الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض علم الآلهة بالأشياء لدى الغزالي

هيبت بافي حلبجة

2022 / 9 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعدما إنتقدناه في مفهوم السببية ، وفي مفهوم العقل ، ودحضنا حججه في حدوث العالم ، نود أن ننتقده في أشياء أخرى وفي موضوع علم الآلهة بالأشياء .
المقدمة الأولى : يؤكد الإمام الغزالي ، إن حدوث العالم كان بإرادة قديمة إقتضت حدوثه في آن ظهوره ، حيث ساد العدم مابينين ، مابين القدم ومابين ذلك الحين ، ولولا الآلهة وإرادتها ماكان حدوث العالم ، أي إن الآلهة هي العلة وإن العالم هو المعلول ، وقدم العلة لايستلزم ، من حيث الأساس ، قدم المعلول ، ولايصدر المعلول من العلة ضرورة إلا إذا كان متكافئاٌ معها ، ومن المستحيل وجود تكافؤ مابين الآلهة والعالم ، لإن الأول ثابت مطلق كلي والثاني متغير بالجوهر والأساس .
المقدمة الثانية : وفي ذات التساوق ، في موضوع العلة والسبب يعتقد الإمام الغزالي إن العلة ليست إلا الإقتران مابين الأشياء في الطبيعة من جهة ، والعادة والتكرار مابينها في الوجود الإنساني من جهة ثانية . الأمر الذي يخلف إعتقاداٌ إن السابق هو علة اللاحق . لكن في الأصل يزعم أبو حامد الغزالي إن :
من جانب : إن الآلهة هي العلة الفاعلة والحقيقية .
ومن جانب ثاني إن الآلهة هي التي جعلت هذا يحدث عقب وبعد ذاك ، لا به ، لامن جراء طبيعة الأول ، لامن ضرورته ، أي لا من ضرورة الأول ولامن ضرورة القابلية لدى الثاني .
ومن جانب ثالث إن الآلهة هي التي جعلت هذا يحدث عقب وبعد ذاك دائماٌ وأبداٌ ، أي ولا مرة تتخلف النتيجة عن حدوثها ، من هنا إعتقادنا بالسببية والعلية مابين الأشياء .
ونود أن نذكر المثال المحبذ لدى الغزالي والمذكور في ثلاثة من مؤلفاته ، وهو إن النار إذا إقترنت بالقطن حدث مانطلق عليه الإحتراق ، فلا النار تحرق القطن في الفعل ، ولا القطن يحترق بالنار ، إنما هو الإقتران في الطبيعة ، والعادة والتكرار في الوجود الإنساني .
أي إن الآلهة هي علة الإحتراق مابين النار والقطن ، وإن الآلهة هي التي تحدث الإحتراق عقب إقتران القطن بالنار ، وإن الآلهة تحدث الإحتراق دائماٌ وأبداٌ ، كإن ذلك قاعدة مطلقة في العالم .
المقدمة الثالثة : مكرر ، وفي ذات التساوق والإرتساق ، يعتقد أبو حامد الغزالي إن الإرادة الإلهية إقتضت منذ القدم ، منذ أزل الآزلين ، حدوث مايحدث في العالم تطابقاٌ تاماٌ مع قراراتها تلك . أي منذ المنذ إتخذت الآلهة قرارات ، كافة القرارات ، بصدد منذ المنذ إلى حتى إلى حتى ، قرارات منذ الأزل الآزلين إلى أبد الآبدين . وفي الفعل فإن تلك القرارات ينبغي أن تكون قبل ذلك المنذ ، وستكون بعد ذلك الحتى ، وذلك تطابقاٌ مع مفهوم قدم الآلهة ، أي إن القرارات ينبغي بالضرورة وبالتعريف أن تكون حتى قبل ذلك القدم ، قبل ذلك الأزل ، وأن تكون حتى بعد ذلك الأبد .
المقدمة الرابعة : مكرر ، وفي ذات الخاص ، يرد الإمام الغزالي على حجج قدم العالم من خلال مفهوم الزمن ، أي من خلال قدم الزمن ، زاعماٌ إن الزمن ليس قديماٌ ، إن الآلهة خلقت الزمن مع العالم ، وخلقت العالم مع الزمن ، فلا عالم بلا زمن ولازمن بلا عالم ، والآلهة ، في البدء ، كانت وماكان معها شيء ، والآلهة ، ثم ، كانت ومعها كل شيء ، العالم والزمن .
المقدمة الخامسة : وفي موضوع علم الآلهة ، ومن الطرف المقابل لإطروحات أبو حامد الغزالي ، يؤكد الشيخ الرئيس إبن سينا إن علم الآلهة هو من حيث الأصل والتأصيل كلي ، كلي ثابت يمتنع عليه التغيير ، كلي خارج الزمن ، كلي قديم قدم الآلهة نفسها .
وهذا العلم الكلي يتناسب مع مصدر وجوده الذي هو الآلهة حيث إن علم الآلهة كلي بالضرورة وبالتعريف وبالمفهوم ، ويتناسب مع موضوعه الذي يأتلف منه حيث يتطابق الكلي مع ماهو كلي ويتخالف مع ماهو جزئي ، ويتناسب مع طبيعته التي تحدد نوعيته فالكلي هو الكلي ولايمكن إلا أن يكون كلياٌ . وهذا يعني تحديداٌ إن العلم الإلهي لايشمل موضوع ماهو جزئي ، فالآلهة منزهة عن العلم بهذه الجزئيات لإنها تتضمن التغير لخضوعها للزمن وهذا لايناسب العلم الإلهي الكلي ، لإن هذا الأخير ثابت وخارج الزمن . سيكون ذلك موضوع حلقة قادمة .
المقدمة السادسة : وأما الإمام الغزالي فيؤكد إن علم الآلهة هو كلي يحيط بالكلي ويحيط بالجزئي على درجة واحدة وبنفس المفهوم ، أي يتفق مع الشيخ الرئيس إبن سينا إن علم الآلهة هو كلي بالمطلق ، ويتخالف معه في موضوع ماهو جزئي ، فالآلهة تدرك الجزئي بنفس المبنى في إدراكها للكلي :
فمن ناحية : إن النص الإلهي ، أي النص القرآني ، يؤكد على علم الآلهة بكل ماهو صغير في الكون ، وبكل نأمة في النفس البشرية ، وبكل ماتسرون وماتعلنون ، وبكل ورقة تسقط من الشجر ، وبكل وبكل . وكل من يخالف حقيقة هذه النصوص فإنه يقع في مجال الكفر ، وإنه قد كفر ، وهكذا كفر الإمام الغزالي الشيخ الرئيس إبن سينا .
ومن ناحية ثانية : يبدو إن أساس الإشكالية مابين الشيخ الرئيس إبن سينا ومابين الإمام الغزالي يكمن في مضمون كيفية بدء العالم ، فإذا كانت الرؤيا السابقة أتت من خلال إعتقاد هؤلاء بنظرية فيض العقول المفارقة ونفوذ الضرورة إلى الموضوع ، فإن الرؤيا الثانية تتضمن خلق الآلهة العالم من العدم . ففي النظرة الأولى إن الكلي يتضمن الكلي ولايتضمن الجزئي ، وفي النظرة الثانية إن الكلي يتضمن كل شيء بالضرورة ، يتضمن الكلي والجزئي معاٌ .
ومن ناحية ثالثة : لإن علم الآلهة هو واحد مطلق ثابت كلي لامتغير ، هو هو منذ القدم ، فلايوجد أي تعارض مابين علم الآلهة الثابت المطلق ومابين المتغير في المشخصات والأحوال ، فالمتغير يحدث في المجال الثاني ولاعلاقة له بالمجال الأول ، أي إن التغير يحدث في الجزئي ويبقى الكلي كلياٌ .
ومن ناحية رابعة : لو إفترضنا صدق ماذهب إليه إبن سينا ، إن العلم الإلهي الكلي لايشمل ماهو جزئي ، لأفضى ذلك إلى نتيجة غير مرغوبة بها وهي إن ثمت أمور ، مهما كانت سخيفة وضيئلة ، تحدث خارج علم الألهة ، وماهو خارج علم الآلهة هو ، من حيث المبنى والتأصيل ، خارج إرادة الآلهة ، وطالما ثم أمر هو خارج إرادة الآلهة فهو بنفس الأصل خلل مابين موضوع الخالق والمخلوق ، وكيف يمكن أن يحدث لدى المخلوق ما يتخارج على علم وإرادة الخالق .
نكتفي بهذا القدر ، ونبدي إعتراضاتنا على النحو التالي :
أولاٌ : في موضوع العلة والمعلول ، لابد من ذكر أمثلة كي تتضح الصورة الفعلية أمام ناظرينا ، المثال الأول الالهة ثم وجود العالم من العدم أو إنه قديم قدم الآلهة نفسها ، المثال الثاني النار والقطن والإحتراق ، المثال الثالث الماء والإختناق ، المثال الرابع الرياح وقوة التهديم ، المثال الخامس السم والموت ، المثال السادس أرسطو والكرسي ، المثال السابع الرصاصة والقتل .
والسؤال الأساسي هو : هل الآلهة تخلق العالم بطبعها وبالضرورة ، هل النار تحرق القطن بطبعها ، هل الماء يخنق بطبعه ، هل الرياح تهدم بطبعها ، هل السم يميت بطبعه ، هل أرسطو يصنع الكرسي بطبعه ، هل الرصاصة تقتل بطبعها .
من المؤكد ، ومن بين الأمثلة العديدة تلك ، إن النار هي التي تحرق القطن وغيره بطبعها ، من حيث هي هي ، من حيث هي هكذا ، فالنار لايمكن إلا أن تحرق ، فالنار هي علة الإحتراق ، وهذا مايحقق الشرط الإنطولوجي مابين العلة والمعلول ، متى كانت العلة كان المعلول ، ولايجوز أن يتأخر المعلول عن شرط العلة بتاتاٌ . في حين إن كافة الأمثلة السابقة لاتقوم بعمل تلك النتيجة إلا من خلال شروط خاصة لاعلاقة لها بالعلة والمعلول ، فالعالم لايصدر من الآلهة ضرورة وبطبعها لإنه سيكون حينها جزء من الآلهة وبالتالي لاصدور ولاحدوث إفتراضي ، وإذا قامت الآلهة بخلق العالم فإن ذلك لايمكن أن يحدث إلا من خلال الإرادة ، والإرادة تعني تماماٌ إن الآلهة ليست علة وجود العالم ، إنما هي صانعة له ، أي إن الآلهة قد قامت بصنع العالم وفقاٌ لإقتضاء الإرادة ، لإن الإرادة في الصميم وفي التأصيل فعل لاعلاقة له لا بالضرورة ولابالطبع ، لإن ، مرة أخرى ، الضرورة والطبع يحققان فعلهما خارج الإرادة ، فلا إرادة مع الضرورة والطبع .
وقس على ذلك ، إن الماء لايخنق بطبعه فهو مصدر الحياة ، والرياح لاتهدم بطبعها فهي هواء نتنفس من خلاله ، والسم لايقتل بطبعه فهو جزء من مؤتلفات الطبيعة ، وأرسطو لايصنع الكرسي بطبعه فهو ليس علة له إنما يصنعه من خلال أشياء أخرى ، والرصاصة لاتقتل إلا إذا تحققت شروط خاصة تتعلق بسرعة قذفها .
والآن ماهي العلاقة مابين علم الآلهة ومابين إن الآلهة صانعة للعالم ، أي ماعلاقة علم الآلهة بموضوع العلة ، وفي الأساس لماذا يكون للآلهة علم ، وعلم بماذا ، هنا نحن إزاء فرضين لاثالث لهما ، الفرض الأول إن علم الآلهة يتعلق بحقيقة الآلهة ، الفرض الثاني إن علم الآلهة يتعلق بحقيقة الكون ومن ثم بحقيقتنا .
في الفرض الأول يكون العلم كاذباٌ ، إذ لو كان صادقاٌ لدل على إن الآلهة بحاجة ، حاجة الضرورة ، لمعرفة ذاتها ، لإدراك خواصها ، لوعي كونها آلهة .
وفي الفرض الثاني نكون إزاء إحتمالين ، الأول هو صدور الكون من الآلهة ضرورة ، والثاني هو الحدوث والخلق ، في الأول الضرورة تنفي الإرادة ، وفي الثاني الحدوث يقتضي فعل الإرادة .
في الإحتمال الأول لاقيمة لعلم الآلهة ، وكيف يمكن أن يكون لها علم بأمر يصدر منها ضرورة ، وقد صدر منها في القدم وهو نفسه قديم كلي مطلق .
وفي الإحتمال الثاني وطالما إن العالم من صنع الآلهة ، فيكون هذا الصنع من فعل الإرادة ، ولكي يصدق هذا الفعل ويكون حقيقياٌ لابد من أن يكون العلم من حدث الإرادة ، أي ألا يكون قديماٌ كلياٌ مطلقاٌ ، لإنه متعلق بحدث حدث فيما بعد .
ثانياٌ : وفي موضوع إن الآلهة قد خلقت الزمن مع العالم ، يعني أن أصبح لدينا وجودان ، الوجود الأول هو وجود الآلهة وإرادتها وقراراتها وعلمها ، وجود كان قبل منذ ومازال حتى هذه اللحظة وسيبقى إلى حيث إلى ، والوجود الثاني وهو الوجود الموازي للأول والمنفصل عنه تماماٌ ، وهو وجود العالم والزمن ، وهذا يفضي بنا إلى إشكالين أثنين :
الإشكال الأول : في الوجود الأول القدم لاقيمة لمفهومه ، ولامعنى له ، ولا أساس لتأصيله ، ولا تأصيل لأساسه ، لا من الزاوية الإنطولوجية كما هي ، ولا من زاوية العلاقة مابين العلم والإرادة والقرارات . في الوجود الأول طالما لاتوجد حركة ولازمن ولاحدوث ولاتغير ولاشيء ، ولاشيء سوى إنطولوجية جافة جامدة مستدامة بالثبات الأبدي ، فلايمكن أن توجد إرادة بصددها ، ولاقرارات نحوها ، ولاعلم يدل عليها ، لإنها هي كالإنعدام التام . وهكذا ينتفي العلم عن الآلهة ، كما تنتفي الإرادة ، كما تنتفي القرارات .
الإشكال الثاني : في الوجود الأول ثمة إشكالية جسيمة وهي إن موضوع العلم الإلهي يغدو لغواٌ حقيقياٌ ، فالعلم تعريفاٌ هو العلم بالشيء ، العلم بالأمر ، العلم بالقضية ، إذ من المستحيل أن يوجد علم هكذا في الفراغ ، في المطلق ، في حيث لاشيء ، في لامعنى ، في لا فهم ، في لاوجود ، أي إن العلم كي يكون لامناص من تحقق شرط موضوعه وهو وجود هذا الشيء قبل العلم به ، وإلا ما معنى العلم بالشيء .
ولاينفع هنا القول إن الشيء والعلم به يتحققان منذ القدم ، يتحققان معاٌ ، لإن ، ولإننا نتحدث عن القدم ، لايمكن أن يتحققا معاٌ ، حيث ثم شرط لمفهوم القدم وهو إن القديم الأول ينبغي بالضرورة أن يكون منفصلاٌ عن القديم الثاني أو الثالث ، وهكذا فإن الإرادة الإلهية لابد أن تكون منفصلة عن الآلهة نفسها ، ويكون العلم الإلهي منفصلاٌ عن الآلهة وعن إرادتها وعن قراراتها ، وفي الأصل لو وجد مفهوم القدم لأستلزم وجود بعدد ماهو قديم ، أي أربعة ، وكل منفصل عن الآخر تماماٌ ، الوجود الأول هو وجود الآلهة ، الوجود الثاني هو وجود إرادة الآلهة ، الوجود الثالث هو وجود قرارات الآلهة ، والوجود الرابع هو وجود علم الآلهة ، وهذا محال ويقوض كل ماذهب إليه الإمام الغزالي .
ثالثاٌ : في موضوع وجود الآلهة ووجود العالم ، لدينا وجودان منفصلان ، وينبغي أن تكون بينهما علاقة ، علاقة تناسب ماسمي واجب الوجود وممكن الوجود ، وواجب الوجود هو ضرورة الوجود المطلقة وهو حسب المعتقد الإسلامي وحسب الإمام الغزالي الآلهة ، الإله ، رب العالم ، الله ، ومشتفاتها من الإرادة والقرارات والعلم ، وواجب الوجود هو الواحد الكلي المطلق الأزلي الأبدي السرمدي . وأما ممكن الوجود ، هو الوجود الذي كان وماكان من الضرورة أن يكون ، فالعالم قد كان وكان من الممكن ألا يكون ، أي كان من الطبيعي أن تكون الآلهة لوحدها دون العالم ، وحينها كيف يمكن أن يكون علم الآلهة قد شمل وجود كان من الطبيعي ألا يكون ، خاصة وإن علم الآلهة قديم قدمها . وهنا لاينفع قول الإمام الغزالي إن إرادة الآلهة إقتضت منذ القدم وجود وحدوث هذا العالم ، لإن هذه الإرادة ، بل إن هذا الإقتضاء ، إما إنه إقتضاء ضرورة أو إقتضاء إختيار :
فلو كان إقتضاء ضرورة لعدنا إلى موضوع قدم العالم وهذا لايناسب إطروحات الإمام الغزالي ، وإذا كان إقتضاء إختيار ، فالمفارقة مابين القدم والحدوث لاتسمح أصلاٌ بهذا الإقتضاء .
هذا بخصوص وجود الآلهة ووجود العالم ، أما بخصوص وجود الآلهة ووجود مكونات العالم ، أرسطو مثلاٌ وأكله لتفاحة مع قشرها ، فكيف يشمل علم الآلهة الكلي الكليات والجزئيات منذ القدم وأرسطو كان من الممكن ألا يكون ، وكيف علمت الآلهة قضمه للتفاحة منذ القدم وهي بقشرها أم بدون قشرها . ثم كيف أحاط هذا العلم منذ القدم بما يجري اليوم ، كالكوفيد 19 مثلاٌ .
رابعاٌ : إستطراداٌ لثالثاٌ ، إذا كانت الآلهة قديمة ، والإرادة قديمة ، والقرارات قديمة ، والعلم قديم وكلي ويشمل الكلي والجزئي ، فكل شيء قد تم منذ القدم ، منذ ماقبل القدم ، ثبات مطلق ، تنفيذ مسبق ومطلق ، أرسطو نفذ ضرورة ماسبق قد تقرر ، وحتى الآلهة سوف تنقذ ضرورة ماسبقت أن قررت ، وحتى الآلهة :
فمن ناحية ، ليس للحدوث أي معنى ، فحدوث العالم كما لو لم يحدث ، حدوث الأشياء في العالم لامصداقية لها ، والعلم الإلهي بهذا الخصوص ليس إلا علماٌ كاذباٌ لعدم مصداقية وقوع الحدوث .
ومن ناحية ثانية ، ليس ثمة أية قيمة للمسؤولية ، سواء المسؤولية الجنائية ، سواء المسؤولية العقائدية وكل مايرتبط بها ، لإن الأمور قد تقررت منذ ماقبل القدم ، ولإن الآلهة هي العلة الحقيقية حسب الإمام الغزالي ، ولإن النار لاتحرق القطن .
ومن ناحية ثالثة ، ماقيمة النص الإلهي ، النص القرآني ، إذا كان نتائجه قد تقررت منذ الأزل ، إذا كانت الآية ، تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وماكسب سيصلى ناراٌ ذات لهب ، قد حسمت أمر أبي لهب وزوجته ، إذا كان سيصلى ناراٌ ذات لهب منذ ماقبل القدم .
ومن ناحية رابعة ، ليس ثم معنى للآيات ، كهذه الآية ، ومن يعمل مثقال ذرة خيراٌ يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراٌ يره ، أو هذه الآية ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . لإن فعل الخير أوالشر قد تقرر منذ المنذ ، ولإن الإيمان أوالكفر قد حسما منذ ذلك الإقتضاء القديم .
خامساٌ : إستطراداٌ للرابع ، بما إن الإرادة الإلهية إقتضت ما إقتضت منذ كانت الآلهة بمفردها ، وإن العلم الإلهي قد أدرك ذلك منذها ، فإن أي تغيير لاحق هو بحكم المستحيل ، لإن التغيير هو إقتضاء جديد وعلم جديد ، والآن هل بمقدور الآلهة أن تغير في موضوع إرادتها ، في موضوع علمها ، من المستحيل أن تستطيع فعل ذلك ، فالآلهة عاجزة عن التغيير بحكم قدم قراراتها وقدم إرادتها وقدم علمها ، أي إن الآلهة نفسها ، وفي صدد العالم الحالي ، وفي الآن الحاضرة ، لاتستطيع أن تفعل أو أن تريد أو أن تقرر أو أن تعلم ماهو جديد هذه اللحظة .
وهذا الأمر له تداعيات عديدة نذكر منها إن هذه الآلهة لاتستطيع أن تغفر أو أن تعفو إلا إذا كان الغفران والعفو قديمان قدمها ، حينها لايكون هذا غفراناٌ ولاعفواٌ ، إنما إرادة قديمة وقرار قديم وعلم قديم . وهذا يسدل بستاره على موضوع الخمر أيضاٌ .
سادساٌ : بعد أن إقتضى القدم ما إقتضه من قرارات وإرادة وعلم ، وبعد أن ألغى كل ماهو جديد وماهو حادث ، فماهو مبرر وجود الآلهة في هذه الآن ، وطالما إنها عاجزة عن إتيان أي أمر جديد ، وتنفذ فقط ماهو قديم ، ولاتستطيع إلا أن تنفذه بالحرف والكمال ، فهي والإنعدام سواء ، فهي ولاوجودها سواء ، أي إن الآلهة ، هي الآن ، مجرد مجرد ولاشيء سوى هذا المجرد الغائب .
سابعاٌ : من محتوى مفهوم واجب الوجود وممكن الوجود ، لايمكن أن يستمر أي شيء في الوجود الإنطولوجي إلا الآلهة نفسها ، وفقط هي ، ولاشيء سواها ، أي بحكم ضرورة إن ممكن الوجود لابد أن يزول ، فإن هذا العالم الحالي لابد أن يزول وإلا لكان واجب الوجود وقديماٌ مثله . وبما إنه سيزول لامحالة فحينها ستكون الآلهة بمفردها كما كانت في البدء ، حيث كانت وليس معها أي شيء .
والآن ، وفي تلك الخاصية ، لامبرر لوجود علم إلهي ، ولا لوجود إرادة إلهية ، ولا لوجود قرارات إلهية ، لإنتهاء موضوع هذه الأشياء الثلاثة ، أي من جديد آلهة لا آلهة فيها ، مجرد مجرد إنها هناك ، مجرد يساوي ويوازي ويتماهى مع لاشيء . وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة والثلاثين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل