الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أما في الموضوع الأخر وهو موضوع التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومع كل تمنياتنا له صادقين أن نصل فيه إلى اليوم الذي يجعلنا أمة واحدة نتعبد بمنهج واحد ونستمع لصوت واحد ونتكلم بلسان واحد، ولكننا من حقنا كجهة معنية بهذا السعي وموضع جدل ونقاش فيما يسعى الجميع إليه، أن نقول قولا نريد به أن يكون أسا مناسبا للدخول ومفتاحا صالحا للوصول إلى النتيجة المرجوة قربة لله وأحتسابا به ،هذه النقطة هي نفس الكلمة السواء التي ذكرناها سابقا في موضوعنا الأول، وأن نضع هذه الكلمة السواء بين مزدوجين لنحدد ما يمكن أن نعود له كلما أفترقنا أو أبتعدنا عن بعضنا (هل نحن جميعا مسلمون؟) و (هل نحن جميعا نؤمن بالله الواحد الأحد؟) و (هل نحن جميعا نؤمن بمحمد صل الله عليه وأله وسلم رسولا ونبيا؟) و (هل هذا القرآن الذي بين أيدينا هو كتاب الله الذي أمرنا أن نتعبد به ونؤمن به؟)، فلو أتفقنا جميعا أن كل هذه القواسم مشتركة بيننا وأنَ ما نؤمن به جميعا واحد، وأننا جميعا مسلمون لابد أننا سننطلق في رحاب واسعة من رحمة الله التي ستجمعنا وتقرب بين مبتعداتنا، وهو الغاية القصوى من الجهد والسعي المحمود.
لا يمكن أن نتصور نجاح أي جهد أو سعي للتقريب والوحدة الإسلامية ونحن لا نؤمن بأننا جميعا مسلمون، بل إن بعض الأطراف تدعي أنها هي المسلمة وحدها وأنها هي الفرقة الناجية وما عداها كفرة ومشركون، بل أنهم يقولون عن شركائهم في الحوار الإسلامي _ الإسلامي بأن اليهود والنصارى كمشركين وككفار أقل خطرا علينا وعلى الإسلام من البعض منكم أيها المتحاورون، فهم يروننا بهذه الدرجة من الكفرية والشركية، فكيف يمكن أن نتصور وجود قاعدة مشتركة بين الكفر والإيمان؟ {يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً} العنكبوت25.
النجاح المطلوب لهذا السعي رحمة بالأمة ورحمة بأنفسنا وأحتراما لوجودنا، وقبلها طاعة لله تعالى وللرسول محمد صل الله عليه وأله وسلم، علينا أن نكون جادين في مسألة التقريب بين المذاهب والسعي للوحدة الإسلامية، وأن لا نضيع هذا العنوان الكبير والهدف السامي تحت مسميات وعناوين صغيرة لا تقدم شيئا مهما ذا جدوى إن أتفقنا عليها أو أختلفنا بها، ومن قبيل ذلك الخطوات التي بلغها المتحاورون في نواديهم ومؤتمراتهم من توحيد بعض المصطلحات وتقريب بعض الآراء المتناقضة في مسائل جزئية تشريعية، دون الأنتباه بجد إلى الكلمة السواء التي هي مفتاح التقريب وأساس الوحدة (هل نحن جميعا مسلمون؟).
إن الأتفاق على الكلمة السواء تعني إزالة فتيل الصراع المذهبي والطائفي الذي يمزق واقعنا ويشتت الجهود نحو التوحد والوحدة، فلو أتفقنا جميعا أننا مسلمون على دين الله وملة محمد رسول الله لأصبحنا تحت قانون واحد (المسلم أخو المسلم)، فلا تكفير ولا تحريم ولا أستبعاد أحد من الكونية الإسلامية، فنكون جميعا نحرم ما حرمه الله علينا {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الأنعام151، ونحل ما أحله الله لنا {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف157.
كل ما عدا ذلك إن وقع من أي مسلم متعمدا له أو جاهلا به ولكن لا يريد فيه الشرك صراحة ونية يقع تحت طائلة مفهوم الخلط بين العمل الصالح والطالح، وهو من الأمر المحصور برضا الله ومغفرته {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } التوبة 102، وليس من شأن المسلمين ولا حتى من شأن رسول الله بعظيم منزلته وولايته التكوينية الطبيعة على المسلمين، فهم مرجون لأمر الله أن يعذبهم أو يتوب عليهم {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ}الأنعام52، الله هو الذي يزكي الأنفس وهو الذي يحاسب ويجازي العباد، فليس لنا حق أن ننصب نفسنا وكلاء عن الله في الأرض نحكم بين عباده على ما نريد ووفق ما نرى، أليس الكتاب بيننا وهو الذي ينطق علينا وعليهم بالحق، فمن ذا الذي جعلكم أيها الناس تقيسون وتقيمون إيمان الأخرين على حسب ما يتراءى لكم، وتوزعوا صكوك الجنة بل من أباح لكم أن تكونوا الناطقين باسم الله {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الأحقاف4.
إن المدخل الجاد والحقيقي لمسألة التقريب بين المذاهب هو الركون والأعتراف المتبادل والجمعي بين الجميع أننا كلنا مسلمون، ومن ثم تجريم وتحريم كل دعوة تكفير أو تضليل أو نسبة الشرك أو الخروج من الدين لأي طائفة أو مذهب، وبذلك نصنع القاعدة النفسية والعملية للإنطلاق منها إلى الأتفاق على ما سواه، فكل ما سواها هين إن خلصت النوايا وصدقت العزائم، لأننا في الحقيقة أصلا وفي النتيجة المتحصلة أخوانا في الخلقة وأخوانا في الدين وأخوانا في المصير، وكل هذا يجمع ولا يفرق {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} آل عمران103، أما الذهاب للجزئيات لغرض توحيدها ونحن ننظر إلى الجليس المجاور والمقابل بأنه كافر ومشرك ونجس وكل ما يقوله أو يراه باطلا، لا يكون لي وللأخر أستعداد للتقبل والقبول.
لم ينتبه الكثير منا قبل اليوم إلى معنى { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً}، فالحبل في اللسان العربي هو كل ما يربط الأشياء أو الأجزاء سواء بالجمع أو التجميع، فالاعتصام به أي جعله عصمة لنا من التفريق يعني أن نتخذ من الجمع والتجميع عاصمة لنا من كل ما يهددنا، سواء من الناس أو من الظرف المحيط أو من الشيطان، العصمة سد وجنة نستجن بها من الشرور كل الشرور، وهذه العصمة تتجلى في الحبل الذي يَجمعنا ويُجمعنا وهي الكلمة السواء، فيكون الله هو عاصمنا بالنتيجة فيجب أن نستعمل هذا الحبل العصمة ليجمعنا بالله ويجمعنا عليه، ولم يأمرنا الله بالفرقة والتفرق كما يضع البعض عن لسان رسول الله صل الله عليه وأله وسلم (ستفترق أمتي) ولكن دعانا لنعتصم به وبكلمته السواء، فكل خارج منها خارج عن المعصومية التي ذكرها الله تعالى في كتابه {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }هود43، فكلنا اليوم المسلمون من مشارق الأرض إلى مغاربها في لجة الماء، نكاد نغرق أو نكاد فليس لنا اليوم عاصم إلا حبل النجاة حبل الله الذي يعصمنا ولا عاصم اليوم غير الله.
لا تعصمنا اليوم أن نعلن مثلا توحيد وقت الأذان في البلاد الإسلامية ولا توحيد بعض القواعد التشريعية، ولا تكوين لجان لدراسة القواعد والأصول الفقهية والتشريعية المختلف عليها، لأنها نتائج من أصل كلي واحد، وهو الأبعاد والتكفير والتشريك والتجريم والتحريم كممارسات ولدت من ظروف حدث في تأريخنا الإسلامي وبنى عليها المنافقين من المسلمين ممن لهم مصالح تتوافق مع أعداء الله والإسلام، فجذروها وشروعها وأثبتوها في عقول وقلوب الناس بمساعدة من القوى السياسية الحاكمة، التي كان همها الحكم والسلطان ولا يهما الناس والدين، فلم يبالوا أن تفرقوا أو أتحدوا بل كان التفرق والتشرذم يصب في مصالحهم الشخصية كما هو حال اليوم، فبدل أن يكون خليفة لا يضر أن يكون هناك خليفتان أو ثلاث أو أكثر كل يحكم بما يشاء وكيف يشاء لا جامع يجمعهم ولا رابط يربطهم ولا حبل يعصمهم فتفرق بهم السبل، فتفرق الناس بتفرقهم وتفرق العلماء بتفرقهم والناس على دين ملوكها.
كلمة أخيرة لابد أن نضعها في نهاية هذا البحث، هو الهم الدائم للمتحاورين كما في الموضوع السابق أحتواء الأخر، وأظهار أو الخروج بمظهر الغالب على خصمه وخصومه، هو منهج خطير ومدمر للحوار وللسعي بالتقريب، فليس مهما أن تغلب أنت أو يكون منهجك هو الغالب، لكن المهم والأهم والمتعالي في الأهمية أن يخرج الدين الحقيقي غالبا، أن يخرج رسول الله وملته غالبا، أن يكون الله في الأخر غالبا بأمره، مستعليا بأحكامه، فكل شيء خلا الله باطل وكل شيء ما عدا أمر الله زائل، ولا تنفع الغلبة ولا ينفع منهج الاحتواء في نصر القضية الإسلامية ولا يخدم مراميها، بل على الجميع أن يضع نصب عينه وفي قرارة نفسه أن يسعى ليس لنصرة مذهبه وأثبات الغلبة لرؤياه، بل لينصر الله ولينصر رسول الله صل الله عليه وأله وسلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد7،أليس هذا النداء موجه للمؤمنين بالله ورسوله وكتابه؟ أم لفئة أخرى غائبة عن الحوار؟.
فأن كان المتحاورون يزعمون أنهم مؤمنين عليهم تكليف وواجب نصرة الله تعالى، ليس نصرة أنفسهم أو مذاهبهم أو نحلهم، ولكن نصرة الله وحده لأن في هذه النصرة تثبيت للأقدام ونصر للمؤمنين جميعا، وهذا هو الكسب الأكبر والفوز الأعظم ومن يتق الله يجعل له مخرجا، والله تعالى يقول {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة105.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطفال يروون تفاصيل قصف مدرسة نزحوا إليها في دير البلح بقطاع


.. كاميرا الجزيرة ترصد غارات إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوب




.. كيف استعدت إسرائيل للقضاء على حزب الله؟


.. شهداء وجرحى بغارة إسرائيلية على مسجد يؤوي نازحين في دير البل




.. مظاهرات في مدن ألمانية عدة تأييدا لفلسطين ولبنان