الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنقذ التاريخي أوهام الخلاص وظنون العقل التأملي ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا الفكرة مع الإيمان بالنصوص الدينية أو إبعادها عن رسم الصورة لا تتعدى حلم قديم توافقت عليه البشرية بعدما وجدت في جذور الفطرة روحية الإيمان الأولى المعلقة بالسماء من حيث لا تعلم، وتوقها المضطرد للحاق بالرب فوق على أمل تحقيق الصورة المثالية المطلقة للحياة السرمدية الأبدية، التي تعط الإنسان حدود تمتع لا يمكن أن يجد مثيلا لها في الأرض، أو يتصور أن ذلك من الممكنات ،وبدأ يبني على هذا الحلم فكرة وإشارة كل أمالها من خلال توثيق الحلم وإدراجه في النص الذي وافق الظاهر الإنساني في البناء دون أن يوافقها في القصد، الفكرة القرآنية الخاصة بالمنقذ لا تتناول شخصية محددة بل تتناول حالة تتوقف عندها تغيرات في الملامح السلوكية للمجتمع عندما يرث الأرض العباد الصالحون، وهي نتيجة متوقعة من الصراع بين الخير والشر، وبالتالي الفكرة لا تتكلم عن منقذ بل تتكلم عن حالة تاريخية بانتصار منهج الله وطريقته في الحياة عندما يكون للعنصر الإيجابي الوجود القائد المتفرد بالحق وسلطانه، عندها سيصبح عالم الفضيلة والمثالية ممكن فتنزل إرادة الله في فتح بركات كل شيء ويصبح الوجود الحالي من سنخ الوجود الأخروي، ويكون الأنتقال أيضا فرديا بالمرحلة الأولى وجماعيا عندما تتحقق كلمة الرب الأولى وتنتهي مفاعيل علة الخلق الأبدية .
إن من أسباب شيوع الظاهرة وتفاقهما في الفكر الديني لها علل تاريخية وعقائدية من خلال ربط الظاهرة بالمظاهر التي يمكن أن تكون عوارض واقعية تنشأ في ظل نظام كوني لا يمكنه نكرانها، ولا يمكن القبول بها على أنها معجز تاريخي مثل الزلازل والنار التي تخرج من المشرق والصيحة في السماء وغيرها من الأحدث التي جعلت مواقيت ومواعيد للظهور، الهدف من إشاعة الفكرة أساسا هو جعل الإنسان مترقب حائر يخضع في تقدير وتدبير الحوادث لعقلية تسعى للسيطرة والتوجيه من خلال فرز المجتمع إلى مؤمن بالفكرة، وبالتالي منحه صفة الإيمان بالله وفكرة أخرى لا يتم وصفها كذلك، وهنا يسهل على الفئة المتسلطة أن تعبئ أنصارها بسلسلة من التحليلات والتخريجات التي تقود إلى السلبية من حركة الزمن وعادة الواقع والتشبث بالرأي التأويلي دون الوعي بأصلية النص وقدرته على أن يعبر الفكرة الموهومة .
نجد أن الفكرة تنمو في البيئة التي تصاب بالإحباط وبعدم القدرة على الوعي بالوعي ومن ثم الوعي بالوجود، وهنا يصبح نشر الفكرة تبرير للعجز وتخاذل عن نصرة النفس التي هي أساس طبيعي وتمهيدي لطلب النصرة من الله حسب النص الديني الإسلامي، بالطريقة هذا على المؤمن الإسلامي أن يربط الانتظار بواقعه مما يحده من العمل الحر والخروج عن قدسية البناء النصي، لأنه لا يعلم بالتحديد أولا في أي لحظة الخروج، وقد يكون في زمنها وبالتالي سيواجه بفضيحة سطرها مخترع ومروج الفكرة، أو أن المنقذ والذي هو حسب الزعم حاضر غائب سيتدخل بشكل فردي للانتقام ممن حاول الخروج على الرأي التأويلي ويناصر داع الانتظار، وبكلا الحالين يتحول الدين من ممارسة عقلية تحرر العقل من سطوة الواقع المادي الجسدي إلى إدخاله في سجن أكثر ضيقا وأقل حرية ليوافي أصل الفكرة التي من المحبذ بل المأمور بها شرعا أن تكون من أركان الدين الأساسية .
هذا الرأي لا يعني أبدا أن ننفي فكرة المنقذ وضرورتها الواقعية على الإنسان، ولكن نفترق في القراءة على مخارج الفكرة وتصورها عقليا عن المتاح من تفسير وتأويل، نعم يحتاج الإنسان للحظة محاسبة مفصلية ويحتاج أيضا لرقيب يترقب سلوكه وكأنه حاضر غائب طالما أنه مأمور بالحساب في الدنيا قبل الأخرة (حاسب نفسك قبل أن تحاسب)، لكن هذا لا يعني تعطيل مدركات الإنسان بالزمن والتوقف في كل صغيرة وكبيرة لمقارنتها بالإرث النصي، ومحاولة إقحام التفسيرات العقيدية الضيقة بدل الوسيلة العلمية والعملية التي يجري التأكيد عليها في نصوص أكثر من واقع فكرة المنذر( النصوص الدينية التي تحرر الإنسان من الانتظار تبدا من ( وقل أعملوا ...) و(كل نفس بما كسبت رهين ) وأنتهاء بـ (لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت أيمانكم ).
المبدأ في القرآن الكريم العمل الإيجابي سواء كان على المستوى الفردي أو على الإطار الجماعي، وبالتالي من يتحسس هذا التناقض أو ينفيه عليه أن يعود للمقارنة القصدية في المباني التي تحتوي المشابهة أو التناقض المزعوم، إن الكتاب المحكم آياته لا يمكن أن يكون بمحل لوجود التناقض والتضارب ويحمل الفكرة ونقيضها وحتى على المستوى الحسابي المنطقي، ترديد الشيء بأكبر عدد مكن في نصوص كثيرة وبمناسبات عديدة يعطيه زخما أقوى للمنافسة في الحضور، ويمنحه جدارة التقدم على نص أو نصين غير حاسمين بالدلالة الظاهرة والخفية .
في الوقت الذي يشدد الإسلام على العمل والتدبر والتفكر والتعقل لا يمكنه أيضا التحايل على هذه الفكرة بنص أخر يمنع العمل الإيجابي، ويحرر الإنسان من الأسر الروحي لتأويلات بشرية من نصوص تحمل ظاهرا تأويلات عدة وأتجاهات متنوعة، إذ لا يمكن الحكم بأحقية أي قصد إلا من خلاله إحاطة النص بموضعيته الذاتية المقترن بمعيار الميزان الذي نزل من القرآن، وهو الوحيد الذي يمكن به فك الإشكالية والتفريق بين شكية النص وشكية الإمكان.
الفكر الديني في عمومه يركز على الأستسلام التام لهذه الفكرة وعلى لزوم البقاء في حالة ترقب لها، وهذا الفكر برغم أن فيه الكثير من التفصيلات والتحديدات التي تنافي فكرة المهدي المخلص، إلا أن ما يظهر منه على سبيل الشيوع في غالب الديانات هو أمتداد لحالة مأزومة أصلا، ملخصها أن الإنسان عاجز أن يكون بمفرده منقذا، وأن القوة الفوقية هي من تتحمل رفع حالة اللا توازن وحالة الظلم، هذه القضية أو الفكرة التي تحمل السماء المسئولية لا تخلو من ظلم هي الأخرى، ظلم الإنسان وظلم السماء وبالتالي تبرئة قوى الشر وأولها فعل الإنسان ذاته من المسئولية عما أسس وعما كسب وعما يجب أن لا يكون أصلا.
فالله أو السماء أو القوى الفوقية بعد أن منحت الإنسان كل ما يمكن أن يكون قادرا على المواجهة وزودته بتقنيات الوعي والإدراك، لن تتدخل في كل مرة يفسد فيها الإنسان وجوده، ولا تشارك أصلا في تغيير ما أختاره بوعيه أو جهله، إلا في حدود ما لا يعلم بالقوة وأنه واجب أو عليه أن يعرف أن ما لا يعلمه يحتاج إلى تذكرة أو أشارة ليمارس عملية التعلم وصولا للعلم به حتى تبلغه الحجة، قضية الإنسان مع واقعه قضية شخصية ونتيجة حتمية للتجربة وخلاصتها، فكلنا يعرف أن الظلم إنحراف وأن الشر من صنع وجودنا، ومع ذلك نمارس الظلم كما نمارس الإنحراف والانجرار نحو الخطيئة دون أن نستفيد أصلا من تجربتنا معهما.
هذا ليس مبررا كافيا لأن نلزم السماء أن تبعث مخلص أو منقذ وعلينا أن ننتظره ليكون حلا لعجز ذاتي، فمن لا يستطيع تجاوز حالة الظلم وهو يعلم ويعرف ما يعني الظلم، لا يمكنه أن يؤمن بفكرة المهدي ولا يمكن أن يتعامل معها أصلا، لأن الظالم أو من يقبل الظلم أو يروج له أو لا يقاومه كوظيفة طبيعية أعجز من أن يدرك معنى العدل، وأعجز من أن ينتظر عادلا مجهولا يمنحه ما هو أصلا من واجباته الأساسية في الوجود، الحل دوما هو في قرار الإنسان، والحل دوما في إرادة واعية تعرف أن تفرق بين الأحلام والواقع على أنهما نقيضان حتى يتحول الحلم إلى فعل على الأرض وفي خضم حركة الواقع.
قد يتهمنا البعض أننا نربك في بعض أساسيات الفكر الديني المتأصل في وعي الإنسان ونحاول الأعتداء على الإيمان بالدين، هذا الإرباك في الحقيقة ليس من جانبنا ولا نتبرأ منه، ولكن ما نمارسه من نقد فكري إنما نمس به التابو التقليدي الذي يتمسك به الكثيرون دون فهم لحقيقته، ولا تلمس لجوهر الفكرة بذاتها بعيدا عن كونها جزء من الإيمان بالدين أو هي نتاج أفكار بشرية عن نتائج قراءة ما، المهدوية ليست حلا ولا يمكن أن تكون حلا إلا إذا أمنا وأقول مخاطبا المؤمنين بكل دياناتهم، أن مشاريع السماء كانت كلها فاشلة ولم تنتج حلا حقيقيا للإنسان، وإلا ما معنى أن تكون لنا أديان ورسل وكتب وعبادات نؤمن بها ولن تستطيع أن ترسي للحلم الإنساني بالعدل من واقع، فهل هذا أن القادم المجهول سوف يمتلك قدرات أعظم وأكبر مما سبقه من أنبياء أو رسل؟ ولماذا تأخرت السماء بالحل أصلا وهي ترى أن الإنسان عبث وأفسد وظلم ولا بد من مصلح فوقي له؟.
إن مراجعة ونقد الفكري الديني الموروث يضعنا دائما أمام حقائق مغيبة صنعها الإنسان كحلول وقتية أو لتصورات تتعلق بالفشل عن التفسير والتأويل لحقائق الدين وأفكاره، فليس كل ما نؤمن به تأريخيا هو محل تقديس وألتزام به بعلاته، ولا يمكن جعل أساس تفكرينا ثبوت المخيلة الدينية التقليدية على أنها كل وكامل الحقيقة، فما كان من تسليمات أو ثوابت هي وبكل أوجه التعامل معها هو محض أفكار إنعكاسية عن مراحل زمنية للعقل الإنساني في سيرورته نحو الكشف والتقرير، وهي جزء من التجربة الوجودية للإنسان في إدراكه للوجود وما بعد الوجود المحسوس، والتي تخلق حقائق ظنية تتطور تبعا لما ينتج عن تعاملها مع الواقع أولا ومع قدرته على أن يطور هذا الواقع كوظيفة، والمهدوية كفكرة تخضع لنفس النظام والمنهج هذا، وأن تسخر في جانبها التجديدي الإصلاحي لصالح حركة الواقع ولا ينبغي لها أن تتوقف على أن الإنسان عاجز أن يبتدع ويجدد أفكاره، وصولا للخلاص الذاتي من إفرازات التعامل القسري للدين والمعرفة وإخضاعهما للذاتية التصورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال


.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |




.. 80-Al-Aanaam