الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمبراطورية الروسية – 6 بداية حكم عائلة رومانوف

محمد زكريا توفيق

2022 / 9 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل العاشر

كيف استعاد القيصر الجديد مدينة كييف، أم المدن الروسية

عُقد اجتماع وطني كبير في موسكو عام 1613، وتمت الموافقة بالإجماع على منح التاج ل "مايكل رومانوف". وهو طفل، لم يتخط عمره الخامسة عشر عاما. لكنه من عائلة، لم يعرف عنها القسوة، أو شابت صفحتها شائبة، أو اتهم أيا من أفرادها بجريمة تخل بالشرف، أو وعت الذاكرة ما يلوث تاريخها. يعني بالبلدي، ابن ناس.

وقف رجال الدين إلى جواره، وجاء الشعب زرافات لدعمه. استطاع تحرير مدينة ستراخان التي تقع شمال بحر قزوين، وتحرير قبائل القازان التي تعيش في كازاخستان آسيا الوسطى. كما تمكن من دفع فدية للسويديين لتحرير نوفجورود، وطرد البولنديين من موسكو.

عاد والده، فيلاريت، الذي صار بطريركا، وسيطر على الحكومة. قدرة القيصر الجديد على الحزم وحكومته، وقبضته الحديدية، فرضت النظام في ربوع البلاد، وقام بإعادة بناء المدن المدمرة، وإحياء التجارة.

أقام أيضا المسابك، واستعان بالحرفيين والعلماء الأجانب، وشجعهم على الاستقرار بالبلاد. فبدأت الأمور تتحسن في روسيا، وخصوصا بعد حرب القرم.

بعد وفاة مايكل عام 1645، أدى الناس القسم المعتاد لابنه، أليكسيس، الذي كان في عامه السادس عشر. أليكسيس، مثل والده، كان لطيفا، يتأثر بسهولة.

لكن أقارب زوجته، عائلة ميلوسلافسكي، وصهره، موروزوف، استغلوا مواقعهم لتحقيق مصالحهم الخاصة. كانوا ممسكين وغير عادلين. مما جعل الشعب، يفقد صبره أخيرا. فاندلعت أعمال شغب رهيبة.

في موسكو، كان من السهل تهدئتهم بسهولة. لكن، في نوفجورود وبسكوف، كان الهمس بأن الخائن موروزوف، يقوم بإرسال الأموال والحبوب إلى الألمان.

فانتفض المواطنون ضد الأجانب. المبعوثون الأجانب، أفلتوا بصعوبة. حتى رؤساء الأساقفة، قيدوا بالسلاسل وضربوا. فاضطر القيصر إلى إرسال جيش قوي ضد المدن المتمردة.

صمدت بسكوف لعدة أشهر، واستسلمت فقط على وعد بالعفو العام. الآن باتت روسيا مستعد لأخذ ثأرها من بولندا.

في روسيا البيضاء، بيلاروس، التي تقع شمال أوكرانيا وشرق بولندا، كان وضع عامة الناس يزداد سوءا، خاصة خلال السنوات الخمس والسبعين بعد توحيد بولندا وليتوانيا.

لقد تم تدمير البلاد من قبل اللوردات الكبار، وتعرض السكان للاضطهاد من اليسوعيين، وتركوا، لكي يتحكم فيهم اليهود، وكلاء الأراضي، جسدا وروح.

كانوا يدفعون ثمنا باهظا للحصول على رخص لصيد الحيوانات من أجل الفراء، ولصيد الأسماك، أو للركوب أو المشي، أو الزواج، أو حتى لتعميد أطفالهم.

كثيرون منهم، مدفوعين إلى اليأس، هجروا البلاد وعبروا الحدود، لكي يستوطنوا السهوب الجنوبية. آخرون، حتى لا يلقوا مصير الأقنان الروس، التحقوا بجمهورية كازاخستان في أسيا الوسطى، جنوب نهر الدنيبر.

هناك عاش الكازاخ حياة المجد والإقدام. أراضيهم كانت مدرسة للشجاعة والفروسية. لقد شنوا حروبا مستمرة ضد الأتراك والتتار. ركبوا قواربهم الخفيفة، وقاموا بتوديع نهر الدنيبر، يشقون بها عباب البحر الأسود، لكي يلهبوا ظهور الكفار.

كانوا يرحبون بجميع الرجال الشجعان بينهم، سواء كانوا أقنانا هاربين، أم نبلاء منبوذين. فهم جميعا، أحرار متساوون، يأكلون على طاولة واحدة.

هؤلاء الكازاخ، كانوا عشاق متحمسين للحرية. وهم في نفس الوقت، أرثوذكس ملتزمون. في كل تمردات روسيا الصغرى، التي تتكون من معظم أوكرانيا الحديثة، كانوا مساهمين، لهم دور حيوي.

حاولت الحكومة البولندية الحد من هؤلاء السكان المحاربين على الحدود ب ستة آلاف شخص، لكن الكازاخ، الذين ذاقوا طعم الحرية، من قبل، رفضوا الخضوع والخنوع. وعندما أصبحت اضطهادات الكاثوليك أكثر عنفا، التجأوا إلى قيصر روسيا، راعي الكنيسة الأرثوذكسية.

"بوجدان"، رجل من كازاخ، في عام 1648، كان غير قادر على الحصول على ترضية لسلسلة من اعتداءات البولنديين على شعبه. فهرب إلى خان القرم، ووضع نفسه هناك، قائدا لجيش قوي من التتار، وانضم إليه جميع المظلومين من شعبه.

ثم عاد بجيشه، واخترق الحدود، حيث انتشر التمرد مثل النار في الهشيم. وكان بوجدان منتصرا في كل مكان. وقام الفلاحون، بهدم قلاع أسيادهم، وأعدموا الوكلاء اليهود المكروهين.

في هذا الوقت، توفي ملك بولندا، فاندلعت الثورة بعنف أكثر من أي وقت مضى. الملك الجديد، "إيان"، خرج شخصيا ضد بوجدان، وأنقذ نفسه من الهزيمة فقط عن طريق شراء خان القرم.

كان "بوجدان" مدفوعا لطلب شروط السلام. ثم صار قائد جيش روسيا الصغيرة، وارتفع عدد الكازاخ المسجلين بالجيش إلى أربعين ألفا.

الثورة الثانية في عام 1654، أدت إلى هزيمة أسوأ. للمرة الثانية والثالثة، تخلى خان القرم عن حلفائه. فتوسل "بوجدان" لدى القيصر لكي يأخذ روسيا الصغيرة تحت حمايته.

منح أليكسيس، قيصر روسيا، جميع الحريات التي طلبها الكازاخ، ثم سار بجيشه شخصيا ضد ملك بولندا. "في هذه المناسبة"، قيل إن:

"موسكو قامت بالحرب بطريقة جديدة تماما، وهزمت العدو بلطف القيصر ووداعته".

سقطت جميع مدن روسيا البيضاء (بيلاروس) أمامه. وصمدت مدينة سمولينسك، فقط أسابيع قليلة.

في العام التالي، خضعت مدينة "فيلنو" والمدن الرئيسية في ليتوانيا لروسيا. في نفس الوقت تقريبا، هجم ملك السويد بجيشه على بولندا، أسر ثلاث عواصم، ثم ضم ليتوانيا إلى بلاده.

سارع أليكسيس، قيصر روسيا، عام 1667، بصنع السلام مع بولندا، فانقلبت ضدها السويد بنجاح صغير. وكان ملزما بالتخلي عن ليفونيا (الجزء الجنوبي من السويد).

لكن بدأت الحرب مع بولندا من جديد، واستمرت عشر سنوات. كانت روسيا منهكة بسبب طول مدة الحرب، فحلت العملة البرونزية مكان الفضية.

في موسكو، اضطر الجنود إلى إطلاق النار على الغوغاء، الذين هاجموا مرة أخرى أقارب القيصر. لذلك، كان أليكسيس سعيدا بصنع السلام مع الدول المجاورة. بعد أن تخلى عن ليتوانيا، لكنه احتفظ بمدينتي سمولينسك وكييف، أم المدن الروسية. وكذلك، منطقة كازاخ المضطربة من حوض نهر الدنيبر.

لجأ العديد من كازاخ الدنيبر، خلال أوقات المتاعب هذه، إلى سهول نهر الدون. فانتشرت المجاعة بين هؤلاء المغامرين، وكانوا مستعدين لقبول أي غوث بائس.

نصب "ستيفان رازين" نفسه رئيسا للكازاخ. زودهم بالسيوف والبنادق والقوارب، وقادهم، حيث قاموا بتدمير سهول شرق بحر قزوين وبلاد فارس.

كان جريئا مقداما، ذاعت شهرته العريضة بأنه ساحر، لا يطوله الرصاص أو السهام. وكان كرمه كرم الأمراء. واحدة من القصائد العديدة التي عدت مآثره تقول نيابة عنه:

"عدد رفاقي أربعة،
والليلة مظلمة.
سكين صلب،
وحصان جيد،
وقوس صعب.
رسل حريصة،
وسهام في القلب."

يقال إنه بينما كان يبحر، في يوم من الأيام، أسفل نهر الفولجا، وقد لعب النبيذ برأسه، نظر إلى الماء وقال:

"أيها النهر العظيم، فولجا، لقد أعطيتني الكثير من الذهب والفضة، وكل الأشياء الجيدة. لقد اعتنيت بي، وأمدتني بالغذاء وغمرتني بالمجد والشرف. لكنني لم أظهر بأي حال من الأحوال امتناني لك. هذه هدية متواضعة، فخذها"

بعد هذه الكلمات، أمسك بأميرة فارسية جميلة، كانت واحدة من أسراه، وألقى بها إلى الأمواج.

انضمت إليه مجموعة من اللصوص. عاد من الشرق الأقصى مع جيش هائل، اجتاح به نهر الدون، ثم عبر إلى نهر الفولجا، وأخذ جميع المدن من أستراخان إلى نوفجورود السفلى.

بعد ذلك، عبر وادي النهر، فثار الفلاحون (الأقنان)، الذين كانوا يعيشون في وادي النهر ضد أسيادهم، ورفعت القبائل السلاح ضد الحكومة. لكن تم القبض على ستيفان أخيرا، وأعدم. فتفرق أتباعه، وهدأت الأمور في شرق روسياـ



الفصل الحادي عشر

وصي وأعمال شغب

تميز وزراء، قيصر روسيا، أليكسيس، الثلاثة بشكل خاص. الأول كان صهره، الذي كان تأثيره محدودا. الثاني كان ابن رجل نبيل من بسكوف. هو أول عظيم أوربي ظهر في البلاط الروسي.

قام بإصلاح الجيش، وحاول جعل موسكو مركزا للتجارة بين الشرق والغرب. وبنى أول سفينة على نهر أوكا. وهو مؤسس الصحافة الروسية.

في شيخوخته، بعد أن سئم الكراهية التي جلبتها عليه مفاهيمه الأجنبية، صار راهبا. خلفه بويار (نبيل)، كان لديه أيضا ميول قوية أجنبية. وكان القيصر أليكسيس معتادا على زيارته في منزله.

كانت زوجة الوزير "ماتفيف"، إسكوتلندية. بخلاف العرف الروسي في ذلك الوقت، كانت ترتدي الملابس الأجنبية. تظهر على طاولات المآدب التي تقام للضيوف وتشترك في المحادثات.

بعد وقت قصير من وفاة زوجته وابنه الأكبر عام 1669، كان أليكسيس يتناول الطعام مع "ماتفيف"، فبهره حسن وجلال فتاة تقوم بالخدمة عليهما، وتقدم لهما المرطبات.

علم أنها "ناتاليا"، ابنة نبيل من الأرياف، كانت تكمل تعليمها في موسكو، تحت إشراف زوجة ماتفيف. قال القيصر لوزيره، عند مغادرته بيته، أنه سيجد عريسا لهذه الفتاة الجميلة.

كان أليكسيس في مقتبل العمر. ابنه ثيودور مريض، وابنه الآخر إيفان أحمق تقريبا. وان الأمر قد صدر بالفعل، لجمع العذارى من جميع أنحاء البلاد، لكي يختار القيصر من بينهن عروسه.

كانت ناتاليا، قد تم اختيارها من قبل لكي تكون من بين اللاتي سيعرضن على القيصر. لكن بعد زيارة القيصر لماتفيف، أعلن عل الفور أن ناتاليا هي العروس المختارة، عام 1671.

اتهم ماتفيف بممارسة السحر، واستخدام الأعشاب السحرية للتأثير على القيصر. فتم تأجيل الزفاف حتى يبحث في الأمر. لكن في النهاية، وبالرغم من المؤامرات التي حاكها الغيور ميلوسلافسكي، وبنات القيصر الست، بعضهن كن أكبر سنا من ناتاليا، تم الزفاف بأبهة كبيرة.

بعد خمس سنوات توفي القيصر أليكسيس فجأة، وخلفه ابنه الأكبر، ثيودور عام 1676، وجاءت عائلة ميلوسلافسكي إلى السلطة مرة أخرى.

ماتفيف، الذي عثروا في منزله على كتاب جبر، اتهم باستخدام السحر الأسود، وتم نفيه من البلاد. ناتاليا وطفلاها، تم إرسالهما إلى فيلا التجلي.

كان عهد ثيودور المريض في المقام الأول، يتسم بمؤامرات البلاط، وإصلاح واحد هام. وهو حرق "كتب السجلات"، التي تحتفظ لمئات السنين ببيانات الخدمة في الحكومة والبلاط والمخيمات لكل فرد من أفراد العائلات النبيلة.

لم يكن هناك نبيل روسي، على استعداد لأخذ مكان في الخدمة، لأمير آخر أقل منه رتبة. فدعا ثيودور جمعية عليا مكونة من رجال الدين والبويار، للتشريع بشأن هذه المسألة الخاصة بالرتب.

وأعلن البطريرك أنه "من الآن فصاعدا، كل الرتب تكون بدون أسبقية. لأنه في السابق، في العديد من المراكز العسكرية والسفارات وكل الشؤون بكافة أنواعها، حدث الكثير من الضرر والفوضى والخراب لهذا السبب"، ثم أحرق القيصر رسميا سجلات الرتب.

بعد أربعة أشهر من إقرار هذا الإصلاح، توفي ثيودور عام 1862، ولم يترك أي أطفال. كان هناك اثنان مرشحان للعرش. شقيق ثيودور إيفان، الذي كان أعمى، أعرج، يتعثر في الكلام، ونصف غبي.

وأخوه غير الشقيق "بيتر"، الذي كان قويا صحيح البدن وموهوبا، يتمتع بذكاء شديد. انتقل التساؤل إلى الناس. وكانت الإجابة ابن ناتاليا، بيتر.

عادت ناتاليا، لكي تقطن مرة أخرى في الكرملين. تذكرت والدها الحاضن ماتفيف، ووضعت أقاربها في الوظائف الرئيسية في الدولة.

كان ميلوسلافسكي في حالة يأس. صوفيا، الأفضل تعليما والأكثر نشاطا من بين بنات أليكسيس، ثارت على فكرة إرسالها وأخواتها إلى الدير، وأصرت على تكوين حزب ينوب عنها.

بكل الصبر والدهاء، حافظت على نفسها، وأظهرت في نفس الوقت المظالم التي وقعت عليها للشعب. فقد ظهرت في جنازة ثيودور، وهي تشكو بصوت عال من أن شقيقها قد مات مسموما.

عملت على إثارة المشاعر المثيرة للجنود الرماة، مما تسبب في همس ولمز في موسكو بأن ناتاليا وأقاربها يطلقون تهديدات ضدهم، ويخططون للتخلص من العائلة المالكة. وأخير تم الإعلان علنا، بأن شقيق ناتاليا، إيفين، قد استولى على العرش.

مع صرخة، "إلى السلاح! عاقبوا الخونة! أنقذوا القيصر!" سارع الجنود الرماة إلى الكرملين، خمسة عشر ألف جندي. ناتاليا، مع ابنها بيتر، وإيفان نصف المعتوه، وقفت على الدرج الأحمر أمام الرماة، الذين رأوا للحظات أنهم قد تم تضليلهم.

قائدهم المفضل العجوز، ماتفيف، جاء بينهم، تكلم بهدوء، وأخبرهم أنه لا يوجد سبب للقلق بشأن الأمراء الشبان. وجاء الرجل الثاني في القيادة، لكي يأمر الرماة بالعودة إلى منازلهم، والاهتمام بشؤونهم الخاصة.

لكن كلمات ماتفيف الحكيمة، لم تمنع الغوغاء من جر الأمير مايكل وإلقائه في الساحة، وتقطيعه إربا. ويبدو أن رؤية الدماء، قد أيقظت الغضب داخلهم، فهرعوا، في حضور ناتاليا، وقاموا بسحب ماتفيف إلى الدرج الأحمر، وإلقائه من فوق لكي يسقط على أسنة الحراب أدنى الدرج.

ثم هرعوا إلى القصر، نهبوه وقتلوا كل من التقوا به. واستمرت أعمال الشغب التي قام بها الرماة لمدة ثلاثة أيام.

وصل العنف إلى نهايته، بعد مقتل شقيق ناتاليا، إيفين، والطبيب الألماني، دانيال فون جادين، الذي اتهم بقتل ثيودور بالسم.

والد ناتاليا، وإخوتها الصغار الثلاثة، والشاب ماتفيف، الذين هربوا بأرواحهم، تم نفيهم بناء على طلب الرماة.

كما أنهم اقترحوا جعل إيفان المعتوه يتقاسم العرش مع بيتر، تحت وصاية صوفيا. وكانت غالبية البويار، تعارض هذا الطرح. لكن الأمثلة تقول، من يمتلك القوة، حججه قوية.

في عام 1682، توج الأميران إيفان وبيتر بجلال كبير في كاتدرائية الصعود. العرش الفضي المشغول بالذهب، ذو المقعدين للصبيين القياصرة، لا يزال معروضا في موسكو.

ترأست صوفيا الحكومة. كان أول أعمالها، هو التعامل مع المنشقين. خلال عهد والدها، تعهد البطريرك بيكون بتصحيح الكتب المقدسة.

سمح الناسخون، عن طريق الخطأ أو القصد، بالعديد من الأخطاء الغريبة، التي تسللت إلى مخطوطاتهم. عامة الناس ومعظم رجال الدين، كانوا ينظرون إلى نصوص الكتاب المقدس على أنها تمثل الكمال الإلهي.

لذلك بدا لهم أنها خطيئة كبرى، حلق الذقن، أو نطق اسم المسيح خطأ. عدد القضبان على الصليب، وعدد الأصابع المستخدمة في صنع علامة الصليب، عدد الرقائق المستخدمة في القداس، كانت كلها مسائل حياة أو موت.

كانت الناس مستعدة للموت، على أن تخضع لهذه الإصلاحات الدينية. لهذا، تعرض رهبان البحيرة البيضاء لحصار، دام ثماني سنوات. وانتهى بالقبض عليهم وشنقهم.

"المؤمنون القدامى"، كما كان يسمى الحزب الذي رفض قبول الإصلاحات، شعر أن انتصار الرماة في ثورتهم، يجب أن يتوج بانتصار الإيمان الأرثوذكسي النقي.

كثير من الرماة، كانوا مؤمنين قدامى، ورئيسهم الجديد، الأمير خوفانسكي، قرأ الكتب القديمة، ووقع هو نفسه بإصبعين وليس بثلاثة.

وطالب المعارضون بمناظرة علنية مع البطريرك. وتمت المناظرة، ولكنها انتهت بأعمال شغب. صوفيا، التي كانت حاضرة، جنبا إلى جنب مع ناتاليا، أمرت باعتقال قادة العصابة وسجنهم.

أحدهم، الذي أهان البطريرك، تم قطع رأسه. صوفيا، رأت أنه من الضروري التخلص من الأمير خوفانسكي، الذي تعاطف معه الثوار والرماة المشاغبين، وجعلوا قوته يخشى منها.

كان يفتخر بنسبه إلى ملوك ليتوانيا القدامى. وكان حريصا على تزويج ابنه الأكبر من إحدى أخوات صوفيا. لذلك لجأ الوصي إلى دير الثالوث المحصن، مع ناتاليا والقيصرين.

لكن قبض على خوفانسكي وابنه أندرو، وتم إعدامهما، دون أي شكل من أشكال المحاكمة. ابنه الأصغر، إيفان، توسل للرماة للتخلص من قتلة قائدهم المحبوب، ولكن عندما علموا أن مائة ألف رجل كانوا مدججين بالسلاح ومستعدين للدفاع عن صوفيا، رأوا أن يومهم قد ولى.

أرسلوا على الفور مندوبا إلى دير الثالوث، لكي يتوسل نيابة عنهم للبطريرك، ويطلب العفو من أجلهم. لكن صوفيا قامت بإعدام زعمائهم وعفت عن الباقين.

أصبحت صوفيا الآن رهينة للأوضاع. حكمها، لمدة سبع سنوات، كان مفيدا لروسيا. كانت مدعومة من الأمير باسيل جاليتسين، وزيرها للشؤون الخارجية.

الأمير باسيل كان ذو ثقافة عالية. يتحدث اللاتينية بطلاقة، ومولعا بالأجانب. كان، إلى حد بعيد، الروسي الأكثر قدرة، والأكثر ليبرالية، في زمنه.

قيل عنه "إنه تمنى للناس الصعاب، لإثراء المعوزين، وتحويل المتوحشين إلى رجال، والجبناء إلى أبطال، والأكواخ إلى قصور من الرخام"

خطط لتطوير التجارة في سيبيريا، وعمل على إصلاح الجيش والإدارة، وطالب بتحرير الأقنان. كان ذوقه راقيا. منزله مليء بالأثاث المكلف والمفروشات والخشب المنحوت والعاج المنقوش واللوحات والتماثيل والمجوهرات والبلورات. كانت أطقمه ومشغولاته الفضية من عجائب الأثرياء. لكنه للأسف، كان رجل دولة، أعظم منه جنرالا.

كانت روسيا، لكي تستعيد مدينة كييف، قد وافقت عام 1687، على تقديم يد المساعدة للبولنديين في حربهم مع الأتراك. الأمير باسيل، ضد إرادته، تم إرساله في حملة ضد شبه جزيرة القرم، مع جيش قوامه مائة ألف روسي وخمسين ألفا جندي من كازاخ بآسيا الوسطى.

لكن، اجتاح حريق السهول العشبية، ودمر العلف. عاد الجيش، الذي تم تخفيضه بشكل مخيف بسبب المجاعة، من الحملة دون حتى رؤية العدو.

من أجل حماية الأمير باسيل، ألقت صوفيا باللوم على قائد جيش الكازاخ. فتم نفيه دون محاكمة إلى سيبيريا، حيث توفي هناك، وتم ملء مكانه بالشهير "مازيبا". بقية الجيش، تمت مكافأة أفراده بالميداليات الذهبية، ومنح الضباط الأموال والعقارات.

بعد ذلك بعامين، كانت البعثة الثانية غير مثمرة مثل الأولى. تمكن الأمير باسيل من الوصول إلى حصن بيريكوب، وطالب باستسلام الخان. ولم يكن هناك ماء، أو عشب، أو خشب في السهوب الجافة.

رفض الخان قبول الشروط المقدمة، واضطر الروس إلى التراجع، بعد أن فقدوا خمسة وثلاثين ألف رجل وسبعين مدفعا. فشلت هذه الحملة أيضا، وكانت خرابا على صوفيا والأمير باسيل.

التقرير الكاذب، الذي يقول بهزيمة مائة وخمسين من التتار، وتوزيع المكافآت والأوسمة، ودخول الجيش منتصرا إلى موسكو، لا يمكن أن يعمي أعداء صوفيا، الوصية على العرش وحبيبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا