الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 9

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1 – 10 ) إشكالية الإقحام 1 (* )

_________________________________________
(* ) إن العقلية الإسلامية الزئبقية التبجيلية التبريرية السائدة أقفلت باب ولو مجرد في التساؤل حول هذه الإشكالية رغم كثرة الروايات والوقائع والنوازل الكثيرة التي حفظتها السردية الإسلامية والواردة في العديد من المراجع الإسلامية التي يعتد بها إلى اليوم. فالقول بتحريف القرآن أو نقصانه أو الزيادة عليه ولو بحرف واحد قول باطل، فإن الله تعالى تكفل بحفظ هذا القرآن فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( سورةالحجر:9). كما أجمع أهل الإسلام على أن القول بتحريف القرآن كفر مخرج من ملة الإسلام. فأهل السنة والجماعة يعتقدون سلامة القرآن العظيم من التحريف، والتبديل، والتغيير، والنقص، والزيادة بأي وجه من الوجوه، ويرون أن القول بذلك طعن في وعد الله الذي لا يتخلف، والظن بأن الصحابة أو بعضهم أقدم على ذلك طعن في الله، وفي رسوله. ومن هنا كان قول أهل السنة والجماعة، أن من ادعى وجود التحريف في القرآن فهو كافر، ومن قال قولاً يفضي إلى تضليل الأمة فهو كافر. وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين ( اليوم)، مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر " قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد (ص) ، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر. ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر. وإنه على فرض - أي افتراض أو احتمال- وجود روايات من ذلك عند أهل السنة، فهي ساقطة باطلة قابلها أهل السنة بالإنكار، وحكموا على من اعتقد هذا التحريف بالكفر والردة. فالقرآن الكريم، هو نفسه الكتاب الذي أنزل من اللوح المحفوظ في شهر رمضان دون زيادة أو نقصان, حيث أنزله الله من اللوح المحفوظ جملة واحدة في ليلة. والقرآن الكريم ليس أمر ونهي وكلمات ومعاني فقط بل ورسم أيضا. والقرآن ليس أمر ونهي وكلمات ومعاني فقط بل ورسم أيضا. فقد أجمع معظم العلماء أن رسم المصحف هو توقيفي لا يجوز مخالفته. وقد كتب كتاب الوحي القرآن فعلا بهذا الرسم وأقرهم الرسول على كتابتهم - أي على الرسم الذي في المصحف. إن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر ، والقرآن حمله جبريل مسموعاً من الله ، والنبي سمعه من جبريل ، والصحابة سمعوه من النبي ، وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا اليوم ، فما بين الدفتين - أي المصحف - وما في صدورنا مسموعاً ومكتوباً ومحفوظاً ومنقوشاً كل حرف منه كالباء والتاء كله كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين.
ولضمان سد باب التساؤل نهائيا استخدمت وزمانة من الأدوات من قبيل الناسخ والمنسوخ، المرفوع، والذي سقط ..وأن استعصى الأمر أمام رواية محرجة تم اللجوء إلى إضعافها أو النيل من سندها أو اعتبارها موضوعة – أي مفبركة. إن كنت مستعدا أو كنت قادرا على بلع هذا الكلام دون مضغ أنضحك بعدم التوقف عند هذا الحد ولا تضيع وقتك للاطلاع على الباقي، لأنه رفعت الصحف وجفت الأقلام .
___________________________________________


لم تخف جملة من الروايات في السردية الإسلامية قط أن النص المنزل قد خضع لعمليات استيفاء (1) – إقحام، إضافة- خصت بعض آيات القرآن.
كان الملاك جبرائيل يملي الآيات على محمد ويعلمه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا.
تم تصميم هذا السيناريو الأسطوري لإضفاء الشرعية على عمل لاحق - بعد وفاة النبي. وهكذا ، وربما أن معظم سور المصحف الحالي تكونت من مجاميع من الوحي مما يجعلها مؤلفات غير متجانسة أحيانا.
____________________________
(1) – لفظة مخففة لتفادي استعمال إقحام أو إضافة أو زيادة.
________________________________


تتجلى هذه الظاهرة داخل السور بشكل أكبر من خلال الاستيفاء داخل كل جزء من الأجزاء المكونة للسورة. إنها ، في الواقع ، كلمات أو عبارات تنشأ داخل تطور وتختلف عنه إما على مستوى التكوين أو على مستوى المعنى. وبالتالي ، فإن هذه الاستيفاءات تخون أحيانا عمل إعادة صياغة نصية من المسودة الأولى ، وتشكل الكثير من آثار المداخلات - الإلهية أو البشرية - التي لا تهتم بالتوافق مع النص الأولي.

المؤشر الأول للاستيفاء هو النسبة غير الطبيعية التي تحتلها آية بين آيات السورة الأخرى. وهكذا ، فإن الآية 102 من سورة البقرة

(( وَاتّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أحَد حَتّى يَقُولاَ إنّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أحَد إِلاّ بِإذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاق وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)).

تحتوي على تطورات في السحر الذي استخدمه سليمان ، وتوضح أنه لا يمكن تحميله مسؤولية ذلك ، بل إن الملاكين هاروت وماروت هما اللذان علّمهما للإنسان. هذه الآية طويلة بشكل غير عادي ، أسطر ، مقارنة مع متوسط لأغلب الآيات الأخرى .


نفس الشيء في الآية 4 من سورة المعارج:

((تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة))

هذه الآية أطول بثلاث مرات من الآيات السابقة من نفس السورة وليس لها نفس القافية. إنه استيفاء يمكن تقديمه هنا كمعان وتفسير للآيات السابقة والتي تستدعي أيضا الصعود إلى الجنة.

فئة أخرى من الاستيفاءات تتكون من وجود آية ، أو أكثر ، دون ارتباط منطقي بالفكرة التي تم التطرق إليها في النص ومقاطعتها. وهكذا ، في سورة البقرة ، كان موضوع الآيات من 153 إلى 162 هو طمأنة وتشجيع المؤمنين بعد الفشل العسكري. لكن ، في خضم هذا السياق ، تعلن الآية 158 فجأة الإذن بطقوس التمشي بين الصفا والمروة ، وهما محطتان خاصتان بشعائر الحج بمكة. ثم تستأنف الآيات التالية السياق السابق.

(( 153 - يَا أيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلاةِ إنّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ
154 - وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله أمْوَات بَلْ أحْيَاء وَلَكِن لا تَشْعُرُونَ
155 - وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْء مّنَ الخَوْف وَالجُوعِ وَنَقْص منَ الأمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ
156 - الَّذِينَ إذَا أصَابَتْهُم مصِيبَة قَالُوا إنّا لِلهِ وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ
157 - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات من ربّهِمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ
158 - إِنّ الصّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَطَّوّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوّعَ خَيْرا فَإنّ اللهَ شَاكِر عَلِيم
159 - إنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنَ البَيّنَاتِ وَالهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الكِتَابِ أولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ
160 - إلاَّ الّذِينَ تَابُوا وَأصْلَحُواْ وَبَينُواْ فَأولَئِكَ أتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأنَا التّوّابُ الرّحِيمُ
161 - إنّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجْمَعِينَ
162 - خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ))

تعلن الآية 3 من سورة أل عمران عن الحاجة إلى الصدقات التي لا علاقة لها بالتطورات السابقة المخصصة للعقوبات الموعودة لفئات الكفار المختلفة ولا اللاحقة .
((لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّى تُنفِقُوا مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْء فَإنّ اللهَ بِهِ عَلِيم))

قد تقدم الآية 69 سورة المائدة حالة معينة من الاستيفاء ، لأنها تكرر (2) الآية 62 من سورة البقرة حرفياً أو العكس باعتبار زمن النزول. لكن بقدر ما تعبر هذه الآية عن تقدير إيجابي لأهل الكتاب وغيرهم من المؤمنين ، في حين أن السياق الذي أعيد إنتاجها فيه مليء بالاتهامات ضدهم.

الآية 62 سورة البقرة :
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))

الآية 69 سورة المائدة :
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))
________________
(2) - إن مواقف العلماء المسلمين متباينة من ظاهرة التكرار الحرفي في القرآن، هناك من قال بوجود التكرار في القرآن للتأكيد، ومن قال أن التكرار في القرآن لا يأتي للتأكيد دون فائدة جديدة وحجة وبيان.
_______________

هناك أيضًا سلسلة من الآيات التي تشكل استيفاءًا في وسط سياق مكرس لموضوع مختلف. وهكذا ، تأتي الآيات 18 - 23 من سورة العنكبوت لتقطع قصة إبراهيم ، وتهاجم أولئك الذين لا يؤمنون بمحمد وتقر بحتمية العقوبة التي تنتظرهم.

سورة العنكبوت الآيات 18-23 :
((وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين (18) أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير (19) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير (20) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون (21) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (22) والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم (23) )) – راجع ما قبل وما بعد لتتضح صورة الإقحام وقطع السياق.

أو الآيتان 69 و70 من سورة يس اللتان ترفضان الاتهام الذي وجه للنبي بكونه شاعر ، ودون أي صلة سياقية بالآيات السابقة أو اللاحقة المكرسة لدحض عقيدة المشركين.

سورة يس الآيتان 69 و70 :
((وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين (69) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين (70) ))

وبالمثل ، تقدم الآيات 7-9 من سورة الرحمن موضوع "التوازن" والحاجة إلى الإنصاف في الأوزان والمقاييس ، وهذا في سياق عرض قدرة الله المطلقة. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هذا الاستيفاء ليس في بداية آية جديدة ، ولكنه مدمج في نهاية الآية 7 من سورة الرحمن.

سورة الرحمن الآيات 7-9 :
((والسماء رفعها ووضع الميزان (7) ألا تطغوا في الميزان (8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9) )).

هذا الاستيفاء في قلب الآية نجده أيضًا في سورة البقرة الآية 189 ، فهناك سياقان مختلفان: الأول مخصص للظواهر النجمية والمواقيت ، والثاني حول آداب كيفية دخول المنازل.

سورة البقرة الآية 189 :
((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون (189) ))

في سورة النساء الآية 164 حيث جملة "كلم الله موسى تكليما" لا علاقة لها ببداية الآية ولا بالآيات التالية.

سورة النساء الآية 164 :
((ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) )).

أحيانًا وجد الإقحام في منتصف الآية ، كما في سورة الأنعام الآية 25 التي تبدأ بعبارة "ومنهم [ من بين الكفرة] من يستمع إليك" ، وفجأة تواصل مع " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها". بعد هذا الاستيفاء ، يستأنف السياق الذي بدأ في بداية الآية بهذه القول: " حتى إذا جاءوك ..."

[ [ومنهم من يستمع إليك حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين] ]

سورة الأنعام الآية 25 :
((ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين (25) )).

حالة أخرى من الاستيفاء داخل الآية.

سورة السجدة الآية 23 :
((ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل (23) )).
ويتعلق الأمر بـ " فلا تكن في مرية من لقائه". [ [ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل (23)] ]

وكذلك حالة أخرى في سورة هود :
الآية 44 ((وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44) )). يتعلق الأمر بـ " وقيل بعدا للقوم الظالمين" يبدو لا علاقة لها ببدايتها ولا مع الآيات التالية.

وينطبق الشيء نفسه على الآيات 45 -47 من سورة هود :
((ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين (45) قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين (46) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (47) )).

التي تستدعي شفاعة نوح لابنه ، في حين أن الأخير كان مصيره قد حدد في الآيات السابقة.

هناك أيضًا فئة أخرى من الاستيفاء الناتجة عن إزاحة نص داخل القرآن.

سورة النور الآية 60 -61 :
((والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم (60) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون (61) )).

إنها تتعلق بقاعدة اللياقة بين المؤمنين ، تحدد أنها تؤثر أيضًا على المكفوفين والعرج والمرضى (3) . من الواضح أن هذا التوضيح هو مضاعفة آية أخرى، سورة الفتح الآية 17.
___________________
(3) – حتى في التفسير هناك ارتباك بخصوص موقع الآية 61 بعد الآية 60 في سورة النور. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في هذه الآية في المعنى الذي أنزلت فيه، فقال بعضهم: أنزلت هذه الآية ترخيصا للمسلمين في الأكل مع العميان والعرجان والمرضى وأهل الزمانة من طعامهم، من أجل أنهم كانوا قد امتنعوا من أن يأكلوا معهم من طعامهم، خشية أن يكونوا قد أتوا بأكلهم معهم من طعامهم شيئًا مما نهاهم الله عنه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ . في حين ان الأمر كان سلسا جدا في التفسير بخصوص معنى الأية لما وردت في سورة الفتح 17.
________________________

سورة الفتح الآية 17 :
((ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما (17) ))
هنا حيث تجد تبريرها الحقيقي ، إذ أن الأمر يتعلق بالسماح لهؤلاء المعاقين بعدم المشاركة في الحرب.

وكذلك في سورة القصص الآية 74:
((ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون (74) )) .

لا علاقة لها بالسياق التي وضعت فيه. لكن لما وردت في الآية 62 السابقة للآية 74 في نفس سورة القصص يبدو السياق سلسا جدا .

سورة القصص الآية 62 -64:
((ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون (62) قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون (63) وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون (64) )).

حالة أخرى، تطرق لها "بلاشير"(4) -

سورة فاطر الآية 12 :
((وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (12) )).

وهو ذات الموضوع الذي تناولته سورة الفرقان الآية 53 :
((وهوالذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (53) )).

وجاء في سورة النحل الآية 14:
((وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (14) )) . وهي تضيف استغلال صيد البحر. ورأى "بلاشير" أن الآية 12 من سورة فاطر تعطي انطباعًا عن استيفاء يمكن تبريره بالفكرة المشتركة للآيات الأخرى ، وهي فكرة قوة المبدع الخالق ،الله.
___________________
(4) – "ريجيس بلاشير" (1900-1973) مستشرق فرنسي ، إسلامي ومستعرب. قام بترجمة "نقدية" للقرآن (1947) ومحاولة لإعادة تصنيف السور حسب الترتيب الزمني لوحيها.
___________________________


يمكننا أيضًا أن نتحدث عن سورة الأحقاف الآية 15:
((ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين (15) )). (5)
____________________
(5) - وجاء في التفسير "وقوله ( قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ) يقول تعالى ذكره: قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده وعرف حقّ الله عليه فيما ألزمه من برّ والديه ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) يقول: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك، والعمل بطاعتك ( وَعَلَى وَالِدَيَّ ) من قبلي، وغير ذلك من نعمتك علينا، وألهمني ذلك. وأصله من وزعت الرجل على كذا: إذا دفعته عليه". فالمعني هنا بالأمر هو أي إنسان هداه الله لرشده، وليس شخص بعينه. كل المفسرين ساروا على هذا المنوال.
________________________________


في جزئها الأول تناولت هذه الآية مراحل التطور البشري – وهو موضوع عام- تلى هذا في الجزء الثاني موضوع خاص يتعلق بإنسان معين غير معروف في الآية، فمن الذي – فالجزء الثاني من الآية – لما بلغ أشده قال : يا رب! اسمح لي أن أشكرك على النعمة التي أمطرتها علي وعلى والدي!، كانت عبارة عامة عن البشر، مما سمح بربط ، كمنطق تكميلي ، بالجزء الأول من الآية.

يكن هل هو الإنسان بشكل عام أم شخص بعينه؟

تسمح لنا سورة النمل الآيات 17-19 أن نجيب على بشكل شبه مؤكد:
((وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون (17) حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون (18) فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (19) )).

من الواضح أن سوء الفهم هذا هو الأكثر أهمية لتاريخ النص القرآني. فهل يمكن أن نستنتج أن هذا الاستيفاء الخاطئ ارتكب من غير النبي؟ منطقيا ، نعتقد ذلك. لأنه من الصعب تصور أن محمدا سمح بمثل هذا الخطأ. لا يمكن أن يأتي هذا إلا من شخص لم يكن لديه ما يكفي من التكرار للنصوص المنزلة.

وهناك حالة أخرى من هذا النوع من الاستيفاء.

سورة النمل الآية 10-11 :
((وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون (10) إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم (11) )).(6)
___________________________
(6) - في مختلف التفسيرات هناك ارتباك واضح وفدلكات والاضطرار إلى تغيير شكل بعض الكلمات للتبرير، وهذا ما خلقه الربط بين الآيتين. فجاء عند الطبري، وقال بعض نحويي الكوفة يقول القائل: كيف صير خائفا من ظلم, ثم بدّل حسنا بعد سوء, وهو مغفور له؟ فأقول لك: في هذه الآية وجهان: أحدهما أن يقول: إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة, ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فهو يخاف ويرجو, فهذا وجه. والآخر: أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة, لأن المعنى: لا يخاف لديّ المرسلون, إنما الخوف على من سواهم, ثم استثنى فقال: (إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا ) يقول: كان مشركا, فتاب من الشرك, وعمل حسنا, فذلك مغفور له, وليس يخاف. قال: وقد قال بعض النحويين: إن إلا في اللغة بمنـزلة الواو, وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون, ولا من ظلم ثم بدّل حسنا, قال: وجعلوا مثله كقول الله: لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قال: ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا, لأني لا أجيز: قام الناس إلا عبد الله, وعبد الله قائم، إنما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء التي قبل إلا. وقد أراه جائزا أن يقول: لي عليك ألف سوى ألف آخر فإن وضعت إلا في هذا الموضع صلحت, وكانت إلا في تأويل ما قالوا, فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا ولكن مثله مما يكون معنى إلا كمعنى الواو, وليست بها قوله خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ هو في المعنى. والذي شاء ربك من الزيادة, فلا تجعل إلا بمنـزلة الواو, ولكن بمنـزلة سوى فإذا كانت " سوى " في موضع " إلا " صلحت بمعنى الواو, لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا: أي وهذا عندي, كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا أيضا عندي, وهو في سوى أبعد منه في إلا لأنك تقول: عندي سوى هذا, ولا تقول: عندي إلا هذا. قال أبو جعفر: والصواب من القول في قوله (إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ ) عندي غير ما قاله هؤلاء الذين حكينا قولهم من أهل العربية, بل هو القول الذي قاله الحسن البصري وابن جُرَيج ومن قال قولهما, وهو أن قوله: (إِلا مَنْ ظُلِمَ ) استثناء صحيح من قوله ( لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلا مَنْ ظَلَمَ ) منهم فأتى ذنبا, فإنه خائف لديه من عقوبته، وقد بين الحسن رحمه الله معنى قيل الله لموسى ذلك, وهو قوله قال: إني إنما أخفتك لقتلك النفس... إلخ مما يماثل هذه الفدلكات لكن الأمر ظل مستعصيا.
____________________________________


في منتصف رواية مواجهة موسى لسحرة فرعون، تظهر آية لا علاقة لها بالسياق، وهي التي بدت مرتبطة وتابعة لـ " لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون" وهي التي "إلا الذين كانوا ظالمين ثم استبدلوا الشر بالخير ، فأنا غفور ورحيم". فمن الواضح أن هذه الآية الأخيرة لا تخص "المرسل"، بل المذنبين الذين قصتهم في مكان آخر في القرآن.

_____________________ يتبع ~ إشكالية الإقحام 2 _________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24