الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المُتاجرون بالدين في الأزمات

نبيلة أحمد

2022 / 9 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عند المِحَن والشدائد تظهر معادن الناس الحقيقية سواء سلباً أو إيجاباًن فتكتشف أناساً كانوا طيبين دون أن تعرفهم من قبل، وتكتشف أناساً كانوا خبيثين دون أن تعرفهم من قبل.
منذ مدة قرأتُ في بعض مواقع التواصل عن خطورة الاتجار بالدين في الأزمات، وحيث أنه توجد لدي بعض التجارب مع بعض المتاجرين بالدين وقد لقيتُ منهم الأذى فإنني أقدم هذه الإفادة والهدف منها نشر التوعية والحذر من الذين يستغلون بعض المؤمنين والمؤمنات باسم الدين.
تكون المأساة عندما يتسرَّب بعض المتطفلين العاطلين عن العمل من ذوي المآرِب إلى الدعوة ويحيلوا أنفسهم إلى دعاة، فيدسّوا السم القاتل في عسل الدِين. وكنموذج عن هؤلاء نذكر شخصاً مغموراً لي معرفة سابقة به يُعى (كاروان) ظهر فجأة في مدينة أربيل ويدّعي بأنَّه يكفل اليتامى ويجمع لهم الأموال ، ويتولّى مساعدة المحتاجين، فيظهر في الفيسبوك وبعض الحسابات وهو يتمسكن ويتباكى ويستنجد الناس حتى يعطوه الأموال على أن يفرّقها على هؤلاء اليتامى وبعض المحاويج. وخلال أقل من سنتَين في هذا العمل استطاع حاجي كاروان أن يجمع ثروةً ضخمة ويشتري بيتاً وسيارة، ثم بدأ يتوسَّع ليشتري بعض العِقارات. وانقلب من شخصٍ منبوذ منعزل إلى شخصٍ يقصده الناس ويطرقوا بابه، وهاتفه المتواضع الذي كان لا يرن، تحوَّل إلى جهاز آيفون، لا يكف عن الرنين، ورقم خاص ورقم عام. وأمام ذلك بدأ يتوسّع في عمله مثل: تفسير الأحلام، وفك السحر، وصناعة الأحجبة، وتسريع الزواج ، وشفاء العاقر، وشفاء الأمراض النفسية. وصار يشتري بأموال الزكاة التي تصله للفقراء، الحسابات التي تحتوي على أعداد كبيرة من المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي. وإلى جانب ذلك صار يردّد بعض الأدعية في بعض المقاطع حتى يعطي انطباعاً للناس بأنه داعية، وفي النتيجة فإن هذا المدّعي المليء قلبه بالغلّ صار يُعرَف في مدينة أربيل بـ حاجي كاروان هدّام البيوت ، ومشرّد الأطفال، بكونه تسبب في تفتيت الكثير من العوائل، كما أنه شاعت عنه علاقات نسائية مشبوهة . فكم من طفل مشرد كان حاجي كاروان خلف تشرده، وكم من طلاق تسبب به هذا المتطفل المليء قلبه بالحقد، وفلا يهمه سوى أن يُكثر حوله النساء، ويتصوّر بين النساء. وامتدّ غلّه حتى إلى اللاجئين، فصار يتظاهر بأنه يذهب إليهم في مخيّماتِهم وأماكن تواجدهم ليجمع حوله عائلات منهم ويتسوَّل عليهم، ويفتت ما أمكنه من العائلات، حتى صار يُعرَف بعدو اللاجئين السوريين في أربيل . وكذلك تراه بين فترة وأخرى يصطاد بعض ذوي العاهات من الطرقات، ثم يغريهم بأن يقدم لهم مساعدات، وبذلك يذهب إلى بيوتهم، فيُظهر النساء والأطفال في حساباته وهم يولولون ويتباكون حتى يتسوَّل عليهم بأن يُظهر أرقام الهواتف وهو يردّد بعض الآيات ويحض الناس كي ينقذوا هؤلاء المحاويج وذوي الإعاقات ليتواصل معه المُحسِنون، وكذلك حساب مصرفي كي يودع فيه المُحسِنون من دولٍ أخرى المساعدات. أو يُظهر عائلة معاقة أو يتيمة أو مسحوقة ويدَّعي بأنه سوف يبني لها بيتاً، ويُطالِب الناس بأن يرسلوا له الصدقات، بل حتى الأضاحي في عيد الأضحى لا تفلت منه، حيث استكثرها على الناس من كثر ما في قلبه من حقد أعمى، فقد امتدَّ إليها أيضاً ليطلب من الناس من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي بأن يعطوه أثمان الأضاحي وهو سيقوم بشرائها وذبحها وتفريقها على الناس، أو يأتوا له بهذه الأضاحي وهو سيتولى ذبحها وتفريقها. وبذلك يكون قد سحب من فم الفقير لقمته سواء من الزكاة، أو الصدقات، أو الفطرات، أو من لحوم الأضاحي. وهكذا نرى غل هؤلاء لا يقف عند حدّ، فيسدّوا كل نفع يمكن أن يصيب الناس. فبعد محاولات كاروان لأعمالٍ متعدّدة وفشله فيها، وفشله في الدراسة، ثم ذهابه إلى إحدى الدول الأجنبية، وكذلك فشله، عاد يائساً، وهذه المرة خطرت له أن يدخل مجال الدعوة، بعد أن رأى الكثيرين يمتهنون هذه المهنة وينجحون في المكر على الناس، ويصبح لهم شأن في المجتمع. فتسلَّل من كركوك إلى أربيل، لأن أهل كركوك يعرفوه جيداً كونها مدينته، ولا يستطيع الاحتيال على الأهالي. وفي أربيل اتَّخذ لنفسه لقباً دينياً وهو (حاجي) لينقلب فجأة من كاروانو المنبوذ في كركوك إلى (حاجي كاروان) في أربيل. فيظهر كالصعلوك وهو يتسوَّل على الناس، أو وهو يوزع عليهم القليل من أموال طائلة جناها من خلالهم. فهو من النوم على الحصائر بات يقعد على الأرائك، ومن بسكليت مهترئ، بات يملك أفخم سيارة، ومن بيت طيني، إلى قصر وكل ذلك من مستحقات الفقراء واليتامى.
ومع الوقت وسَّع من تجارته حيث فتح له فرعاً في السليمانية، وفرعاً في دهوك، وصار يستغل اسم الاتحاد الاسلامي الكردستاني حتى يعطيه الأعضاء الأغنياء من الاتحاد زكواتهم وصدقاتهم. ويستغل هذا الفاسق كل مناسبة كي يزيد في أرصدته في الخارج، ويُزيد في شراء العقارات، ويزيد من استقطاب النساء إليه، ولم يسلم منه حتى المولد النبوي الشريف حيث يدَّعي بأن كل مَن يسمّي مولوده الجديد الذي يولد في يوم مولد النبوي الشريف باسم (محمد)، فإنه سيعطيه مبلغاً من المال، ويبدأ يجمع الأموال من الأغنياء تحتَ هذه الخديعة، ويعطي منها القليل للبعض وهو يقوم بالتصوير كي يوهم الأغنياء الذين أعطوه بأنه أوصل هذه الأموال.
و مع بداية فتح المدارس، يبدأ يتمسكن ويبكي في الحسابات التي اشتراها طالِباً من الأغنياء أن يعطوه حتى يشتري الحقائب والدفاتر للأطفال الفقراء واليتامى ويدَّعي بأنه لا ينام حزناً على الأطفال الفقراء، فتنهال عليه الأموال وهو يشتري بعض الحقائب ويتصوّر معها وكيف أنه يعطي بعض الحقائب للأطفال. وهنا مرة أخرى تكون فرصته ليتعرَّف على النساء، فكل همّه هو التعرف على النساء، وجمع الأموال.
فحذار ثم حذار ثم حذار من إرسال النساء إلى جمعيته وإلى الأغنياء الذين يعطوه فحذار ثم حذار ثم حذار من إعطائه هذا الزنديق الأموال لأنكم تكونون شركاء له في هذا الفساد، فهو قد خرَّب بيوت الكثير من العائلات بسبب علاقاته مع النساء، وهو يدَّعي بأنه يدعم النساء، ويوكل المحامين بالسر للنساء من أجل رفع الدعاوي القضائية على الأزواج حتى يحصل الطلاق ويتشرد الأطفال.
هذه آفات اجتماعية تنخر في المجتمع وتفتّته عن بعضه البعض، إن مثل هذا الشخص هو أكبر آفة بُلي بِها الناس، ويقف خلف هدم بيوت وتفتيت عائلات، وتشريد أطفال، لذلك ترى وجهه محتقناً بدون نور وقد انطفأ فيه نور الإنسان، فيتصنَّع بسمةً بليدة تُزيد وجهه المنطفئ احتقاناً. وهذا ينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ” (سورة البقرة، الآيتان 11 و12). نعم في الأزمات فإن مجتمعات العالم تتكاتف مع بعضها، ولكن نحن في الأزمات يظهر لنا من مجتمعاتنا مَن يحتكروا الأزمات ويعتاشوا من مآسي الناس. في الحربين العالميتَين تآزر الناس مع بعضهم، وفي هيروشيما تآزر الناس مع بعضهم، ولذلك تجاوزوا الأزمات الكبرى وأصبحوا من أكثر دول العالم تقدماً ورفاها.
وحاجي كاروان قاتله الله، مثالٌ بسيطٌ لكثير من الآفات الاجتماعية التي أفرزتها لنا هذه الأزمات التي نعيش الآن ذروة جحيمها ونكتوي بلهيب نارها، هو مثال المنافقين النفعيين الذين لا مهنة ولا إنتاج لديهم ويعيشوا متطفّلين على أقوات الناس، وهم يتخفّون بعباءة الدين. ومثل هؤلاء يقفون خلف ارتداد الكثيرين عن الدين، وكذلك خلف سحب مادة الديانة من بعض المناهج الدراسية في بعض الدول العربية والإسلامية. هذه ظواهر سلبية، بل آفات بشرية تفشَّت في مجتمعاتنا خاصةً في السنوات العشر الأخيرة، سنوات الأزمات المروعة، وهي لا تقل خطورةً عن الميلشيات التي تقاتل بالسلاح وتفخّخ المرافق الآهلة بالسكّان، لأنّها تحقّق ذات الهدف في نشر الفلتان الأمني وإلحاق أفدح الأضرار بالمجتمع. وبات من الضروري النظر إليها نظرات تحليلية ومعالجتها بقوة قبل أن تستفحل وتخرج عن السيطرة تماماً وتتحكَّم بزمام البلاد والعباد. ولذلك تراهم كلّما رأوا ناراً للفتنة نفخوا فيها، وسكبوا عليها النفط لتزداد لهيباً وهم يتفرَّجون على احتراق وويلات الناس ويروون بذلك غرائزهم العدوانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج