الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يقول النص القرآني في الكتاب الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات13، ولمعنى أن صاحب الخطاب يريد أن يقول لكل مستمع أو قارئ أو مطلع عليه "أنكم أيها الخلق" ما أنتم إلا أبناء شجرة واحدة من سلالة آدم وزوجه وليس فيكم من هو خارج هذا الوصف، فلا تتفاضلوا فيما بينكم على قواعد أنتم تصنعوها من غير أرادة صانعكم أنفسكم وهو الله الذي أصطنع وخلق الذكر والأنثى من قبل أبوكم آدم وأمكم من نفسه، فعلام هذا التمييز والتفاخر النسبي وكلكم ن آدم وآدم من تراب يا أبناء التراب، المعيار الذي يجعل البعض يتفاخر على أخيه بشرف النسب أو بزرقة الدم معيار مخادع شيطاني لا قيمة له، القيمة المعيارية هي للعمل وليس كل العمل بل النافع للناس على قاعدة كونوا خيرا تكونوا أقرب لله.
فأن أردتم أن تتفاضلوا بينكم فلا بد أن يكون ذلك بما جعلت لكم فيه ميزان وقدرت فيه الكلية التفاضلية التي لا تخرجكم من الحق إلى الباطل، ولا يمكن لهذا الميزان أن يخطأ أو يحيد خارج ما وضعه الصانع الأول، هذا الميزان هو ميزان التقوى الذي يعني الأبتعاد عن كل ما يصيب الإنسان ما أصاب إبليس يوم المحاججة، فمن يتق الله حق تقاته فهو المتفاضل بحقيقة معنى التفضيل، ومن لم يكن ممن تنطبق عليه صفة التقوى يكون في الجنب الأخر مع ملاحظة أن التقوى تختص بالمؤمنين أولا ثم تحكم على الأخرين، فالإيمان مقدمة التقوى وباب التفضيل إذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } آل عمران102، فبحسب النص لا بد أن نلاحظ أن الله تعالى الذي خلق وقدر وشرع وكون هو الذي يحدد أساس التفاضل، ويحدد قواعد حل النزاعات التي تنشأ عن أسناد شروط المفاضلة وتطبيقها وفق القواعد الدينية العقائدية والعقدية، في حال الأختلاف بين العقائد المختلفة أو في داخل العقيدة الواحدة.
هذه القاعدة تعني بأن "كل من يقول" أنه متبع لرسالة من رسالات الله ويتخذها أطاراً للتدين أو التعبد بها، لابد أن يرجع في كل نزاعاته الدنيوية إلى الله بأعتبار إن كل المتدينين بالرسالات يشتركون في الإقرار بالله تعالى ربا وخالقا وإلها واحدا، وهو الأس المشترك الذي يجمع على الأقل كل الديانات الإبراهيمية الحالي التي بنيت على مبدأ التوحيد المطلق لله، هذا إذا ما عزلنا الأفكار التصرفية والأعتباطية التي لحقت النص الأصلي للكتب المقدسة، الخروج عن مبدأ التوحيد يعني الخروج من دائرة كونية وتكوينية الخلق خاصة وأن التوراة الأصلية بما حوته من وصايا والتي تعد في الحقيقية أنها هي أم الكتب الإبراهيمية، قد بينت بما لا يقل الشك أو التأويل أن الآدمية كسلالة هي أس الوجود البشري المخاطب بالرسالات وهي المعنية وحدها بالتوحيد المجسد بالإيمان بما في الرسالات من قواعد وقيم دينية.
فعندما يسعى البعض للنهوض بمسألة قد تبدوا للبعض سامية ألا وهي التقريب بين الأديان والصحيح أنها عملية تنقية لما تعلق بمبدأ الوحدة الدينية والتوحيد الرباني، لابد له أن يضع هذا المحدد بين عينيه إن كان صادقا ومخلصا فيما يقول، وقد سبق الإسلام جميع الجهود في هذا المضمار بقول النص الوارد في القرآن الكريم {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} آل عمران64، هذه الكلمة السواء والدعوى التوحيدية كانت عند الإسلام تمثل أول ركيزة من ركائز التقارب والتقريب والتنقية في المفاهيم والحدود الكبرى بين أهل الكتب السماوية، وخاصة الإبراهيمية منها على وجه التحديد لأنها تنتمي لنفس المنبع وتملك نفس التصور ومن فرع بشري واحد ألا وهو منبع وملة إبراهيم الحنيف المؤمن.
إن الإنطلاق من الكلمة السواء هو المدخل الحقيقي والصحيح لكل المحاولات الجادة التي تستهدف التقريب والجمع على نية مخلصة، تتمركز حول الحقيقة التي تناولناها سابقا وهي أن الله هو الأس المشترك بيننا، وهو الذي أنزل الدين والإيمان به فهو الذي يفصل بيننا ويجمع ويفرق، وكل مدخل خارج هذا الإطار هو خروج عن الأس الجامع والعامل المشترك الحقيقي وبغيره لا نجتمع ولا نتقرب ولا نتقارب بين بعضنا البعض.
إن المنهج المطروح اليوم على الساحة وبغض النظر عن الأهداف والنوايا لا ينطلق من هذه الأسية ولا يقاربها، بل لم تكن هي محور الجهود المبذولة على المستوى النظري الفكري أو الفعلي الواقعي المطلوب تحقيقه أو الوصول إليه، بل ينطلقون من نتائج الأختلاف ومفردات التنازع ليتجمعوا حولها، وبذلك يتوهموا أنهم وقفوا على المبدأ الصحيح، قد تكون للبعض نوايا حقيقة وسليمة في هذا الموضوع، ولكن البعض الأخر كان متعمدا على أن يضع أطر التجمع والتقريب المعمول بها حاليا وفق حالين نظريين، أو وفق نظريتين كل منها بمنطق مختلف، ولكنها جمعا لا تؤدي بأي حال من الأحوال إلا إلى تحقيق أهداف صانعيها ومبتكريها، والتي تخدم أهداف ورؤى وغايات خارج الموضوع الأصلي ولا تتصل به، ولكنها تأخذه عنوان بديل يجر إلى نتائج بعيدة كل البعد عن العنوان المطلوب.
هناك الكثير من النظريات والأفكار التي تطرح كمبادئ أو رؤى تخص عملية الحوار والتقارب، منها مثلا النظرية الأولى وهي نظرية الاحتواء الإيجابي وهي من إفرازات شيوع الظاهرة الفكرية التي سادت الكثير من العقول والنفوس الغربية المحافظة ومنتج طبيعي لما يسمى بصراع الحضارات في المجتمع الغربي المسيحي، وهي أحد الحلول التي طرحها المفكرون الغربيون كبديل للصدام الحضاري وتجنب الحسابات الغير متوقعة والغير ملحوظة، والتي يمكن أن تحدث بلا مقدمات ولا أسباب مفهومة من خلال دراسة كل التجارب الحضارية التي مر بها الإنسان تأريخيا على وجه الأرض، محتوى النظرية هذه يقوم على مبدأ قبول الأخر بكل حال، ليس لأنه مقبول عند البعض ولكن للتخفيف من صدمة الأختلاف أولا، وبالذوبان البطيء في نظرية المحتوي على المدى الطويل حتى يضعف تأثير الفكر الأخر عندها لا يوجد منافسة بين الفكرين لأن صاحب النظرية قد أمتص مقومات وجود الأخر وجرده منها.
فالتصادم ليس بالضرورة حلا أمثل للنزاع والصراع الحضاري في هذه النظرية والذي ثبت من خلال قراءة التاريخ أن التصادم قد يفجر الطرفين دون أن يترك أثر إيجابي، وهذا عند البعض من المفكرين الغربين الذين يرون أن المعايشة مع الأخر ووفق شرط القوة قد تأت بنتائج أكثر قدرة على حسم الصراع لصالحهم، فالصراع والتصادم الغير منضبط النتائج والغير قابل للاستحكام به هو من جعل مثلا الإسلام يدخل أوربا المسيحية ويصل إلى أعماق جغرافية لم يصلها من قبل، أضافة إلى العيب الأخلاقي الذي يدين الصراع والتصادم الحضاري في ضل نظرية العولمة والعالم الذي تتحكم فيه حقوق الإنسان كما يزعمون.
من هنا نشأت نظرية الاحتواء الحضاري التي تقوم على فرض تقديم وتهيئة مقدمات فكرية وحضارية نوعية تكون قادرة على أن تجعل من الحضارات والمفاهيم الحضارية المنافسة للحضارة الغربية غير قادرة على المقاومة الوجودية بقواها الذاتية، فتخلق لها أجواء تصالحية من موقع الضعف لأن تتنازل خطوة خطوة نحو الحضارة المنتصرة بفعلها، والذي ينفعل العالم بتأثيراته فيتم الاحتواء والإذابة شيئا فشيئا لتمر فترة زمنية تصبح فيها الحضارات اللا غربية جزء غير فاعل وغير قادرة على التفرد والانفراد والتوصيف خارج أطار الحضارة الغربية، فتموت المقومات الحضارية لها ويندمج المتحضرون بمقوماتها بالحضارة الغربية ويخضعوا لشروطها، بالتالي تحقيق النتيجة من صراع الحضارات على الوجه الذي يريدون من غير خسائر مادية وأخلاقية وتحت عنوان حضاري أسمه العالم الجديد.
الخطر في هذه النظرية إن بعض مؤدياتها تسجل نجاحات ملحوظة في عدة مستويات أفقية وعمودية من خلال عناوين مهمة وذات قيمة وجودية حضارية منها الغزو الثقافي، حرية الأديان والتدين وإباحة الألحاد التكفيري بل والتشجيع عليه على أنه رمز لمفاهيم حضارية حداثية تبعدنا عن أسباب التخلف والجهل، هناك عنوان مهم ومغري على الساحة الفكرية التي تجري من طرف واحد، وهي ما يعرف بحرية تنقل المعرفة ومنع وضع العراقيل أمام تدفق المعرفة، العولمة الأقتصادية والمالية، حرية المرأة، الفضاء الكوني الواحد، وأخيرا النظرية الماسونية القديمة الجديدة، الحكومة العالمية.
لكل من هذه العناوين مجالات بحث واسعة ومتشعبة لا يمكن أن نحيط بها أو بجزء يسير منها هنا، بل نشير إلى نقاط مهمة لنرى أهمية الأخطار التي تنادي فيها هذه النظرية، فعنوان حرية التدين يستهدف أساسا حماية الذين يخرجون عن دياناتهم ليتحولوا إلى دين أخر أو إلى الألحاد، وهذا لا يشكل عند بعض الديانات أهمية تشريعية أو تتصادم مع مقومات عقيدية تهدد حياة الإنسان، ولكن في تطبيقات فكر الإسلام وعلى رأي بعض المسلمين فقهاء وعقائديين له حدود جزائية لا يمكن التغاضي عنها أو السكوت عليها، بعيدا عن حقيقتها أو الإدعاء بذلك ولكن واقع حال يتجلى في مفهوم الردة عن الدين، وهذا ما يشكل تشجيعا للبعض من الخروج والتمرد على أحكام الدين لتشكيل قوة ضاغطة من داخل المجتمع الإسلامي ينتهي بالتصادم أو الصراع الدموي داخله، مما ينتج ضعفا وتنديدا من قبل الديانات الأخرى على أعتبار تمسك الإسلام بالمنهج الدموي الذي عرف به من خلال ما تطرحه الرؤيا المقابلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس