الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغيير و المجتمع الريفي العراقي (1921-2005)

سعد سوسه

2022 / 9 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يعد اهتمام الانسان بالتغييراهم السمات الاساسية للتاريخ البشري و هو اهتمام يستند الى حاجة الانسان و سعيه الدائم لإحكام سيطرته على البيئة المحيطة به بهدف إعادة هندستها بما يحقق رغباته.
و قد تركت التغييرات التي شهدها المجتمع الريفي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 آثارها الواضحة في البناء الاجتماعي بصورة عامة فقد تبدلت أكثر الصفات التقليدية التي كانت تتميز بها الشخصية الريفية العراقية و هذا التبدل كان نتيجة حتمية إثر عوامل التغيير، التي اختلطت طبيعتها و صيغتها بالظروف التاريخية و الحضارية التي ورثتها الشخصية العراقية منذ فترة طويلة و قد تمخض التبدل الذي شهدته الشخصية الريفية عن ظهور صفات و سمات أعطتها طابعها المعين و التي جعلتها تختلف عن بقية الشخصيات في العالم.
و في هذا المبحث سنوضح أهم التغييرات التي طرأت على المجتمع الريفي العراقي و هي كما يلي:
1.التغييرات السياسية
لقد تميز النظام السياسي في المجتمع الريفي العراقي حتى ثورة 1958 ببساطة تكوينية حيث إن لكل وحدة قرابية إقليم متميز و نسق سياسي يتميز بقبول أفرادها رأي رئيسها و كبار السن فيهم و السلطة تتركز عند العشيرة فهي تمثل الوحدة السياسية و مما ساعد على هذا التنظيم السياسي عند العشيرة وجود العصبية التي توجد بين مجموعة من الناس و تربطهم برابط الدم ( 1 ) .
و بالرغم من ذلك فان هذا الشكل أو التنظيم السياسي يفتقر إلى وجود سلطة مركزية أي إن هناك استغلالا سياسيا داخل الوطن لكل عشيرة ترتبط هذه فيما بينها بروابط قرابية و تعاونية في حل منازعاتها وهي تعتمد على أعراف خاصة بها أي إن هذا النظام يمثل صورة معقدة للولاءات القبلية ولكن هذه الحالة من الانفصال والتجزئة التي كانت قائمة بين القبائل المختلفة قد بدأت بالتغيير و التبدل على أثر نشوء الحكومة الوطنية فقد أصبحت الجماعات القبلية تحت إدارة سلطة وطنية واحدة و بدأت الحكومات تمارس أعمالها تجاه الأفراد معتمدة على قوانين عامة بدلا من الأعراف العشائرية و في ظل السلطة الوطنية المركزية المعتمدة على مبدأ الوحدة السياسية و القانونية صارت الجماعات القبلية المختلفة مسؤولة أمام هذه السلطة التي حلت من الناحية النظرية الدستورية محل زعاماتها المحلية و أصبح مفهوم المواطنة يطالب أعضاء هذه الجماعات بإحلال الولاء للسلطة السياسية الوطنية بدلا من السلطة العشائرية و بتغليب مصالح الوطن و أهدافه على أهداف العشيرة أو القبيلة ( 2 ) .
و من التغييرات السياسية المهمة تحول نظرة المواطنين الريفيين العراقيين التي اعتبرت الحكومة حتى عام 1958 مجرد دوائر جباية تجنيد و ضبط إلى نظرة إدراك للخدمات الإيجابية الكثيرة التي تؤديها الحكومة اليوم ( 3 ) .
و من التغييرات السياسية التي حصلت في المجتمع الريفي العراقي اهتمام أبناء هذا المجتمع بالأخبار السياسية من خلال وسائل الاتصال الجماهيري التي انتشرت في مجتمعهم و كذلك اشتراكهم في العملية السياسية التي حصلت في المجتمع العراقي و هذا يدل على ازدياد الوعي السياسي لأبناء هذا المجتمع. و لعليّ لا أغالي إذا قلت إن الشعب العراقي عموما هو من أكثر شعوب العالم إن لم يكن أكثرها ولعا بالسياسة و انهماكا فيها فكل فرد فيه تقريبا هو رجل سياسة، حيث اصبح الحديث بها من اهم المواضيع التي تشغله خصوصا قبل الاحتلال و بعده فأنت لا تكاد تتحدث الى اي شخص في مقهى او مطعم أو سيارة حتى يشتد نقاشه معك بما حدث و بما سيحدث من امور سياسية.
2.التغييرات الاقتصادية
إن المتتبع لأحوال المجتمع الريفي العراقي لا بد من أن يقف أمام تغييرات اقتصادية أثرت و بشكل كبير في نمط العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع. نتيجة لعوامل التغيير المختلفة حيث يتضح أن التغيير الاقتصادي في العراق اليوم يكشف عن تغيير جوهري و شامل يتضمن كل أجزائه و جوانبه ( 4 ) .
ولما كانت أحوال الريف الاقتصادية تربط سكان الريف بمهنة الزراعة التي تستند على عنصر إنتاج رئيس هو الأرض كان لا بد من دراستها لأنها من أهم المؤشرات الاقتصادية في العراق حيث كانت الزراعة من المهن الرئيسة و يشغلها حوالي 80 % من مجموع السكان في منتصف القرن الماضي علما بان نصف المساحة الجغرافية للعراق كانت صالحة للزراعة و نسبة ضئيلة من الأرض للزراعة كانت مستغلة أما البقية من الأرض فلم تكن مستغلة، لأسباب تتعلق بالكفاءة الإنتاجية للسكان فنسبة الإنتاج الزراعي كانت ضئيلة و هذه الحقيقة تفسر انخفاض المستوى الاقتصادي للفلاح العراقي و تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية للريف العراقي نتيجة عدة مشاكل زراعية واجهها العراق خلال تلك المدة و منها ( 5 ) .
1. سيطرة النظام الإقطاعي على الريف العراقي.
2. عدم استغلال الأيدي العاملة في الريف استغلالا اقتصاديا يساعد على استثمار الأراضي الزراعية.
3. الافتقار إلى مشاريع الري التي تزود الأراضي الزراعية بالمياه.
4. عدم وجود الخدمات الثقافية و الصحية و الاجتماعية التي يحتاجها سكان الريف.
5. الافتقار إلى المعرفة العلمية و النفسية المتعلقة بمحاربة الأمراض و الآفات الزراعية من قبل الفلاحين.
6. هجرة عدد كبير من الفلاحين و القرويين إلى المدن.
و لكن بعد ثورة 1958 تطورت العلاقات الزراعية تطورا مطردا لصالح الفلاحين حتى أصبحت القوانين الزراعية تؤكد هذه المصالح و بفضل قوانين الإصلاح الزراعي حققت فئة الفلاحين قفزات اقتصادية و ثقافية و صحية و اجتماعية ( 6 ) .
و بعد هذه امدة مر المجتمع الريفي العراقي بمجموعة تغييرات كبيرة من أهمها تحويل الزراعة من مهنة ابتدائية تقليدية إلى مهنة علمية و ميكانيكية نتيجة للتطور الكبير في المكننة و توفير المعدات و الأجهزة الزراعية من قبل الحكومة للفلاحين و لذلك تضاعف الإنتاج الزراعي و تضاعفت معه مدخولات الفلاحين، و خصوصا في التسعينات من القرن الماضي حيث ارتفعت مدخولات الفلاحين من خلال شراء المحصولات الزراعية منهم بأسعار مجزية من قبل الدولة الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات حياتهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية من خلال اقتنائهم وسائل الاتصال الجماهيري الأمر الذي وسع دائرة تفاعلهم مع الأنماط الثقافية ووسع معارفهم و دائرة حركتهم الفكرية ( 7 ) .
إضافة إلى ذلك فقد كان تحول آخر إتسم المجتمع العراقي به و هو موقفه من المهنة و احتقار البعض لها بالرغم من كونها تدر أرباحا هائلة خصوصا في جنوب العراق و من هذه المهن زراعة الخضراوات و بيع المنتوجات الحيوانية حتى إنها أصبحت بالنسبة للكثيرين عقبة في سبيل الحصول على الزوجة المناسبة لان كثيرا من الأسر لم تكن تؤيد تزويج بناتها خوفا على سمعتها الاجتماعية ( 8 ) .
و نتيجة للتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية تبدلت هذه الصورة فنظرة عدم الاحترام السابقة إلى هذه المهن قد أصبحت اليوم أكثر قبولا لها و لعل هذا الاتجاه الايجابي الجديد يرجع في جملة ما يرجع إلى المكانة الاجتماعية الجديدة التي تحتلها نتيجة لإمكانياتها المالية الجديدة.
ومن التغيرات المهمة في المجال الاقتصادي دخول المرأة مجالات العمل بعد أن كانت حكرا على الرجل إذ كانت سجينة بيتها و بعد أن أخذت تتغلب على التقاليد الاجتماعية التي حددت من دورها في المجتمع، حيث إن هذا التغيير ساعد الأسرة على تحسين أوضاعها الاقتصادية و الاجتماعية و بعد مشاركة المرأة المتزوجة خاصة في العمل الاقتصادي و الكسب المادي لم يعد الزوج قادرا على الادعاء بأنه الشخص الوحيد في الأسرة الذي يكسب موارد العيش و الرزق و هذا ما دفعه إلى احترامها و تقديرها الأمر الذي رفع من مكانتها في العائلة و المجتمع و يمكننا القول إن بعض الأسر كانت فيها المرأة المكسب الوحيد لموارد عيشها وهذا ما كان عليه الحال في الثمانينات و التسعينات بل حتى الوقت الحاضر .
و بالرغم من هذا فإن نزول المرأة إلى ميدان العمل لم يكن سهلا، إذ بدأت النساء العاملات يعانين من صراع الأدوار أي صراع بين مكونات دور العمل و مكونات دور الزوجة أو الأم ( 9 ) ، أي إن اختيار المرأة لدورها في الحياة أصبح معقدا و ذلك لتعرضها لضغوط قوى عديدة منها خضوعها لتأثير التقاليد و الطبيعة البايلوجية التي تدفعها في اتجاه الأعمال المنزلية و الأمومة و من ناحية أخرى الفرص التي أصبحت متاحة أمامها في عالم الوظيفة و العمل ( 10 ) .
و من جانب آخر أدت التغييرات الاقتصادية التي شهدها المجتمع العراقي دورا أساسيا في مساعدة الطبقات الفلاحية و العمالية بوجه خاص على إرسال أولادها إلى المدارس و الكليات و من ثم نجاحها في تحقيق الإنجاز الأكاديمي الذي مكن أبنائها من احتلال المراكز الإدارية و المهنية التي كان يتبوأها أبناء الطبقة الوسطى، بعد أن كان الريفيون لا يسمحون بابتعاد أبنائهم مدة طويلة من الزمن بسبب الدراسة إذ إن ضغط الحالة الاقتصادية على الوالدين يضطرهم إلى دفع أبنائهم إلى الاستغلال لكسب معيشتهم. يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي