الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يقظة اللغة العربية

عقيل عيدان

2006 / 9 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شهدت بلاد الشام في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وفي السنوات الأولى من القرن العشرين يقظة ثقافية كانت اللغة العربية أداتها ومصدر وحيها وإلهامها. فإن اللغة العربية كانت في العصور المتأخرة قد ابتليت بالعقم . إلاّ أن هذه اللغة النبيلة قد بعثت الآن لتعبر عن طموح الناس في العصر الجديد ، ونشر الشعراء والكتّاب المتعلقين باللغة العربية ، فأعلوا من شأنها وتحدثوا عن غناها وعن جمالها وعن كنوزها الأدبية .
وهناك أسرتان مسيحيتان من لبنان امتزج اسماها بشكل لا انفصال له بالحركة الرامية إلى إعادة اللغة العربية إلى ما كانت عليه في عصورها الزاهرة . وهما أسرة اليازجي وأسرة البستاني .
فكان ناصيف اليازجي (1800- 1871م) وابنه إبراهيم (1847- 1906م) شاعرين لهما باللغة العربية الفصحى وَجدٌ يشبه الوَجد الصوفي . وقد وقفا جهودهما ومواهبهما لإحيائها . وكانا يعتقدان اعتقاداً جازماً بأن العرب إذا ما وعوا كنوز ثقافتهم الموجودة في الأدب العربي ، فإنهم سيتحركون لاستعادة مجدهم السالف . ويعتبر الأب والابن من كبار علماء العربية في عصرهما . وقد كتبا كثيراً من المؤلفات حول اللغة والأدب ، فضلاً عمّا أنشداه من أشعارهما الخاصة .
أما أسرة البستاني، فإنها قدمت عدداً من العلماء في مقدمتهم المعلم بطرس البستاني (1819- 1883م) مؤلف موسوعة ومعجم ضخم ، وناشر مجلتين ، إحداهما أسبوعية ، والثانية نصف شهرية ، ومؤسس مدرسة وطنية .
وقد سيطرت أعماله الأدبية والسياسية والتعليمية كلها غاية عظيمة واحدة وهي تنشئة جيل من العرب المستنيرين عن طريق نشر المعرفة المستمدة من التراث العربي ومن الثقافة الغربية الحديثة .
وفي أثناء ذلك اتسعت المعرفة بالثقافة الغربية بنتيجة الجهود التي بذلتها الإرساليات الفرنسية والأمريكية. أما الفرنسيون، فقد توافدوا منذ سنة 1625م. وأقبلت طلائع الأمريكيين سنة 1820م، وحدثت منذ ذلك الحين منافسة حادة بين الفريقين.
وقد فتح كل منهما العديد من المدارس وأنشأ كل فريق معهداً للدراسات العليا ، فأسس الأمريكيون الكلية السورية الإنجيلية سنة 1866م ، وهي التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية في بيروت ، وأسس الفرنسيون جامعة القديس يوسف سنة 1875م في بيروت أيضاً .
ولم تكن المدارس الأجنبية خيراً كلها للبلاد. فبعضها كان يشجع الطائفية والولاءات المتعارضة ، وينشئ نمطاً تعليمياً غير متلائم مع حياة الشعب وتقاليده الفكرية . فإذا أخذنا هذا التحفّظ بعين الاعتبار ، فإننا لا ننكر المآثر الإيجابية للمدارس الأجنبية ، إذ أنها هيأت فرص التعليم للكثير من الأولاد والبنات الذين ما كانوا ليحصلوا العلم لولاها .
وكان تعليم المدارس الأجنبية متقدماً عمّا استطاعت المدارس الوطنية أن تقدمه من تعليم في ذلك الحين. وعلاوة على ذلك، فإن كلا من معهدي الدراسة العالية قدّم بطريقته الخاصة، خدمات باقية لا شك فيها. وكانت الكلية السورية الإنجيلية في أيامها الأولى تستعمل اللغة العربية في تدريس جميع فروع الطب والعلوم . ولتلبية الحاجة إلى الكتب المدرسية تعاون العلماء والمربون الأمريكيون مع العلماء العرب لترجمة الكتب الإنكليزية إلى اللغة العربية .
وفتح علماء جامعة القديس يوسف كنوز الثقافة العربية القديمة بما نشروه من نصوص قديمة ، وبما قاموا به من أبحاث في جميع حقول التاريخ العربي . ونشروا مؤلفاتهم هذه بوساطة المطبعة الكاثوليكية في بيروت وهي مطبعة ممتازة كانت أحرفها العربية أجمل الأحرف في الشرق كله لمدة طويلة من الزمن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال