الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوانين هرمس السبعة

ثائر أبوصالح

2022 / 9 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هرمس الهرامسة، مثلث العظمة، شخصية غامضة أُختلف على هويته ومكان نشأته، ويعتقد أنه النبي أدريس الذي ذكر في القرآن، وعرف أيضاً باسم اخنوخ وهو أول نبي بعد آدم, وينسب اليه كتاب "متون هرمس" وهو أول من علّم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدنا في أرضها وأُنشئت في زمانه 188 مدينة . ويعتقد بأنه أول من خط بالقلم ودوّن الصحف التي أنزلت عليه من الله، وأنه أول من خاط الثياب ولبسها وكان قبلها يلبسون الجلد.
إن عظمة هرمس تكمن بالإرث العظيم الذي ينسب اليه وخصوصاً القوانين الكونية السبعة، وتزداد أهمية هذه القوانين في ظل اكتشافات الفيزياء الحديثة، خصوصاً الفيزياء الكمية التي تقترب كثيراً من مضمون هذه القوانين، في حين لم يكن هنالك علم وابحاث وحواسيب ومختبرات ومجسات فكان العلم الهاماً لمن يستحقه.
لقد ذكر هرمس أن هناك سبعة قوانين تحكم هذا الكون:
1- العقلانية: نعلم علم اليقين أن أي شجرة وارفة الظلال ممتدة الأغصان كانت بالأصل بذرة، وداخل هذه البذرة كانت تكمن كل المعلومات المطلوبة لنشأتها، فعندما زرعت البذرة بالتربة المناسبة انفلقت قشرتها وانطلقت بالنمو والتطور حتى أصبحت شجرة. ونحن البشر نُخلق من بويضة أنثى ملقحة بنطفة ذكر ويبدأ الجنين يتكون وفقاً للمعلومات الكامنة في البويضة الملقحة لنتحول مع الزمن الى الإنسان الذي نعرفه. وكلنا يعلم أن مليارات الخلايا التي تعمل في جسمنا على اختلاف وظائفها تعود الى DNA واحد. كذلك ولادة الحيوانات على اختلاف اشكالها وانواعها.
ان هذا الكون الفسيح ولد بنفس الطريقة. فكل هذا الوجود كان كامناً في نقطة نور مكثفة كما كانت الشجرة في بذرة والإنسان في بويضة. فهذا الكون الفسيح تكون من نقطة نور تكمن فيها كل المعلومات التي شكلت هذا الكون الفسيح، وهذه النقطة تسمى عقلاً، فأصبح هذا الوجود مربوطاً بعقل واحد، بمثابة روح الكون، فعقلت فيه كل المخلوقات من جماد ونبات وحيوان وانسان. فهو كرقم واحد يدخل في كل الأرقام التي تليه، ولا يوجد لهذه الأرقام وجود بدونه. فهذا الكون الفسيح وفقاً لهرمس ما هو الاعقل عقلت بداخله كل الموجودات.
العلم الحديث يتكلم عن الكون من خلال نظرية الانفجار الكبير (The big bang)، الذي بدأ من نقطة متناهية في الصغر، وبدأ يتسارع في الاتساع منذ 13.8 مليار سنة حيث تشكلت ذرة الهيدروجين ثم الهيليوم ثم الليثيوم بتسلسل عددي، وتسلسلت التكوينات الى أن وصلنا الى هذا الكون الفسيح، الذي أثبت العلم أنه مازال يتمدد وبتسارع عبر الزمكان، العلم استطاع أن يصل الى دقة متناهية في حساب بداية الانفجار، ولكنه يجهل حتى اليوم أسبابه، وهل هو من فعل فاعل كما يقول الذين يؤمنون بوجود خالقٍ أبدع هذا الكون من خلال وجوده وعلمه وارادته، أو أن هذا الوجود كان محض صدفة. هذه النقطة المتناهية في الصغر التي انطلق منها الانفجار العظيم يسميها هرمس عقلاً، حيث تكمن في نقطة النور هذه كل المعلومات المطلوبة لتكوين وإدارة هذا الكون أي أنها DNA هذا التكوين.
يقول هرمس " الله يصنع الأبدية، والأبدية تصنع العالم، والعالم يصنع الزمن، والزمن يصنع المصير. فجوهر الأبدية هو الهوية، وجوهر العالم هو النظام، وجوهر الزمن هو التغيير، وجوهر المصير هو الحياة والموت." نستنج أن هرمس لم يتكلم فقط عن الشكل التسلسلي للخلق وانما عن ماهيات هذا التسلسل لينتقل بنا من عالم الأبدية الى عالم المتناقضات والتغيير، عالم الحياة والموت.
ويعرف هرمس هذا العقل ويقول " العقل، وهو بحق ألطف الموجودات وأشرفها وأعلاها منزلة، وأنه المرِّتب تحت الأفق الأعلى الأزلي تبارك وتعالى والآخذ عنه (أي عن الله) بغير وسيط، والمفيد لجميع ما تحته (أي ما تحت العقل بالمنزلة وما تلاه بالتكوين) الشرف والكنوز والحياة، وأنه الترجمان الأعظم والحاجب الأقرب. (لإرادة الله)"

2- التطابق: كل شيء في الأعلى له شبيه بالأسفل، هنالك تطابق بين ما يحدث بالطبقات العليا للخلق وبين الطبقات السفلى، فتتشبه الموجودات الأدنى المادية بالموجودات الأعلى العقلانية الروحية، فالشجرة التي جاءت من بذرة تشبهت في الكون الذي وجد من نقطة نور. فالجواهر العليا العقلية لها ممثولات مادية المتمثلة بعناصر الخلق الخمسة: التراب والماء والهواء والنار والأثير، والقوانين الناظمة للمستوى الروحي لها ممثولها في المستوى المادي، فعندما تفاعلت الجواهر العليا اقتدت بها ممثولاتها المادية وانتجت الكون المادي، وكذلك ما ينطبق على أصغر شيء ينطبق على أكبر شيء، فالقوانين الناظمة على مستوى الذرة هي نفس القوانين الناظمة على مستوى الكواكب والمجرات. هذا المضمون قريب جداً مما طرحه افلاطون لاحقاً في نظرية المثل، ويعتقد أفلاطون ان العالم الذي نلمسه، ونختبره من خلال الحواس هو عالم غير حقيقي، بل هو عالم مشابه أو مستنسخ من العالم الحقيقي بصورة غير كاملة.
لقد أثبت العلم أن هناك أربع قوى ناظمة لهذا الكون، وهي تعمل على كل مكونات هذا الوجود من أصغر ذرة الى أكبر مجرة وهي: قوة الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية، القوة النووية الكبرى والقوة النووية الصغرى. وقد كان حلم اينشتاين أن يربط بين هذه القوى بمعادلة رياضية واحدة، ولكنه توفي قبل أن يتحقق حلمه، وحتى الأن لم يتمكن العلم من ذلك، ويبدو أن هناك حديث بين الفيزيائيين على وجود قوة خامسة لم تكتشف بعد.

3- قانون الاهتزاز أو التذبذب: لا يوجد شيء ثابت في هذا الكون، كل شيء يهتز ويتحرك، ودرجة الاهتزاز متفاوتة وفقاً للنوع، فكلما هبطنا في مستويات التكوين كل ما قل الاهتزاز وكلما ارتفعنا كلما ازداد الاهتزاز، فقمة الحركة هي السكون. فمثلاً عندما تدور المروحة بسرعة كبيرة فإننا نراها ساكنة ودائماً هناك نقطة في المركز ثابتة.
يقول عالم الفيزياء المشهور نيكولا تسلا: "إذا اردت معرفة اسرار الكون ففكر بلغة التردد والاهتزازات" وبكلمات أخرى لغة الطاقة والأمواج. فعلى سبيل المثال فإن ادمغتنا تطلق امواجاً مختلفة وفقاً للوظيفة التي تقوم بها، وقد اكتشف العلم أن هناك خمسة أمواج يطلقها الدماغ يمكن قياسها عن طريق فحص يعرف باسم (EEG) تبدأ بموجة دلتا ثم ثيتا ثم الفا ثم بيتا ثم غاما. فعندما يكون الدماغ في قمة نشاطه يطلق موجات غاما، وعندما نكون في نوم عميق يطلق الدماغ أمواج ثيتا.
كل مكون من مكونات هذا الكون يطلق أمواجاً، ونحن بني البشر إذا أردنا أن نتناغم مع مكون ما، علينا الارتقاء الى موجته لنستطيع التناغم معه، فكل ما هو دوننا يقع تحت سيطرتنا وكل ما هو أعلى منا بذبذبته علينا رفع موجتنا كي نتناغم معه. العقل الكلي له موجة تسمى الموجة الأحدية، فمن أراد أن يتناغم مع الإله عليه أن يرتقي الى موجة العقل الكلي والذي من خلاله فقط يمكن التناغم مع الموجة الإلهية، فكما أننا لا يمكن أن نسمع المحطة الإذاعية الا إذا ضبطنا الجهاز على موجة البث، كذلك فهم الموجودات يتعلق بقدرتنا على ضبط موجتنا على التردد الصحيح. ان رفع التردد يتطلب انضباطاً مسلكياً وطريقاً روحياً عرفانياً لا يتأتى الا للراسخين في العلم.
لقد طرح بعض علماء الفيزياء الكمية نظرية جديدة لم تثبت علمياً حتى الأن، وتسمى "نظرية الأوتار الفائقة" وتدّعي هذه النظرية أن أصل كل المكونات أوتاراً مهتزة (Strings) بشكل دائري مغلق أو مفتوح، وهذه الأوتار توّلد من خلال اهتزازها أمواجاً تتفاعل مع بعضها لتنتج العناصر الأولية لهذا الوجود مثل الكويركات التي تكون البروتونات. وتكلمت هذه النظرية عن إمكانية وجود أحد عشر بعداً وليس أربعة كما قال اينشتاين وأن هنالك اكوان متوازية بأبعاد لا نستطيع رؤيتها.

4- قانون القطبية أو الازدواجية: كل شيء في هذا الكون الفسيح له ضد حتى العقل الكلي، فقط الخالق جلا وعلا بدون ضد، فهو خالق الأضداد مثل: الخير والشر، الليل والنهار، الطويل والقصير، اللذة والألم... ولكن هذه المتناقضات متطابقة بطبيعتها مختلفة بدرجتها، لا يمكن أن يقوم أحدها الا بوجود الطرف الأخر، فلا يمكن فهم اللذة إذا لم نختبر الألم، ولا يمكن فهم الليل إذا لم نختبر النهار، وهكذا.. اضافة لذلك فإن العنصرين المتناقضين دائماً من نفس النوع، فمثلاً الليل والنهار، فالنهار نوراً ساطعاً والليل نوراً معدوماً، فهما من نفس النوع يتغيران بحال انتقلا وتحركا على مقياس النور من مكان الى اخر. كذلك الخير والشر فعندما ينعدم الخير نسميه شراً، ولكن هو بالحقيقة غير موجود الا بانعدام الخير، فلا يمكن وجود طرف دون وجود الطرف الأخر، فهما من نفس النوع ومتكاملان، وعلى هذه المتضادات يقوم هذا الكون، حتى الإلكترون السالب، اكتشف الفيزيائيون حديثاً أن له ضد يسمى بوزترون وهو الكترون بشحنة موجبة.

5- قانون التناغم: كل شيء يتأرجح كالبندول من أقصى اليمين الى أقصى اليسار بشكل متكافئ، كل كائن له مد ثم جزر، كل شيء يرتفع ثم يسقط، الحياة هي تدفق مستمر للداخل والخارج. لكل شيء يوجد دورة حياة يصل بها الى الذروة ثم ينحدر الى الحضيض وهكذا بحركة بندولية. الإنسان يولد يكبر يصل الى الذروة ثم يموت، الحضارات تتطور وتتقدم وتسيطر ثم تنهار وتضمحل. حياتنا تتأرجح بين السالب والموجب، النجاح والفشل، الصعود والهبوط، فقط في نقطة الوسط تجتمع المتناقضات في مكان واحد وهي النقطة التي يمكن للإنسان الصعود عبرها في السلم العرفاني من خلال الاعتدال في المسلك والابتعاد عن التطرف بأي اتجاه كان. على الإنسان أن يتناغم مع حركة الطبيعة ويستغل قوانينها ليعلو في المرتبة وفي المقابل عليه الابتعاد عن معاندة قوانين الطبيعة لأنها في المحصلة ستصرعه.

6- السبب والنتيجة: لا يوجد صدفة، نسمي الحدث الذي لا نفهم سببه صدفة. لكل فعل ردة فعل، كما قال نيوتن في قوانينه كل شيء ثابت ما لم تؤثر عليه أي قوة، ولكل فعل ردة فعل مساوية له بالقوة ومعاكسة له بالاتجاه.
عندما نقوم بأي فعل فإننا نطلق موجة فيلتقطها الذكاء الكوني الذي يرد علينا بموجة مماثلة، فمن يطلق موجة خير وعطاء تعود عليه عاجلاً أو أجلاً وفق قدر دقيق بالخير، ومن يطلق موجة شريرة حتماً ستعود عليه عاجلاً أم أجلاً بالسوء، وفق مبدأ انما اعمالكم ترد اليكم وكما تقول الآية الكريمة فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ ٧ وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ ، وعند الهنود يسمون هذا المبدأ بالكارما.
لذلك ووفقاً لهذا المبدأ نحن من نصنع مصائرنا بأيدينا من خلال افكارنا والأمواج التي نطلقها هذه الأفكار، فيتم الرد علينا، فيتحدد مسارنا في هذه الحياة. لذلك من أراد تغيير حياته عليه تغيير أفكاره فتتغير الأمواج التي يطلقها، فيتم الرد عليها وفق مضمونها الجديد، فتبدأ حياتنا بالتغير سواءً باتجاه الأفضل أو باتجاه الأسوأ وذلك وفقاً لخياراتنا.

7- قانون الجنس أو النوع: وهو قانون عام لا ينطبق فقط على وجود انثى وذكر من كل نوع ليتم التكاثر واستمرار الحياة انما يتعداه لمفهوم أشمل يتعاطى مع كل الأشياء المكلمة لبعضها البعض، يوجد تنوع في كل شيء، كل شيء له أصول مذكرة ومؤنثة، يظهر النوع على كل المستويات، فمثلاً الدماغ مقسوم الى قسمين الأيمن يعتبر ذكري والأيسر انثوي، فالجانب الأيمن مسؤول عن الإبداع والخلق والتأمل أي عن العالم الداخلي للإنسان الذي هو ايضاً يعتبر ذكري، بينما العالم الخارجي والذي يدار من الشق الأيسر الذي يطبق الأفكار التي ينتجها الشق الأيمن على أرض الواقع في العالم الخارجي للدماغ يعتبر انثوي. على الشخص أن يوازن بين شقي الدماغ ويوازن بين العالم الخارجي والداخلي لكي يستطيع أن يرتقي.
لا يوجد ذكورة صافية ولا أنوثة صافية ففي الذكورة يوجد أنوثة وفي الأنوثة يوجد ذكورة، فقط عند التوازن والتناغم بين الذكورة والأنوثة على كافة المستويات يمكن أن يصبح هناك انسجام بين الإنسان وقوانين الطبيعة. فالعقل بمثابة الذكر والنفس بمثابة الأنثى الأول مفيد والثاني مستفيد، الشمس بمثابة الذكر والقمر بمثابة الأنثى الأول مفيد والثاني مستفيد فالشمس تنير القمر. أي أن قانون الجنس يتطرق لكل المكونات الخلقية المادية والعقلية والروحية التي يمكن أن تتكامل أو تتفاعل مع بعضها البعض لتنتج خلقاً جديداً.

ان من يفهم قوانين هرمس ويطبقها يعيش منسجماً مع هذا الكون، ومن يعاند ويخالف هذه القوانين من المحتمل أن يعاني طوال حياته دون أن يعرف السبب. فهناك قوانين يمكن استغلالها لتحسين أوضاعنا مثل قانون التناغم وقانون السبب والنتيجة. فعندما نفهم قانون التناغم نستطيع أن نستغل الحركة البندولية للأحداث لنحسن من وضعنا فمثلاً أن نستثمر أموالنا في فترة ازدهار يختلف جذرياً عن استثمار أموالنا في فترة انحسار وتراجع اقتصادي. عندما نقتنع أن لكل حدث علة عندها نستطيع أن نتحكم بالأحداث، من خلال فهم الأسباب، فمن يركز على التفكير الإيجابي بعيداً عن الكراهية والحسد ترتد عليه موجة مماثلة تحسن من حياته، أما صاحب التفكير السلبي فأنه سيعاني بسبب أفكاره عاجلاً أم أجلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة