر إليه كمعطى جامد .ذلك أن دراسته تدريب عملي نافع للتعامل مع مختلف تحديات و معضلات الواقع ؛ كما أنها أداة منهجية نافعة لممارسة المسؤولية الذاتية الآتية و المتجهة إلى المستقبل ،و عملية فتح تنبذ التقليد للذات .
أما الحداثة ، كمفهوم إجرائي ، فلا تعني بتاتا القطيعة المطلقة مع التراث و مكونات الذات ، كما درج التداول العربي الإسلامي على فهمها، إنها ، بتعبير "جورج سيل "، مرتبطة بالفردانية المعاصرة ،كقيمة عليا تجعل الفرد منظورا إليه كعالم لذاته ، متمركز حوله ، مكتف به و منغلق عليه ". و هذا ما يجعلها ، في نظره ، خاضعة لليومي و الراهني من الأحداث، و غير مرتكزة على التاريخ و جدليته ، و بالتالي مشكلة قطيعة مع كل ما هو قديم و تقليدي يعيش على الاستمرارية و على منطق التعالي الذاتي .
يمثل الفقهاء السلطة التقليدية. ويظهر ذلك من خلال اعتمادهم على مقاييس قديمة وبالية أثناء محاولة تقييمهم للأخلاق والفضائل. إنهم : كما يقول - “ اسماعيل مظهر “ - « لا يدركون أن المرأة تقدمت و أنهم هم الذين ما يزالون واقفين ، و إن دار بهم فلك الأرض “ .
وبناء عليه، فالاستمساك بخيارات تقليدوية سيجر المجتمع المغربي إلى الماضي، ويُدْخِلُ كل قضاياه المصيرية في مجال المقدس، على أساس اعتبار تلك القضايا دينية محضة، مُحَرَّمٌ النقاش أو التداول في شانها.
ومجال المقدس، كما نعلم، حقل مليء بالألغام، سيجعل وضع المرأة، كما يرى ذلك الباحث التونسي نادر حمامي، مرهونا بالتدخلات الفقهية. هذه الأخيرة ، لا تفرق بين الفردي و الجماعي ،عند إصدارها لفتاو أصبحت تشكل قرارات مصيرية و حاسمة .
فالتداخل بين الفردي والجماعي يخلق، في نظر بورديو، آليات استعباد، يتم استثمارها من طرف السلطة التقليدية، وتوظيفها كأدوات للتخفي، لتمارس الخداع والمراوغة، وكقوى ضغط رمزية لها مفعول السحر الساري في الأعماق مسرى الدم في العروق.
بينما طريق الحداثة ، فعلى الرغم من كونه شائكا ، و يحتاج إلى بذل الجهود و تقديم التضحيات الجسام ، و تبني خيارات مصيرية صائبة و شجاعة ، فهو الدرب الحضاري الذي لا مفر من اجتيازه و السير فيه قُدُمًا نحو التجرد من الميراث القيمي و التصورات الثقافية و الدينية و الأخلاقية ، كما يقول الكاتب عز الدين عبد المولى .
الحداثة المأمولة، هاته، كما يرى المفكر المغربي محمد سبيلا، تعتبر طاقة تحريرية للفرد، في سبيل تحقيق قيمته الفردية المتجسدة في حريته. إنها، بهذا المعنى، إسهام بشري يساعد الإنسان، ذكرا كان أم أنثى، على تطوير قدراته على الإبداع والابتكار الخلاق والمثمر، وطاقة تعبوية شاملة له ولموارده الفكرية، لجعله أكثر فاعلية وأكثر عطاء، من حيث النوع البشري، الذي لا يستثني أي فئة بشرية عرقية، لغوية ودينية. إنها تحرير للشعوب من براثن الاستبداد والتخلف الفكري والجمود العقائدي.
نفهم من هذا المعنى الفلسفي للحداثة ، الذي يشرحه سبيلا ، أن هناك علاقة كبيرة و أساسية بين الحداثة و بين قضية المرأة و الأسرة و الطفولة .فرغم طابعها الذكوري ، الذي طبع جل مساهمات المفكرين و الفلاسفة ،إلا إنها تعبير عن فعل تقدم و فعل تحرير .. ولا تقدم، بدون تحرير الفئات الاجتماعية المتضررة والمغبونة من فعل الغطرسة والظلم والاستعباد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب