الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين في العالم القديم 3

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 9 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الدين في الصين والهند

هذا المبدأ الخاص بالنظام يشكل أهمية بالغة أيضاً لأقدم دين في العالم لا يزال يُمارس حتى اليوم: الهندوسية (المعروفة لأتباعها باسم ’ساناتان دهارما‘، أو ’النظام الأبدي‘، التي يعتقد أنها تأسست مبكراً بقدر 5500 قبل الميلاد لكن بالتأكيد بحلول حوالي 2300 قبل الميلاد). رغم اعتبارها غالباً كديانة تعديدية (تُؤمن بوجود آلهة متعددة)، تعتبر الهندوسية فعلياً ديانة تكبيرية (تُكبر إله واحد من بين آخرين دونه). فهناك إله واحد كبير في الهندوسية، براهما، وكل الأرباب الآخرين وجوهاً وانعكاسات له. ونظراً لاتساع مفهوم البراهما لدرجة أن العقل البشري لا يقدر على الإحاطة به، سنجده يقدم نفسه في العديد من النسخ المختلفة لنفسه والتي يعرفها الناس باسم الأرباب مثل فيشنو وشيفا والكثيرين غيرهما. جدير بالذكر أن نظام الاعتقاد الهندوسي يشمل 330 مليون إله وهؤلاء يتراوحون من أولئك المعترف بهم على المستوى الوطني (مثل كريشنا) إلى الأرباب المحلية الأقل شهرة.

تتمثل الرسالة الأساسية للهندوسية في وجود نظام للكون ولكل فرد مكانه المحدد داخل ذلك النظام. ويقع على كل شخص فوق الكوكب واجب (دهارما) هو وحده الذي يستطيع تأديته. فإذا أحسن المرء التصرف (كارما) في أداء الواجب، يُثاب بالاقتراب أكثر من الكائن الأعلى حتى يصبح واحداً مع الإله في النهاية؛ وإذا أساء التصرف، يُعاقب بإعادة تجسيده مرات عدة بقدر ما يلزم حتى يتعلم أخيراً كيف يعيش ويقترب أكثر إلى التوحد مع الروح الأعلى.

وقد شهد هذا المعتقد مزيداً من التحسين على يد سيدهارتا غوتاما حين أصبح البوذا وأسس الدين المعروف باسم البوذية. غير أنه في البوذية لا يسعى المرء إلى التوحد مع إله بل مع الطبيعة العليا للمرء حين يترك ورائه ضلالات العالم التي تولد المعاناة وتحجب العقل بغمام الخوف من الخسارة والموت. وقد حققت البوذية درجة من الشهرة والانتشار مكنتها من السفر من الهند حتى الصين حيث حظيت بنجاح مماثل.

يعتقد أن الدين قد تطور في الصين القديمة مبكراً بقدر حوالي 4500 قبل الميلاد كما يستدل من التصاميم على أواني السيراميك المكتشفة من موقع بقرية بانبو يعود إلى العصر الحجري الحديث. وربما قد تطور هذا البناء الاعتقادي المبكر من خليط من الأرواحية والأساطيرية حيث تتضمن تلك الصور حيوانات معروفة وتنانين الخنازير، أسلاف التنين الصيني الشهير.

ثم بحلول عصر أسرة شيا (2070-1600 قبل الميلاد)، أصبح هناك العديد من الآلهة المجسمة التي عُبدت بجانب إله رئيسي، شانجتي، الأكثر قوة من الجميع. واستمر هذا الاعتقاد، مع تعديلات، خلال فترة أسرة شانغ (1600-1046 قبل الميلاد) التي طورت ممارسة عبادة الأجداد.

اعتقد الناس أن شانجتي كان يضطلع بكم من المسؤوليات الكبرى لدرجة تشغله عن الاهتمام باحتياجاتهم. واعتُقد أن الشخص حين يموت يذهب للعيش مع الآلهة ويتحول إلى وسيط بين الناس وهؤلاء الآلهة. وقد تركت عبادة الأجداد بصمتها على نظامي الاعتقاد الصينيين العظيمين الكونفوشية والطاوية، وكليهما قاما على نفس مبادئ عبادة الأجداد الأساسية في ممارساتهما. وبمرور الزمن تم استبدال شانجتي بمفهوم تيان (الجنة)، فردوس حيث سيقيم الموتى للأبد في سلام.

حتى ينتقل المرء من حياته الدنيوية إلى الجنة، كان يتعين عليه العبور من جسر النسيان فوق هوة سحيقة، وبعد أن يلقي نظرة أخيرة على حياته الفائتة، يشرب من كأس يطهره من كل الذكريات. وفوق الجسر، إما أن يُحكم بجدارة المرء لدخول الجنة- ومن ثم يمر- أو عدم جدارته- ومن ثم يهوي من فوق الجسر إلى الهاوية ليبتلعه الجحيم. هناك نسخ أخرى من نفس هذا السيناريو تدعي أن الروح تتجسد مجدداً بعد الشرب من الكأس. لكن في كلا الحالتين كان ينتظر من الأحياء ألا يغفلوا عن تذكر موتاهم الذين قد عبروا فوق الجسر إلى الجانب الآخر وأن يحيوا ذكراهم.

الدين في أمريكا الوسطى

شكلت ذكرى الموتى والدور الذي لا يزالون يؤدونه في حيوات ذويهم الأحياء مكوناً مهماً في جميع الأديان القديمة ومن ضمنها منظومة المايا الاعتقادية. كانت الآلهة منغمسة في كل جانب من جوانب حياة المايا. وكما هو الحال مع ثقافات أخرى، كان هناك العديد من الآلهة المختلفة (أكثر من 250)، كل واحد منهم له منطقة نفوذ تخصه، لينظموا أحوال الطقس والحصاد، ويقرروا رفيق المرء، ويشرفوا على كل ميلاد، ويحضروا عند وفاة المرء.

كانت الحياة الآخرة المايانية مشابهة لنظيرتها العراقية القديمة في كونها مكان مظلم وموحش، لكن المايا تخيلوا حتى مصيراً أكثر سوءاً حيث يعيش المرء باستمرار تحت تهديد الاعتداء أو التضليل من قبل أرباب شيطانية تسكن العالم السفلي (المعروف باسم اكسيبالبا أو مينتال). وقد بلغ الخوف من الرحلة عبر اكسيبالبا حداً من القوة الثقافية الناجعة جعل من المايا الثقافة القديمة الوحيدة المعروف عنها تقديسها لإلهة الانتحار (إكستاب) لاعتقادهم في أن المنتحرين يجتازون اكسيبالبا ويذهبون مباشرة إلى الفردوس (كما هو الحال مع النساء اللاتي يمتن أثناء الوضع والرجال الذين يقتلون في المعركة). وقد آمن المايا بالطبيعة الدوَّارة للحياة، أن كل الأشياء التي تموت في الظاهر تتحول ببساطة إلى حياة أخرى، وأن حياة الإنسان مجرد وجه آخر للنمط المتكرر والمألوف حولهم في الطبيعة. لقد رأوا في الموت مجرد امتداد طبيعي للحياة وتخوفوا من الإمكانية غير الطبيعية ذاتها أن تعود أرواح الموتى لتطارد الأحياء.

كان ممكناً للشخص أن يعلق بالحياة لأي عدد من الأسباب (أهمها مراسم الدفن غير الصحيحة)، ولذلك أقيمت الاحتفالات لإحياء ذكرى الموتى وتكريم أرواحهم. هذا الاعتقاد كان شائعاً لدى ثقافات أمريكا الوسطى بخلاف المايانية مثل الازتيك وتاراسكان، وبمرور الزمن تطور إلى العطلة المعروفة اليوم باسم ’عيد الموتى‘ (الديا دو لوس مورتوس)، الذي يحتفل فيه الناس بحيوات ذويهم الذين قضوا ويتذكرون أسمائهم.

لم يقتصر الأمر على تكريم الأشخاص الذين قضوا وتخليد ذكراهم، بل شمل كذلك إلهاً بالغ الأهمية يشير إليه الباحثون باسم آه مون أو إله الذرة، وهو شخصية إلهية تموت وتبعث من جديد في صورة هون هوناهبو الذي قتلته شياطين اكسيبالبا وأعاده ابناه، البطلان التوأم، إلى الحياة ويخرج من العالم السفلي على هيئة الذرة. ويعتبر إله الذرة ’المقشر‘ أو إله الذرة ’المورق‘ من الصور الشائعة في فن الأيقونات المايانية، حيث يرسم عادة في صورة الشباب الدائم والوسامة الأبدية برأس ممدودة مثل كوز الذرة وشعر طويل ومتطاير مثل شعر الذرة. وقد أولاه المايا قدراً من الأهمية لدرجة أن الأمهات كن يربطن رؤوس أبنائهن الصغار من أجل تسطيح الجبهة وإطالة رؤوسهم لكي يشبهونه.

لقد بقي إله الذرة معبوداً مهماً للمايا حتى بعدما طغى عليه أعظم إله وأكثرهم شعبية جوكوماتز (المعروف أيضاً باسم كوكولكان وكيتزالكواتل) الذي لا يزال هرمه الكبير في تشيتشن إيتزا مقصد زيارة ملايين الأشخاص كل سنة حتى يومنا هذا. فأثناء الاعتدالين التوأمين من كل عام، تلقي الشمس بظلها على درجات الهيكل الهرمي فيما يشبه ثعبان عظيم ينسل من أعلى لأسفل؛ ويعتقد أنه كوكولكان الكبير عائداً من السموات إلى الأرض ليعمها ببركاته. وحتى يومنا هذا يحتشد الناس في تشيتشن إيتزا لمشاهدة هذا الحدث عند الاعتدالين ويتذكرون الماضي ويتمنون من أجل المستقبل.

،،، يتبع،،،،،،،،
______________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://member.worldhistory.org/trans/ar/1-131/edit/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات