الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين الرسمي وأحزاب اليسار في مواجهة الأحزاب الإسلاموية: ردود الفعل على ‏فتوى القرضاوي الموجهة إلى المغاربة بخصوص السلف الربوي.

عبداللطيف هسوف

2006 / 9 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين الرسمي وأحزاب اليسار في مواجهة الأحزاب الإسلاموية: ردود الفعل على ‏فتوى القرضاوي الموجهة إلى المغاربة بخصوص السلف الربوي. ‏

أثارت فتوى أصدرها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي موجة من الاستنكار في الأوساط العلمية والحكومية في ‏المغرب، عندما سئل عن جواز امتلاك المسكن بالقرض الربوي، فكان جوابه أن قارن بين المغاربة في بلدهم ‏وبين المغاربة في دول الغربة. واستخلص أن المغاربة في بلدهم مثلهم مثل الأقليات في بلاد الغربة، لأن المجلس ‏الأوروبي للإفتاء أجاز للأقليات المسلمة في أوروبا شراء بيوت السكن عن طريق القروض البنكية مراعاة ‏للظروف التي يعيشها المسلمون في تلك البلاد. ‏
وردا على فتوى الشيخ القرضاوي، أعرب المجلس العلمي الأعلى بالمغرب الاثنين الماضي عن انزعاجه من ‏التدخل في شؤونه الدينية مؤكدا خصوصيته وهوية أهله. وأصدرت الهيئة العلمية للإفتاء في المجلس العلمي ‏الأعلى وهي هيئة رسمية بيانا الاثنين نددت فيه بالفتوى التي أصدرها أحد العلماء البارزين في المشرق (إشارة ‏إلى الشيخ القرضاوي) تبيح للمغاربة الاقتراض الاضطراري من البنوك الربوية من أجل السكن. وقال بيان هيئة ‏الإفتاء المغربية ما معناه: ما يهمنا في هذا المقام هو التذكير بحقائق تتصل بالمغرب علميا وتاريخيا وفي مقدمتها حرص ‏المغاربة علي تقاليدهم العلمية وفي ذلك سر انضوائهم تحت راية الإسلام والتفاتهم حول إمارة المؤمنين وإجماعهم ‏علي وحدة المذهب والعقيدة والسلوك. وقالت الهيئة أنها تستشعر ‏المخاطر التي ينطوي عليها هذا التدفق الإعلامي الذي فتح الأبواب أمام الفتوى. ‏
وارتباطا بنفس الموضوع، اعتبرت يومية الاتحاد الاشتراكي الناطقة بلسان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات ‏الشعبية المشارك في الحكومة المغربية أن الفتوى تسيء للمغاربة، وتجعل من المغرب دار كفر وأن القرضاوي ‏تطاول بفتواه علي مؤسسة إمارة المؤمنين. وقد سارعت يومية الاتحاد الاشتراكي إلي نشر مقال علي صدر ‏صفحتها، لتؤكد من خلاله استياء أوساط حكومية من فتوى القرضاوي، مضيفة أنه أساء للمغرب والمغاربة عندما ‏لمح إلي أن التشريع المغربي تشريع علماني غير إسلامي. وقالت اليومية أن للمغرب مجلس الفتوى، كما أن ‏جلالة الملك قد أنشأ لجنة للفتوى تهتم بالإفتاء في البلاد، وأن يوسف القرضاوي قد وضع نفسه فوق إمارة ‏المؤمنين، معتبرة أن نشر فتواه علي صفحات يومية التجديد الإسلامية جرأة ما بعدها جرأة. ‏
أما يومية التجديد الناطقة بلسان حركة التوحيد والإصلاح، والقريبة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، فقد ‏اعتبرت أن جريدة الاتحاد الاشتراكي حاولت أن تلعب دورا قذرا للإيقاع ليس فقط بين القرضاوي وأهل العلم ‏بالمغرب، ولكن لاستعداء أمير المؤمنين علي هذا الرجل العالم. وقالت أن المصادر الحكومية التي ربما أحرجتها ‏فتوى القرضاوي تتعلق بالوزير الاتحادي فتح الله ولعلو الذي سبق له أن وقف بقوة ضد المصارف الإسلامية ‏بالمغرب. واعتبرت جريدة التجديد فتوى القرضاوي ذات نفس اجتماعي من فقيه أراد أن ينفس كربة الناس، في ‏الوقت الذي يعجز فيه الوزير الاشتراكي عن إبداع حلول اجتماعية للمساكين الذين لم يستطيعوا بسبب سياسته ‏الاقتصادية التفقيرية أن يحلموا مجرد الحلم بمسكن يصرفهم عن ابتزاز المالكين.‏
كان هذا تسلسل لردود الأفعال على فتوى شيخ يشهد له بانتهاج نهج منفتح في تفسير الدين، وارتكازه على مبدأ ‏‏ يسر ولا تعسر . وحين اطلعت على النص الكامل لفتوى الدكتور القرضاوي لم أجد فيها إشارة إلى أن المغرب ‏دار كفر أو تجاوزا لمكانة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وإنما الرجل ذهب ‏أبعد مما قد نتوقعه منه ليبيح للمساكين والفقراء وذوي الدخل المحدود امتلاك منزل بفوائد بنكية حتى لا يخضعوا ‏لابتزاز المالكين للمساكن عبر الاكتراء. وكون المغرب يخضع لقوانين مدنية وليس لتشريع إسلامي، فهذا أمر قد ‏ينتقده أي شخص له توجهات إسلامية، كما لو انتقد بيع الخمور أو فتح الخمارات في بلد إسلامي. وهذا ما قصده ‏الشيخ، حسب فهمي، حين تكلم عن بلد ليس بدار الإسلام، أي البلاد التي لا تطبق فيها الشريعة الإسلامية (قانونا كاملا، ‏وليس فقط مدونة الأحوال الشخصية). ‏
أما حين اطلعت على رد علمائنا المغاربة الرسميين فلم أجد فيه ما يشفي تساؤلاتي: أهم مع البنوك الربوية التي ‏يعتمد عليها اقتصاد المغرب بصيغة شبه كلية؟ أهم ضد الاقتراض من هذه البنوك بنسب ربوية؟ أهم يقترحون حلا ‏لمشكلة السكن خارج الاقتراض من البنوك بالفائدة؟ رد علماء المغرب لم يتعرض للمسألة موضع النقاش، بل فقط ‏أحزنهم أن تأتيهم فتوى من الشرق على لسان الشيخ القرضاوي، وهم في المغرب أولى من غيرهم بتقديم الفتاوى ‏لأنهم حسب زعمهم يعرفون البلد وخصوصياته. ولكن، حين يترك علماء المغرب الفراغ ولا يفتون منذ زمن في ‏مسألة تخص المواطنين المعوزين، فلماذا يعيبون على من يملأ هذا الفراغ، خاصة وأن الرجل وجه له السؤال من ‏قبل عدد من المغاربة. لست بمدافع عن الشيخ القرضاوي، فهو لا يحتاج مني لدفاع، لكنني متتبع للأخبار، ‏خصوصا حين يتعلق الأمر بوطني المغرب، ويؤسفني أن لا أجد في كلام أعضاء المجلس العلمي الأعلى سوى ‏انجذاب إلى المعركة السياسية التي تواجه بين اليساريين والإسلاميين. ‏
أما ما جاء في جرائد أحزاب اليسار، خصوصا حزب كبير من طينة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فلا ‏يعدو كونه تسييس يستهدف الإسلاميين المغاربة بالدرجة الأولى ويرفع المسؤولية عن حكومة وزير اقتصادها ‏اتحادي. لكن، الواقع لا يرتفع، والمعاناة التي يعيشها أغلبية المغاربة ذوي الدخل المحدود تتزايد يوما بعد يوم. ‏كان أحرى بجريدة حزب في مرتبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن تنأى بأقلامها عن الدخول في ‏مزايدات ستفقدها مزيدا من المساندين. إن مشكلة أحزاب اليسار في المغرب هي أنهم في صراعهم مع حزب ‏إسلاموي منافس لهم في الحكم، يجدون أنفسهم دائما يغردون في خندق بعيد عن آراء الناس البسطاء في الشارع ‏المغربي الذين يميلون بقلوبهم إلى الخطاب الإسلاموي القريب من تصوراتهم أيضا البسيطة. لا مجال هنا للتفصيل ‏بأن أقلام الصحافة الحزبية اليسارية التي أوكلت لذوي النظرة الضيقة، المرددين لشعارات السبعينيات، قد أخفقت ‏في مهمتها الأولى، ألا وهي استمالة القوات الشعبية. إن إمعان أقلام الصحف الحزبية اليسارية في الرد بلاءاتها العلمانية ‏الدائمة على كل صوت إسلاموي جعلت اليسار يبدو وكأنه متعارض في خطابه مع الدين، وهذا طبعا ما ‏لا يغفره الجمهور العادي المتعاطف مع كل ما يرتبط في نظره بالدين الإسلامي.‏
متى كانت مصالح اليسار المغربي تتفق مع مصالح علماء دين رسميين لا يفتون إلا بإشارة مشير من فوق؟ ‏
في الواقع، ما عكر صفو الجميع ليس كلام عالم جليل قد يصيب وقد يخطأ، بل هو خوف أعضاء المجلس ‏العلمي الأعلى من أن تسحب منهم الشرعية العلمية ويهمشون بسب صمتهم على المصائب التي يغرق فيها البلد ‏يوما بعد يوم، خوفهم من أن تتوقف رواتبهم المجزية لهم عن صمتهم وتقاعسهم. أين كانوا من ارتفاع الأسعار الصاروخي وانتشار الفساد واستقواء أصحاب ‏النفوذ؟ أما أحزاب اليسار، وخصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تعلمت في صفوفه سابقا حرية ‏الرأي دون السقوط في الرعونة، فإن مشكلته هي أن بعض المعبرين عن آرائهم على صفحات جريدته لازالوا ‏يلوكون كلاما ماضويا تلقوه في حلقات النقاش الشبيبية، فإما أبيض وإما أسود. والواقع أن هذه الأقلام التي لم تعد ‏تتفوق سوى في السب والشتم الرخيص، لا تستطيع أن تستوعب تحولات عقول المغاربة، إن لم نقل تطورها. إن ‏مثل هذه الأقلام تقدم خدمة كبير للإسلامويين، وتفقد في الوقت ذاته الأحزاب اليسارية عددا كبيرا من مساندين ‏مفترضين لها سيتعاطفون مع أصحاب العمائم والوجوه الملتحية لا مع أصحاب الطرابيش الحمراء والذقون ‏الحليقة. ‏
وأخيرا، لا داعي أن يقحم علماؤنا الأجلاء وأحزابنا الوطنية أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله ‏وأيده في هذا الجدال، لأن المشكلة في الأساس هي مشكلة حكومة لم تتمكن من رفع الحيف عن ضعاف المواطنين ‏المغاربة، حكومة أصرت أذنيها منذ سنوات، وأصبحت لا تقوم بشيء سوى بالرد على منتقديها، حتى لو كانوا ‏على حق. إن كان سلهام جلالة الملك محمد السادس نصره الله يسع جميع المغاربة ليحتموا تحته، إلا أنه يكتسب ‏من الشرف والقداسة ما لا يجوز لأي كان أن يتمسك بتلابيبه للرد على عالم اجتهد بحسن نية، وله فضل ذلك وإن ‏أخطأ. كان حري بأعضاء المجلس العلمي الأعلى أن يوجهوا دعوة للشيخ القرضاوي ويناقشوه في فتواه، ثم بعد ‏ذلك يطلعون على المغاربة بفتواهم في النازلة، لكنهم عوض ذلك واصلوا صمتهم واكتفوا بالتذكير بتقاليد المغرب العريقة وتوجيه استنكار لا يقدم بل يؤخر. ‏









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah