الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الرؤية المشتركة

خوشناف حمو

2006 / 9 / 29
القضية الكردية


تحت عنوان رؤية مشتركة للحل الديمقراطي للقضية الكردية في سورية، صدرت عن التكتلين الكرديين الرئيسيين( الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا، والتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا)، ورقة مختصرة، تعبر عن وجهة نظر مشتركة لمصدريها، حاولا فيها، طرح تصوريهما المشترك ، لحل هذه القضية الشائكة، على مستوى الوطن والمنطقة برمتها، ولما لهذه الرؤية من أهمية ، فإننا نرى ، أنه من المفيد أن نورد بشأنها بعض الملاحظات.
تقدم الرؤية لنفسها على الشكل التالي:
" من منطلق المسؤولية الوطنية، وضرورة وحدة الموقف الكردي، لما له من أهمية خاصة، للانتقال إلى وحدة الموقف الوطني من أجل التغيير الديمقراطي الملح في البلاد.........لذلك كان طرح رؤية مشتركة لحل القضية الكردية في سوريا ضرورة وطنية بقدر ما هي ضرورة قومية كردية ، ....وعلى هذا الأساس تم الاتفاق على إبراز أهم الجوانب التي تحقق التوافق الكردي السياسي والثقافي والاجتماعي ".
نستشف دونما عناء، أن الرؤية ، على ما هي عليه ، من اقتضاب واختصار مستغرب ، تدعي لنفسها فضاء رحبا وفسيحا ، من المهام والأعباء ، التي يخشى أن مصدريها أنفسهم ، ليسوا على وعي كامل بمدى اتساعها، وضخامة تبعاتها، إلا إذا ، أراد أصحابها أن يضيفوا إلى إصداراتهم السابقة بيانا إعلاميا ، لا يتعدى عن كونه، بيان حسن نوايا، أو هو في أحسن الأحوال ، انعكاس لحالة من الانسجام ، سائدة حاليا بين الطرفين ، وعبرت عن نفسها بجملة من التطلعات ، التي صيغت على عجل ، بما لا يتجاوز صفحة ونصف الصفحة من قياس الـA4 .
إن تحقيق التوافق الكردي ، السياسي والثقافي والاجتماعي، هو في الواقع ، بمثابة الفعل الجوهري ، فيما يتعلق ، ببناء المرجعية الكردية ، هذه المرجعية ، التي لا يمكن مجرد التفكير، في وضع تصور جلي ، لحل القضية الكردية في سوريا دون توفرها، فهذه المرجعية بالذات ، هي الشرط اللازم والضروري ، لوضع تصور واضح ، عما يجول في ضمير الشعب الكردي في سوريا ، فيما يتعلق بحاضره ومستقبله ، إن التوافق المنشود ، لا يمكن تحقيقه ، عبر إعلان مقتضب، وإن كان الإفصاح عن الرغبة في تحقيقه لا يفسد للود قضية.
أقول إن هذا التوافق ، يتطلب عملا حثيثا ودءوبا ، في مجالات عديدة ، لعل أهمها ، المساهمة الفعالة والصادقة ، في إعادة التأهيل السياسي للمجتمع الكردي الميأس عمدا ، خلال المرحلة السابقة، وإتاحة الفرصة ، أمام الفعاليات الاجتماعية ، والكوادر الأكاديمية الكردية ، المغيبة عن الساحة ، للقيام بدورها المنوط بها ، بما لا يتعارض ولا يتجاوز ولا يتجاهل الحركة الكردية ، أو ينوب عنها.
نعود إلى الرؤية، التي تفصح أولا بالطريقة التقليدية الاعتيادية للبيان السياسي، عن المهام التي سيتصدى لها موقعوها والوضع الذي يطمحون للوصول إليه، ولعل أجلّ وأكثر المهام شيوعا ، فكرة "التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي يستند إلى الشعب بقواه المؤمنة بالتغيير" ومن ثم تورد بكثافة ، المزيد من المهام، من قبيل :
"...إقامة دولة القانون المبنية على المؤسسات ...ضمان فصل السلطات الثلاث ... إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية.....وإطلاق الحريات العامة" .
إن شكل الرؤية المغرق في الاقتضاب الاختزال، يوحي بأنها صيغت على عجل دونما تمحيص أو دراسة كافيين، والحال فإن المشكلة تكمن حينها ، في ضخامة الحجر الذي رفعته الرؤية فوق رأسها، دون أن يترافق ذلك ، باستعداد عملي ملموس على الأرض ، قادر على تحمل عبء ما قد ينتج عن هكذا رؤيا متفائلة، وإذا كانت الغاية ، من تكثيف الأفكار، وطرحها على هذا الشكل المكثف ، هي تجاوز عامل الوقت والتقاط طرف المبادرة ، بغية فرض الطرف الكردي ، ضمن المعادلة الوطنية كرقم ذو طابع خاص( في غياب البرنامج الوطني الكردي المطلوب بإلحاح )، وإذا لم يكن الشكل عاكسا حقيقيا للفكرة التي استنتجناها، يتسلل الشك حينها، إلى المضمون ذاته، وفي ذلك إشكالية أكثر خطورة وبعدا، فثمة تناسب منطقي بين الوعاء والمحتوى ،وحين يختل هذا التوازن، ويعجز أحدهما عن التناسب مع الأخر، يعكس الأمر إشكالية في التوافق، تخفي وراءها في معظم الأحوال خللا في البناء العقلي المنطقي لفكرة يزمع تأصيلها .
ليس من الخطأ، أن يكون للحركة الكردية أجندتها الخاصة ،فيما يتعلق بمستقبل الوطن السوري، بل إن توفر رؤية ذاتية متكاملة للساحة الوطنية يعتبر أمرا ملحا وضروريا، يمهد لها الدخول الواعي إلى الوطن، عبر بوابة الشراكة الحقيقية غير المنقوصة والمساواة الكاملة الصريحة غير المواربة.إلا أن هذه الأجندة ، يجب أن تكون نتاجا لاسشفاف وسبر حقيقي، لوجدان وضمير الشرائح الأكثر تقدما في المجتمع الكردي السوري.
فلا يخفى على كل متابع للشأن الوطني السوري ، عمق الهوة بين الدور الذي ترتئيه الفصائل الكردية العاملة ضمن صفوف المعارضة ( وأصحاب الرؤية على رأسها) لنفسها،والتصورات المحافظة لحلفائها، التي لا تبتعد مسافات واضحة عن تصورات السلطة في هذا الشأن.
فمن المعروف أن حل مسائل القوميات في البلدان متعددة القوميات ، يتسم بطابع بالغ التعقيد ، وهي وإن توفرت الرغبة في حلها، في بلد ما ، لا يمكن أن تتم من خلال تحقيق جملة من المطالب .
والمسألة معقدة من الناحية الحقوقية أيضا، كما هي معقدة من الناحية السياسية .
فما يمكن أن تعتبره القومية الثانية ( من حيث التعداد ) مطلبا عادلا وحقا مشروعا لها ، تعتبره القومية الأولى انتقاصا من سيادتها وسلطتها،ونيلا من مصالحها العليا، والأمثلة على ذلك كثيرة ، فالمسألة إذا، تتجاوز الطابع المطلبي من حيث المبدأ ، والمبدأ الذي يمكن أن نبدأ منه كلانا ، (القومية الأولى والقومية الثانية ) هو الذي سيقرر ، كيف ستكون ملامح اللوحة الوطنية المتعددة القوميات .
أضف إلى أن الدور المذكور، لا يمكن الجزم ، في أن الشعب الكردي في سوريا يحدده لنفسه بشكل يتطابق مع الصيغة التي تتصوره الحركة الكردية ذاتها، والفضاء الذي يرتئيه، ليس بإمكان الحركة السياسية الكردية أن تدعي قدرتها على الأمر والنهي فيه ،فثمة حاجة ملحة لسبر محايد لغور أوسع فئات الجماهير الكردية في سوريا واستمزاج آرائها، التي قد لا تتطابق وجهات نظرها في كثير من المناحي مع ما تذهب إليه الحركة السياسية في أطروحاتها، وليس هذا غمزا من قناة هذه الحركة، وإنما إشارة لا بد منها، للتراكمات الناتجة عن فترات طويلة ، من القطيعة النسبية ، بين الحركة السياسية ، وباقي فئات المجتمع الكردي السوري، إن العجالة التي طرحت بها الرؤية ، لا تقلل من قيمتها ، كوثيقة بالغة الضرورة، إلا أن هذه العجالة ، لم تستطع أن تجنبها ، الوقوع في فخ الارتجال، والاستدعاء العفوي لمهام كبرى ، يستدعي التصدي لها ، مزيدا من التحضير والعمل المجدي.
وتنتقل الرؤية لطرح ، تصورها في ما يخص الجانب الكردي ، وترتب أفكارها ضمن ثلاثة بنود ، أولها تورده تحت عنوان (في مجال الإجراءات الاستثنائية ) ، وتتضمن المطالبة بـ( إلغاء السياسة الشوفينية وسياسة التعريب والقوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية.....وإعادة الجنسية للمجردين منها وفتح باب التسجيل للمكتومين ......وإعادة الأسماء الكردية إلى القرى والمناطق والمحال التجارية ...).
وتحت بند ( ثانيا ) تورد الورقة جملة مهمة من المطالب المتعلقة بالشأن الثقافي والاجتماعي والتربوي :
( تأسيس هيئات خاصة بالشأن الثقافي والتربوي والتعليمي الكردي في الوزارات المعنية...السماح بإصدار صحف ومجلات باللغة الكردية...السماح بتأسيس جمعيات وأندية ثقافية وفرق فنية وفولكلورية...إجازة البث الإذاعي والتلفزيوني باللغة الكردية.....تدريس اللغة الكردية في المدارس والجامعات...الترخيص بافتتاح مدارس خاصة للكرد...فتح باب العمل والتوظيف أمام الكرد ...إجراء بحث اجتماعي دقيق في محافظة الحسكة وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين...).
وفي المجال السياسي، تحت بند (ثالثا) ، تطالب الورقة بـ(الإقرار الدستوري بالوجود القومي الكردي كثاني قومية في البلاد وتأمين ما يترتب على ذلك....وإشراك الكرد في المؤسسات الدستورية المركزية....إعادة النظر في التقسيمات الإدارية في المناطق الكردية.......إحداث وزارة خاصة تهتم بشؤون القوميات والأقليات القومية).
من الواضح أن الرؤية ، قد أحاطت بقدر كبير من تطلعات الشعب الكردي ، وهي في هذا لم تجانب الواقع أو تتجاوزه ، ربما لأن معظم هذه التطلعات ذات صبغة سياسية، وعلى صلة مباشرة بالوضع السياسي العام الذي طالما عاصره مصدرو الرؤية أنفسهم وخبروه ، طيلة ما يقرب النصف قرن من الزمن .
لكن الرؤية تتخذ ، في هذا الجانب ( على الرغم من غناها وصدقها) طابعا مطلبيا بحتا، ولم يخف ذلك العمومية التي اتسمت بها بعض الفقرات .
إن المسألة تتجاوز موضوعة ، جملة المشاريع العنصرية والإجحاف والضيم الذي لحق بالشعب الكردي طيلة عقود طويلة ( رغم عظم المعاناة التي نتجت عن ذلك) إلى ما هو أبعد من ذلك ، بما لا يقاس ، تتجاوزه ، إلى ماهية العقل العربي، وطريقة تعامله مع الحقائق الطبيعية البسيطة ، وقدرته على قبول "الآخر" الند والشريك المكافئ ، لقد انطلق هذا العقل ، طيلة العقود الفائتة، من فكرة أنانية استعلائية تبيح لنفسها ، ما تحرمه على غيرها ، على الرغم من إصرارها على ادعاء العكس .
إن الورقة الكردية حين تتناول التفاصيل الدقيقة الملموسة بالتحديد والوصف ، تبذل جهدا جديرا بالتقدير، ولكنها تبدو وهي تكتسي ثوبها البراكتيكي الجديد ، بعيدة عن نبض الشارع الكردي الذي يتطلع إلى وثيقة مبادئ ، بالغة الوضوح والشفافية ، وخالية من أي لبس ، تتصدر كل الأوراق المطلبية الفرعية وتنأى عن اللبس والتأويل.
إن الرؤية التي بين أيدينا ، هي في الواقع إنجاز حقيقي ، بالنسبة للحركة السياسية الكردية ، ويمكن لها أن تكون ، بداية صحيحة ،على طريق صياغة برنامج سياسي وطني كردي عصري شامل ، يستوعب التنوع والاختلاف بين فصائل الحركة الكردية،على أساس المصلحة العليا المشتركة، ولكنها لن تتعدى عن كونها في أحسن الأحوال برنامجا للحركة السياسية الكردية بالذات ، وعليه فلا يبدو من حقها ، طرح حلول إستراتيجية تتعلق بمستقبل الشعب الكردي في سوريا ، دون الرجوع ، إلى الشعب ذاته، لآن الحركة السياسية جزء من الشعب ( وهي الجزء الطليعي الأكثر حيوية ونشاطا ) ولكنها ليست الشعب ذاته، والحال فهي ليس بإمكانها أن تلجأ بالوكالة عنه ، إلى استصدار وثائق مصيرية أحيانا ، إلا بناء على تفويض صريح من الشعب ذاته، من خلال المؤسسات التي تمثله، وحيث أن الشعب الكردي في سوريا ، يفتقر إلى مؤسسات تمثيلية ، تنوب عن الجموع ، في الاقتراع على المسائل المصيرية التي تخصه ، فإنه من الصعب ، معرفة إلى أي مدى ، تتطابق تطلعات الشعب الكردي، مع وجهات نظر حركته السياسية.
وإنني ، لأتجرأ على القول، بأن الالتفاف الذي تبديه الجماهير الكردية، حول هذه الحركة ، لا يعبر في الواقع ،عن الرضا عن أداء هذه الحركة ، بقدر ما يعبر عن مقولة " هذا أحسن الموجود".
وعليه ، وإذا كانت الرؤية تدعو إلى بناء دولة المؤسسات ، فالحري بها والحال، أن تسارع هي نفسها للمساهمة ، في تأطير الجماهير الكردية النشطة، ضمن مؤسسات ( حقيقية)، تمهد السبيل ، لوضع يتيح سبر غور هذه الجماهير، وبالتالي تحقيق عملية استشفاف فعلية لمزاجها وتوجهاتها.
وأخيرا فإن إصدار هذه الرؤية يعبر في الواقع عن توجه سليم وجدي لقيادة الحركة في كلا التكتلين ( الجبهة الديمقراطية الكردية والتحالف الديمقراطي الكردي ) ، مما يشتدعي للحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا




.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال