الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماسينيسا أم حنبعل ... من أدخل الرومان الى شمال إفريقيا ؟

مصطفى صامت

2022 / 8 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هل الملك النوميدي ماسينيسا هو من أدخل الرومان الى شمال افريقيا ؟
جواب : الصحيح هو أن أشفاط قرطاج (الطبقة الأولڨارشية الحاكمة في قرطاج البونية ) هي من أدخل الرومان الى شمال افريقيا.
ولفهم الموضوع جيدا علينا العودة بالتاريخ الى الحرب التي عرفت تاريخيا بإسم ثورة الجند المأجور أو الحرب التي لا تغتفر، والواقعة بين سنة (241 الى237 ق.م ) حيث كانت أكبر تهديد لمدينة قرطاج كاد ان يمحيها من شمال افريقيا لو لا تدخل الرومان* والماسيل لإنقاذها من القائد الليبي ماطو** الذي قاد التمرد ضد حكام قرطاج الذين رفضوا دفع رواتب جندها بعد انهزامهم في الحرب البونيقية الاولى بصقلية .

فبعد إفشال ذلك التمرد قامت الجالية الفينيقيية الحاكمة بقرطاح بإبعاد جيشها من المدينة وارساله الى إسبانيا لإبعاد خطره وإلهائه، وبعد التوسعات التي قام بها ذلك الجيش في الجزيرة الإيْبِيرِيّة وتصادمه مع مصالح روما والتي وصلت حد تهديد مدينة روما نفسها بقيادة هانيبال، إضطر القائد الروماني شيبيون الإفريقي الدخول الى الاراضي الإفريقية كإستراتيجية حربية منه لنقل الحرب الى البر الإفريقي ودفع حنبعل الى ترك الاراضي الإيطالية والاسراع بنقل جيشه الى الضفة الإفريقية لإنقاذ وحماية قرطاج وهو الذي وقع .

فحتى زعماء قرطاج بعد هزيمتهم خلال الحرب البونيقية الأخيرة لم يقولوا ان ماسنيسا هو من سبب لهم تلك الحرب بل أرسل القرطاجيون وفدا من زعمائهم إلى معسكر الرومان في تونس وترجّوا القائد الروماني شيبيون وقبّلوا أقدامه (وهي عادة يقول المؤرخ اقزال أنهم جاءوا بها من الشرق) وبالغوا في التذلّل له قائلين أنّ هانيبال هو من تسبب بتلك الحرب وأوصل الشعبين الى تلك العداوة (01) ولم يقولوا إذا أن ماسينيسا الذي كان طرفا في الحرب هو من جلب علينا هذه الحرب وإستقدم جيشكم الينا .

فماسنيسا كان مثل أي رجل سياسي ورث بعد وفاة والده مسؤولية حماية شعبه، فكر في مصلحة مملكته ورأي أن القوة قد أصبحت حليفت روما ذات النزعة التوسعية، وكان عليها أن يتحالف مع إحدى القوى المتصارعة بالمنطقة (قرطاج، سيفاكس، روما) لتحقيق التوازن العسكري، ولأن المعطيات لم تكن كلها في صالحه حيث خبر خبث قرطاج الذين خانوا مملكته لأكثر من مرة فإستحال التحالف معهم ، وكان يرى فيها سرطان المنطقة الذي يجب استئصاله ، أما غريمه سيفاكس الذي كان حليف الرومان قبل سنة 213ق.م فقد رأي أن مصلحته تكمن في التحالف مع قرطاج لدفعها نحو فسخ تحالفها مع منافسيه من المسيل و لإضعافهم قصد تحقيق حلمه في توحيد نوميديا وهو ما حققه في 205ق.م ولكنه الحلم الذي لم يدم طويلا بعد عودة ماسينيسا من إسبانيا و المطالب بإسترجاع عرشه. هكذا اذا وجد ماسينيسا نفسه أمام خيار واحد يمكنه من إسترجاع حقه في العرش الملكي المنتزع منه ومن حماية مملكته من الخطر المستقبلي المتمثل في قوة روما المتصاعد في المنطقة والذي أدركه حينما كان يحاربهم في اسبانيا إلى جانب حلفائه القرطاجيون . فتحالف مع الرومان عند نزولهم في البر الافريقي ولو لم يفعل ذلك هو لفعل غيره لإن الصراع كان يقتضي ذلك .

فتحالف ماسينيسا مع الرومان حقق له وللمنطقة مكاسب كبيرة أهمها:
-إستعادة عرشه وإعادة النظام التقليدي النوميدي الذي يفرض انتقال الملكية الى الأكبر سنا في العائلة الكببرة.

- انهزام أكبر شوكة في ظهر الشعب الأمازيغي شمال افريقيا المتمثلة في الجالية الفينيقيية الحاكمة في قرطاج والتي أثبتت لنا الدراسات التاريخية بأنها لم تعبروا يوما عن الانتماء الى هذه الارض ،فقد كونوا جيشا من أبناء المنطقة فرضت عليهم التجنيد كأسلوب لدفع الضريبة المفروضة على الأهالي من الفلاحين، إضافة الى مرتزقة من مختلف البلدان اغلبيتهم الساحقة من الليبيين المحليين لغرض الاسترزاق ، مارست قرطاج بهم سياسة التوسع محليا على حساب مملكة المسيل . وهذه الجالية الاوليغارشية هي من رفضت مواصلة الحرب على الرومان بعد معركة زاما وحاولت تسليم حنيبعل الثائر للرومان قبل هروبه الى الشرق حيث تبعته عيون حكام قرطاج تبلغ تحركاته للرومان حتى انتحر تجنبا من الاسر.

- لقد بنى ماسينيسا علاقة ودية مع أكبر قوة استعمارية ظهرت في العالم القديم وكذلك علاقات ديبلوماسية مع الإغريق مكنته من إحلال الأمن و السلام في المنطقة التي وحدها من طرابلس شرقا الى واد ملوية غربا، أحدث فيها نقلة سياسية و إقتصادية جعلت من نوميديا اول مزود بالقمح في العالم في زمنه. صك النقود بإسمه وليس بإسمه مجلس الشيوخ الروماني وهدا دليل على استقلاليته، كما شيد الكثير من المدن وزين عاصمته واستقطب إليها الفلاسفة والفنانين من بلاد الإغريق . فعاشت مملكته في رخاء واستقرار غير مسبوق تواصل حتى في زمن خليفته موكسن ثم مسيبسا .يقول هنا المؤرخ أندري جوليان نقلا عن استيفان أقزال بأنه يمكن القول : ” ان نوميديا خطت تحت سلطة ملوكها من القرن الثاني الى منتصف القرن الاول خطوات شاسعة لم تخطها وهي مقاطعة خاضعة للجمهورية (يقصد فترة الاحتلال الروماني بعد عهد يوغرطا) ” ويضيف جوليان ” ولم تحطم روما آمال ماسينيسا العراض إلا لأنها كانت تخشى أن تتكون دولة بربرية جبارة ” (02)، ويقصد إسراع روما في حرق قرطاج ونثر الملح عليها لمنع ماسينيسا من السيطرة عليها بعدما انتصر في حروب الاسترداد ضد جيوش قرطاج وكذلك نشره داخل قرطاج حزبين سياسيين يدعوان السكان الى مبايعة ماسينيسا ملكا عليهم لتوحيد المنطقة تحت سيطرته.

و لم تنشب الحرب بين الأمازيغ والرومان الى في عهد الملك يوغرطة .
......
هوامش:
*لقد تدخلت روما في الحرب عبر قبول عرض قرطاج في طلب المؤونة من جهة البحر لأن البر كان تحت سيطرة الثوار المتمردين والمحاصرين لمدينة قرطاج وقد سمحت روما لسفنها بتموين قرطاج بالمؤن والعتاد وهذا التموين هو من زاد من قوّة القائد البوني هاميلكار وحليفه ناراواس، فتمكّنا بذلك من إجبار ماطو على رفع الحصار عن المدينة سنة 239 ق.م.
** ماطو Mathos هو قائد أمازيغي قاد التمرد ضد قرطاج برفقة سبنديوس واستطاع السيطرة على المدينين البونيقية هيبو دياريتوس وأوتيكا كما استطاع كسب ود المدن والارياف الأمازيغية وحتى نساء مدينة قرطاج قمنا ببيع حلتهن لدعم ثورته ضد حكام قرطاج الجشعين .
01- Tite-Live, XXX, 16, 1-7
02- شارل أندري جوليان , تاريخ إفريقيا الشمالية .الدار التونسية للنشر .1969 .ص137.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر