الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مرايا النار لحيدر حيدر

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2022 / 9 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


رواية لا تلتزم بزمن معين، بل تقفز من زمن هذه الشخصية إلى زمن تلك، تتراوح بين داخل الشخصية وخارج المكان الروائي، تتردد بين قراءة باطنية للشخصيات ونكهة الضباب الداكن، يقدم حيدر حيدر هذا كله من خلال راوي خيمة الكركوز (مسرح الظل). فالراوي مراقب للحدث، يسرده، يصفه، فيصبح شخصية روائية.

مقتطف من الرواية :

((إحياء لذكري امراة ضائعة التقيتها علي شواطيء الأطلس أزمنة كنت تائهاً وغريباً فوق دروب الأرض . المرأة التي وقفت إلي جانبي وساندتني وأدفأتني في أزمنة الصقيع وليالي غربة الروح والوحشة وانكسار القلب)).

بداية ، لنقل إنها حكاية غريبة ، حدثت لرجل غريب في مدينة غريبة ليست موجودة على الخريطة . أو هي حكاية مسلية لرجل يسافر وحيدا في قطار . رجل يستعيد وقائع الزمن على شكل دوائر في سهب فسيح ، كما طائر يعبر فضاء .

وكما يحدث دائمأ ، ثمة مدينة غامضة لانعرفها تأخذنا الأشواق والتوقعات إليها . يشبه الأمر ولوج طائر مهاجر إلى غابة للمرة الأولى . هكذا حدث الأمر في الأيام التي عبرت . الأيام التي لن تعود ، والتي تحؤلت إلى مايشبه الطيوف .

مرايا النار القطار يشق السهول بهديره الرتيب . من النوافذ ترى الهضاب والأشجار والطيور التي تخفق عبر سماء بلون الحرير الأزرق . الأشياء تمضي طاوية صفحات الزمن . والرجل المستند إلبى إفريز النافذة يراقب انخطاف الأشياء التي تظهر وتفيب . حينا خاطفة وحينا بطيئة . ثمة محطات للراحة . خطوط حديدية متشعبة كأوردة الجسد . عربات صدئة ، جاثمة ، محملة بحصى ذي أشكال هندسية غير متناسقة . عربات على أهبة الرحيل .

رجل النافذة ربما كان يستعيد الآن ، من خلال هبوب الريح العذبة ، وقائع لايريد الوقوف طويلا في محطاتها . وقائع أزمنة عبرت ينزع إلى نسيانها ودفنها في الأغوار العميقة للبحر .

لكن القطار يتموج في هذا السهب المترامي ، الغامض ، كما يتموج البحر . تحت رنين هذه التموجات ، في هذه البقاع الفريبة ، تخفق طيور الحزن . طيور رمادية يطلقها الفراغ والفقدان ، هي ذي تنتشر فوق الأشياء أو تنبثق منها . إنها تشع ثم لاتلبث أن تفيب في ظلمة هذه الفربة ، وهذا المضتي الخاطف والمؤلم لأشياء رست في أعماق الذاكرة.

في مكان ما ، ناء ومنسي ، ثمة امرأة هي الأخرى ربما الآن تستعيد الوقائع نفسها . المختلف بينهما ، هما النائيان الآن ، ربما كان تنسيق الأحداث ، وأهمية الذكرى . ثم هذا الإيقاع المومض للحزن . ولكن هل هي المرأة التي داهمها الجرثوم الفريب فخلخل عمل الخلايا ؟ أم أنها امرأة أخرى لاصلة لها بكل هذه الترهات التي يتخيلها عقل ملتاث بشهوة الثأر ؟

قد تكون الآن في فراشها ، أو وراء نافذة بيتها ، تراقب انسكاب المطر على الزجاج ، مأخوذة بحلم يقظة ينهمر عليها . حلم تاريغ مضى . تاريخها . لعلها تفكر الآن بالتبدل العجيب ، وتعاقب الفصول ولم يرسخ منها سوى الأصياف الحارة التي تبخر البحار

والينابيع وتعيد الأشياء إلى الصحارى . لم رياح الزمن تعفو المعالم فلا يبقى سوى الأنقاض ؟

ممر من الظلمة يكتنفه ضوء يراع في براري العشب . الندى يلمع والقلب منفطر في هذه البرهة . برهة الصدمة .

قلب المرأة يخفق تحت هذه السماء الماطرة . يبدو الجيشان هن خلال تقلص أصابعها على إفريز النافذة ، ومن هذا الضغط المتواتر لثدييها على حافة خشب الشباك .

تبدو ، تحت برق هذا الفسق ، امرأة ذات جمال غريب عيناها.قامتها استدارة وجهها الأفريقي . الإشعاع الشهواني المنهمر في شفتيها وهى تتحدث بصوت نصفه مبحوح الساقان إذ تنحسران قصداً أو عفواً . الساقان المتوهجتان اسمرارأ من أشعة البحر في الأصياف اللاهبة.

الرواية تستحق القراءة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاستثمار الخليجي في الكرة الأوروبية.. نجاح متفاوت رغم البذ


.. رعب في مدينة الفاشر السودانية مع اشتداد الاشتباكات




.. بعد تصريح روبرت كينيدي عن دودة -أكلت جزءًا- من دماغه وماتت..


.. طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي




.. لساعات العمل تأثير كبير على صحتك | #الصباح_مع_مها